صبحي حديديصفحات سورية

حول اعفاء سميرة المسالمة

 


صبحي حديدي

أصدر وزير الإعلام السوري، محسن بلال، قراراً فورياً يقضي بإعفاء السيدة سميرة المسالمة من رئاسة تحرير صحيفة ‘تشرين’ السورية الحكومية، وذلك للسبب التالي، الذي شرحته المسالمة بنفسها، في تصريح لموقع ‘سيريانيوز’: ‘القرار جاء على خلفية تصريحاتي يوم أمس على قناة الجزيرة الفضائية حول أحداث درعا’، و’القرار تمّ تنفيذه مباشرة، حيث جمعتُ كافة أغراضي وأخليتُ المكتب’. ولم يفت المسالمة أن تضيف: ‘أنا لا أكذب، وأبقى صادقة تحت أي ظرف’، و’مهما كان المكان الذي سأكون فيه، سأبقى أعمل بما ينسجم مع مسيرة الإصلاح وتوجهات الرئيس بشار الأسد’.

والحال أنّ قرار الإقالة الفوري لم يكن سببه امتناع المسالمة عن الكذب، أو حرصها على الصدق، كما تقول؛ بل لأنها قالت أرباع حقائق، وليس أية حقيقة تامة واحدة، من فضائية يُفترض أنها متعاطفة مع النظام، وليس لممثّلي السلطة أن يظهروا على شاشتها إلا لكي يردّدوا، كببغاءات سيئة التدريب غالباً، ما يُقال عبر وسائل إعلام النظام ذاتها. المسالمة انشقّت عن صفة الببغاء، لمرّة أولى كانت أخيرة، فتساءلت عن خرق تعليمات بشار الأسد حول عدم إطلاق النار على المتظاهرين، ومسؤولية قوّات الأمن في إلقاء القبض على أي ‘طرف ثالث’ إذا كان موجوداً، وتقديمه للمحاسبة لأنّ ‘هذه أرواح شعبنا ولا يمكن التسامح فيها’. كذلك ألقت ظلال الشك على ما عرضته التلفزة الرسمية من مشاهد لمسلّحين يختبئون خلف الأشجار، ويُفترض أنهم أفراد ‘العصابات المسلحة’، ودنت من حافة البكاء وهي تحني رأسها أمام العدسة، بعد إقرارها بأنّ أعداد القتلى كثيرة جداً…

أمّا ما بدا كثيراً جداً في ناظر وزير الإعلام (والأسد شخصياً كما يشير المنطق البسيط، لأنّ بلال ليس سوى صوت سيّده في أوّل الأمر وآخره)، فهو هذا الكمّ من أرباع الحقائق التي صدرت عن المسالمة، وذاك الكمّ (الغائب) من الدجل والنفاق والتطبيل والتزمير… المطلوب، حكماً وبالضرورة المطلقة، من شخصية تحتلّ الصفّ الأوّل في الإعلام الحكومي. تناسى بلال، كما يُنتظر منه بالفعل، أنّ المسالمة سيّدة درعاوية، وسليلة أسرة عريقة، تشير مصادر متطابقة أنّ تسعة من أبنائها استُشهدوا على أرض حوران منذ اندلاع الإنتفاضة السورية. كما فاته أن يدرك، هو المتمترس خلف أشدّ مفاهيم الإعلام تخلّفاً وعُصاباً، أنّ خلاصات أرباع الحقائق التي ساقتها المسالمة إنما تسعى إلى تلميع صورة الأسد (الآمر بعدم إطلاق النار!)، مقابل قوّات الأمن (التي تخرق الأمر!).

المثير للإنتباه، في جانب آخر من هذه الحكاية، أنّ المسالمة بدت وكأنها توشك على احتلال موقع ‘وجه السَحّارة’، كما في التعبير الشعبي الذي يصف وضع أفضل الثمار على سطح الصندوق، للإيحاء ـ كذباً، بالطبع ـ أنّ الباطن شبيه بالظاهر. لقد سبق التهليل لقرار تعيينها في رئاسة تحرير صحيفة ‘تشرين’، بوصفها أوّل امرأة تتولّى المنصب في تاريخ حكم حزب البعث؛ كما تلّقت دعماً دراماتيكياً من القصر الرئاسي حين اتخذ مجلس الشعب قراراً (بالإجماع!) يقضي بإقالتها من المنصب، لأنها سمحت لأحد صحافيي الجريدة بانتقاد المجلس والحكومة؛ ثمّ جرى التراجع عنه (بالإجماع، أيضاً!) بعد ساعات معدودات؛ فكانت لهذه القضية/ اللا قضية فضيلة تزويد الشعب السوري ببرهان إضافي على أنّ ‘ممثّلي الشعب’ هم أعضــاء مجلس دُمى متحركة، في أفضل الحالات!

مثير، ثانياً، أنّ المسالمة طُرحت لمنصب وزيرة الإعلام، ليس في حكومة عادل سفر المنتظَرة (التي ما تزال عصيّة على التشكيل، وكأنّ رئيس الوزراء المكلّف أصابته غيرة من زميله اللبناني نجيب ميقاتي!)، فحسب؛ بل منذ إشاعات التعديل الوزاري التي سرت أواخر العام الماضي، أيضاً. وهذه المرّة، ولأنّ الحسّ الشعبي لا يخلو من نباهة فطرية تراكمت جرّاء أحابيل النظام وألاعيب الخداع والمخادعة، قيل إنّ إقالة المسالمة محض مناورة تكتيكية لتلميع صورتها على نحو أفضل، ولكي يرتقي أداؤها إلى ما هو مطلوب من إعلام السلطة (أو، في رواية أخرى، وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، إذا رُفعت حال الطوارىء وسُمح بتشكيل الأحزاب والجمعيات).

مثير، ثالثاً، أنّ المسالمة (ليس من منطلق مبادرة فردية صرفة، أغلب الظنّ، بل بعد ضوء أخضر، إذا لم يتحدّث المرء عن تكليف رسمي من أعلى مستويات القرار)، سرّبت بعض الأنباء عن ‘فتح حوار’ بين السلطة والمعارضة، وأنها شخصياً رعت لقاء ضمّ الدكتور طيب تيزيني، والكاتب فايز سارة، والناشر لؤي حسين. سارة وحسين سارعا إلى وضع اللقاء ذاك في نصابه الصحيح، وأنه لم يجرِ ‘أي حوار بين الأصدقاء الذين كنّا معهم وبين السلطة’، وما حدث ‘لم يكن أكثر من لقاء حضره أصدقاء شخصيون، وأصدقاء من أوساط السلطة ومقرّبون منها، طُرحت فيه وجهات نظر وآراء’ حول ما تشهده سورية من أحداث.

أخيراً، قالت المسالمة تعليقاً على قرار إقالتها: ‘حتى لو كنتُ في منزلي، فأنا سأربي أولادي على حبّ الوطن وحبّ الرئيس الأسد’.

يبقى أن تشرح لطفلها أيّ وطن تعني: وطن اعتقال الأطفال، واقتحام المساجد، والقتل العشوائي؟ أم وطن جنازات الأعمام والأخوال من آل المسالمة؟ وكيف للطفل أن يحبّ الأسد، الرأس الآمر بهذه الأهوال جمعاء، وسواها كثير؟

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى