صفحات الناس

“داعش” والناس – تحقيقات ومقالات متنوعة –


الجهاديون» الأوروبيون يعودون من معارك سورية… أربع فئات/ نورالدين الفريضي

بروكسيل

عندما اعتقلت قوات الأمن الفرنسية في مرسيليا في نهاية أيار (مايو) الماضي مهدي نموش، المتهم الرئيسي في الاعتداء على المتحف اليهودي في بروكسيل في 24 أيار 2014، وجمعت تفاصيل سيرته، تبين أنه قد يمثل بروفيل المقاتل الأوروبي الذي عاد من سورية مشبعاً بإيديولوجيا الكراهية، ومدرباً بما يكفي لأن يرتكب بمفرده عملية إعدام جماعية في أي مكان من دول الاتحاد الأوروبي حيث يسهل التنقل من بلد إلى آخر من دون مراقبة. واستنفرت قوات الأمن على الصعيد الأوروبي ككل لأن ما حدث في بلجيكا قد يحدث في أي بلد اوروبي آخر. ونسب الادعاء العام البلجيكي إلى المتهم، بعد تسمله من فرنسا، مسؤولية الاعتداء الإرهابي الذي استهدف المتحف اليهودي. ويكشف شريط فيديو كاميرا المراقبة أن المتهم (27 سنة) تقدم من دون إخفاء وجهه وأخرج رشاشاً من حقيبة محمولة ثم أطلق النار في اتجاه زوار المتحف فقتل زوجين اسرائيليين ومتطوعة فرنسية تعمل في المتحف وأصيب عامل بلجيكي في المتحف إصابة خطيرة. وغادر الجاني مكان الجريمة بخطى ثابتة ومن دون ركض.

وقد تكشف المحاكمة مراحل تطور شخصية الشاب الفرنسي، من مدينة روبي في شمال البلاد، من الانحراف والتردد على السجون بين 2007 و2012 حيث تعلم الإسلام. ورصدته أجهزة الاستخبارات في 2013 في سورية. واتهمه الرهينة الفرنسية السابق، الصحافي نيكولا هينا، بقيامه بدور الجلاد في سجون «الدولة الإسلامية» في شمال سورية. وهذا الاتهام نفسه نقله لـ «الحياة» ديميتري بونتينك، والد ييون بونتينك (19 سنة)، الذي يمثل ضمن 46 متهماً أمام المحكمة الجنائية في انتورب (شمال بلجيكا) في قضية «تنظيم الشريعة في بلجيكا وتسفير البلجيكيين للقتال في سورية». وكان بونتينك الأب دخل سورية بحثاً عن ابنه «المعتقل» لدى واحد من التنظيمات المسلحة في شمال سورية في فترة ربيع وصيف 2013. وينقل أن ابنه كان «سجيناً مع الرهائن الفرنسيين والرهينة الأميركي الذي قطعت داعش رأسه».

شبكة العنكبوت

قصة الفرنسي مهدي نموش والمراهق البلجيكي ييون بونتينك ولقائهما المحتمل في معتقل «داعش» في شمال سورية خيطٌ من خيوط شبكة العنكبوت التي يتوجب على أجهزة الأمن الأوروبية تفكيكها للفصل بين آلاف الأوروبيين الذي سافروا للقتال في صفوف «جبهة النصرة» وفصائل الجيش السوري الحر وجيش «داعش». وتتفاوت تقديرات المقاتلين الأوروبيين بين 2000 وأكثر من 3000 من إجمالي أكثر من 30 ألف مقاتل أجنبي، وفق تقدير الاستخبارات الأميركية. ويفتقد المنسق الأوروبي لشؤون مكافحة الإرهاب الرقم الدقيق للّذين سافروا من أجل القتال في سورية والعراق. وقد أوضح لـ «الحياة» صعوبة الحصول على رقم دقيق لأن مصادر المعلومات متنوعة ومتعددة وتظل الإحصاءات تقريبية للذين سافروا، منهم من عاد من دون أن يتم رصده أو قتل، أو الذي سافر حقاً والآخر الذي هو في طريق السفر، ومن ينوي الرحيل. وتذكر تقديرات المقاتلين في كل من بريطانيا وفرنسا أكثر من 500. ويتراوح العدد بين 350 و500 بالنسبة إلى المقاتلين البلجيكيين. وكشف جيل دي كيركوف في مؤتمر نظّمه معهد إيغمونت للدراسات في بروكسيل في 24/10/2014 عن معطيات مهمة من الناحية الاجتماعية والسياسية والأمنية في بلجيكا حيث «يتحدر 80 في المئة من المقاتلين البلجيكيين في سورية والعراق من أصول مغربية وأن 6 في المئة من المقاتلين البلجيكيين هم من الذين اعتنقوا الإسلام، وأن أعمارهم تتراوح بين 20 و29 سنة، وأن السلطات البلجيكية حالت دون سفر 50 شاباً». وتعد نسبة الإناث مرتفعة «وتصل إلى 18 في المئة من إجمالي المقاتلين البلجيكيين». كما أن الغالبية انطلقت من الإقليم الفلمنكي.

هذه المعطيات تكتسب أهمية، والبحث فيها مفيد للدوائر الأمنية التي ترصد نشاطات المجموعات المتشددة أو الجهات التي تسهر على إدماج فئة الشباب في الأحياء الشعبية ذات الغالبية المسلمة في المدن البلجيكية. وتتحدث الصحف عن مقتل ما لا يقل عن 40 في ساحة القتال.

التقينا عدداً من المعنيين بهذا الملف، في نطاق تغطيات إعلامية منتظمة، منهم المنسق الأوروبي لشؤون مكافحة الإرهاب جيل دي كيركوف، في العديد من المناسبات. ويعد دي كيركوف من أوائل الخبراء الذين دقوا ناقوس الخطر الذي يمثله المقاتلون العائدون من سورية، سواء كانوا فرنسيين، بلجيكيين، بريطانيين أو من جنسيات أخرى. ويلاحظ: «إذا عدنا سنوات الى الوراء فإن اوروبا تبدو اليوم مجهزة أفضل مما كانت عليه قبل سبع سنوات. وقد تم تدمير قدرات القاعدة بفعل ضربات القوات الخاصة». لكن الخطر يكمن في تفككها وتفرقها إلى مجموعات موالية كثيرة تنشط باسمها «فهناك «جبهة النصرة» في سورية و «القاعدة في بلاد شمال أفريقيا والمغرب الإسلامي»، و «حركة الشباب» في الصومال و «المرابطون» و «بيت المقدس» و «أنصار الشريعة» و «القاعدة في شبه الجزيرة العربية»… ويفسر ارتفاع عدد المقاتلين الأوروبيين في سورية «بسهولة السفر إليها انطلاقاً من الدول الأوروبية من طريق تركيا أو دول شمال افريقيا ولبنان، وكذلك بانخفاض كلفة السفر، والتعبئة من طريق المواقع الاجتماعية». وتذكر تقديرات بريطانية «سفر 5 بريطانيين في الأسبوع».

لا خصائص مشتركة

وحول بروفيل هؤلاء، إن كانوا من الحالمين أو المنحرفين أو الإثنين معاً، فإن دي كيركوف لا يجد خصائص كثيرة مشتركة تجمع بينهم لكنه يقسمهم إلى أربع مجموعات: «بعضهم سافر إلى سورية نصرةً للشعب السوري حيث يعتقدون بأن الغرب لا يقدم دعماً كافياً للمعارضة. وقد التحقوا بمنظمات متشددة مثل «جبهة النصرة» وغيرها من المجموعات المسلحة لأنها تخوض قتالاً شرساً ضد قوات النظام السوري. وتضم مجموعة ثانية الأوروبيين الذين أغرتهم خطابات «القاعدة» وجلبتهم إلى بلاد الشام الأرض التي ستشهد عودة المهدي في تصورهم. وتضم المجموعة الثالثة أولئك الذين سافروا من أجل نصرة السنة ضد الطائفة الشيعية. وهناك مجموعة رابعة من الأوروبيين المنحرفين الذين يجهلون تماماً الدين الإسلامي. وقد عثر رجال الأمن في حوزة شاب على كتاب عنوانه «الإسلام للأغبياء». وقد تزود بهذا الكُتيب مثلما يشتري كتاباً عن «الكمبيوتر للأغبياء». وذاك دليل جهله بالدين باستثناء الخطابات التي يتلقاها اليوم. لذلك فبعضهم يغامر حيث الحياة مثيرة وحيث يحمل الشاب رشاش كلاشنيكوف بعد أن يكون قد استنفد الألعاب الإلكترونية في الإنترنت. وهم شبان فقدوا معنى الحياة ويعيشون حالاً من الضياع ويعتقدون بأنهم سيعطون حياتهم مغزى عندما يحملون السلاح في سورية بين رفاق لهم». وعلى رغم تعدّد أصناف المقاتلين، «لا شك في أن خطاب التشدّد يمثل رابطاً بينهم ويساعدهم على تصور مشترك. وهؤلاء يعيشون في عالم الجريمة التام حيث يقطعون الرؤوس ويصلبون ويعذبون ويغتصبون، وهو سلوك بربري يعود للقرون الوسطى».

ويتولى المقاتلون الأوروبيون في ساحة القتال مهمات تنفيذية ولا يتبوأون مراكز قيادية في التنظيمات المسلحة. ويزيد جهلهم باللغة العربية في بقائهم في مواقع تنفيذ الاعتداءات. ويذكر جيل دي كيركوف أن «المقاتلين الأوروبيين يوزعون على الكتائب المقاتلة، ولكن مع الإبقاء على عنصر لغة التواصل، وهم لا يتولون وظائف قيادية. وفي المقابل يوجد في قيادة التظيم مقاتلون من الشيشان ومن شمال افريقيا. ويقوم الأوروبيون بالمهمات اللوجيستية ونشاط الانتداب والتعبئة ويحضرون في الخطوط الأمامية».

التهيؤ للعودة

ويتهيأ العائدون من سورية إلى الدول الأوروبية حيث تنتظرهم الأجهزة الأمنية بالمرصاد ولكن بأساليب تختلف، من الدنمارك التي لا تعتقل أياً من العائدين إذا تعاون مع السلطات الأمنية والاجتماعية، وفرنسا أو بلجيكا التي تتجه نحو إصدار قوانين تجرّم مشاركة رعاياها في نزاعات خارجية. ويتّفق الخبراء حول تقسيم العائدين من سورية والعراق حيث هناك من يكون في «حالة نفسية رثة من هول ما رأى في ساحة القتال من أعمال قتل وتنكيل بالجثث وقطع الرؤوس، ما يقتضي نقله إلى مصحات الأمراض النفسية أو العقلية، وآخرون ربما يشكلون الغالبية سيحاولون معاودة الاندماج في الحياة الاجتماعية، ومجموعة ثالثة ستواجه القضاء حتماً، لكن بشرط توافر الأدلة في حقهم.

وهناك من العائدين من قد يسلك طريق المتهم الرئيسي في الاعتداء على المتحف اليهودي في بروكسيل الذي تشبع بإيديولوجيا التشدّد وخطابات الكراهية وتدرّب على القتال وارتكاب أفظع الجرائم». هؤلاء يمثلون خطراً كبيراً وكل منهم يعدّ قنبلة موقوتة. ويقول جيل دي كيركوف إن تنظيم «خرسان»، أحد فروع القاعدة في سورية، يحاول انتداب مقاتلين أوروبيين لأنهم يمتلكون جوازات سفر تمكّنهم من التنقل داخل الاتحاد الأوروبي والسفر إلى الولايات المتحدة. وتتطلّب عملية المراقبة الأمنية للعائدين قدرات بشرية هائلة لا تتوافر لأيّ من الدول المعنية مهما كان حجمها لجهة ارتفاع عدد المقاتلين الذين قد يعودون إلى بلدانهم. وتقتضي عملية مراقبة مشتبه به خطير على مدار الساعة 20 رجل أمن.

رواية «العمل الإنساني»

ويشترك عدد من المتهمين الذين يمثلون أمام محكمة انتورب في الرد على أسئلة القاضي بأنهم «ذهبوا لمساندة الشعب السوري على الصعيد الإنساني». وكل منهم يقول انه لم يشارك في أي عمل مسلح مثلما قال المتهم محمد ي. لـ «الحياة بأنه «سافر من بلجيكا إلى اسطنبول ثم دخل الأراضي السورية حيث عمل في حقل الإغاثة فقط». ويمثل أمام محكمة انتورب 8 متهمين، اثنان منهم أصيبا في سورية، واحد بترت ساقه والآخر لا يزال يخضع للعلاج في بلجيكا. ويتغيّب الآخرون لأنهم موجودون خارج بلجيكا وربما في سورية والعراق. ويتردد أن 9 من المتهمين قُتلوا في ميدان المعركة ولكن لا تتوافر أدلة على إصابتهم.

ويعدّ زعيم تنظيم «الشريعة فور بلجيوم» أو «الشريعة في بلجيكا» فؤاد بلقاسم المتهم الرئيسي في نظر الادعاء لأن التنظيم قام بانتداب المقاتلين وإرسالهم إلى سورية. ويقبع فؤاد بلقاسم في السجن منذ حزيران (يونيو) 2013 حيث دين في قضية التحريض على الكراهية والعنف ضد البلجيكيين. ويسرد الادعاء بيانات كثيرة عن مكالمات هاتفية، لكنه لم يقدم دليلاً واحداً على تمويل التنظيم تذكرة سفر أي من الشباب البلجيكيين. وتمكّن الادعاء العام من إقناع اثنين من ذوي المتهمين بتقديم شكوى ضد تنظيم الشريعة لأنه يتحمل مسؤولية انتداب الشابين اللذين سافرا إلى سورية.

ويحملُ ديمتيري بونتينك على فؤاد بلقاسم «لأنه قام بغسل دماغ ابنه ييون بونتينك إلى أن اقتنع بالسفر إلى سورية». وأفرج تنظيم «داعش» عن ييون بونتينك الذي عاد إلى انتورب في خريف العام الماضي. ويمثل ييون حراً أمام المحكمة. ووفق والده، فإنه قدم معلومات مفيدة إلى الشرطة البلجيكية وغيرها من أجهزة الاستخبارات الغربية التي سجلت إفادته في انتورب. وفنّد ييون في حديث مختصر إلى «الحياة» ما نسبه والده إلى زعيم «تنظيم الشريعة في بلجيكا» فؤاد بلقاسم، وقال ان «شكوى والده غير صحيحة ومضرّة به (ييون)». وكان ييون هادئاً يتحدث بلغة عربية سليمة توحي بأنه لم يتخلّ عن الدين الإسلامي حيث اعتنقه قبل ثلاث سنوات تقريباً. ويحضر كل جلسات المحكمة تسانده صديقته الأمازيغية.

وتنتقد غالبية عائلات المتهمين الادعاء العام «لأنه يريد أن يجد كبش فداء سهلاً هو فؤاد بلقاسم. ويحملون على أجهزة الأمن التي لم تتحرك في شكل مسبق عندما أبلغت بسفر بعض الشبان، ومنهم مراهقون». ويعتقد محامو الدفاع ان الدولة البلجيكية أخلّت بواجبها لأنها «لم تمنع شباناً قاصرين من مغادرة الحدود ولم تحاول استرجاعهم بينما كانوا موجودين أياماً في تركيا يتنتظرون موعد الانتقال إلى سورية».

الحياة

التعامل مع الإرهاب ولجمه قضية حساسة بالنسبة إلى أوروبا والغرب

تقف الحكومات حائرة أمام مشكلة المقاتلين العائدين من مناطق الجهاد، مترددة بين وجوب سجنهم أو إعادة تأهيلهم، إذ اختار معظمها نهج الحزم، بينما يختبر بعضها برامج تأهيل لم تثبت بعد جدواها.

باريس: قال مسؤول كبير في مكافحة الارهاب في فرنسا طالبا عدم كشف هويته “لنكن واضحين برامج التأهيل لم تنجح في الوقت الراهن”. ففي اوروبا والولايات المتحدة وكذلك في بلدان الشرق الاوسط والخليج، تتساءل الشرطة والقضاة واجهزة مكافحة الارهاب عن كيفية معاملة الاف الشبان، الذين قاتلوا في صفوف جماعات جهادية في سوريا او العراق لدى عودتهم الى بلدانهم، خاصة بسبب التخوف من انغماس بعضهم في الارهاب.

السعودية سبّاقة

وقد اعتمد اول برنامج تأهيل في 2007 في السعودية، التي واجهت موجة من الهجمات الارهابية بين 2003 و2006. ويوفر برنامج المناصحة السعودي، للذين يتخلون عن الجهاد، شروطا مادية سخية (تخصيص مرتب شهري وشقة وسيارة ووظيفة و20 الف دولار في حال الزواج) ودروسًا دينية من قبل أئمة يحظون بالاحترام.

وفي الآونة الاخيرة اقامت السلطات الدنماركية مراكز تجريبية لإعادة التأهيل، حيث يسجل الشبان بعد تقويم الشرطة لمستوى خطورتهم، في برنامج يتضمن تدريبًا ومساعدات لايجاد مسكن وعمل.

وفي بريطانيا اثار تحدث نائب مدير شعبة مكافحة الارهاب في الشرطة عن اعتماد برنامج مماثل، لكنه مخصص فقط للذين يسعون الى الذهاب، ولم يقوموا بخطوتهم، موجة استنكار شديد.

لم ينجح تمامًا

وقال المسؤول الفرنسي الكبير في مكافحة الارهاب ان السعوديين يؤكدون ان برنامجهم حقق “نجاحًا، لكني اؤكد لكم ان نسبة الفشل لديهم بلغت 80%. الشبان يتابعون الدروس، ويأخذون المال، ثم يذهبون للانضمام الى مقاتلي القاعدة في اليمن”.

واضاف “في فرنسا كما لدى شركائنا الرئيسيين لسنا مطلقًا في هذا الوارد. اننا نتابع باهتمام المحاولات في هذا المنحى، لكنها ليست مشجّعة. هدفنا هو اولًا تفادي الاعتداءات”.

وفي باريس حكم الخميس على فلافيان مورو اول جهادي يمثل امام القضاء لدى عودته من سوريا بعقوبة السجن لسبع سنوات.

لكن المسؤول الكبير نفسه ميّز بين محاولات اعادة التأهيل لدى العودة من مناطق الجهاد وبين الجهود لمكافحة تجنيد شبان مأخوذين بافلام الدعاية التي يبثها الجهاديون ويحلمون بالرحيل، لكنهم لم يفعلوا ذلك بعد. وذلك حقق “نجاحًا افضل”، براي المسؤول عينه، الذي يعتبر “ان خدمة الاتصال الهاتفي”، التي وضعت في فرنسا في تصرف الاقرباء والعائلات تشكل “اداة جيدة”.

التجربة الدنماركية

وفي الولايات المتحدة درس البرفسور جون هورغان المتخصص في علم النفس السياسي داخل المركز الدولي لدراسة الارهاب، الذي يديره في جامعة بنسلفانيا (شرق)، مختلف البرامج الدولية. وقال لفرانس برس “اشاطر التشكيك العام”، مضيفا “يتعلق الامر بتغيير طريقة تفكير هؤلاء الافراد، وذلك ليس بمهمة سهلة. فالبعض يعتقد بسذاجة انه يمكن الجلوس معهم واعادة غسل دماغهم: ذلك لا ينجح”.

وتابع ان “التجربة الدنماركية مهمة ومبتكرة، لكن هل سينجح ذلك؟، لديّ تحفظات. اما ان ذلك لا ينجح كما هي الحال في غالبية الاوقات، الا بالنسبة إلى اولئك الذين عادوا الى طريق الصواب، وهم عديدون”.

تجنيد أسرع

واضاف “في حالة السعوديين”، فان “المشكلة الرئيسة هي نقص الشفافية وتحفظهم في السماح بتقويم نتائج برنامجهم. وهم يقولون (انه ليس علما صحيحا)، وعلى ذلك اجاوبهم (ان لم تتمكنوا من تقويم ما تفعلون، فلا تفخروا كثيرًا بالنتائج)”.

وفي تعليق ورد في كتاب نشر أخيرًا عن نتائج البرنامج المتبع في بلاده عبّر الجنرال الاندونيسي تيتو كارنافيان مساعد رئيس الوكالة الوطنية لمكافحة الارهاب عن أسفه لان “المنظرين المتطرفين يجندون اعضاء جددا بشكل اسرع من تمكننا من اعادة تأهيل المتطرفين السابقين”.

لندن في قلب الحرب على الإرهاب قد تغيـّر عدداً من قوانينها/ سوزانا طربوش

كان من شأن ظهور تنظيم «داعش» في العراق وسورية وإعلانه دولة الخلافة في المنطقة التي يسيطر عليها، أن يضيف بعداً جديداً لمشكلة التطرف الإسلامي والإرهاب القائمة منذ فترة طويلة في المملكة المتحدة. ويسود قلق حول مشاركة الشبان البريطانيين المسلمين المباشرة مع انضمامهم إلى تنظيم «داعش» في سورية والعراق، وحول مدى تأثّر بعض الشبّان المسلمين البريطانيين بالتشدد الذي يروّج له «داعش» في وسائل التواصل الاجتماعي، معلناً عن مكاسبه ومجتذباً مجنّدين لخدمة قضيته. وقد حضّ «داعش» أتباعه على تنفيذ هجمات في أي مكان وبأي طريقة ممكنة.

وكانت الشرطة حذّرت، ومعها جهاز الأمن البريطاني «إم. إي. 5» كبارَ الوزراء البريطانيين من اتّساع نطاق النشاط الإرهابي داخل المملكة المتحدة، حتّى بات وقوع هجوم إرهابي محتّماً. ويأتي هذا في أعقاب زيادة مستوى الإرهاب في المملكة المتحدة في نهاية آب (أغسطس) الماضي الذي أصبح «خطيراً» بسبب التهديد الذي يمثّله تنظيم «داعش».

ويُقدَّر عدد المسلمين البريطانيين الذين ذهبوا إلى سورية للقتال في صفوف «داعش» وجماعات إسلامية أخرى بما يتراوح بين 500 و600 شخص. ويُعتقد أن نصفهم تقريباً عاد إلى المملكة المتحدة. ولكن مقابل عودة هؤلاء إلى الوطن، يسافر آخرون إلى سورية.

وتمت مصادرة جوازات سفر بعض البريطانيين الذين يُعتبرون متطرفين إسلاميين، لمنعهم من السفر إلى سورية أو أي بلد آخر. واستخدمت وزيرة الداخلية تيريزا ماي «الامتياز الملكي» لمصادرة 23 جواز سفر في الأشهر الاثني عشر الماضية المنتهية في آب 2014. إلا أنّ السلطات الحكومية وجدت نفسها في موقف محرج عندما اتّضح في 11 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري أن أحد أشهر أنصار «داعش» في المملكة المتحدة، أبو رميسة، فرّ مع عائلته من المملكة المتحدة بعد 24 ساعة من صدور أمر من المحكمة يقضي بأن يسلّم جواز سفره كشرط كفالة، مع الإشارة إلى أنّه لم يسلّم جواز سفره ويُعتقد أنّه في سورية حاليّاً، في المنطقة التي يسيطر عليها «داعش».

وكان أبو رميسة (وهو هندوسي اعتنق الإسلام، واسمه الأصلي سيدهارتا دهار) اعتُقل في 25 أيلول (سبتمبر) مع ثمانية رجال آخرين بينهم أنجم شودري الذائع الصيت. وقد تولّى شودري قيادة حركة «المهاجرين» بمساعدة عمر بكري محمد السوري اللبناني المعتقل حالياً في بيروت، والذي كان قيادياً في الحركة، قبل أن يتمّ حظرها في عام 2005، لكنه لا يزال يؤثّر من بُعد في بعض الشبان المسلمين. وقد شارك أفراد من محيط شودري في عدد من المؤامرات الإرهابية على مر السنين، إلا أنّه على رغم إدلائه بتصريحات تحريضية داعمة للإرهاب على نحو مستمرّ واعتقاله مرات عدّة، لا يزال حرّاً طليقاً.

وقال السير برنارد هوغانهوي، رئيس شرطة «اسكوتلاند يارد»، ومفوض شرطة لندن أخيراً إنّ ما لا يقلّ عن خمسة بريطانيين يسافرون أسبوعيّاً إلى العراق وسورية للانضمام إلى «داعش».

وأضاف هوغانهوي أنه، حتى الآن، اعتُقل 218 شخصاً بجرم ارتكاب أعمال إرهابية، في زيادة بحوالى 70 في المئة عن الاعتقالات التي تمّ تنفيذها منذ ثلاث سنوات. وهو يؤكّد قائلاً: «إنّ سبب هذه الزيادة في معدل الاعتقالات يعود بمعظمه إلى الأعمال الإرهابية والمؤامرات والتخطيطات المرتبطة بسورية، وأعتقد أنّ هذه النزعة ستستمرّ».

ومن المعروف أن حوالى 30 جهادياً بريطانياً وقعوا حتّى الآن ضحية القتال في سورية والعراق. ومن المرجح أن يكون الرقم الصحيح أعلى من ذلك. وإضافة إلى الشبان الذين يذهبون للقتال في سورية والعراق، غالباً ما تسافر المراهقات والشابات المسلمات البريطانيات ليتزوّجن بمقاتلين جهاديين.

وبسبب الخطر المتزايد الناجم عن الإرهاب، تمّ تشديد الإجراءات الأمنية خلال احتفالات العام الحالي لمناسبة «أحد الذكرى» السنوية، في 9 تشرين الثاني الماضي، وبالتحديد خلال عرض عسكري وضعت خلاله الملكة، شأنها شأن سياسيين آخرين، أكاليلَ الزهور على ضريح الجنود ضحايا الحرب في قصر وايت هول، قرب البرلمان. وقبل «أحد الذكرى» بثلاثة أيّام، اعتُقل أربعة شبان مسلمين في غرب لندن ومدينة هاي ويكومب. وأكدت تقارير صحافية أنّهم كانوا يخططون لشنّ هجوم يوم الأحد لاغتيال الملكة.

وفي مؤامرة مزعومة أخرى، وُجّهت تهم لأربعة شبان مسلمين من غرب لندن في منتصف تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، كانوا يعتزمون ارتكابَ أعمال إرهابية. وقيل إنهم أقسموا على الولاء لـ «داعش»، وخطّطوا لهجوم إرهابي على الجنود أو الشرطة في لندن. وقد اتُّهم رجل خامس باستيراد بندقية وذخيرة من طراز «بايكال». وسبق أن شهدت بريطانيا آثارَ الإرهاب الإسلامي المدمّر، ففي 7 تموز (يوليو) 2005 تسبّب أربعة انتحاريين بمقتل 52 شخصاً بريئاً في هجمات على قطار أنفاق وحافلة في لندن. وكان ثلاثة من الانتحاريين الأربعة مسلمين من أصل باكستاني ولدوا في بريطانيا.

وفي 22 أيّار (مايو) 2013، قُتل الجندي البريطاني لي ريغبي في وضح النهار في أحد شوارع لندن، بأيدي شابين من نيجيريا كانا قد ترعرعا كمسيحيين ليعتنقا الإسلام لاحقاً، وقد دهساه بالسيارة وحاولا قطع رأسه. أمّا الاستخدام الواسع النطاق للذبح في سورية والعراق، فهو أحد سمات الإرهاب، وقد أدّى بعض البريطانين دوراً في انتشاره. واللافت أنّ الرجل الملثم والطويل القامة الذي يرتدي ملابس سوداء، والذي ظهر في أربعة أشرطة فيديو يقطع رؤوس الرهينتين الأميركيين جيمس فولي وستيفن سوتلوف، والبريطانيين ديفيد هاينز وآلان هينينغ، قرب الرقة، يتحدّث الإنكليزية بلهجة بريطانية لندنيّة، وهو نفسه الذي أجهز ذبحاً قبل أيام على عامل الإغاثة الأميركي بيتر كاسيغ الذي اعتنق الإسلام واتخذ اسم عبدالرحمن. وقد أطلق الإعلام البريطاني على هذا الجلاد لقب «جون الجهادي». إلى ذلك، قام بريطاني اسمه كبير أحمد، معروف باسم أبو سمية البريطاني، من مدينة داربي الإنكليزية الشمالية، بتنفيذ الهجوم الانتحاري الأول في العراق أخيراً باسم «داعش» في بيجي، ما أسفر عن مقتل ضابط شرطة عراقي بارز وسبعة ضباط آخرين.

ومن جهة أخرى، فجّر عبدالوحيد مجيد، الانتحاري البريطاني الأول في سورية، نفسه في شباط (فبراير) الماضي، بعد أن حمّل شاحنة بالمتفجرات ودخل فيها إلى أحد السجون في حلب. وفي سياق المحاولات التي تبذلها الحكومة للتعامل مع التهديد الإرهابي الناجم عن «داعش»، تناقش مشروع قرار حول كيفية التصرّف مع الجهاديين الذين عادوا أو يرغبون بالعودة، فضلاً عن محاولة ردع أولئك الذين يخططون للانضمام إلى «داعش».

بعد إقدام «داعش» على ذبح الرهينة الأميركي جيمس فولي في 19 آب، وتزايد الخطر الإرهابي في بريطانيا، تعهّد رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون للنواب بإدخال قوانين جديدة صارمة لمكافحة الإرهاب.

وفي 13 تشرين الثاني الجاري، خلال كلمة ألقاها كامرون أمام البرلمان الأسترالي في كانبييرا، كشف عن التدابير التي سيتم تضمينها في مشروع قانون جديد لمكافحة الإرهاب. وتعتزم الحكومة نشرَ مشروع القانون بحلول نهاية تشرين الثاني الجاري والإسراع بإقراره في البرلمان بحلول نهاية كانون الثاني (يناير).

ويفيد القانون المقترح لمكافحة الإرهاب بأنّه سيتم منع الجهاديين المشتبه بهم، الذين يريدون العودة من سورية أو العراق – بموجب «أوامر الحظر الموقت» الجديدة – من العودة إلى بريطانيا لمدة سنتين على الأقل – ما لم يوافقوا على المحاكمة أو الخضوع للإقامة الجبريّة أو لمراقبة الشرطة أو متابعة دورة عن «التخلّص من التطرّف».

وإذا لم يوافقوا على هذه الشروط، فسيتم إلغاء جوازات سفرهم وتوضع أسماؤهم على قائمة «حظر الطيران» لمنعهم من العودة. ووفق ما أعلن كامرون، سيتم منع شركات الطيران التي لا تمتثل لقوائم حظر الطيران أو تدابير الفحص الأمني من الهبوط في المملكة المتحدة. إلى ذلك، سيواجه الجهاديون الذين يحاولون دخولَ بريطانيا في شكل سريّ، حكماً بالسجن لمدة خمس سنوات بتهمة ارتكاب جريمة جنائية جديدة.

علاوةً على ذلك، ستُعطى الشرطة أيضاً صلاحية الاحتفاظ بجوازات سفر الأشخاص الذي يُشتبه بأنّهم ينوون السفر إلى الخارج للقتال في سورية أو العراق لمدة 30 يوماً .

إلّا أنّ هذه التدابير المقترحة في مشروع قانون مكافحة الإرهاب مثيرة لجدل كبير، وثمّة مخاوف من عدم توافقها مع القوانين القائمة حول حقوق الإنسان والهجرة والمواطنة. فعلى سبيل المثل، يمكن أن يُعتبر رفض السماح للجهاديين البريطانيين بالعودة إلى المملكة المتحدة كمحاولة لحرمانهم من حقّ الانتماء إلى وطن، الأمر الذي يعتبر غير قانوني بموجب القوانين البريطانية والدولية.

وتقول وزيرة الداخلية في حكومة الظل العمالية إيفيت كوبر إنّه يجب اتّخاذ المزيد من الإجراءات لمنع التطرف، مشيرةً إلى ضرورة أن ترغم الحكومة كل الجهاديين العائدين إلى البلد على الخضوع لدورة تخلّص من التطرّف.

لقد تم تصميم برامج التخلّص من التطرّف لمنع انتشاره، إلّا أنّ شكوكاً تسود حول مدى فعاليتها. ومن أهمّها برنامج «التجسّس» الذي يشكّل جزءاً من استراتيجية منع التطرف العنيف المعروفة باسم «منع»، وقد طرحته حكومة حزب العمال بعد الهجمات الانتحارية التي شهدتها لندن في تموز 2005.

ويهدف برنامج «التجسّس» إلى تحديد الأشخاص الذين من المحتمل أن ينخرطوا في التطرف العنيف وتقديم الدعم لهم، بالاستناد في شكل أساسيّ إلى تدخّلات على صلة بالمجتمع، في ما يشكّل تحديّاً لمعتقداتهم المتطرفة. إلّا أنّ هذا البرنامج يفتقر إلى التمويل ويكاد يكون عاجزاً عن مواجهة الطلب المتزايد على موارده. وفي الفترة الممتدة من نيسان (أبريل) 2007 إلى آذار (مارس) من العام الحالي، أُحيل حوالى 4000 شخص على برنامج «التجسّس». وفي الوقت الراهن، تتمّ إحالة حوالى 50 شخصاً كلّ أسبوع على برامج التخلّص من التطرّف.

والجدير ذكره أنّ عدم اليقين الذي ساد في الأسابيع القليلة الماضية حول المعاملة التي سيتلقاها الجهاديّون لدى عودتهم إلى المملكة المتحدة، يجعل بعضاً منهم يترددون في العودة. وأُفيد أخيراً بأن ما يصل إلى 100 جهادي بريطاني، ممّن سافروا إلى سورية، تقطعت بهم السبل في تركيا، وهم يخشون العودة إلى بلدهم. ويبدو أنّ تنظيم «داعش» صادر جوازات سفر البعض منهم.

ويصرّ بعض المراقبين على ضرورة منع الجهاديين مؤبداً من العودة إلى بريطانيا. وخلال حلقة من برنامج إذاعي اسمه «العالم الليلة» بثّتها قناة «بي. بي . سي»، قال الكولونيل ريتشارد كمب، وهو قائد سابق في القوات البريطانية في أفغانستان: «يجب أن ندرك أن تلطيخ أيديهم بالدم سيحضّهم على العودة وارتكاب أعمال إرهابية ضدّنا. وبالتالي، من الأفضّل ألا نتيح لهم فرصة القيام بذلك».

ويضيف كمب: «لماذا ننفق مال الضرائب لإحالتهم على المحاكم وزجّهم في السجون، أو ننفق مبالغ ماليّة طائلة على برامج تخلّص من التطرف أو على المراقبة؟ الأفضل طبعاً ألّا يعودوا البتة».

إلّا أنّ مدير «المركز الدولي لدراسات التطرف والعنف السياسي»، بيتر نيومان، يعارض هذه الفكرة تماماً ويقول: «لا بدّ من التعلّم من دروس التاريخ؛ فما حدث بعد [الحرب ضد السوفيات] في أفغانستان في ثمانينات القرن العشرين هو أنّه لم يُسمح للناس بالعودة إلى بلادهم. وكانت دول كثيرة في الشرق الأوسط تصادر جوازات سفر مواطنين وتهدّد بقمع «العرب الأفغان» الذين قاتلوا مع المجاهدين في أفغانستان».

والواقع أنّ هؤلاء «الأفغان العرب» أُرغِموا على البقاء في أفغانستان وتوجّهوا إلى جبهات قتاليّة أخرى، وشكّلوا شبكات دولية برز من بينها تنظيم «القاعدة» في نهاية المطاف.

* صحافية بريطانية

من فرنسيين ليبراليين إلى منفذي إعدامات في داعش

الرعب ينتاب باريس: الجلادون على أبوابنا

أ. ف. ب.

يحملون أسماء عادية كمكسيم وإيلين ودافيد، وهم شباب فرنسيون عاديون إعتنقوا الإسلام، واتجهوا نحو التشدد، ما أثار صدمة في المجتمع الفرنسي، الذي لم يستوعب سلوكهم، وبات يخشى انتقال “الجهاد” من أراضي العرب إلى أراضي الغرب في ليلة وضحاها.

باريس: قال رينيه، وهو جار لذوي مكسيم أوشار، الذي يشتبه في أنه كان بين مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية، الذين أقدموا في نهاية الأسبوع على قطع رؤوس حوالى عشرين سوريًا “لم يذهب إلى سوريا في البداية بقصد الإيذاء”.

“تخدير” مركزي

وقالت زوجته جانين، وهي تحاول حبس دموعها، مستذكرة فتى كان يلهو مع أحفادها في بلدة بوسك-روجيه-ان-روموا الصغيرة في النورماندي (شمال غرب) “كان صبيًا لطيفًا، لم يكن يعاني من مشاكل. ربما قاموا بتخديره”.

لا يمثل مكسيم كما إيلين (17 سنة، التي كشف الإعلام الفرنسي في مطلع تشرين الأول/أكتوبر عن حياتها العادية حتى الـ15 أو دافيد دروجون، الذي قتل في مطلع تشرين الثاني/نوفمبر بهجوم لطائرة أميركية من دون طيار، نماذج تصور فعلًا الفرنسيين الذين ذهبوا إلى العراق أو سوريا للقتال.

هناك عامل مشترك واحد يجمعهم، وهو أنهم ينتمون إلى عائلة ملحدة أو كاثوليكية، واعتنقوا الإسلام في سن مبكرة، 13 عامًا لدافيد، و15 لإيلين، التي تسعى والدتها إلى إعادتها إلى حياتها السابقة، ومنعها من مغادرة فرنسا، و17 عاما لمكسيم.

خلفيات متحررة

في السابق كان الخطاب الإسلامي المتشدد يطال أساسًا شبانًا مهمشين على الصعيدين الاجتماعي والعائلي. وقالت دنيا بوزار مديرة مركز الوقاية من التجاوزات المرتبطة بالإسلام “اليوم هذا الخطاب يؤثر على شباب من أسر مختلفة”. وبوزار من معدي التقرير الأخير حول الجهاديين الشباب الفرنسيين مع المفاوض السابق في شرطة النخبة الفرنسية كريستوف كوبين والاختصاصي في شؤون التربية سليمان فالسان.

عمل الثلاثة على معلومات تتعلق بـ160 أسرة اتصلت بمركز الوقاية من التجاوزات المرتبطة بالإسلام منذ شباط/فبراير. و80% من الأسر الـ160 التي اتصلت بالمركز لإفشال عملية تشدد شاب وتوجهه إلى سوريا أو العراق تقول إنها ملحدة. وتشكل الطبقات الوسطى غالبية مع نسبة 67%.

الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و21 سنة هم الأكثر تأثرًا (63%) وفقًا للتقرير نفسه، الذي يشير إلى أن الانترنت يشكل الطريقة، التي يتم جذبهم بها في 91% من الحالات. وأكد معدو التقرير أن “الخطابات الإرهابية الجديدة حسنت تقنيات التجنيد من خلال التحكم بأداة الانترنت، لدرجة إنهم باتوا يستطيعون التأثير على شبان مختلفين تمامًا”.

5 نماذج جذب

فقد تمكن المتشددون الإسلاميون من جذب الشبان الغربيين عبر اللعب على “خمسة نماذج” فعالة: نموذج “البطل”، الذي يغوي الشباب، أو التركيز على التحرك من أجل “قضية إنسانية”، الذي يجذب قاصرات للتوجه إلى سوريا أو العراق، أو نموذج “الذين يبحثون عن زعيم”، أو جذب الشبان، الذين يرغبون في القتال، أو من يبحث عن النفوذ، وهو نموذج يجذب أفرادًا “من دون حدود”.

ووفقًا للأرقام، التي نشرتها صحيفة لوموند الثلاثاء فإن عدد “الذين اعتنقوا الإسلام”، يزداد في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية. ومن أصل 376 فرنسيًا موجودين في سوريا، 23% منهم لم ينشأوا في ثقافة إسلامية، بحسب الصحيفة.

ونقلت الصحيفة عن جان بيان فيليو الاختصاصي في العالم العربي – الإسلامي قوله إن اعتناق الإسلام المتشدد يزداد بسبب جهل الدين الإسلامي. ومهمة الشبان، الذين يعتنقون الإسلام تجنيد آخرين. وقال “يجندون أشخاصًا من معارفهم، ما يعني أن اليوم لم يعد هناك نموذج للجهادي، لكن بات هناك مزيج من فئات مختلفة ومتباينة”، أي أسر ملحدة أو كاثوليكية أو مسلمة أو موحدة أو مفككة.

ترجيح جلاد ثان

إلى ذلك، أكد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند أمس الأربعاء وجود فرنسيين اثنين في عداد مقاتلي تنظيم “الدولة الإسلامية”، الذين ظهروا في شريط فيديو لعملية إعدام جماعي، بثه الجهاديون الأحد، فيما تتواصل التحقيقات في دول أوروبية وآسيوية عدة للتعرف إلى هويات جلادين آخرين.

وقال هولاند في كانبيرا خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء الأسترالي توني أبوت إن “كل ما يمكننا قوله الآن هو أن هناك شخصين فرنسيين” من عناصر التنظيم الجهادي ظهرا في الشريط. مضيفًا “أحدهما تم رسميًا تأكيد هويته، والآخر يجري حاليًا تأكيد هويته”.

لكن مصدرًا قريبًا من الملف ذكر لوكالة فرانس برس الأربعاء أنه تم التعرف إلى فرنسي ثان في الثانية والعشرين من العمر من ضاحية فيلييه سور مارن الشرقية لباريس بين جهاديي تنظيم الدولة الإسلامية في الشريط المصور لعملية الإعدام الجماعي.

تفوق الحدود

واعتبر هولاند أن المشاهد التي تضمنها شريط الفيديو “أظهرت عملية قتل في ظروف مروعة لرهينة أميركي، وهو شاب كان يعمل في الإغاثة الإنسانية”. وأضاف إن “هذه الصور ترافقت مع مشاهد أخرى وحشية لا يمكن تحملها”، هي مشاهد ذبح جنود سوريين.

وكان القضاء الفرنسي أعلن رسميًا عن وجود فرنسي واحد على الأقل في عداد جلادي التنظيم، الذين ظهروا في الشريط المصور، مؤكدًا أن الفرنسي يدعى ماكسيم هوشار (22 عامًا). فيما أعلن وزير الداخلية برنار كازنوف من جهته عن “احتمال” وجود فرنسي ثان في عداد هؤلاء الجلادين، مؤكدًا أن الأجهزة المختصة تعمل على التحقق من ذلك.

وبث التنظيم الجهادي الأحد على الانترنت شريطًا مصورًا مروعًا، ظهر فيه 18 من عناصره، وقد اقتاد كل منهم جنديًا سوريًا أسيرًا، ثم وضعه أرضًا، وحزّ رقبته، إضافة إلى رهينة أميركي، هو عامل الإغاثة بيتر كاسيغ، الذي قطع رأسه جهادي ملثم في مشهد آخر ورد في نهاية الشريط، والتقط بشكل منفصل عن مشهد ذبح الجنود السوريين.

بين المقاتلين الـ17 الذين ظهروا في الشريط بدون تغطية وجوههم، لم يتم التعرف بعد رسميًا إلى هوياتهم. وبعضهم ملامحه غربية أو آسيوية. وأشارت صحيفة بلجيكية إلى احتمال ضلوع بلجيكي غادر للقتال إلى جانب الجهاديين في تشرين الأول/أكتوبر 2012، لكن هذه المعلومات لم تؤكدها السلطات.

إثبات ولاء

واعتبر أيمن التميمي، عضو منتدى الشرق الأوسط والخبير في شؤون الجماعات الجهادية، أن إظهار رجال غير مقنعين في الشريط “هدفه إبراز وجود مقاتلين أجانب ضمن التنظيم”.

وأكد مصدر رفيع في أجهزة مكافحة الإرهاب الفرنسية رفض الكشف عن اسمه لفرانس برس أخيرًا، أن “إلزامهم بارتكاب هذا النوع من الفظائع يشكل في آن امتحانًا – هل سيكونون قادرين عليه؟ – ووسيلة لضمان ولائهم للمجموعة”. وأضاف “بعد ظهورهم مكشوفي الوجه أثناء ارتكابهم هذا النوع من الأعمال، لا يمكن العودة إلى الخلف. إنها أيضًا طريقة لارتهانهم”.

وكان مكسيم هوشار تحدث في منتصف تموز/يوليو في حديث عبر سكايب، من دون إخفاء وجهه، مع قناة بي إف إم تي في من الرقة، معقل تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا. وروى أنه غادر إلى سوريا من باريس عبر إسطنبول، بعد شراء تذكرة “رخيصة الثمن” من دون أي محاولة “للاختباء”.

الانترنت سبيلًا

وأوضح الشاب، الذي اعتنق الإسلام في الـ17 من العمر، أنه ازداد تشددًا عبر تسجيلات فيديو على الانترنت، وأنه غادر وحده، لكن تم الاهتمام به عند وصوله إلى سوريا. وصرح “لتأكيد الولاء، ينبغي أولًا التوجه إلى معسكر التدريب (…) في مرحلة أولى تستغرق حوالى شهر. بعد التدريب نبدأ بتنفيذ عمليات، ثم نعود إلى التدريب. الأمور ليست نظرية فحسب”.

كما أكد أنه يقيم في ثكنة تؤوي 40 مقاتلًا تقريبًا “معظمهم من العرب”. مصريون، مغاربة، جزائريون، وكذلك فرنسيون، وأكد أن “الهدف الشخصي لكل واحد هنا هو الشهادة. إنها المكافأة الكبرى”.

ويشارك حوالى ألف فرنسي حاليًا في القتال في سوريا، ويتواجد حوالى 375 في سوريا والعراق في الوقت الحالي، ما يجعل منهم المجموعة الغربية الأكبر عدديًا. وقتل 36 فرنسيًا على الأقل في هذين البلدين.

في أواخر أيلول/سبتمبر، بلغ العدد الإجمالي المسجل للرعايا الأوروبيين، الذين توجهوا إلى المنطقة للمشاركة في الجهاد، حوالى 3000 شخص، بحسب المنسق الأوروبي لمكافحة الإرهاب جيل دو كيرشوف.

 

 

 

 

“سك النقد”: خطوة جدية لدولة داعش الوهمية/ جلال زين الدين

يرسم تنظيم الدولة الإسلامية سياساته وكأنه “دولة”؛ فبعد أن منع المناهج الحكومية، وحظر مظاهر الجمهورية السورية، وحارب الفصائل في مناطق سيطرته، جاء إعلان “النقد الإسلامي” على منابر المساجد في خطب الجمعة. إعلان سك النقد، من قبل تنظيم يُصنفه المجتمع الدولي بـ”الإرهابي”، جاء مفاجئاً للسوريين، وللسكان في مناطق سيطرته.

يرى القائمون على “بيت مال المسلمين” في التنظيم، بأن المشروع كان يُعمل عليه منذ فترة طويلة، بناءاً على توجيهات “أمير المؤمنين”، وقد دخل حيز التنفيذ بعد أن نال موافقة “مجلس شورى المجاهدين”. يقول أبو رقية الأنصاري من ديوان الزكاة: “أعدت اللجان المختصة دراسة كاملة للمشروع، ولم يعلن عنه إلا بعد أن اتخذت كافة الإجراءات والوسائل الكفيلة بتطبيقه على أرض الواقع”. ويُذكر بأن التنظيم سيمنع تداول العملات المحلية في المناطق التي يسيطر عليها، فور صدور العملة الجديدة، يقول أبو رقية: “ستتخذ تعليمات ناظمة تمنع استخدام أي نقد غير نقد الدولة الإسلامية، وستتخذ إجراءات بحق المخالفين، وستصدر لوائح ناظمة في حينه، تبيّن كيفية عمل مكاتب الصرافة، كما هو معمول في كثير من الدول ولكن بطريقة شرعية بعيداً عن الربا”.

لاقى الإعلان ارتياحاً بين أعضاء التنظيم، الذين تلقوا دفعاً معنوياً بأن دولتهم “باقية وتتمدد”، يقول عضو التنظيم في ريف حلب الشرقي، أبو الحارث الأنصاري: “كل يوم تفاجئنا الدولة الإسلامية بما يثلج صدور المؤمنين، ويغيظ الكافرين، فدولتنا تتمدد وتبنى على أسس قوية سليمة. وقد ترافق ذلك مع بيعة المجاهدين في خمس ولايات وقبول أمير المؤمنين لها، وتعيين ولاة مما يدلل على تعطش المسلمين للخلافة الإسلامية”. الشرعيون في التنظيم وجدوا في هذه الخطوة توجهاً صحيحاً للتخلص من تبعية الآخر “الكافر”، واستقلالاً للشخصية المسلمة، يقول أبو هاجر الشرعي: “الخطوة فضلاً عن بعدها الاقتصادي تحمل بعداً رمزياً، يدلل على عزة المسلم واستقلاليته، فالخلفاء المسلمون السابقون، سبقونا بأكثر من ألف وثلاثمائة عام، عندما تم سك الدينار العربي، ليتحرروا من الدينارين الفارسي والروماني”.

وتلقى المواطنون المقيمون في مناطق التنظيم، الخبر في حالة من الدهشة والاستغراب، غير مصدقين لما يحدث، ومستبعدين إمكانية تطبيقه على أرض الواقع. يقول الموظف أبو فيصل: “لا يمكن تطبيق هذا القرار، فكل الدوائر تدار من قبل الموظفين الحكوميين الذين يقبضون رواتبهم من النظام. فهل سيعطي التنظيم هؤلاء رواتب من عنده، ويمنعهم من التوجه لمناطق النظام؟ فما زالت كل معاملاتنا تجري بالليرة السورية، وتدور في فلك الاقتصاد السوري”.

وقد استقبل كثيرون من المواطنين هذا الإعلان بالفكاهة والمزاح، تعبيراً عن عدم اقتناعهم بهذه الخطوة، يقول المعلم الأربعيني أبو عمر: “سوف نستبدل المحفظة الجلدية بالأكياس الصغيرة، ونستعيد أيام الأجداد حيث عاد للذهب بريقه ورنينه”. ويتابع أبو عمر: “المسلمون الأوائل أقاموا دولتهم، ورسخوها على دعائم وأسس قوية بدءاً من القوة الفكرية مروراً بالقوة العسكرية وليس انتهاء بالقوة العلمية، وآخر المطاف قاموا بتعريب العملة. فلا يجب أن يستبق المرء الأمور، فمن استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه، وهم لم يوفروا شيئاً مما وفره المسلمون الأوائل حتى انطلقوا لخطوة سك النقد”.

في حين يقول تاجر الجملة في السوق المركزي، أبو نادر: “معظم بضائعنا تأتي إما من تركيا أو من مناطق النظام، فنحن نشتري بضاعتنا بالليرة السورية، أو بالليرة التركية، أو الدولار، وعملة الدولة الإسلامية التي ستصدر لا يعترف أحد بها، بل قد يلاحق ويسجن كل من يتعامل بها خارج مناطق التنظيم، فأعتقد أنها ستكون ضمن مناطق سيطرة التنظيم فقط”.

الاقتصاديون في التنظيم يرون أن ما يثار من اعتراضات هي مجرد عقبات سطحية؛ فنوع العملة سيجعلها تحتفظ بقيمتها ولن يستطيع أحد محاربتها أو مضاربتها. يقول أبو رقية: “اليهود يسيطرون على مفاصل اقتصاد العالم، ويتحكمون باقتصاديات الدول من خلال العملة الورقية التي لا تحمل بذاتها أية قيمة. أما اعتماد الدولة الإسلامية على الذهب والفضة والنحاس في سك الدينار والدرهم والدانق، فسيحرم اليهود والطواغيت من التحكم بمقدرات وثروات المسلمين”. فالتنظيم يعتقد بأنه ليس في مقدار أية دولة المضاربة على عملته، فنقده لا يخضع للقوانين الدولية المعمول بها، يتابع أبو رقية: “البنك الدولي الذي يسيطر عليه اليهود والصليبيون بزعامة أميركا يسقط دولاً، ويعاقب أخرى إذا لم تسر وفق أهوائه، ففي ليلة وضحاها قد تنهار دولة ما اقتصادياً إذا لم يرضَ عنها الطواغيت”.

ولا يستبعد الاقتصاديون إمكانية تطبيق الفكرة، لكنها ستجابه بعقبات لا يمكن للتنظيم التغلب عليها. يقول المجاز في التجارة والاقتصاد والموظف السابق في مالية الرقة، محمد: “بإمكان التنظيم حصر التداول النقدي في إطار عملته داخل المناطق الخاضعة لسيطرته، دون أن يستطيع أحد المضاربة عليها لأنها تحتفظ بقيمتها. لكن الاقتصاد سيكون مغلقاً، مما سينعكس سلباً على عجلة الاقتصاد عموماً، وعلى الحركة التجارية خصوصاً، ما سيؤدي لانخفاض مستوى المعيشة”. ويرى محمد، أنّ هدف التنظيم ليس مجرد ترسيخ دعائم الدولة فقط، بل أيضاً “التهرب من العقوبات الاقتصادية، والحيلولة دون تجفيف منابع التمويل، وإحكام السيطرة. فأغلب الأنظمة الشمولية تلجأ للاقتصاد المغلق”.

وذهب قسم من المواطنين منحى آخر، وفسروا الخطوة هروباً للأمام، وإشغالاً للناس بقضايا هامشية. يقول المحامي موسى: “هدف الخطوة سياسي، لحرف أنظار الناس عما يتعرض له التنظيم من انتكاسات. فهناك الكثير من القضايا السيادية التي تحدد شخصية الأمة وتبنيها قبل النقد: التعليم والصحة والخدمات، وقبل ذلك القدرة على حماية الحدود والمواطنين. وكل ذلك لم يوفر التنظيم منه شيئاً”.

أياً تكن الجدوى الاقتصادية، يبدو التنظيم سائراً نحو بناء دولته الخاصة. ولا يمكن تقييّم سك النقد بالمنطق الاقتصادي المعمول به في العالم؛ فالتنظيم لا يعترف به، بل يحاربه ويسعى لتغييره، فهو يعيش عوالمه الخاصة.

المدن

 

 

 

إعلام “القاعدة” يبعث حياً/ وليد بركسية

بات لتنظيم “القاعدة” الجهادي واجهة إعلامية جديدة يخاطب بها العالم، هي مجلته باللغة الانجليزية التي تحمل اسم “انبعاث Resurgence”، وجدد إحياءها أخيراً، في شكل ينافس في مهمته الراديكالية مجلة “دابق” التي يصدرها تنظيم “الدولة الإسلامية”.

وتشكل “انبعاث”، بطريقة أو بأخرى، خرقاً جديداً في مجال إعلام “القاعدة” الذي عاش طوال السنوات الماضية في ظل المنتديات والمدونات الأقرب للعمل السري حتى لو اتخذ طابع العلنية في وجوده على الشبكة بشكل متفرقات إعلامية لا يجمعها المكان أو الزمان. وكان يفترض بالجمهور البحث عما يريده داخل تلك المواقع بشكل متوار عن الأنظار أيضاً، لكن “القاعدة” اليوم باتت تتوجه للجمهور بشكل إعلامي أكثر حداثية وعصرية بعيداً من الشكل القبيح الذي اعتادت العمل ضمنه.

تصدر المجلة بشكل فصلي عن مؤسسة السحاب الإعلامية التابعة “للقاعدة”، وجاء عددها الأول لخريف 2014 (الصادر مطلع الشهر الجاري) في 117 صفحة من القطع الكبير، وهي متوفرة للتحميل بصيغة PDF في المنتديات التكفيرية العالمية وعلى رأسها منتدى “شبكة الجهاد العالمي” الذي يمكن وصفه بالواجهة الإعلامية الرسمية للقاعدة ككل، إضافة للمدونات الجهادية الموالية للتنظيم. والمجلة الأنيقة، تحوي عدداً هائلاً من التفاصيل التقنية والفنية المثيرة للاهتمام. فالعناوين الكبيرة والروابط التلقائية نحو المواد والصور التفاعلية واللينكات الخارجية، إضافة لنوعية الصور وجودتها البصرية، والرسوم الغرافيكية التي تكسر حدة المواد التكفيرية والخطاب الإرهابي المخيف ببراعة تظهر معها “القاعدة” بوجه “لطيف” لمن لا يعرف حقيقتها.

افتتاحية المحرر في “انبعاث” تخاطب الغرب من منطلق القوة، مذكرة بأحداث 11 أيلول كبداية للعصر الجديد، يقول المحرر: “ربما نسي العالم الغربي أن هذه الحقبة ليست حقبة سقوط الخلافة. هذا ليس القرن الذي قسمت فيه الأمة إلى دول قومية هشة تتحكم بها الإمبريالية، وهذا ليس عصر القومية العربية أو الشمولية أو العلمانية الليبرالية، هذا عصر الأمل بالأمة وحقبة إحياء الخلافة وتحرير الأقصى”.. افتتاحية توحي بما سيأتي لاحقاً.

وتبتعد “انبعاث” عن تقديم صورة “القاعدة” النمطية كخطر إرهابي دولي، وتبتعد عن رسم صورة “المجاهدين” كمقاتلين أشداء ملثمين ومتشحين بالسواد، بل تتجه نحو رسم صورة براقة إنسانية مشرقة لها ولأعضائها على مستويين: الأول يصور “الإمارات الإسلامية المنتظرة” التي تنوي القاعدة تأسيسها حول العالم في ظل دولتها “السمحة” التي تنادي بها. والثاني يركز على المقاتلين بصورة إنسانية فردية غير معتادة في الفكر الجهادي الأكثر شمولية. وتمتلئ “انبعاث” بعدة قصص تروي برومانسية وإتقان التجارب الفردية لبعض المقاتلين ورحلتهم من الضلال نحو الإيمان والهداية ثم الجهاد (The story of a tranquil soul).

تلجأ المجلة للأساليب غير المباشرة عند الدعوة للجهاد أو تجييش الشباب لصالحها كما هو المعتاد، عبر أسلوب الترغيب دون الترهيب. ويبرز ذلك في قصص المقاتلين الفردية ومواد الرأي التي تميل للعقلانية بعيداً عن الانفعال الديني (The Land of Prophets awaits you)، كما تحاول المجلة إظهار الوجه القبيح للغرب في معاملته للمسلمين لتظهر بعدها بصورة البطلة الوحيدة المدافعة عن الكرامة الإسلامية في ظل دول قومية هشة لا تبالي بمواطنيها المسلمين حصراً (The Future of Muslims in India).

أساليب المجلة المستحدثة خطيرة في كونها قادرة بشدة على الإقناع وتحديداً في حالة الفئات العمرية الأصغر سناً وشرائح المراهقين والشباب. ويبدو أن المجلة تتوجه إلى تلك الشريحة العمرية كجمهور أول، حيث يظهر ذلك في الطبيعة البصرية للمجلة والرسوم الساخرة التي تضمنها العدد الأول (Uncle Tom Meets Uncle Sam). رسوم تظهر للمرة الأولى في الإعلام الجهادي، وإن كانت لا تختلف في طبيعتها التحقيرية الاستهزائية عما تقدمه “القاعدة” عموماً عندما تلجأ للسخرية في إعلامها الإلكتروني (سوى بالجودة طبعاً).

كما هو متوقع، تفرد المجلة مساحة كبيرة منها للتباهي بأعمالها البطولية التي حققتها حول العالم منذ أحداث 11 أيلول وحتى اليوم، لكن الجديد هذه المرة هو الابتعاد عن الأسلوب التهويلي ونسب الأمور للقدرة الإلهية كما هو معتاد. بل تلجأ المجلة للأرقام والإحصائيات والخرائط والصور التوضيحية لتقديم مادة علمية متوازنة. وتضخ المجلة بلا توقف، أرقاماً ومعلومات كثيرة من دون الاستناد إلى مصادر طبعاً، فهي بروباغاندا مكتوبة بأسلوب علمي لا أكثر ولا أقل وتحتاج متخصصين لتفنيدها.

فلسطين وتحرير الأقصى، هي محاور أساسية تدور حولها مواد المجلة، لكن “انبعاث” تحاول تقديم “خطوات عملية” لتحقيق تلك الأهداف، وتتركز على “إنشاء الولايات الإسلامية” وفرض “حصار اقتصادي” حول إسرائيل قبل “المعركة الكبرى” المنتظرة لتحرير الأقصى.

بمقارنة بسيطة مع العدد الأخير من “دابق” – المجلة الانجلزية التابعة لـ”الدولة الإسلامية”، يتضح أن الأخيرة رسمت صورة مخيفة للتنظيم، وقدمت تقارير مفصلة عن ولايات “الدولة الإسلامية” وأخبارها، وتباهت بأخبار العبودية التي أعادت “داعش” إحياءها في إطار تباهيها المفرط بالقوة. هذه الخصائص كلها تغيب عن “انبعاث” التي تحاول التمييز بين “داعش” و”القاعدة” على ما يبدو، تمييز غير مباشر لا بد منه بين القوى المتصارعة على شرعية السلطة، علماً أن “انبعاث” لا تتطرق لوجود “داعش” في صفحاتها على الإطلاق.

الخصائص السابقة ربما لم تكن لتظهر في إعلام “القاعدة” لولا إعلام “الدولة الإسلامية” الذي قلب موازين المعادلة الجهادية في المنطقة. تنظيم “الدولة بات العدو الأول للقاعدة باعتباره “الابن الضال” الذي تفوق على الأب. فنجاح التنظيم في إقامة خلافته بين سوريا والعراق ثم نوعية إعلامه المتطورة، جعلا من “القاعدة” وفروعها المختلفة، بما فيها “جبهة النصرة”، تحدث نقلات نوعية في إعلامها، وتأتي “انبعاث” اليوم في هذا الإطار التجديدي العام. وعليه، يمكن القول أن إعلام القاعدة “بعث حياً” من جديد.

المدن

 

 

 

 

«داعش» يوكل النشر الإعلامي لـ «جيش من النساء»… والقيادة بيد «السعوديات»

الدمام – منيرة الهديب

أوكل تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» الإرهابي، الدور الإعلامي الترويجي لأعماله والدفاع عنه إلى جيش من النساء تتولى فيه السعوديات الهاربات والمتأثرات بالفكر الإرهابي المتطرف دور القيادة، وأعد التنظيم ثلاثة مواقع في العراق وسورية وليبيا لتولي هذا الأمر، في الوقت الذي علمت فيه «الحياة» أن ريما الجريش التي بدأت أمس عبر معرفها في «تويتر» سرد طريقة هروبها من المملكة، و«أخت جلبيب» والتي يرجح أنها ندى معيض القحطاني تتوليان مناصب مهمة في الفرق الإعلامية التي شكلها «داعش».

ولم يكتف تنظيم الدولة الإسلامية بحشد الأنصار من تجنيد الشباب، ودعوة الأحداث منهم إلى تنفيذ عمليات التنظيم الانتحارية، بل تجاوز ذلك إلى تحويل «النساء» إلى «محاربات» في الساحات الإلكترونية، والتي بدأ التنظيم فيها أخيراً بشن حرباً قوية، وتعد مواقع التواصل الاجتماعي هي ساحة الحرب لمن أسمين أنفسهن بـ «المناصرات» حتى تخطت بعضهن القوانين والحدود الجغرافية بطرق غير شرعية ليصبحن «مهاجرات»، وضمت هذه الساحة أسماء سعودية عدة، لسعوديات اعتنقن الفكر التطرفي بالتغرير، وناصرن التنظيم الإرهابي.

وتضم مواقع التواصل الاجتماعي عدداً من الأسماء لـ «نساء مجندات» يُماثلن الرجال في أدبيات القتال والتواصل بين عناصر التنظيم الإرهابي، وتحولت أسماء الفتيات منهن إلى «كُنى»، كما استبدلت صور العرض الوردية، بصور دماء، ورؤوس معلقة، أو شعار التنظيم الأسود، حتى أصبح لا يُفرق بين مُعرف الرجل منهم أو المرأة.

ورصدت «الحياة» خلال البحث الإلكتروني تنصيب تنظيم الدولة الإسلامية لـ «النساء» كأعين للتنظيم في مواقع التواصل الاجتماعي، إذ يعملن إعلاميات ومتحدثات باسم التنظيم، في مختلف المناطق التي يسيطر عليها التنظيم «ليبيا في منطقة البرقة، وسورية والعراق» وذلك امتثالاً لأوامر التنظيم التي جاءت ببيانات بثتها المراكز والجبهات الإعلامية التابعة له، من ضمنها «سرية الخنساء الإعلامية» والتي تقودها «امرأة». وتضم هذه السرايا والجبهات أقساماً عدة «التحرير والرفع النشر والتصميم والمونتاج» وجاء في نص البيان الذي كتبه عنصر التنظيم أبو معاوية القحطاني «إن حقبة الجهاد الإعلامي وما مر من أحداث في ثناياها لا تقل ضراوة عن حقبة الجهاد الميداني ولو تتبعنا كيف بدأ (الإعلام الجهادي، والجهاد فيه) لعلمنا أنه مر بمراحل عصيبة جداً منذ الطريقة القديمة له (كطبع الورقات والمجلات الصغيرة مروراً بالشبكات والمواقع والمدونات انتهاء بمواقع التواصل الاجتماعي).

ولكل واحدة من هذه لها أبطالها الذين نصبوا أرجلهم على أرضها كي تقوم قياماً صلباً ثابتاً لا تهزه الرياح ولهذه المراحل (نساء شهدت الميادين الإعلامية بكل مراحلها لصبرهن وجلدهن ولجهادهن وقيامهن بذلك حق القيام) وأشد مرحلة مر بها الإعلام الجهادي من ناحية العمل الدؤوب (هي مرحلة الشبكات الجهادية) إذ كانت الغزوات فيه أكثر نصباً من الآن، فيجلس الأنصاري الساعات الطوال كي ينشر مادة إعلامية في إحدى شبكات أو مواقع العوام المستهدفة، والآن النصيب الأكبر منه يصب على كاهل (أخواتنا الأنصاريات)، والحظ الوافر لمن كن يقمن به في كل ورشة عمل يقوم بها الأنصار لا يتجاوز عدد المشاركين الـ 15، أثقل الأعمال في الورشة ( يقمن بها الأنصاريات) وأسرع الأعمال ( يقمن بها الأنصاريات)، وما فتحت ورشة قط إلا وتسابقن للعمل فيها حتى أصبح عندنا قاعدة راسخة (ورشة عمل بلا أنصاريات ورشة غير كاملة)، فقد كنت أتحدث مع أحد المديرين في الشبكات عن أعمال النشر والغزوات؛ فذكر أن الأخوات هن عصب ذلك كله، وهذا أمر يدركه من أدار ورشة عمل سابقاً، ما قلته أمر جربته بنفسي عشرات بل مئات المرات على مر الأعوام، وشاهدت بعيني كيف عمل الأخوات في الورش. بل بعضهن عملهن خفي جداً لا يعلم به إلا مسؤول الورشة فقط!، وتعمل عن عشرة أشخاص لوحدها».

وبرز في الإعلام «الداعشي»، اسم السعودية «أخت جلبيب» والتي يرجح أنها ندى معيض القحطاني، وهي أول سعودية انضمت إلى تنظيم «داعش»، والتي خرجت عبر صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي «تويتر» موضحة أنها التحقت بأخيها الصغير في سورية والذي يقاتل حالياً في منطقة عين العرب «كوباني». وخاضت القحطاني صراعاً مع عدد من المغردين والمغردات حول حكم سفرها من دون محرم، مؤكدة أن التحريم لا يشمل ما وصفته بـ «الهجرة».

كما برز اسم السعودية ريما الجريش؛ إحدى السعوديات التي أعلن التنظيم انضمامها إلي ساحاته القتالية في سورية الأسبوع الماضي، والجريش إحدى إعلاميات تنظيم «داعش» والمتحدثات باسمه قبل «نفيرها» حسب وصفها، رغم تصريحها سابقاً بعدم تعاطفها معه، وكتبت الجريش مساء أمس الاثنين أنها التحقت بتنظيم «داعش» (التي لم تكمل رواية «هجرتها» كما اسمتها حتى كتابة هذا التقرير) أنها انضمت إلى صفوف مقاتلي تنظيم «داعش» في سورية، بطريقة «غير نظامية» وغير «شرعية»، وذلك بخروجها تهريباً مع أطفالها إلى اليمن ثم اللحاق بابنها الحدث «معاذ الهاملي» في سورية.

وأوضحت الجريش خلال تغريداتها «الروائية» – غير مكتملة – عما أسمته بهجرتها، أنها خرجت من الحدود السعودية إلى اليمن من دون محرم مع أطفالها رغم عدم امتلاكها جواز سفر، إذ مكثت في معسكرات التنظيم هناك حتى استطاعت اللحاق بابنها المقاتل في تنظيم «داعش» بسورية.

وكانت ريما والتي تعد أبرز الناشطات «الجهاديات» اللاتي ينقلن الحدث القتالي بالصورة، و يعززن مواقف القتالين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، قد أكدت في حديث سابق لـ «الحياة» أن ذهاب ابنها معاذ للقتال في سورية لم يكن بإرادتها، بل إنها كانت تريد منعه».

يذكر أن ريما الجريش والدة معاذ الهاملي 16 عاماً، أوقفت أكثر من مرة، بسبب اعتصامات قامت بها في منطقة القصيم، ودعت فيها إلى التعاطف مع عدد من المتهمين الذين تنظر قضاياهم المحكمة الجزائية المتخصصة، ومع المطالبة بإطلاق سيدة سعودية عرفت بـ«سيدة القاعدة» التي لا تزال تستكمل محكوميتها، بعدما حكم عليها بالسجن والمنع من السفر 15 عاماً، كما أعلن تنظيم «داعش» الأسبوع الماضي وصول السعودية ريما الجريش وأبنائها إلى الأراضي السورية التي يسيطر عليها التنظيم. فيما استقبل معاذ الهاملي، أصغر مقاتلي التنظيم والابن الأكبر للجريش، التهاني بوصول والدته إلى «أرض الخلافة»، كما أسماها التنظيم. وكان الهاملي انضم إلى صفوف مقاتلي التنظيم قبل نحو 11 شهراً.

وكانت عضو اللجنة الأمنية في مجلس الشورى السعودي، ثريا العريض أكدت في تصريح سابق إلى «الحياة» أن حقيقة تأثر بعض النساء بتصاعد تيارات الأدلجة والتشدد والتفكير والتنظيم الإرهابي. وعزت ذلك لشعور المرأة بعدم الاستقرار والاضطهاد مجتمعياً وأسرياً وتأثير المناهج. وأضافت: إن أربعة عقود من القولبة الدؤوبة ومواصلة التأثير في عقول النشء عبر المناهج أثرت في الكثير من المواطنين ذكوراً وإناثاً، وتركت نتائجها السيئة من حيث إضعاف وشائج الشعور بالانتماء للوطن والدولة، إضافة إلى أن تراكمية التغيرات الاقتصادية والمجتمعية أثرت في تحريف قيم وأعراف المجتمع، وشجعت تهميش بعض الفئات وزيادة معاناتها. ومنها فئة النساء بخاصة الشابات المتعلمات والراغبات في تحقيق طموحاتهن وإبراز قدراتهن الفردية».

 

 

باحث: «داعش» يستدرج السعوديات لإحراج «الأمن» وأسرهن

< أوضح الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية حمود الزيادي في تصريح إلى «الحياة» وجود رغبة وإصرار من تنظيمي «داعش» و«القاعدة» في توظيف واستغلال المرأة في العموم كما يحدث من استدراج «داعش» للفتيات المراهقات من أوروبا عبر مواقع التواصل الاجتماعي بشكل مكثف وممنهج حتى إن بعض التقارير تشير إلى وجود نحو 300 فتاة من أوروبا وأميركا بعضهن لا تتجاوز أعمارهن 15 عاماً، وهن موجودات اليوم بين صفوف «داعش».

وقال:«في المقابل جرى تصعيد واضح خلال الأعوام الثلاثة الماضية من تلك التنظيمات المتطرفة في التركيز على المرأة السعودية ومحاولة استغلالها لخدمة هذه التنظيمات، وبخاصة اللاتي لهن أقارب موقوفون أمنياً بسبب ارتباطاتهم وانتمائهم لتلك التنظيمات المتطرفة في محاولة يائسة لإحراج أجهزة الأمن التي تتعاطى مع تلك الحالات وفقاً للأنظمة، بل جرى نوع من التسامح، كان أحياناً يتصف بما يمكن أن يسمى «تساهلاً»، بسبب النزعة الأبوية، ومراعاة لأسرهن، من المسؤولين».

وأشار إلى رغبة تلك التنظيمات في استقطاب المرأة السعودية للاستفادة من تغلغلها في النسيج الاجتماعي وصناعة حالة تطرفية في أوساط التجمعات والأسر التي يمكن لتلك النسوة الوصول إليها واستخدامها كأداة في الحشد والتحريض والاستقطاب بخاصة في الوسط النسوي ولدى الأطفال القصر و«أدلجة» عقولهم الطرية لتهيئة أجيال جديدة تخدم تلك التنظيمات الإرهابية.

وتابع الزيادي:«وما لفت نظري في تغريدات ريما الجريش الازدواجية والتناقض والاضطرابية التي تعيشها. فهي تتحدث عن الوجد والشوق ثم تتحدث عن القتل والذبح وتضع صور عناصر «داعش» وهم ينحرون ضحاياهم ممجدة الفعل الوحشي في تناقض مع طبيعتها الأنثوية، ما يؤكد أنها ومثيلاتها من المتطرفات وصلن حالاً من الانحراف الفكري الخطر، ويجب على المجتمع اليقظة لهذه التجمعات النسوية ومحاولة معالجة الحالة التطرفية قبل توسع دائرتها».

وحول ريما الجريش قال: «هي تنضوي على مفارقة، أو كما يسمى في اللغة الإنكليزية (Paradox)، كما هي حالة التطرف في العموم. قبل عامين وثلاثة أشهر خرجت ريما في اتصال هاتفي من بريدة على قناة «الحرة» الأميركية قناة العدو اللدود لتنظيمي «داعش» و»القاعدة» الإرهابيين التي تؤيدهما ريما مدعية تعرضها لمظالم من الأمن السعودي، بينما كانت هي ومجموعة من الأفراد يمارسون شغباً في أحد الشوارع ما ضايق السكان والمارة وتعامل معه الجهاز الأمني، بحسب مسؤولياته، وفرق التجمع المعكر لصفو الحياة العامة بهدوء.

 

 

 

 

 

 

سورية جمهورية المعابر: السلطة لمَن يمسك المنافذ البرية/ رامي سويد

حلب

باتت المعابر الحدودية التي تربط سورية بدول الجوار، في صلب الأزمة السورية، وتحديداً بعد إغلاق معظمها، بفعل تدهور الأوضاع الأمنية على الجانب السوري من الحدود. دفع هذا الأمر مئات الآلاف من السوريين الهاربين من القصف والاشتباكات المستمرة في المدن السورية، إلى الاعتماد على مهرّبي البشر، الذين باتوا يتمتعون بسلطة كبيرة على الحدود بين سورية والدول المجاورة. وأدى ذلك إلى تحمّل الفارّين من سورية مخاطر العبور بشكل غير قانوني عبر الحدود، بالإضافة إلى دفع مبالغ طائلة للمهرّبين.

وكانت الحكومة التركية قررت إغلاق معبر باب الهوى الحدودي، الذي يصل المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية في ريف إدلب وريف حلب الغربي وريف حماة الشمالي في الأراضي التركية، بعد يومين من الاشتباكات التي اندلعت داخل منطقة المعبر وفي محيطه، بين حركة “أحرار الشام” من جهة و”جيش الإسلام” و”ألوية صقور الشام” من جهة ثانية.

وكانت المجموعات تتشارك معاً في إدارة واستخدام موارد المعبر الحدودي، الذي بات، في الأشهر الأخيرة، يُعدّ الرئة التي تتنفس منها المناطق، التي تسيطر عليها المعارضة السورية شمال غرب سورية، بحكم اعتماد السوريين المقيمين في هذه المناطق على البضائع التركية، التي تدخل من المعبر.

وبالتزامن مع إغلاق معبر باب الهوى، أصدرت إدارة معبر باب السلامة الحدودي، الواقع بالقرب من مدينة أعزاز في ريف حلب الشمالي، بلاغاً يدعو المواطنين الراغبين في السفر إلى تركيا، إلى تأجيل سفرهم في حال كونه اضطراريّاً.

وجاءت الدعوة بسبب الضغط الكبير والازدحام في الأيام الأخيرة في المعبر، الذي بات المعبر البري الوحيد الذي يصل شمال سورية بالأراضي التركية. الأمر الذي أدى بحسب الناشط مروان الحلبي، إلى تأخير كبير للمسافرين فيه، ليبيت المئات منهم، في كراجات المعبر ليوم أو أكثر، قبل أن يتمكنوا من العبور في اتجاه الأراضي التركية. كما اصطف من يملك سيارات منهم، في طوابير طويلة لمدة ثلاثة أيام أو أكثر، قبل تمكنهم من عبور الحدود بسياراتهم.

وسبق أن أغلقت الحكومة التركية، في شهر فبراير/شباط الماضي، معبر تل أبيض الحدودي، الواقع شمال مدينة الرقة، ومعبر جرابلس الحدودي الواقع في ريف حلب الشرقي، بعد سيطرة قوات تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) على المعبرين، إثر اشتباكات مع قوات “الجيش الحر”، انتهت بهزيمتها وسيطرة تنظيم “الدولة” على المعبرين.

إلى ذلك، تواصل الحكومة التركية، وللعام الثاني على التوالي، إغلاق المعابر الحدودية التي تصل المناطق التي تسكنها غالبية كردية، في أقصى شمال شرق سورية بالأراضي التركية. ويتواصل إغلاق معبر راس العين الحدودي، ومعبر القامشلي، منذ ما يزيد عن العام والنصف.

وأدّى ذلك إلى لجوء السوريين الراغبين في السفر إلى الأراضي التركية، إلى الاتصال بمهرّبي البشر، الذين نشطوا بشكل كبير في السنوات الثلاث الأخيرة، على طول الحدود السورية التركية، وهربوا عشرات الآلاف من اللاجئين والشبان الراغبين في العمل، عبر الحدود السورية التركية في اتجاه تركيا.

ولفت الناشط، إسماعيل شريف، في تصريحات لـ”العربي الجديد”، إلى أن “معبر القامشلي الحدودي يفتح في حالات استثنائية لمرور قوافل الإغاثة، التابعة للأمم المتحدة من الأراضي التركية نحو المناطق التي تسيطر عليها قوات النظام السوري وقوات الحماية الشعبية بشكل مشترك، شمال شرق سورية”.

من جهة أخرى، تحتفظ قوات النظام السوري، بالسيطرة على معبر حدودي واحد فقط، يصل المناطق التي تسيطر عليها بالأراضي التركية، وهو معبر كسب الحدودي، الواقع شمال مدينة اللاذقية، بعد أن تمكنت قوات النظام من استعادة السيطرة عليه في شهر أيار/مايو الماضي، إثر اشتباكات استمرت أياماً عدة مع قوات المعارضة التي كانت تتمركز فيه. ومعبر كسب مغلق هو الآخر، بسبب سوء العلاقات بين النظام السوري والحكومة التركية.

ولا تتوقف الأمور عند هذا الحدّ، فبعد أقل من أسبوع على سيطرة “داعش” على مناطق واسعة في محافظتي الأنبار والموصل العراقيتين، في شهر يونيو/حزيران الماضي، قام التنظيم باستخدام الجرافات في عملية إزالة الساتر الترابي على الحدود السورية العراقية، ثم سمح لتجار المحروقات من سكان المناطق التي يسيطر عليها في الجانب السوري، باستخدام الطريق الموازي للحدود من الجانب العراقي، كما سمح بانتقال البضائع والمواد الغذائية بين سورية والعراق من دون أية رقابة.

وسيطر التنظيم بشكل متزامن على معبر القائم الحدودي، المقابل لمعبر البوكمال من الجانب السوري، قبل أن يزيل الحواجز الحدودية، المحيطة بالمعبر والسماح بعبور السوريين والعراقيين من الجانبين، من دون وثائق سفر أو تعريفات جمركية للبضائع التي يحملونها.

كما يستمر إغلاق معبر اليعربية الحدودي، الذي يصل الأراضي العراقية بالأراضي السورية، للعام الثالث على التوالي، بعد أن تم تبادل السيطرة على الجانب السوري من المعبر، مرات عدة، بين قوات “داعش” وقوات “حماية الشعب” الكردية، لتستقر السيطرة في الأشهر الثلاثة الأخيرة لصالح قوات “حماية الشعب”، التي بسطت سيطرتها على الجانب السوري من المعبر، في الوقت الذي تسيطر فيه قوات “البيشمركة” الكردية العراقية التابعة لحكومة إقليم كردستان العراق، على الجانب العراقي، لكن الخلافات السياسية بين الجانبين، بالإضافة إلى الخلافات حول آلية عمل المعبر، وقفت عائقاً أمام تشغيله.

في السياق ذاته، يستمر إغلاق معبر فش خابورـ سيمالكا، الذي يصل مناطق سيطرة قوات “حماية الشعب” في سورية قرب مدينة المالكية بإقليم كردستان العراق، حيث ما يزال المعبر مغلقاً منذ أشهر، مع سماح القوات المسيطرة عليه بمرور الحالات الإنسانية، المتمثلة في النازحين والمرضى والطلاب بين الجانبين، وبمرور قوافل الإغاثة.

ويربط معبران بريان جنوب سورية بالأراضي الأردنية، وهما معبر درعا ومعبر نصيب. وسيطرت قوات المعارضة على الجانب السوري من معبر درعا، منذ أكثر من سبعة أشهر، الأمر الذي دفع الحكومة الأردنية إلى إغلاق المعبر، ليضطر آلاف السوريين النازحين من جنوب سورية إلى عبور الحدود نحو الأردن عبر مناطق صحراوية وعرة، بمساعدة مهربين يتقاضون من النازحين مبالغ طائلة مقابل تمريرهم.

وفي الوقت الذي تسيطر فيه قوات النظام السوري على معبر نصيب الواقع شرق مدينة درعا، يعمل المعبر التجاري بشكل شبه طبيعي، وتمرّ من خلاله يوميّاً عشرات الشاحنات، التي تحمل البضائع في اتجاه الأراضي الأردنية، آتية من لبنان.

وذكر مصدر مطّلع من المنطقة، رفض الكشف عن اسمه لـ”العربي الجديد”، عن “ضغوط من قوى إقليمية مورست على قوات المعارضة في درعا، لتمتنع عن مهاجمة معبر نصيب الذي يعتمد عليه الأردن، في استيراد الكثير من المواد الأولية الصناعية والغذائية”.

أما معبر القنيطرة الحدودي، الذي يقع في المنطقة المقابلة للجولان السوري المحتلّ في المنطقة العازلة، التي تديرها قوات الأمم المتحدة، فقد أصبح منذ شهرين تحت سيطرة قوات المعارضة، بعد التقدم الكبير الذي أحرزته على حساب قوات النظام السوري.

من ناحية أخرى، ما تزال قوات النظام السوري تحتفظ بالسيطرة الكاملة على جميع المعابر البرية على الحدود السورية اللبنانية، وما زالت هذه المعابر تعمل حتى اليوم بصورة شبه طبيعية، ويمر من خلالها يوميّاً آلاف السوريين من جانبي الحدود.

العربي الجديد

 

 

 

داعشكشن: أكشن من أفلام الرعب بتقنية هوليوودية/ لونا صفوان

في خضم الحروب والثورات العربية الأخيرة، ساهم الفيديو بزخم في نقل وقائع وتوثيق مجازر، إضافة إلى ترويجه لمنظمات تعتمد أساليب الترهيب. هي حرب سينمائية اعتمدتها الدولة الإسلامية للمجاهرة، إمّا بتدريباتها، أو بإعداماتها الميدانية. فبعد نشر التنظيم فيديوهات تعرض مهارات أعضائه القتالية والمعدات التي حصلوا عليها والأراضي التي باتت خاضعة لهم ولأمرائهم، بدأت الدولة الإسلامية بنشر فيديوهات إعدامها لصحافيين أجانب.

تقنيات عالية وحبكة درامية قوية يُغذيها الأكشن والسكريبت الممنهج. اعتمدت “داعش” منذ بداية انتشارها على تقنيات درامية وأناشيد جهادية لجذب العناصر الشابة. وقد تابع الإعلام الدولة الإسلامية، غالباً، من خلال عرضه لهذه الفيديوهات، التي تنوعت وتوسعت لتشمل “حفلات” الإعدام.

يقول عروة مقداد، المخرج السوري، إن وراء إنتاج داعش “مونيتيرا محترفا”، والمونيتير هو محرّر الأفلام، أي القائم بتقطيع وتركيب الفيديو على نحو قصصي. يفسّر عروة: “هناك تقنيّ محترف يعمل على إخراج ومونتاج أفلام داعش، ليس مجرد مخرج، فإنتاجات داعش تُهمل الجانب الإنساني، وطرق إخراجهم تتناسب مع كتابهم “إدارة التوحش”، الذي يناقش العنف وكيفية نشره. أما طريقة مونتاج داعش فهي تتناسب وتتناغم مع الفكرة. يعتمد أسلوب داعش على الترهيب والتخويف، بعكس الإنتاجات السورية التي ظهرت خلال الثورة وكانت تحاول مخاطبة الضمير الإنساني”.

لزياد حمصي رأي مغاير. المصور السوري الذي احتجزته داعش، يرى أن لها إمكانيات هائلة لا يُستهان بها تتوسع لتشمل استثمارات سينمائية لا تقتصر على مخرج واحد، بل على مجموعة تتولى التخطيط من البداية حتى الختام. وعن إصدارهم الأخير “ولو كره الكارهون” الذي يظهر ذبح ضباط وعساكر سوريين، يقول زياد: “هذا ليس فيلماً قصيراً، هذه رسالة موجهة بعناية ومدروسة الآثار النفسية للمشاهد والمتلقي. إنه فيلم أكشن ورعب، ولكن المفارقة أنه حقيقي وحصل فعلاً”. كما يرى عروة أن داعش توسعت بأفكارها في إنتاجها الأخير الذي شمل مجموعة انفجارات متلاحقة، وهو أسلوب أكشن معروف يختم بالإعدام: “لتركيب هذه المشهدية هم بحاجة إلى فريق يديره المونيتير الذي تكلمنا عنه سابقاً. الأكشن المعتمد بطريقة الإعدام يجذب المشاهد، هنا مهمة المونيتير فهم الجوانب الإنسانية والعمل على بثّ الرعب”.

“لا يهم إن كان الرهينة مات أو أعدم فعلاً أم لا. المهم هنا هو الأثر الذي يُتوقع أن يتركه الفيديو على المتلقي” يقول المصور الصحافي ميزر مطر: “لدى داعش شبان مختصون في كل مجالات العمل، ومنها الإخراج. يعملون بأسلوب سينمائي موجّه لينشروا الخوف في نفس المشاهد، ولكن فنياً عملهم قوي أيضاً. إنهم في تطور مستمر، كان عملهم يقتصر على فيديوهات على يوتيوب، ولكنهم تطوروا وسبقوا تنظيم القاعدة..”. من جهته، لا يفرّق زياد حمصي بين القاعدة وداعش. ويؤكد أن عمر التنظيم حوالى 15 سنة، وبه كفاءات ومصادر تمويل متجددة. يركز هذا التنظيم على العمل الإعلامي لجذب الانتباه. يضيف زياد: ” للتنظيم إصدارات في العراق واليمن انتشرت قبل دخوله إلى سورية، وكانت إصدارات احترافية، وخاصة أعمال مؤسسة الفرقان الإعلامية”.

لقد انتشرت في الآونة الأخيرة أخبار عن إجبار صحافيين مختطفين لدى داعش على مساعدتهم في التصوير. ومن خلال التدقيق في فيديوهات الإعدام التي نشرها التنظيم، يلاحَظ استخدام كاميرتين للتصوير، كاميرا ثابتة وأخرى متحركة، وهي تقنيات لم تكن منتشرة في العالم العربي خلال السنوات السابقة، بل انتشرت مع انفتاح المناهج التعليمية العربية وتطورها واستعانتها بالأساليب الأوروبية والأميركية التصويرية.

وقيل إن داعش تستخدم معدات وكاميرات الصحافيين التي اختطفتهم، كما تتداول أخبار تفيد بأن التنظيم ابتدع الإعدامات التي لم تحصل فعلاً، وأنها مجرد إنتاجات تمثيلية. تبقى هذه التفاصيل رهن النقاشات، وتنقسم بين المؤكد وغير المؤكد، غير أن الراسخ الوحيد هو التفاوت الذي لوحظ بين تصوير داعش لعملياتهم العسكرية، وبين توثيقهم لفيديوهات ذبحهم للرهائن. يتساءل المشاهد مراراً وتكراراً عن هوية المخرج المبدع الذي نجح في لفت أنظار الملايين من المشاهدين إلى فيديوهات إعدام، غالباً ما كنا ننفر منها، ولكننا بفضل داعش نصرّ اليوم على مشاهدتها وتفنيدها وتحليلها.

العربي الجديد

 

 

 

 

عزلة دير الزور/ نذير رضا

“العزلة”، هو التعبير الذي يستخدمه الناشطون الإعلاميون في دير الزور في هذه الأيام. لا انترنت متوفر لبث التقارير، ولا كاميرات يُسمح بإخراجها في الشارع، ما لم يكن الناشط موالياً لداعش، او يعمل لصالح اذرعها الإعلامية. فالقرارات الأخيرة، قيّدت العمل بشكل كامل، حتى باتت المحافظة السورية التي يسيطر عليها التنظيم منذ شهر حزيران / يونيو الماضي، معزولة.

حملات الدهم أطلقتها “داعش” اليوم الخميس، ضد مقاهي الإنترنت في دير الزور، بهدف ملاحقة الإعلاميين. تقول مصادر معارضة سورية لـ”المدن”، إن تلك المقاهي، هي المجال الوحيد أمامها لبث التقارير، والتواصل مع العالم الخارجي. تستخدم تلك المقاهي، ساتلايت خاص يربطها بالعالم الخارجي، عبر توفير الإنترنت… ومنها، يرسل الإعلاميون تقاريرهم، كما يُخرج الناشطون ما يحدث في الداخل، الى العالم.

بدأت الحملة ليل الأربعاء – الخميس حين نفذ مقاتلو “داعش” وجهازه الأمني، حملات دهم لمقاهي انترنت في مدينة الميادين التابعة للمحافظة، كما أفاد “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، وقاموا بتفتيش أجهزة الهاتف المحمولة، واعتقلوا مواطنين اثنين، واقتادوهما إلى جهة مجهولة. إستكملت الحملة نفسها في مواقع أخرى في المحافظة، كما تقول المصادر، وذلك “بعد سلسلة قرارات اتخذها تنظيم “داعش” بحق الإعلاميين في المدينة لتكميم الأفواه فيها”.

لا يخرج من دير الزور في هذه الأيام، عشر ما كان يخرج في السابق من تقارير تصور فظاعة التنظيم. يمنع على الإعلاميين التصوير، ما لم يكونوا حاصلين على إذن من التنظيم، يحدد فيه الناشط الإعلامي الوسيلة الإعلامية التي ستبث تقريره. بمعنى آخر، “معظم وسائل الإعلام ممنوعة من العمل”، تقول المصادر، وذلك “كي لا يخرج ما يزعج “داعش” من المحافظة”.

بمجرد إحكام التنظيم سيطرته على أرياف المحافظة، بدأ بتطبيق قوانينه على الإعلاميين، الى جانب القوانين الشرعية. قبل أسابيع، أصدر قراراً بمنع مراسلة التلفزيونات السورية المعارضة والقنوات العربية… ويُستثنى مراسلو الوكالات من صرامة الإجراءات، “ويرتبط ذلك بمزاجية أعضاء المكتب الإعلامي في التنظيم”. لكن بعض الوكالات، كانت قد أوقفت إرسال الإعلاميين الى مناطق نفوذ “داعش”، بعد اعتقال الأجانب واعدامهم. “المخاطر هنا أكبر من أي مكان آخر”، نظراً الى أن المحاذير مزدوجة: الإختطاف أولها، وثانيها المعارك”.

ويتعين على المراسلين في دير الزور، كما في سائر المدن السورية الخاضعة لسيطرة التنظيم، تأدية يمين الولاء لأبي بكر البغدادي، وإخضاعهم كاشخاص ومواد إعلامية بالكامل لرقابة تامة من قبل المكتب الإعلامي للتنظيم. ويفرض على الصحافيين الحصول على تراخيص ويجب أن تحمل أي مادة إعلامية سيتم بثها اسم وتوقيع صاحبها وتُعرَض على مكتب التنظيم الإعلامي، وسيكون بإمكانهم استخدام مواقع التواصل الاجتماعي والمدونات للنشر، شريطة أن يكون التنظيم على علم تام بهويات أصحاب هذه المواقع والصفحات.

ما يخرج من المدينة، ينقله إعلاميون خرجوا منها، حاملين ما تيسّر من صور، وما حفظوا من مشاهدات. معظم المعلومات تستند الى مصادر من السكان خرجوا، أو تسريبات من مقاتلين في “داعش” لناشطين خارج سيطرة التنظيم. في المدينة، تنشط تلك المعلومات، كون التنظيم لم يتسنّ له بعد السيطرة عليها، نظراً الى المعارك مع النظام.

المدن

 

 

جحيم تعذيب الرهائن في أقبية “الدولة الإسلامية”/ روكميني كاليماشي

يخرج الرهائن واحداً تلو الآخر من الزنزانة، فيخضعون لاستجواب قوامه ثلاثة أسئلة شخصية. وهذه تقنية استجواب كلاسيكية يتوسل بها إلى جمع قرائن على أن المعتقلين أحياء في عمليات التفاوض. وحين عاد جيمس فولي إلى زنزانته التي كان يتشاركها مع حوالى عشرين «نزيلاً» من الرهائن الغربيين، انفجر بالبكاء. ودموعه هذه دموع فرح. فأسئلة خاطفيه التي دارت حول شؤون شخصية وحميمة على غرار «من بكى في زفاف شقيقك؟» و»من كان قائد فريق الكرة في مدرستك؟»، حملته على استنتاج أنهم يتواصلون مع عائلته.

تعود الحادثة هذه إلى كانون الأول (ديسمبر) 2013. ومضى يومها أكثر من عام على خطف فولي على طريق شمال سورية. وهو أسرّ إلى زملائه في الأسر أن أهله سيعلمون أنه حي. وكان على يقين من أن حكومته تتفاوض على إطلاقه. وما بدا للصحافي الأربعيني أنه بريق أمل ومنعطف واعد تبين أنه هاوية إلى باطن جحيم انتهى نهاية آب (أغسطس) الماضي حين حمله سجانوه على الركوع وقطعوا رأسه أمام الكاميرا. وموته المصوَّر هو خاتمة علنية لجلجلة وعذاب في الخفاء. ورواية ما يجري في شبكات سجون «الدولة الإسلامية» السرية، هي رواية معاناة لا تطاق. فجيمــس فولي وزملاؤه في الأسر تعرضــوا للضرب ولعمليات إيهام بالغرق. وبحث بعض منهم عما يطمـــئنهم ويواسيهم في محــنتهم فتحولوا إلى الإسلام وغيروا أسماءهم الغربية.

وتزامن اعتقال الرهائن الأجانب مع بروز قوة «الدولة الإســلامية» التي ولدت من فوضى الحرب الأهـــلية. وحين خـطف فولي لم تكن «الدولة الإسلامية» أبصرت النور بَعد. لكنها أثناء اعــتقاله ولدت واشتد عودها وصارت أقوى مجموعات التمرد في المنطقة. وفي العام الثاني على أسره (فولي)، صار في يد «الدولة الإسلامية» عشرات الرهائن، وأمكنها التفاوض على إطلاقهم ومقايضتهم. فبدأت تفرق بين السجناء الذين كانوا سواسية في الأسر والتــعذيب تفريقاً يعظّم القصاص أو يخففه بناء على جنسياتهم وقرارات تتخذ على بعد آلاف الكيلومترات في العواصم التي يتحدرون منها، واشنطن وباريس وروما ومـــدريد، وغيرها من العواصم. ونزاعهم من أجل البقاء ترويه المقالة هذه استناداً إلى مقابلات مع 5 رهائن سابقين، ومع أشخاص في مسقط رأسهم كانوا شاهدين على ما تعرضوا لهم، وأقارب الضحايا وزملائهم ومستشارين أشرفوا على مفاوضات إطلاقهم. ولا يدور كلامنا إلا على مَنْ أعلنت «الدولة الإسلامية» أسرهم.

الوقوع في الأسر

كان فولي على بعد 40 كلم من الحدود التركية حين قرر التوقف للمرة الأخيرة في سورية. مر عامان على هذه الحادثة. ففي 22 تشرين الثاني (نوفمبر) 2012 قطع فولي، الصحافي الأميركي الذي يراسل «غلوبل بوست» ووكالة الصحافة الفرنسية، وزميله المصور جون كانتلي في بنش، رحلة مغادرة سورية، ودخلا مقهى إنترنت من أجل إرسال تقريرهما إلى إدارة التحرير الصحافية. وكان الصحافيان يُحمِّلان صوراً على خادم الإنترنت حين دخل رجل المقهى. «لحيته طويلة، عابس ولم ينبس بكلمة»، يروي مصطفى علي مترجمهما السوري الذي كان معهما لدى أسرهما. وبعد ساعة على إرسال الصور إلى زملائهما في تركيا، استقلا سيارة أجرة تقلهما إلى الحدود التركية على بعد 40 كلم. لكنهما لم يصلا إلى وجهتهما. فثمة شاحنة تجاوزت التاكسي، وقطعت الطريق عليه: نزل منها مسلحون أمروا الصحافيين بالتمدد على الأرض، وبادروا إلى تقييدهما ودفعوهما إلى داخل الشاحنة وتركوا مصطفى علي على الطريق وهددوه بالموت إذا لحق بهم. وفي العامين اللاحقين، تعاظم عدد عمليات الخطف وعدد الإرهابيين الخاطفين. وفي حزيران (يونيو) 2013، خطف 4 صحافيين فرنسيين. وفي أيلول (سبتمبر) من العام نفسه، وقع 3 من زملائهم الإسبان في الأسر. فالحواجز هي مصائد الرهائن، وفي تشرين الأول (أكتوبر) 2013، خُطف بيتر كاسيغ (25 سنة)، تقني الطوارئ الطبية المتحدر من إنديانابوليس الأميركية، وهو في طريقه إلى تسليم معدات طبية. وفي كانون الأول (ديسمبر) الماضي، فُقِد أثر سائق الأجرة البريطاني، ألان هينينغ على حاجز في سورية. وهو أنفق مدخراته على شراء سيارة إسعاف من أجل الانضمام إلى قافلة إنسانية في سورية. وقبله فُقِد أثر 5 موظفين في «أطباء بلا حدود» كانوا يعملون في مستشفى في الريف السوري.

الاستجواب

يُصادر السجانون أجهزة كمبيوتر الرهائن النقالة وهواتفهم الخليوية وأجهزة التصوير ويطالبونهم بكلمات مرور أجهزتهم. ثم يراقبون بطاقتهم الشخصية على «فايسبوك» ويطلعون على دردشاتهم على سكايب وصورهم بحثاً عن أدلة على تعاملهم مع استخبارات غربية. وهذا ما حصل مع مارسين سودر، المراسل المصور البولندي ابن السابعة والثلاثين الذي اختطف في 2013 على مقربة من سراقب في سورية. وهو نقل من مجموعة إلى أخرى، وأفلح في الفرار بعد 4 أشهر. «نقلوني إلى مبنى الاستجواب. وبحثوا في كاميرا التصوير الخاصة بي واللوح الإلكتروني الخاص بي. ثم نزعوا ثيابي، وبدأوا يبحثون عن جهاز «جي بي أس» قد يكون موصولاً بجسمي أو ملابسي. وبعدها ركلوني، وكتبوا اسمي على «غوغل» مقروناً بكلمة سي آي أي أو كي جي بي. واتهموني بأنني جاسوس»، يروي سودر. وهو لم يعرف اسم مجموعة خاطفيه ولم يلتق أي رهينة أخرى. ولاحظ أن مفردات مستجوبيه بريطانـــية. وفي إحدى جلـــسات الاستجواب، عثر الجهاديون في كومبيوتر فولي على صور جنود أميركيين التقطها في مهماته الصحافية في أفغانستان والعراق. «على كعبي رجليه، رأيت آثار التعذيب وندوباً. أخبرني أنهم علقوه من رجليه رأساً على عقب وقتاً طويلاً»، يروي جيجوان بونتينك، وهو بلجيكي في التاسعة عشرة اعتنق الإسلام واعتقل 3 أسابيع في الزنزانة نفسها مع فولي. وأفرج عن بونتيــنك نهاية العام الماضي، وهو يروي تجربته هذه من مســـقط رأسه أنفيرس حيث يُلاحق هو و46 شاباً بلجيكياً بتهمة الانتماء إلى منظمة إرهابية.

ويقول بونتينك إن فولي وكانتلي كانا في البداية في قبضة «جبهة النصرة»، وأطلقا على حراسهما، وهم ثلاثة من الناطقين بالإنكليزية، لقب «البيتلز». وهؤلاء سلموا الصحافيين إلى مجموعة ناطقة بالفرنسية، «مجلس شورى المجاهدين»، نقلتهما من مكان إلى آخر 3 مرات قبل أن ينتهي بهما المطاف إلى الطوابق السفلية في مستشفى حلب للأطفال حيث قابلهم البلجيكي.

وبونتينك كان مقاتلاً ولكن سرعان ما وجهت إليه تهم التجسس، وأقصي من مجموعة المقاتلين اثر تلقيه رسالة من والده يسأله عن حاله ويبلغه قلقه على مصيره. وفي الاعتقال المشترك، وهو دام 3 أسابيع، درج بونتينك وفولي وكانتلي على تلبية نداء الأذان إلى الصلاة فور سماعه.

أبو حمزة الأميركي

إثر اعتقاله، اعتنق فولي الإسلام. وهذا ما يؤكده ثلاثة رهائن أُطلِقوا. و»فولي اختار اسم أبو حمزة. وكنت أقرأ معه القرآن. ومعظم الناس كانوا يتظاهرون باعتناق الإسلام على أمل تلقي معاملة أحسن. لكنني أرى أن فولي كان صادقاً في إسلامه»، يروي بونتينك. وقلة من الرهائن لم يتحولوا إلى الإسلام، ومنهم ستيفن سوتلوف اليهودي الملتزم. والرهائن المفرج عنهم أخيراً يؤكدون أن فولي كان مفتتناً بالإسلام. وحين أفرج عن بونتينك أخذ من شريكيه في الأسر رقم هاتف أهلهما، ووعد بالاتصال بهما. وهو حسِب أنه سيلتقي بهما قريباً، إثر الإفراج عنهما.

(شارك في التحقيق غلينا غوردون وإريك شيمدت، وكرم شوملي)

* مراسل، عن «نيويورك تايمز» الأميركية، 25/10/2014، إعداد منال نحاس

الحياة

 

 

 

“داعش” يتحول إلى استراتيجية “الوجوه المكشوفة” في حربه الإعلامية/ محمد عايش

تحول تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش» إلى استراتيجية جديدة في حربه الإعلامية تقوم على «الوجوه المكشوفة» والذبح الجماعي، من أجل بث مزيد من الرعب في قـلـوب خـصــومه، والـتـأكيد على أن الذبح بالســكين هو طريقة القتل المعتمدة، وهو المصير الأخير لمن يقع أسيراً بين أيدي التنظيم.

وبث التنظيم تسجيل فيديو جديدا لعملية ذبح جماعي بالسكاكين لعدد من الرهائن لديه، وهو التسجيل المرعب الذي أثار جدلاً واسعاً ولغطاً كبيراً في وسائل الإعلام الغربية، خاصة بعدما تبين أن عدداً من الذباحين يحملون الجنسيات البريطانية، ومن بينهم مواطن بريطاني واحد على الأقل، فيما انشغلت العديد من وسائل الإعلام في تحليل الأهداف التي يرمي التنظيم لتحقيقها من بث التسجيل الجديد الذي يتضمن عملية الذبح الجماعية لمجموعة من الرهائن، ومن بينهم رهينة أمريكي مسلم تم اعتقاله من قبل التنظيم سابقاً.

وفي التسجيل الجديد تم تسجيل تطورين هامين في الحرب الإعلامية التي يشنها «داعش» ضد العالم، أما التطور الأول فهو أنها المرة الأولى التي يتم فيها عرض عملية ذبح جماعية لرهائن، وليست عملية ذبح واحدة كما كان الأمر سـابقاً، أما التـطور الثاني في تسجـيل الفـيديو الـجـديد فهو أن عدداً من الذباحين ظـهروا مكشوفي الوجوه بسكاكينهم.

رسالة مهمة: التنظيم مستقر

وفسر صحافي عربي متابع للحركات الإسلامية ظهور ذباحي «داعش» وهم مكشوفو الوجوه بأنها «رسالة بالغة الأهمية والدلالة من التنظيم إلى العالم مفادها أنه -أي داعش في حالة استقرار واسترخاء، ولم يعد عناصره يخشون من الإمساك بهم ولم يعودوا يكترثون بتحديد هوياتهم» بحسب ما قال لــ»القدس العربي».

ويشير الصحافي إلى أن عملية الذبح الجماعي تمثل إشارة بالغة بأن التنظيم أصبح ينفذ أحكامه ضد من يعتقلهم دون أي عوائق ودون خوف من أن تتمكن أجهزة الاستخبارات الدولية من تحديد هويات عناصره أو تلاحقهم.

ويرى الكثير من المراقبين أن فشل الغارات الغربية على تنظيم «داعش» وفشل التحالف الدولي في القضاء على التنظيم قد يكون شجع على ارتكاب المزيد من الفظائع، ابتداء من الذبح بالسكاكين، وليس انتهاء بعمليات سبي النساء واختطاف الرهائن، حيث طائرات التحالف الدولي لم تنجح في تحديد المواقع الهامة للتنظيم ولا استهدافها، كما لم تهتز أركان حكم «داعش» سواء في مركزه الأصلي في مدينة الرقة السورية، أو عاصمته الجديدة في مدينة الموصل العراقية.

وقالت جريدة «التايمز» البريطانية في تقرير لها إن تنظيم «داعش» أراد من فيديو الذبح الجماعي أن يقول للعالم بأن لديه المزيد من القتلة والذباحين، مشيرة إلى أن عمليات إنتاج الفيديو أذهلت الكثير من المراقبين وشغلت أجهزة الاستخبارات العالمية التي بدأت التحقيق من أجل معرفة «الفريق الإعلامي التابع لتنظيم داعش والذي يقوم بإنتاج أفلام الفيديو بين الحين والآخر من أجل الترويج للتنظيم».

تقنيات عالية

وقال البروفيسور في الدراسات الاستراتيجية بجامعة «إكستر» البريطانية باول كورنيش «إن تسجيلات الفيديو التي يبثها تنظيم داعش منظمة بشكل جيد، ويجري تصويرها في مسرح مروع، وذات مستوى عال ومتميز في كل شيء كما لم نشاهد له مثيلاً من قبل» مشيراً إلى أن «المؤثرات المستخدمة في هذه التسجيلات ضخمة جداً» وأضاف: «إنه أمر معقد حقاً».

وتشير «التايمز» إلى أن جهاز الاستخبارات البريطانية (MI5) يعتقد أن برامج المونتاج والمكساج المستخدمة في عمليات إنتاج تسجيلات وأفلام «داعش» تم تحميلها من الانترنت من قبل أحد عناصر الخلية الإعلامية التي تعمل مع «داعش» لاستخدامها في عمليات الإنتاج، كما يسود الاعتقاد بأن من يقوم بإنتاج هذه التسجيلات ليس سوى منتج أفلام ومخرج مؤهل وله خبرة ومهارة عالية.

ورأت الصحيفة البريطانية أن ظهور الوجوه المكشوفة في فيديو الذبح الجماعي لتنظيم «داعش» يهدف إلى ايصال العديد من الرسائل إلى مؤيدي التنظيم وداعميه من جهة، وإلى دول العالم من جهة ثانية، مشيرة إلى أن الاعتقاد السائد يشير إلى أن الفيديو الأخير تم تسجيله في بلدة «دابق» بالقرب من الحدود بين سوريا وتركيا وهو مكان يعتقد المقاتلون أن المعركة الفاصلة ستكون فيه.

قلق غربي وضغوط متصاعدة

وبينما يواصل تنظيم «داعش» تطوير أفلامه وأعماله الفنية ليذهل بها العالم مستخدماً في ذلك أرقى وأحدث تقنيات الإنتاج السينمائي، فان الضغوط تتصاعد على الحكومات الغربية من أجل إيجاد طريقة لوقف الفيضان الإعلامي المدروس لتنظيم «داعش» على العالم، خاصة تسجيلات الفيديو المرعبة التي تتضمن عمليات ذبح وقتل لرهائن أجانب بما يثـيـر غـضـب الرأي العام في الدول الغربية التي لا تجد طريقة لتحرير رهائنها قبل قتلهم.

وكانت العديد من دول العالم وعلى رأسها الولايات المتحدة قد اجتمعت الشهر الماضي في الكويت من أجل تنظيم الصفوف في المعركة ضد «داعش» على الانترنت، وذلك بعد أن أدركت دول العالم أن المعركة الإعلامية مع «داعش» تتفوق في أهميتها على الحرب العسكرية.

وقال المنسق الأمريكي للتحالف الدولي الجنرال المتقاعد جون آلن خلال الاجتماع إن البروباغندا التي يقوم بها التنظيم تشكل «حرباً رهيبة تهدف إلى تجنيد وإفساد عقول أشخاص أبرياء» واعتبر أن التنظيم «لن يهزم حقاً إلا عندما يتم اسقاط شرعية رسالته الموجهة إلى الشباب الذين لديهم نقاط ضعف».

وشارك في المؤتمر ممثلون عن البحرين وبريطانيا ومصر وفرنسا والعراق والأردن ولبنان وسلطنة عمان وقطر والسعودية والإمارات.

ويسود الاعتقاد لدى الكثير من دول العالم وأجهزة استخباراتها بأن تسجيلات الفيديو التي يبثها تنظيم «داعش» والحملات الإعلامية التي يقوم بها هي التي تؤدي إلى إغراء آلاف الشبان الغربيين بالسفر إلى العراق وسوريا للقتال.

وكان مقاتلو «داعش» بدأوا سابقاً نشاطهم على الانترنت من خلال التواصل المباشر وشبكات التواصل الاجتماعي ليتطور الأمر لاحقاً إلى بث فيديوهات تتضمن رسائل مباشرة ودعوات للانضمام للمقاتلين، وكانت أغلب التسجيلات باللغة الانكليزية وتحاول استقطاب المقاتلين الأجانب من أوروبا والدول الغربية، لكن النشاط الإعلامي والحملات المبرمجة للتنظيم تطورت بعد ذلك ليتم إنتاج عدد من الأفلام ومقاطع الفيديو التي بدا واضحاً أنه استخدمت فيها أحدث التقنيات وآخر صرعات التكنولوجيا بما في ذلك كاميرات محمولة على طائرة بدون طيار تم استخدامها في مدينة كوباني قبل أسابيع.

كما تبين بأن لدى «داعش» عددا من أمهر صانعي الأفلام والمنتجين المؤهلين.

القدس العربي

 

 

 

“الجهاديون” الأوروبيون/ سلام الكواكبي

بعد أن فاضت بعض الصحافة ووسائل الإعلام المختلفة بأحاديث خيالية عن “جهاد النكاح”، بحيث أشبعت رغبات بيولوجية مكبوتة لدى قسم من الرأي العام، كما أنها تجاوبت مع طروحات المؤامرة والممانعة، المتضخمة سرطانياً في عقولٍ شابها التشويش الإيديولوجي والشلل الأخلاقي، أضحى “جهاد الأوروبيين” واقعاً ملموساً على الساحتين العراقية والسورية. فكما بدا لجميع منظمات التقصّي الدولية أن اسطوانة الحديث عن جهاد النكاح كانت فانتازيا “مغرضة”، متأتية من رغبة منحرفة المقصد، ومبكرة الدلالة على موقف رافضٍ خيارات من قرر الاحتجاج في سورية، ووسمه بكل الموبقات تيمّناً بالنظام، يبدو انخراط آلاف الشبان وبضع عشرات من الشابات القادمين من مختلف البلدان إلى المنطقة في العصابات المتطرفة، المتطفّلة بقوة ذاتيةٍ، وبعدٍ إقليمي على الثورة السورية، حقيقةً.

وبعد أن تشعّب الحديث المُسند حول جذب المقتلة السورية لشبابٍ مسلمٍ متجرّدٍ من التطرف، وأميل إلى “الأممية الإسلامية”، حيث رأى في مجريات أحداثها مجزرةً بحق أبناء “الأمّة”، كما سبق وجذبت حركات يسارية في تاريخٍ أوروبيٍ قريبٍ جموعاً من الشباب اليساري “المؤمن” بقضية نضالية، كما في الحرب الأهلية الاسبانية، إلا أن الاستمرار في وضع هذا التبرير الذي كان له بعد واقعي في مقدمة المشهد، هو هروب من مواجهة واقعٍ مُرٍّ ومحزن.

هناك آلاف ممن أتوا ليَقتلوا ويُقتلوا في سورية. منهم من نظّمته أحزاب وجماعات شرعنت وجودها التسلطي في دول الجوار قوة أمر واقع، كما في العراق ولبنان، وانضم إلى مقاتلي النظام بحجج دينية/جهادية/ارتزاقية. ومنهم من قدِم مُجنّداً افتراضياً عبر وسائل التواصل المتطوّرة من خلال شبكاتٍ إرهابية/جهادية، تسعى إلى قتل الآخر من غير المعميين على قلوبهم وأبصارهم، مهما كان هذا الآخر، مُعمِلةً فيه أحكاماً “قراقوشية” المصدر والاجتهاد، دموية التنفيذ وسادية التعبير وهمجية المنحى.

مئات، بل آلاف منهم أتوها مزمجرين من أوروبا. حيث من فرنسا وحدها بلغوا 1200 نفر كما ذكرت مصادر. ومن حسنات علم الاجتماع الغربي أن فيه أبواب دراسة لمختلف الأبعاد السوسيولوجية والجيوسياسية والدينية والأنثروبولوجية لكل ما يمكن أن يتأتى من ظواهر “مقلقة”، أو مفجعة. حيث تُبين الدراسات التي أجريت، حتى الآن، أن الانضمام إلى عصابات داعش يتم أساساً عبر الجذب الترغيبي أو الترهيبي، من خلال الإنترنت، حيث إن مكاتب التجنيد لا تحتاج إلى أكثر من جهاز كومبيوتر محمول مع اتصالٍ بالشبكة العنكبوتية، لاستعراض مجمل المحفّزات لهذا الانضمام.

حيث تتنوّع هذه المغريات من “جهادٍ” في سبيل رؤية مشوهة للنص الديني الذي حُرم من التجديد والاجتهاد منذ قرون، إلى إشباعٍ لأمراض جنسية، بربط الموت في سبيل الموت بحورياتٍ واعداتٍ باشقاتٍ، ينتظرن “المجاهد” المكحّل المعطّر، بعد أن يلبي النداء، ويقتل ما تيسّر لملاقاتهن، إلى محاولة شراء التوبة، كما أقنعهم المُجَنّد الافتراضي، جرّاء ما اقترفته أيديهم أو ألسنتهم أو أجسادهم في بلاد “الزندقة والكفر”.

وقد تبين للباحثين، أيضاً، أن منابت الشبان الملتحقين بهذه الجماعات متنوعة، وليست على سوية اقتصادية أو اجتماعية أو علمية واحدة. مع ذلك، غلب المصدر الجنائي على عديدٍ منهم. فلدى بعضهم نشرة شرطية حافلة خصوصاً بتهريب المخدرات وتجارتها، كما الاعتداءات المسلحة أو الدعارة ومشاربها المتنوعة، رجالاً ونساءً. مع ذلك، تجد منهم تقنيين بارزين في مجالاتهم، كما أدوات التواصل والهندسة، أو حتى الإدارة المالية، ما يُفسّر “الإنجازات” الإعلامية المتكررة، والتي تعتمد على “جاذبية” رائحة الموت وطعم الدماء ومشهد الجثث. وأضحى مدمنو ألعاب الفيديو العنيفة من أهم مستهلكي مشاهد القتل الداعشية وملحقاتها.

وأوضحت الدراسات، أيضاً، أن جزءاً لا بأس به ممن يَقتلون (ولا يُقاتلون) في سورية من المنخرطين الجدد في الدين الإسلامي. وحتى من هم منهم أولاد الجيل الثاني، أو الثالث، من المهاجرين المسلمين، فالغالبية منهم لا تتقن العربية، بل وحتى هم لا يجيدون مبادئها الأساسية. ولاحقاً لهذه الملاحظة، يتبين أن جُلّهم جاهل بأساسيات الدين الإسلامي، إلا ما تلقفوه على أيدي أئمة الجهل والتجهيل، ممن يعاقرونهم في أقبية الأبنية الفقيرة، والتي يسمونها ظلماً مساجد. كما وأنهم ينهلون “علمهم” من ترجمات الفضائيات الدعوية التي مارست الظلامية أغلبها. وحيث أنها ساهمت في منع الوعي من أن يُصيب بعض العقل المسلم، ويُطور ملكاته الجدلية والتحليلية المساعدة في وضوح الرؤية، ذات البعد الأخلاقي والإنساني والتعايشي، المُحمّل في الرسائل السماوية.

ويشير الانتشار “الهوليودي” لصور بعض الفرنسيين إلى أن قرار هؤلاء هو الموت، وليس العودة. هو الموت بعد قتل نفوس بشرية لشراء موطئ قدم في “جنّة”، مشتهاة بكل أبعادها الحسية، وبلا أي بعدٍ أخلاقي أو روحي لها.

اقترفت الأنظمة الاستبدادية العربية أشنع الجرائم المباشرة بحق شعوبها، لكنها، أيضاً، ابتكرت أقذر الوسائل لتسخير الظلامية في خدمة سلطويتها، وللابتعاد عن إحكام العقل والمنطق. في المقابل، فإن إدارة المسألة الدينية في الغرب من بعض القابعين تحت سيطرة الأنظمة نفسها، المالية على الأقل، أدت إلى رفع سوية الجهل بالإسلام لدى من أراده من الغربيين ديناً.

العربي الجديد

 

 

 

 

نحن القتلى من دون أسماء/ دلال البزري

الشريط الأخير لـ”داعش”، ذو الوحي الهوليودي مرة أخرى، حيث يذبح ثمانية عشر “من النظام السوري”، وعامل إغاثة اميركي، لا يخرج عن تقليد عربي عريق في معاملة أسماء الضحايا. تقليد مبني برسوخ على التمييز بين الأسماء: في حين يبرز إسم الضحية الأميركي، بيتر كاسيغ (عبد الرحمن، بعدما اعتنق الاسلام)، على نحو يدفع الرئيس الاميركي الى ذكره؛ وفي حين تعود وكالات الأنباء الغربية فتذكر اسمه مرفقا بالأسماء الثلاثة التي سبقته من اميركيَين وبريطاني واحد: جيمس فولي، ستيفن سوتلوف، ألن هينينغ، قضوا جميعهم ذبحا على يد “داعش”… في هذا الحين، الضحايا الثماني عشر من “النظام السوري”، لا نعرف شيئاً عنهم سوى وجوههم المنحنية المخدّرة؛ لا أسماءهم ولا حقيقة جريمتهم، اذ قيل، أيضاً، انهم مواطنون عاديون؛ لن نرى وجوه أمهاتهم على الشاشة، ولا آباءهم، ولا مراسم تعزيتهم ولو بكلمة واحدة، إعلامية.

يذكر هذا المشهد بإسم جندي اسرائيلي حفظناه عن ظهر قلب منذ سنوات، وبقي محفوراً: جلعاد شاليط، الجندي الاسرائيلي الذي خطفته مجموعة من الفصائل الفلسطينية في غزة عام 2006، في احدى حروبها، ولم تسلمه إلا بعد عملية تفاوضية طويلة قادت الى إطلاق سراح عدد لا نذكره من الفلسطينيين المعتقلين في السجون الإسرائيلية؛ لا نذكر عددهم، ولا بطبيعة الحال وجوههم أو أسماءهم. أما جلعاد شاليط، فصار له 332000 رابط على غوغل، وله “سيرة” على موقع ويكيبيديا، تسرد اصوله الفرنسية وحياته، فضلا عن الصور التي حفرت وقتها في ذهننا، واسمه الذي لم ننساه.

ما العلاقة بين شاليط وبيتر كاسيغ، أو جيمس فولي؟ هي العلاقة نفسها بينهم وبين المجهولين أبناء المنطقة الذين قضوا قتلا، في حروبنا. ففي هذه الواقعة، تكون الهوة شاسعة بين نوعين من الضحايا: الضحايا السوبر، إسرائيليون كانوا، أم غربيين، والضحايا الرثة، “التيرسو”. الأولون لهم أسماء ووجوه وأهل، وأمهات يبعثن بالرسائل ويناشدن الاعلام، تبكي الأرض كلها على مأساتهن؛ فيما الآخرون، الصنف الثاني من الضحايا، فلا شيء غير رقمهم. الرقم وحده يشير إليهم، وهو دائما الأعلى. أما إذا جلتَ بنظرك نحو أبعد من ذلك بقليل، بالموت بحق هذا الصنف من البشر، الجماعي، التجاري، فلن تعرف وسط كل هذه الأكوام من الجثث إسما واحداً، إلا إذا كنتَ ممن تتبعوا اخبار واحد منهم، ونجحت بعد وساطات، في معرفة ظروف إختفائه ومقتله.

ذلك هو القانون. الحروب التي نشأنا عليها، وعلى اختلاف أطرافها ومراحلها وأنماطها، كلها كانت ذات وجهة واحدة: سواء كانت مع إسرائيل أو اميركا أو المليشيات أو صدام أو بشار، أو “داعش” الآن… كان ضحاياها من أهل المنطقة مجهولو الهوية معروفو الرقم، تقريباً… فيما الضحايا الأجانب، ومعهم أصحاب الامتيازات والشهرة بيننا، تنتشر أسماؤهم وتسود صورهم، ولفترة من الزمن، لكي نتذكرهم جيدا.

يجيبك أصحاب الإهتمام بهذا الشأن بأن العدد الهائل من الضحايا لا يسمح بوضع اسمائهم وصورهم، وبالتالي في حفظها. انهم بمثابة جنود مجهولين، تصحّ عليهم الصلاة الجماعية ويعوَّض عن مجهوليتهم بكونهم شهداء. ولكن، المشكلة تقع تحديداً في هذه الزاوية من النظر: التسليم الضمني بالعدد المرتفع من القتلى بيننا، بصفته قدراً. من هذا التسليم يأتي التجهيل البديهي. إذ كيف لنا أن نغطي أسماء عشرات الآلاف من القتلى ونحفظ وجوههم؟ فالمشكلة ليست في عدم تغطية الأسماء، انما في استحالة حفظها وتسجيلها. والاعلام الغربي اعتاد على هذا التسليم. تركيزه على الاسماء الأميركية أو البريطانية هو بدوره مثل القول الضمني ان عدد الضحايا من اهل المنطقة من البديهيات، وموتهم بالتالي لا يهم إلا بأرقامه. وهذه حقيقة استوطنت في دواخلنا نحن أيضا، وبتنا لا نكترث بالثمانية عشر مذبوحاً، ولا بالعشرين جندياً لبنانياً المهددين بالذبح، اهلهم وحدهم يهتمون.

فاهلا بكم في البلاد السائبة، بلاد القتلى بلا اسماء. قد يأتي أحدهم على هامش خبر مقتل أجنبي، فيرتفع شأنه قليلا بعد رحيله عن هذه الدنيا.

المدن

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى