صفحات العالم

دمشق تقرر الحسم.. بعدما استشعرت المخاطر التي تهدد النظام

 


نبيل هيثم

قراءة سورية للعناصر الخارجية التي غطت العناصر الداخلية و«تلطت بالإصلاح»

من نافل القول إن ما تمر به سوريا حاليا اكبر وأخطر بكثير من سلسلة من الامتحانات الصعبة التي واجهها النظام السوري من 11 أيلول، إلى غزو العراق، إلى اغتيال الرئيس رفيق الحريري والخروج من لبنان، إلى «حرب تموز» 2006، وصولا إلى حرب غزة، وتلك المحطات كلها نجح الرئيس بشار الأسد في تجاوزها ومعه سوريا سواء بالإدارة أو بالصبر والصمود والتمسك بالثوابت الوطنية والقومية، فيما الأزمة الحالية هي نموذج جديد بحيث يمتزج فيها «العدو الخارجي» المتعدد الجنسيات بالعناصر الداخلية على أنواعها.

في هذا السياق، يقول مسؤول سوري بارز «إن الكثير من الخيوط الداخلية والخارجية قد تكشفت امام القيادة السورية، فكان لا بد للرئيس بشار الأسد من اتخاذ قرار الحسم، وقد لا يتطلب ذلك وقتا طويلا، خاصة وأن الرئيس السوري، نجح في التهيئة وفي تعبئة الشارع السوري ضد الفتنة، وفي استقطاب من يريدون الاستقرار لسوريا وفي فرز تلك الفئات التي تسعى الى التخريب تحت عنوان الاصلاح، عن سائر فئات الشعب السوري».

ولعل ما يصر المسؤول السوري على تأكيده هو «ان باب الاصلاحات الذي فتحه الأسد، قد يشهد في الآتي من الايام مزيداً من الخطوات»، الا ان المضحك المبكي بالنسبة اليه، هو التباكي الدولي ونحيب بعض ما تسمى «الديموقراطيات الخليجية» على الاصلاحات في سوريا، وهناك لدى القيادة السورية عينات من الرعاية المباشرة لبعض الفئات التخريبية، سيتم تظهيرها في القريب العاجل».

ولقد جاء قرار القيادة السورية بالحسم غداة الزيارة السريعة التي قام بها وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، إلى دمشق، وفي ذلك إيحاء عن وجود مظلة خليجية – أميركية فيما ردد البعض ان القيادة السورية اغتنمت فرصة الزيارة للقول بأن قرار الحسم يحظى بالتغطية والدعم العربي والخليجي. وهناك من يقول إن زيارة عبد الله جاءت بعد تلمس وجود قرار سوري بالحسم، وذلك في سياق محاولة إماراتية لتحييد الذات عن «الجبهة العربية» التي تستهدف سوريا.

وقالت شخصيات لبنانية على تماس مع القيادة السورية إن الزيارة الاماراتية جاءت في سياق مهمة محددة، في ظاهرها إبلاغ موقف خليجي داعم للنظام السوري وأما باطنها فينطوي على محاولة – لم تنجح – لإجراء مقايضة بين الوضع الداخلي في سوريا وبين الوضع في البحرين.. يسعى من خلاله هؤلاء العرب الى انتزاع موقف سوري رسمي واضح يدين ما يعتبره الخليجيون التدخل الإيراني في شؤون البحرين. ويماشي البيانات الاخيرة المتتالية لمجلس التعاون الخليجي في الهجوم على إيران، أي أنهم يريدون سوريا الى جانبهم في «حربهم الاميركية» ضد إيران، لكن الأسد لم يحقق مرادهم.

ولقد قيل للأسد «إن ايران تتدخل في شؤون البحرين وهو امر مدان من قبل العرب»، فذكّر محادثيه «بأن سوريا قامت بما عليها في هذا المجال، ونصحت الجانب الإيراني خلال زيارة وزير الخارجية وليد المعلم الى طهران بعدم التدخل في البحرين، ولم يصدر عن إيران سوى دعوة لأخذ مطالب المعارضة البحرينية في الاعتبار». وقيل للأسد «أن تطوّر سوريا موقفها مما يجري هناك، خاصة أن التوتر السياسي يتطور بين ايران ودول الخليج»، فذكر محادثيه بأن سوريا تعرف مسؤولياتها، وهي قالت ما رأت ان عليها ان تقوله في هذه الازمــة، وتعتبره كافياً ووافياً.

ويشير المطلعون على موقف القيادة السورية، إلى ان قرار الحسم استند على خلاصات أبرزها الآتي:

أولاً، هناك من يحاول إخراج الإصلاحات عن سياقها، والمؤشر على ذلك المواقف الخارجية والترجمة الفورية لها بأعمال تخريبية داخلية وبتغطية إعلامية تولتها فضائيات «الاعتدال العربي».

ثانياً، محاولة تغذية الأحداث في سوريا عبر الممرات الحدودية مع الدول المجاورة، وهذا ما حدا بالسلطات الســـورية إلى إقفال المعبر الحدودي مع الأردن، وربما مع دول أخرى لاحقاً اذا دعت الحاجة لذلك.

ثالثاً، الاتساع المفاجئ للجبهة المعادية للنظام السوري، سواء من الجانب القطري الذي سخر قناة الجزيرة في خدمة زعزعة اركان نظام الأسد، ولا ننسى هنا قناة «العربية» ومن يرعاها خليجياً، أو من الجانب التركي والصعود المفاجئ لتلك اللغة الطاووسية الواردة من انقرة الى دمشــق، بما فيها من تعابير فوقية مثل: «نصحنا الأسد بكذا».. و«ننتظر منه كذا وكذا».. و«إصلاحاته غير كافية».. و«ننتظر منه أن يقدم أكثر»، الأمر الذي وضع الموقف التركي في موقع شديد الالتباس بالنسبة الى السوريين، ما دفع بعض من هم في محيط القيادة السورية الى ترجيح فرضية ان يكون هناك من أغرى الاتراك بأنهم قد يكونون نموذجاً لعثمانية جديدة ترث كل هذه الفوضى التي تحدث على المسرح الشرق اوسطي والتي تعم العالم العربي حالياً.

رابعاً، الضغط الأميركي ـ الاوروبي المتزايد على سوريا، والذي يدرجه المطلعون على موقف القيادة السورية في سياق مكمل لتلك المحاولات المستمرة تارة بالضغط السياسي او التخريبي المستمر على سوريا منذ عام 2004 وكما يجري حالياً، وتارة أخرى بالإغراءات السياسية والمالية والاستثمارية لفك عرى العلاقة بين سوريا وإيران وبين سوريا وقوى المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق.

السفير

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى