صفحات سوريةفايز ساره

سباقات الحل بين الداخل السوري والخارج


فايز سارة

لعل أهم ما يميز مناسبة الذكرى السنوية لانطلاق الثورة في سوريا، حضور أزمتها أمام مفصل مهم من تطورها.. إذ صارت الأزمة اليوم في سباق بين نهجين أحدهما داخلي تتابعه السلطات السورية، وآخر يتابعه المجتمع الدولي. وفي وقت تصر فيه السلطات السورية على استمرار الحل الأمني العسكري وتصعيده في معالجة الأزمة، وحسم الوضع القائم بإعادة إحكام قبضتها على البلاد بواسطة القوة، يسعى المجتمع الدولي نحو إيجاد حل للأزمة، يقوم على خلق آلية عمل سياسي يوقف استخدام القوة، ويحد من تداعياتها، قبل أن ينتقل إلى تفاهم وتوافق بين السلطات السورية ومعارضيها، يرسم ملامح مرحلة انتقالية.

وإذا كانت السلطات السورية ذهبت في الآونة الأخيرة نحو الاستخدام الأوسع للقوات العسكرية والأمنية، فشملت عملياتها مختلف المحافظات، ولا سيما في محافظات الوسط من حمص مرورا بإدلب وصولا إلى حلب ثم الرقة، فإن الحراك الإقليمي والدولي ذهب من جانبه إلى الحد الأقصى في حراكه منذ اندلاع الأزمة في ربيع العام الماضي.

وعكس التطور السابق في الأهم من تجلياته أمرين اثنين، أولهما رغبة السلطات السورية في حسم الوضع من خلال إجراء تحولات جوهرية في المعالجة الأمنية العسكرية وأسلوبها المتبع في المناطق التي تشكل حواضن حركة الاحتجاج والتظاهر، وتلك التي توجد فيها قوات الجيش الحر والمتطوعون الذين يناصرونه، ليس فقط بالاستخدام الأوسع والمفرط للقوة من خلال إدخال مزيد من القوات والعتاد في معركة الحسم، بل أيضا بتبني نهج حصار المناطق، وتكثيف النيران عليها، وإدامته لأطول فترة زمنية قبيل الدخول إليها واجتياحها بشكل كامل، الأمر الذي سيؤدي حسب التحولات الجديدة إلى تصفية شاملة لمعارضي النظام من المسلحين والمدنيين في تلك المناطق على نحو ما حصل في بابا عمرو بحمص، فقد تحولت إلى منطقة أشباح مدمرة لا مسلحون فيها ولا مدنيون حتى.

والأمر الثاني الذي يعكسه تطور الأزمة السورية، يتصل بالحراك الإقليمي والدولي، وقد بات أكثر إحساسا بعمق الأزمة وبالآثار المدمرة لتطورها وتداعياتها، خصوصا بعد ذهاب السلطات السورية إلى الأبعد في خيارها الأمني العسكري وتوسيعه، وقد بات يهدد بانفجار الوضع الداخلي إلى أقصى الحدود، وهو أمر إن حدث سوف تكون له آثار إقليمية خطيرة، لعل أولها انخراط فئات وجماعات من دول الجوار السوري بالأعمال المسلحة في الأراضي السورية، مما يعني توسيع حدود الصراعات المسلحة لتشمل بلدان الجوار أو بعضها، إضافة إلى إدخال عناصر متزايدة في الصراعات القائمة في سوريا، وهذا سيدفع المنطقة وكياناتها نحو قاعدة جديدة لتشكل الكيانات السياسية، هي الأولى من نوعها في المنطقة منذ اتفاقية «سايكس – بيكو»، التي رسمت حدود دول المنطقة بدايات القرن الماضي.

وإزاء الأخطار والتحديات التي تفرضها تطورات الأزمة في سوريا، فإن حراك المبادرات والجهود تكثف في الفترة الأخيرة، وكان في عداده المبادرة الصينية، وجهود المبعوث العربي والدولي كوفي أنان إلى سوريا، واللقاء الذي عقده وزراء الخارجية العرب مع لافروف وزير الخارجية الروسي في القاهرة، واجتماع «أصدقاء الشعب السوري» الذي يعقد دورته الثانية قريبا في تركيا، ومثله اجتماع حلفاء دمشق الذي يعقد في إيران، ثم المبادرة التي أطلقها أمين عام حزب الله حسن نصر الله لمعالجة الأزمة السورية، والقائمة على فكرة «إلقاء السلاح بشكل متزامن، ضمن آلية متفق عليها للدخول في حل سياسي واضح وممنهج».

ويعكس تنوع المبادرات والجهود بين أصدقاء السلطات السورية وخصومها، تشارك الجميع في القلق إزاء ما يجري والرغبة في معالجته، وإن كان من مواقع وأهداف مختلفة، تتراوح ما بين المحافظة على النظام في إطار حل وسط من موقع أصدقاء السلطات السورية، وصولا إلى تغيير النظام حسب خصوم النظام في المستويين الإقليمي والدولي.

ولا يحتاج إلى تأكيد قول إن سباقات الحل ما بين الداخلي والخارجي ليست سباقات مفتوحة إلى ما لا نهاية، بمعنى أنه لا يمكن الاستمرار في طرح المبادرات الإقليمية والدولية، إذا استمرت السلطات السورية في نهجها الحالي، أو إذا اكتفت بالمواقف اللفظية من دون الانخراط في خطوات عملية هدفها معالجة الأزمة في صورة حل سياسي، لأن ذلك سيدفع أصدقاء النظام إلى الانكفاء واليأس من جهة، ويدفع خصومه إلى التشدد من جهة أخرى، مما سيجعل الجميع يذهبون للبحث عن حل ملزم عبر مجلس الأمن الدولي، وربما خارجه إذا استحالت التوافقات داخل المجلس، تأكيدا ليأس الجميع من فكرة ذهاب السلطات السورية لحل سياسي والإصرار على أنه ليس هناك من حل سوى توسيع دائرة العنف في سوريا وفي محيطها.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى