صفحات سوريةفراس سعد

حول فكرة المكونات في مبادرتي الاستاذين (ميشيل كيلو) و(رياض سيف)/ فراس سعد

 

 

لا شك أن الأستاذ رياض سيف هو من اهم رجالات السياسة في الحالة السورية المعارضة المفككة، على ضعف السياسة وامتناعها في تكويننا السوري المضطرب الذي نشأ تحت عوامل الضغط والمنع والخنق والتجهيل البعثي الأمني. .. 

فقد كان من أوائل الذين طرحوا مشروعا لتكوين حالة سياسية معبرة عن الثورة، وكان على الدوام من المبادرين في ظروف امتنع فيها أحد عن العمل، لا يشاركه في ذلك سوى الاستاذ ميشيل كيلو وهو أيضاً من أهم رجالات السياسة السورية الحالية فكلا الرجلين لهما مبادراتهما، وكلا منهما له مكانته واحترامه في سورية كما في الغرب.

طرح الأستاذ رياض سيف مبادرة تحت اسم  “مبادرة للانتقال السياسي  في سورية”، نشرتها كلنا شركاء، وسبقه، قبل أسبوعين تقريبا، الأستاذ ميشيل كيلو في طرح مبادرة للحل في سورية تحت اسم  ” مقترح للعمل الديمقراطي” نشرها موقع شفاف الشرق الاوسط، وقد قرات كلا المبادرتين، ووجدت فيهما حلولا ذكية للواقع السوري، لاسيما اعتبار سورية 250 دائرة ، كما ورد في مبادرة الاستاذ سيف، وهو باعتقادي حل لمسألة التمثيل الطائفي، وتحوط من تحويل السياسة الوطنية إلى سياسة طائفية.

كلا المبادرتين هامتين في المجالات التي عالجتها واقترحت حلولا لها، لكن ما لفت انتباهي أن كلا المبادرتين ذكرتا مصطلح ” المكونات ” وبالتالي كلا المبادرتين تنظران إلى سورية – كما أفهم من مصطلح مكونات  – كمجموعة طوائف واعراق أو تجمعات بشرية  وهو في اعتقادي أمر خطير جداً، الآن وفي المستقبل.

بعض الملاحظات حول  فكرة المكونات :

يمكن للمكونات أن تتحول في أي لحظة إلى كانتونات او غيتوات مغلقة تستعيد تجربة الحرب الأهلية اللبنانية وما نتج عنها من شلل سياسي وامتناع التنمية وتضخم مالي وفساد سياسي وخراب اجتماعي وانحطاط في القيم والثقافة وشعوذة إعلامية ….

1-باعتقادي أن فكرة المكونات مثل كثير من الافكار الغربية المستحدثة، والمخصصة تحديداً للشرق العربي والشرق الاسلامي عموما يمكن وضعها في إطار الرؤية الاستشراقية التي ترى سكان الشرق العربي مذاهب وشيع وفرق وطوائف دينية، توقفت عن التطور عند المرحلة الاعتقادية العصبية الأسطورية،  لا يمكن أن تندمج أو تتقولب في اطار وطني او دولة حديثة.

أما الخلفية الأساسية لفكرة المكونات، التي تروج لها  دوائر غربية، هي فكرة صراع الأديان والحضارات الذي وجدنا تطبيقها ابتداء من تنظيم القاعدة والأحزاب الدينية السنية والشيعية التي لن تنتهي إلا بانتهاء العرب والمسلمين .

دولة الطوائف :

فكرة المكونات التي غلفت بشكل سياسي هي أسوأ بكثير من الفكرة الاستشراقية الأساسية عن الشرق العربي والاسلامي، لأنها تذهب بالفكرة الأساسية إلى مستوى اخطر بحيث تسبغ عليها اطارا سياسيا يجعل للطوائف شكلا سياسيا بعد أن هندست لها قبلا شكلا او تعبيراً ثقافياً، أي أننا نذهب إلى “دولنة الطوائف” وهي النتيجة المنطقية لفكرة الخصوصيات الثقافية للأقليات أو المكونات ومن قبلها الخصوصيات العرقية أو التمايزات العرقية لها، لا يخفى مسعى بعض المستشرقين لاسباغ تمايز عرقي على العلويين أو الموارنة .

لا أقول أن بلاد الشام لم تمر في مرحلة المكونات المتجوهرة أو المتبلورة بل هي شهدت أكثر من اي بلاد تجاورها حالة الدويلات – المدن منذ عهد الاراميين حتى عهد الايوبيين المسلمين لكنها ايضا شهدت فترات طويلة عاشت خلالها تحت حكم مركزي .

خطورة فكرة المكونات المصدرة لنا أنها تريد اعادتنا إلى حالة الدويلات الآرامية ودويلات ملوك الطوائف.

2-التجربة العراقية

لنستفيد من تجربة العراق السياسية لاسيما تقسيم العراق إلى كانتونات فدرالية على أساس المكونات أو الهويات الطائفية والقومية.

والتي باختصار افلست العراق بسبب الفساد المالي وغزت التوترات الطائفية وزادتها قوة.

هذا ما وصل إليه مركز كارنيغي في ورشة عمل بحثية خاصة بالتمثيل السياسي في العراق  تقول دراسة صادرة عن المركز الأمريكي الشهير : ” يرى ثلثا العراقيين اليوم أن بلادهم تسير في الاتجاه المخطئ، كما أن معدّلات تأييد القادة والأحزاب السياسية متدنّية أكثر من أي وقتٍ مضى. إذ يشهد جنوب البلاد احتجاجات للشيعة بأعداد غير مسبوقة ضدّ قياداتهم من الشيعة بسبب عدم قدرتها على تحسين الأوضاع الأمنية، والتصدّي للفساد، وتوفير الخدمات الأساسية مثل الكهرباء، ومعالجة البطالة. وبالمثل، يشهد شمال البلاد أيضاً احتجاجات للأكراد ضد قياداتهم من الأكراد. وتواجه النخبة السياسية في بغداد وأربيل صعوبة متزايدة في الادّعاء بأنّها تتحدّث باسم ناخبيها.”

3-التجربة اللبنانية

… قد تكون الحالة اللبنانية أقل قسوة من الحالة العراقية التي مازالت في طور التكون ولم تستقر على صورتها الأخيرة لكنها حالة حرب اهلية باردة . كما أسلفنا . يمكن ان تعود سخونتها في اي لحظة .

قبل اشهر دعى جبران باسيل وزير خارجية لبنان السوريين لتطبيق النموذج اللبناني السياسي، كاجتهاد منه لإنهاء الحرب في سورية .

لكن ماهو النظام السياسي اللبناني، انه باختصار نظام يقوم على اعتبار الطوائف والأعراق والأسر الكبيرة مكونات الأساسية للوطن والشعب اللبناني، تتقاسم خيرات لبنان ودولته،

أيديولوجيا المكونات التي تأسس عليها لبنان في عشرينات القرن العشرين ومن ثم تأسس عليها نظام المحاصصة السياسية الطاءفي.لبنان قائم على انسجام المكونات كما  يقول إيلي فرزلي.  لكن ماذا لو لم تنسجم المكونات.

متى كانت المكونات منسجمة اصلا،  وهل يمكنها أن تنسجم طالما بقيت كما هي، أي مكونات منغلقة على ذاتها ؟

في القانون الاجتماعي المكونات الجامدة التي لا تتحول إلى شكل آخر اندماجا أو انقساما  هي كانتونات.   لبنان في الحقيقة كانتونات لا يمكن لها أن تنسجم أو تعيش سويا، لكن يمكن أن تتعايش بالمعنى الفيزيائي وليس الاجتماعي لأن لكل منها مؤسساته الخاصة السياسية والإعلامية والثقافية بحيث تحولت المكونات إلى أمم ولم تبق على بساطة تكوينها الأول.

في قرون ماضية اواسط القرن السادس عشر ، كان ملوك فرنسا يخاطبون رؤساء الموارنة على أنهم رؤساء الامه المارونية، هذا ما يحدث الآن مع السوريين، يريد الغرب أن يعامل السوريين على أنهم مكونات لأمم قادمة، فيعاملون الكرد السوريين على أنهم كيان لا علاقة له بسورية، ويعاملون العلويين طوال نصف قرن على أنهم حكام سورية، وينبشون كتبا لبعض مستشرقيهم ورحالتهم يدون فيها أن العلويين عرق خاص وثقافة مناقضة لمحيطها العربي، وهاهي أصوات من محيط إلى خليج إسلامي ينضم اليها احيانا مثقفين في المعارضة السورية يعتبرون  العرب السنة على أنهم أمة  …

لا أعتقد أن سوريا أيا كانت طائفته يقبل بأن تتحول الطوائف السورية إلى أمم أو دويلات.

4- المكونات والتبعية للخارج.

من ناحية أخرى وبسبب ارتباط المكونات اللبنانية بقوى خارجية تحولت إلى دويلات في شبه اتحاد اسمه لبنان.  هذه العلاقات بين كل مكون على حدى والدولة الراعية له غربية أو شرقية هي علاقات تاريخية تكاد تصبح عضوية.  وهي أقوى بكثير من علاقة المكونات اللبنانية ببعضها. فعلاقة الشيعة في لبنان بإيران تحولت إلى شيء عضوي وعلاقة الموارنة بفرنسا كذلك والسنه بالسعودية وقبلها بسورية. …

النموذج اللبناني الذي يريده باسيل لسورية وكذلك بعض الدول الغربية اضافه لإيران وسواها هو نموذج بعيد عن الاستقرار ومانع للوطن ومعيق للتنمية ومكرس للطائفية والتوتر المذهبي القومي.  هو نموذج لدولة فاشلة ومجتمع محتقن متخلف يعيش وفق منطق ومفاهيم القرون الوسطى وان كان يستهلك آخر صيحات الموضة وآخر موديلات السيارات ويتحدث أبناؤه بأكثر من لغة.

خاتمة :

بقي لبنان محافظا على المكونات الكانتونات لأنه أسس دستوريا على ذلك برعاية دولية تمنع اي تغيير في طبيعة أو علاقة المكونات. الامر الذي اعاق اللبنانيين عن العيش بسلام وأمن وطمانينة، اعاق اقتصادهم، وأشعل حروبا بالوكالة، بسبب أحزاب تابعة لأنظمة ودول، تقرر في أي لحظة افتعال أزمة داخلية في لبنان، تقرر استيلاء حزب على السلطة، فيهاجر مئات الآلاف، ثم يسود سلام كاذب بضع سنوات، ليعود البلد يغلي كالمرجل، ويضع الجميع أيديهم فوق قلوبهم، تحسباً من حرب تنفجر بين لحظة وأخرى،  انها الحرب الباردة وليس التعايش، انه التوتر الاجتماعي الطائفي السياسي الدائم وليس الحياة السياسية أو الحيوية السياسية.

هل تريد المبادرة أن تكرر المكرر – لبنان – وهو أمامنا بكل خرابه السياسي والاقتصادي، وهل نسلق حلا لسورية يحوي الاسس الفكرية الدستورية لخرابها المستقبلي الأكيد ؟؟

اربأ بالأستاذين رياض سيف وميشيل كيلو  أن تكون هذه غايتهما، وهما الوطنيان الكبيران المحبين لشعبهما، لكني أعتقد أنهما تسرعا قليلا، وكان عليهما تحري الدقة في المصطلحات. أتمنى منهما استبدال مصطلح “مكونات” بمصطلح “متحدات” او بكلمة شعب أو مناطق. .. الخ وكذلك اعتماد فكرة ” الإنسان الفرد المواطن” كخلفية فكرية لأي مشروع سياسي وطني . كذلك الدعوة الى العقد الاجتماعي المصاغ بعد مؤتمر سوري عام والعمل على فكرة المجلسين،  مجلس الخبراء التكنوقراط.  ومجلس النواب .

كلنا شركاء

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى