صفحات سوريةمعتز حيسو

حوامل النهوض الشعبي في سورية


معتز حيسو

ما زالت تُطرح العديد من التساؤلات عن طبيعة الحوامل الاجتماعية والسياسية للحراك الشعبي. وأهمية هذه التساؤلات هي كون الإجابة عنها يساهم في تحديد أشكال التغيير ومضامينه المستقبلية.

إذاً من البداهة بمكان، أن تعبّر أشكال التغيير وأهدافه عن حوامل الانتفاضة الشعبية، وبطبيعة الحال سيكون هذا مرتبطاً بشكل موضوعي مع طبيعة وشكل تعامل النظام السياسي الذي لم يرتقي حتى اللحظة إلى حدود العقلانية السياسية مع المطالبين بالتغيير الوطني الديمقراطي السلمي، أي أن العقلية الأمنية المدعومة بالقوة العسكرية هي السائدة. دون أن ننسى الدور الإقليمي والدولي في الأوضاع الراهنة وأشكال التدخل التي يمكن أن تتخذها لتحقيق مصالحها.

وإذا كانت أشكال التغيير تتحدد في شكلها الأولي تبعاً لحواملها الاجتماعية، فإن البنية السياسية والاجتماعية والاقتصادية للنظام السياسي السائد تدلل على أشكال التغيير الذي تريد تحقيقه قوى التغيير التي هي بالأساس تتبنى مشاريع وبرامج سياسية تشمل كافة المستويات الاجتماعية. إذاً: عندما يكون النظام السياسي السائد قائماً على احتكار السلطة السياسة، وفق آليات تعمل على الإقصاء والاستئصال وقمع الحريات السياسية، وهدر كرامة الإنسان ،وعندما تهيمن فئة محدودة ومحددة على مصادر الثروة الوطنية، فمن البداهة أن تتكثّف وتضيق دائرة أصحاب النفوذ والمستفيدين من الشكل السياسي السائد، وتزداد اللوحة تعقيداً عندما يتم تغييب مختلف أشكال المواطنة في سياق إعادة إحياء الانتماءات الما قبل وطنية وتوظيفها سياسياً. هذا يعني بأن المتضررين من شكل النظام السائد وبنيته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، يشكلون الغالبية العظمى من الشعب السوري، أي إن التحركات الشعبية تعتبر فعلاً طبيعياً لمواجهة الشكل السياسي المسيطر،لذا يجب عدم اختزال الحراك الشعبي بفئة محددة، أو أنه فقط نتيجة مؤامرة خارجية.

وبما أن النهوض الشعبي يشكّل تعبيراً حقيقياً عن طموحات المجتمع السوري، فإن استمراره يدلل على إرادة التغيير لتجاوز الشكل السياسي والاقتصادي المسيطر، لكونه يُشكّل حتى الآن النقيض الموضوعي لأي مشروع سياسي ديمقراطي، وأيضاً يشكّل نقيضاً موضوعياً لأي مشروع اقتصادي تنموي. أي أن أشكال الهيمنة الاقتصادية والسيطرة السياسية الراهنة تشكل حاجزاً أمام التغيير الوطني الديمقراطي السلمي على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية .

إن احتكار السلطة السياسية والهيمنة على مصادر الثروة الوطنية،إضافة إلى السياسات الاقتصادية التي ساهمت في انخفاض مستوى المعيشة وزيادة معدلات الفقر والبطالة..،شكلت أسباباً حقيقية للنهوض الشعبي، لذا يمكننا التأكيد بأن وحدة المجتمع السوري في نهوضه الشعبي، هي دليل على وحدة مصالحه، وهي دليل على أن كافة المتضررين والمهمشين والمفقّرين تجمعهم إرادة التغيير السلمية، وهذا يعني بأن المكونات الاجتماعية للحراك الشعبي تشكّل النقيض الموضوعي للشكل السياسي الأحادي الشمولي. ويجب التنويه بأن غياب القوى السياسية سيترك آثاراً سلبية على أشكال وطبيعة الحراك الشعبي. وكان من المتوقع، ولأسباب متعددة، أن تكون هذه القوى في مؤخرة النهوض الشعبي. وقد أكدنا سابقاً على ضرورة أن تسارع القوى السياسية لإعادة تشكيل ذاتها وتحديد موقعها السياسي الحقيقي من الجماهير، وإعادة إنتاج وتشكيل علاقاتها مع مجتمعها قبل أن يفاجئها النهوض الشعبي،وكنا ندرك بأن كلامنا لن يجد آذاناً صاغية، وكنا مدركين بذات اللحظة بأن انتفاضة الشعب السوري، ستكون قادرة على إنتاج قياداتها السياسية الفكرية والميدانية الشابة،ومن المرجح بأن الآليات الفكرية وأشكال الممارسة الميدانية للقيادات التي يُنتجها الحراك الشعبي لن تتوافق مع منهجية وآلية تفكير القيادات السياسية الكلاسيكية، إضافة إلى أن شكل الحراك لن يكون كما تحب وتتوقع. وقد بات واضحاً بأن الشباب هم من يشكلون القيادات الميدانية، وهم من يحدّد آليات واستراتيجيات التغيير، ومع هذا يجب التأكيد على ضرورة دور المثقفين والسياسيين الذين استطاعوا قراءة اللوحة السياسية في أشكال تجلياتها الجديدة،واستطاعوا أيضاً إعادة هيكلة وتجديد ذواتهم السياسية، لذا فإنهم الأقدر على مواكبة التغيّرات الجارية، والتعبيّر عن جوهرها.

ونشدد على أن الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي كان السبب الأساس، في أن يشكّل الشباب قاعدة النهوض الشعبي.هذا لأنهم يشكلون النسبة العظمى من العاطلين عن العمل وتحديداً الخريجين منهم،ويتقاطع هذا مع معاناتهم من التهميش السياسي،واحتوائهم في المؤسسات والمنظمات السياسية والشعبية الرسمية، لذا فإن جملة الأسباب السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها المجتمع السوري وتحديداً الشباب، كانت السبب في النهوض الشعبي..

ويجب التنويه بأن النهوض الشعبي يمكن أن يتجلى في بعض اللحظات، بأشكال غير سياسية. لذا فإن تمسّك المجتمع السوري بضرورة التغيير الوطني الديمقراطي (السياسي والاجتماعي) السلمي،وبوحدته الوطنية و التعايش السلمي بين كافة مكوناته،… يشكل الضمانة الحقيقية للتغيير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى