صفحات العالم

الله يهديك يا بشارة!


حسين شبكشي

أتمنى أن يكون بطريرك الكنيسة المارونية بلبنان قد جاءته الفرصة لرؤية المشاهد المروعة التي بثتها القنوات الإخبارية الفضائية لمذبحة نساء وأطفال حمص المهولة، والتي وضحت بشاعة الجرائم التي يرتكبها نظام الطاغية بشار الأسد وزبانيته بحق شعبه، وشملت وسائل القتل الذبح من الوريد للوريد وقلع العيون وبتر الأطراف وسكب البنزين على الأجساد وإشعالها بالنيران، وكلها وسائل لم يقم بفعلها لا مهاويس الخمير الحمر في كمبوديا، ولا التوتسي في رواندا، ولا النازيون في ألمانيا.

إننا أمام أقذر نظام عرفه العصر الحديث، نظام بلا مروءة ولا أخلاق ولا ناموس ولا شرعية، لا يوقفه شيء ولا يردعه رادع، هذا هو نفس النظام الذي حذر وأنذر البطريرك بشارة الراعي من سقوطه وقال عنه إنه نظام ديمقراطي أكثر من كل الأنظمة العربية، وإن هذا النظام هو ضمانة حقيقية لعدم وصول التطرف الأصولي الإسلامي للحكم.

حقيقة إن موقف بشارة الراعي المبادئي من الثورة السورية ودفاعه الغريب عن النظام السوري، ودخوله في الخندق المريب للمدافعين والمبررين لبشار الأسد والمانحين له الأعذار والشرعية، يجعله شريكا بشكل مباشر في دماء الضحايا وأحد أهم عناصر التراخي الدولي باتجاه نصرة الشعب السوري الواقع تحت براثن النظام المجرم، وليس خافيا على أحد أن «استقالة» البطريرك اللبناني السابق لبشارة الراعي، مار نصر الله صفير، لا تزال مليئة بالغموض والغرابة وغير واضحة الأسباب. ليس غريبا صمت البابا الكاثوليكي المعروف بتطرفه الشديد ضد الإسلام الذي وصل إلى الفاتيكان وبدأ عهده على رأس الكنيسة الكاثوليكية الكبيرة بسلسلة من التصريحات الجارحة بحق الإسلام تكررت في أكثر من موقع، ليس غريبا صمته على تعليقات موظفه في المشرق بشارة الراعي، لأن هذه التصريحات تتماشى مبادئيا مع تصريحات البابا نفسه عن الإسلام الذي حذر هو منه بأشكال مختلفة.

أستغرب حقيقة الفهم الأعوج للحرية وللديمقراطية وللتعايش في عقل وذهنية رئيس وزعيم كنيسة مهمة وقديمة نوعا، مثل الكنيسة المارونية. ولكن يجب دائما التذكر أن الكنيسة المارونية لم تكن أبدا تؤمن بالديمقراطية الحقيقية بقدر إيمانها بالديمقراطية الشكلية التي تحفظ لطائفتها جدارة الواجهة السياسية، حتى ولو طحن وظلم الآخرون، وهو فهم للديمقراطية نتج عنه حرب أهلية لبنانية أكلت الأخضر واليابس بلا رحمة ولا هوادة. ومع ذلك يبدو أن بشارة الراعي لم يتعظ مما جرى في بلاده، ولا يزال ينتصر للظالم على حساب المظلوم، يؤيد الجلاد على حساب الضحية، ويساهم في دفع البلاد السورية دفعا باتجاه واضح نحو الحرب الأهلية التي ستطال شظايا قنابلها المتفجرة الجوار، وستصيب لبنان فورا، وبكل طوائفه، بشكل لا يقبل الشك ولا النقاش.

سوريا التي يعاني شعبها من خذلان من ناصر الأسد ونظامه المجرم، سواء أكان من تجار الدين أو تجار السياسة، لم يعد لها من مخرج إلا أن «تحل» الموضوع بأيدي شعبها وبتسليحه فورا، لأن النظام السوري الذي لم يجد بشارة الراعي خيرا منه ليدافع عن الأقليات والطوائف في المنطقة، يقوم فعلا بإذكاء الطائفية عبر تنفيذ قمع طائفي انتقائي بامتياز وتفريغ بعض المناطق من سكانها وتهجيرهم قسرا وبالقوة الدموية، في شكل يساوي بينه وبين الصربية الفاشية والألمانية النازية وغيرهما من أشكال الطغيان المعروف.

لم يعد من خيار إلا تسليح الجيش السوري الحر بعد أن منح المجتمع الدولي الفرصة تلو الأخرى لأن يقضي بشار الأسد على أكبر قدر ممكن من الثوار والمدن. دول وأنظمة تواطأت مع الأسد لتحميه على حساب الشعب، ولم يعد هناك معنى لا للشعارات الدينية ولا السياسية ولا الأخلاقية.

سوريا وشعبها أمام خيار واحد وهو الخلاص من أكثر الأنظمة الموجودة إجراما اليوم. وإذا لم تتحالف الحكومات مع مطلب الحرية والكرامة للشعب السوري، فحتما هناك الكثير من العقلاء والشرفاء من الشعوب يقدمون على ذلك فعلا. ألا إن نصر الله قريب. هانت.

أتمنى أن يكون بشارة الراعي فخورا بنفسه وبموقفه! واضح أن التشابه في بشارة الراعي مع بشار الأسد في الاسم الأول فقط.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى