صفحات العالم

دراسة عن دويلة الأسد المحتملة: جيب علوي أم دويلة عاصمتها دمشق؟/ إبراهيم درويش

لندن ـ ‘القدس العربي’ منذ بداية الأزمة السورية في آذار/ مارس 2011 يجري الحديث عن دولة علوية أو دويلة لبشار الأسد تكون استمرارا لحكم يقوده وما تبقى من نظامه.

وفي العادة ما تتم الإشارة لمناطق العلويين في جبالهم وعلى المناطق الساحلية التي تعيش فيها تجمعات الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الأسد أي في اللاذقية وطرطوس.

دولة أمراء الحرب

وفي ظل استمرار الحديث عن جنيف 2 المقرر انعقاده الشهر المقبل واستمرار المعارك في شمال سوريا وشرقها وحول العاصمة، يبدو الحديث عن ‘دويلة أسدية’ سابق لآوانه، لكن وفي ظل تأسيس القاعدة وفرعها الدولة الإسلامية إمارة عاصمتها الرقة، وظهور إمارات صغيرة يسيطر عليها أمراء حرب تتلاقى مصالحهم مع القاعدة أحيانا وتفترق، وفي ظل سيطرة الأكراد على مناطقهم، فولادة دويلة علوية سيؤكد في النهاية تقسيما فعليا للبلاد مما سيترك آثاره الخطيرة على مستقبل البلاد.

وفي حالة تحققت الدويلة العلوية هذه فسيكون الأسد مسيطرا على نسبة 40 بالمئة من البلاد تعيش فيها تجمعات سكانية تتراوح ما بين 60 ـ 70 بالمئة من مجمل عدد السكان. وسيقتضي وضع حماية هذا الكيان الصغير، والدفاع عنه من هجمات الجهاديين والجماعات المتشددة نزاعا طويل الأمد وحراكا سكانيا، وتطهيرا عرقيا ربما، وإقامة طويلة الأمد للاجئين السوريين في دول الجوار.

حدود الدويلة

ومن هنا تبدو دراسة نيكولاس هيراس الصادرة عن معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدني الأمريكي المحافظ محاولة لرسم حدود هذه الدويلة وفهم ديناميات السلطة في سوريا اليوم وكيف ستكون طبيعة هذه الدويلة، علوية بالخالص، أم دويلة تضم كل المكونات السكانية التي تقف مع نظام الأسد اليوم. وتحمل الدراسة عنوان ‘احتمالات دويلة للأسد في سوريا’.

فمن ناحية البعد الجغرافي الذي ستحتله هذه الدويلة، فهي مناطق اللاذقية وطرطوس وحمص، وهي المناطق التي ظلت بشكل كبير تحت سيطرة القوات الحكومية وبقيت التجمعات السكانية المتنوعة فيها موالية للنظام بشكل أو بآخر.

ومن ناحية المفهوم فقد جرت مناقشة شكلين للدولة، واحد يستعيد ‘الدولة العلوية’ التي أنشأها الفرنسيون عام 1925 وأعيد تسميتها عام 1930 ‘حكومة اللاذقية’.

أما السيناريو الثاني فهو دويلة أبعد من مناطق العلويين وتضم بالإضافة لهذه المناطق، أخرى موالية للنظام في إدلب وحماة وحمص والتي لم تقع بشكل كامل في يد المعارضة. وسيكون بمقدور النظام في ظل هذه الدويلة السيطرة على دمشق التي ستظل مركزا لسلطته. ويرى هيراس أن كلا النموذجين للدولة تم رسمهما بناء على التجربة التاريخية والسياسية والثقافية للتجمعات العلوية والواقع السياسي- الإجتماعي للأقليات وتوزعها في سوريا. فبالنسبة للنموذج الأول ستكون الكثافة السكانية فيه للعلويين مع تجمعات سنية ومسيحية كالتي تعيش في وادي النصارى وفي منطقة تل كلخ، وسيكون هذا الوادي حاميا للدولة، أما العاصمة فستكون إما اللاذقية او طرطوس، وستمتد على طول شاطئ المتوسط.

دمشق ستبقى

أما النموذج الثاني فالكثافة السكانية فيه ستكون متنوعة، خاصة أنه سيمتد من اللاذقية وطرطوس، شمالا لإدلب وحمص في منطقة الوسط وجنوبا حتى درعا، مما يعني بقاء دمشق في قلب الدويلة هذه.

ويقول الكاتب إن الدافع نحو إنشاء دولة علوية هو الخوف من المستقبل وحماية الطائفة التي ترى في الحرب معركة وجود، ولهذا فقد تقوم حكومة الأسد بتأمين جيب آمن في مناطق العلويين وتقوم بحملة لتأكيد سيادتها على بقية سوريا.

ومن هنا فتأمين الطريق السريع ‘أم فايف’ من دمشق لحمص والساحل، وتأمين المعابر اللوجيستية كي تكون قادرة على تزويد قواتها حول حلب، والسيطرة على الطريق المعروف بثغرة حمص قد تعطي النظام القدرة على تحقيق عدد من الأهداف.

سلطة نظرية

وترى الدراسة أن الطرق السريعة التي ظل معظمها في يد النظام قد تخدم كحدود لدويلة الأسد مثل ‘أم فايف’، ووادي الخضرة ‘النصارى’ في محافظة حمص، ‘أم وان’ الذي يمتد من الحدود السورية- اللبنانية إلى حمص وطرطوس. ويرى الكاتب أن معركة القلمون هي جزء لتعزيز وجود النظام، خاصة أن المنطقة الجبلية هي موقع جديد من مواقع المواجهة بين النظام والمعارضة، خاصة أن ‘أم فايف’ يمتد داخل المناطق الجبلية في المنطقة بين القلمون وحمص ودمشق.

وتنبع أهمية منطقة القلمون من قربها من المناطق اللبنانية، خاصة بلدة عرسال التي تحولت إلى مركز من مراكز الدعم اللوجستي للمعارضة المسلحة. ويشير الكاتب هنا إلى أهمية القرى في منطقة النبك في ريف دمشق وطبيعة سكانها، حيث يبلغ عدد سكانها مجموعة أكثر من 50 ألف نسمة، وفي بعض القرى هناك تجمعات مسيحية إما محايدة أو موالية للنظام، فمثلا قرية صيدنايا شاركت بأعداد كبيرة في دعم قوات الدفاع الشعبي الموالية للنظام، فيما طالبت قرى أخرى الحكومة الروسية بمنحها الجنسية حتى تحصل على الحماية.

يستطيع الأسد في مناطق هذه الدويلة فرض سلطته الفعلية عليها، لكنه يمارس سلطة إسمية على مناطق أخرى في البلاد، ويقوم بالتعاون مع اللاعبين المحليين، كما في القامشلي ودير الزور والحسكة في شمال- شرق، وجسر الشغور والكفرية في إدلب، وكذا في مدينة درعا وجبل العرب والسويداء والقنيطرة وتدمر.

وتشير الدراسة إلى أن فكرة الدويلة وحماية المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام قد تكون مغرية للنظام، لكنه سيحاول في الوقت نفسه منع بروز كيانات أخرى منافسة، وسيواصل العمل مع الجماعات التي استفادت منه وتفضل الإصلاح على نظام لا تعرف هويته، فقد يواصل التشاور والعمل مع قبائل الجبور في شمال- شرق سوريا، والأقليات المسيحية في حمص وطبقة رجال الأعمال السنة في حماة ودمشق وحلب، وسيحاول النظام استخدام هذه العلاقات إضافة لتأكيد تماسكه الطائفي كي يواصل سيطرته على مناطق واسعة من البلاد. ولا يخفي الكاتب وجود تحديات اقتصادية وسياسية واجتماعية أمام نشوء هذا الكيان.

الطبيعة الديموغرافية

من التحديات التي ستواجه دويلة الأسد هي التركيبة السكانية لها، ففي الوقت الذي ستكون فيه اللاذقية وطرطوس قلب هذه الدويلة حيث تتركز التجمعات العلوية، لكن المناطق التي ستكون ضمن الدولة تمثل تنوعا سكانيا وعرقيا، فحقيقة تشكيل العلويين الغالبية في هذه الدويلة 52 بالمئة و 37 بالمئة من السنة والبقية مسيحيون وشيعة وإسماعيليون لا ينفي وجود التعقيد الإثني لهذه الدويلة.

وقد يؤدي خوف النظام من التهديد السني عليه لارتكاب مجازر وعمليات تطهير عرقي. ويمكن تفسير المذابح التي جرت في الحولة والبيضا وبانياس على أنها صورة عن هذه المخاوف، كما أن قيام النظام بتهديم المناطق العشوائية حول دمشق ذات الغالبية السنية هي جزء من محاولة القضاء على التهديد السني.

فقد قام النظام بهدم حي البساتين في المزة والذي يسكنه العرب والأكراد فيما ترك حيا مجاورا له يسكنه العلويون قائما.

وفي تحليله للطبيعة الديمغرافية لدويلة الأسد، يشير إلى دمشق تحديدا التي يعيش فيها مئات الألوف من العلويين وحولها النظام الى قاعدة عسكرية ومركز للحرس الجمهوري والفرقة الآلية الرابعة، وكذا مقاتلون من الحرس الجمهوري والجماعات الشيعية والجيش الشعبي وقوات الدفاع الشعبي.

اقتصاد

وتظل المشكلة الديمغرافية وإن كانت خطيرة جزءا من تحديات سيطرة الأسد على السلطة، ولعل المشكلة الإقتصادية ستكون الأكبر، فمنذ ولادتها ـ هذا إن تحقق السيناريو- ستجد دويلة الأسد نفسها أمام استحقاقات تمويل الحرب وخسارة في الإنتاج الإقتصادي 18 مليار دولار أمريكي، يضاف إلى هذا نسبة عالية في البطالة، وتعطل الحياة الزراعية والتجارية بنسبة 67 بالمئة.

وبحسب إحصائيات الأمم المتحدة فهناك 5 ملايين نسمة أو ربع سكان البلاد تحولوا إلى لاجئين في داخل وطنهم، ومعظم المهجرين الذين يعيشون في محافظة اللاذقية 200 ألف تقريبا هم من السنة. ويعاني القطاع الصحي من مشاكل صعبة فنصف المستشفيات في سوريا لا تعمل او دمرت. كما أن خمس العائلات لا تحصل على ما يكفيها من طعام وتبلغ كلفة إعمار سوريا ما بعد الحرب حوالي 30 مليار دولار.

وفي الوقت الذي حاول فيه النظام السيطرة على الإقتصاد بجعل الموالين له يسيطرون على الصناعات. وعليه فدويلة للأسد سترث اقتصادا دمرته الحرب، مع أن الاسد تحدث بثقة عن خطط لإعادة تأهيل الإقتصاد بعد نهاية الحرب.

وأظهرت دراسة أعدها برنامج الزراعة والغذاء التابع للأمم المتحدة أثر الحرب على الزراعة والثروة الحيوانية وزيادة كلفة العمالة. وتراجع الإنتاج الزراعي.

ويقول الكاتب إن ميناءي اللاذقية وطرطوس قد يدعمان اقتصاد الدويلة حالة تم نقل مواد للتصدير من المناطق التي تمت إعادة تأهيل الصناعات فيها، خاصة منطقة حمص التي تعتبر مركزا للصناعات الحيوية والكيماوية وقربها من الساحل يجعلها في وضع كي تسهم في إعادة تأهيل الإقتصاد. ويقترح الكاتب مجالا آخر لإنعاش اقتصاد الدويلة وهو الإستثمار في الطاقة الطبيعية خاصة في المياه القريبة من اللاذقية.

مع وضد

يناقش الكاتب فكرة الدويلة من منظور المدافعين ـ الداعمين لها والذين يعارضونها.

فمن يراها ضرورة ينظر إليها من وجهة نظر العلويين الذين يرون في الحرب الدائرة حربا وجودية لا يمكن أن يكون التصالح ثمرة من ثمارها، ولهذا قد يقرر الأسد الذي يفضل حكم كل سوريا ومن خلال عقيدة القومية العربية، التراجع في مرحلة ما لجبال العلويين والدخول في حرب مع أعدائهم الداخليين وبمساعدة خارجية من روسيا وإيران.

أما من يرى في فكرة الدويلة خطرا، فينظر إليها من منظور استراتيجي وجيوسياسي، وهذا ما قد يطبع الموقف التركي والإسرائيلي منها. فتركيا على وجه الخصوص قد ترى فيها تهديدا وذلك لأن طائفة علوية كبيرة تعيش فيها، وقد تقود إلى حركة إنفصالية في حدودها الجنوبية حيث يعيش العلويون.

وهناك عامل آخر يراه الكاتب عائقا أمام ولادة هذه الدويلة وهي معارضة العرب نشوء هذه الدولة لأنها ضد فكرة وحدة سوريا. وإن نشأت فستعيد التذكير بخارطة سايكس- بيكو وتقسيم ميراث الدولة العثمانية بين المنتصرين.

عامل حزب الله

وفي سياق الدويلة هذه يقرأ الكاتب دور حزب الله في الأزمة السورية، والذي يرى فيه دفاعا عن وجوده نظرا للإرتباط العضوي بين بقاء النظام السوري وبقاء حزب الله. ويشير الكاتب إلى أن مبررات حزب الله حول تدخله في سوريا ليست مقنعة لا لحلفائه المحليين ولا للأطراف الإقليمية لكن دخوله على هذه الحرب ونصره في القصير يخدم فكرة الدفاع عن الوجود، على الرغم من استمرار الحزب التركيز على فكرة المقاومة ومواجهة إسرائيل. وفي هذا السياق يقول الكاتب إن الفكرة هذه قد تكون ناجحة في الحفاظ على تماسك الدويلة الداخلي حالة استمر النظام في تقديم روايته عن ‘المقاومة’ والدفاع عن سوريا ضد ‘الإرهابيين’ و’الجماعات الأجنبية’، وهي رواية لم يتوقف النظام عن استخدامها حتى أثناء التظاهرات السلمية. لكن فكرة الجبهة الموحدة داخل مناطق النظام ضد القوى الأجنبية اهتزت من تصرفات بعض أعضاء الميليشيات الذين حاولوا تأكيد سلطتهم وبناء مناطق نفوذ شبه مستقلة عن النظام وتقوم على فكرة ‘القبضاي’.

هزيمة للأسد

يرى الكاتب أن فكرة الأسد عن الصراع هي الحفاظ على سوريا موحدة تحت سلطته، اي استمرار حكمها كما كانت قبل الحرب، لكن نشوء هذه الدويلة وتأكيد تقسيم سوريا فعليا يعني بالضرورة هزيمة حقيقية له.

وفي ضوء الواقع الذي استطاع فيه النظام فرض سيطرة وإن كانت نظرية على مناطق خارج سيطرته الفعلية فمن غير المتوقع أن يقوم بالتخلي عن السلطة. ونفس الأمر يصدق على المقاتلين الذين أقاموا سلطة فعلية في مناطقهم.

وفي النهاية إذا نجح خيار الدولة العلوية في مناطق العلويين فهذا يعني نجاحا للمعارضة بهزيمة الجيش السوري، وانهيار دولة دمشق البوليسية وخروج الأسد من السلطة. وفي سياق آخر قد ينجح الجيب العلوي ببناء اقتصاد جيد وعلاقات دولية وقدرات دفاعية، مع أن استقلالية هذا الجيب تعتمد في النهاية على العوامل الخارجة عن سيطرتها، من مثل تدخل عسكري خارجي كان وراء تراجع الأسد لمناطق العلويين أو بسبب انتصارات حققتها المعارضة على النظام.

ويظل أي خيار من خيارات الدويلة السورية المحتملة محملا بالمخاطر وسيترك آثاره السلبية على الوضع السوري، فسيؤدي إلى حرب دائمة وكينونة بدون حدود واضحة أو معترف فيها، كما وسيعني الجيب العلوي على الساحل إحكام السيطرة على الميناءين الرئيسين للبلاد، ونقطة أخرى فتقسيم البلاد ‘الفعلي’ سيترك آثاره على سوريا في مرحلة ما بعد الحرب، وعلى الثقة المتبادلة بين الجماعات والطوائف السورية.

يذكر أن هيراس يعمل باحثا في مؤسسة جيمس تاون وباحث مشارك في الجامعة الوطنية للدفاع.

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى