صفحات سوريةعمر قدور

سوريا: التفاهم بدل الحل/ عمر قدور

 

 

انقضى الموعد الذي اقترحه وزير الخارجية الأميركي، عندما أعلن من موسكو قبل ستة أشهر عن أمله بإقرار دستور سوري جديد في آب الذي انقضى. بالطبع مرّ الموعد المستهدف دون تذكر من وزير الخارجية، أو من أي مسؤول أميركي، ولم تحمل الفترة السابقة على شهر آب أي تحرك أميركي استثنائي لدفع الملف السوري، بل انهمكت الإدارة أخيراً في توفيق أمر تحالفها مع متعاديين هما الحكومة التركية ووحدات الحماية الكردية، مع محاولة واضحة لجعل ذلك التوفيق على قاعدة محاربة داعش من دون النظام.

مع تسرب المعلومات عن تفاهم أميركي روسي وشيك جداً، يبدو أن القانون الوحيد الذي سيوضع يخص تنظيم العمليات القتالية في سوريا، مع إدخال بعض قوافل المساعدات. وبموجب الرسالة الموجهة من المبعوث الأميركي إلى فصائل المعارضة سيكون من شأن هذا التفاهم التمهيد لعملية سياسية مقبلة، هذه المرة بلا أدنى التزام إزاء موعد إطلاق العملية السياسية، أو إزاء سيرها وممارسة أي ضغط لإجبار النظام على الانخراط الجاد فيها.

وحده بوتين، ومن المرجح أنه على حق، وجد ما يمتدح به الوزير كيري في تصريحاته مؤخراً إلى وكالة بلومبرغ، ولعل في مديح بوتين دلالة على تغير الموقف الأمريكي منذ ثلاث سنوات بالضبط، حين اتهم بوتين كيري بالكذب في ما يخص الوضع السوري، وردت آنذاك المتحدثة باسم وزارة الخارجية بأن وزيرها لم يجافه النوم بسبب الاتهام. التغزل بكيري معروف مؤداه على نطاق واسع، فهو تغلب أولاً على معارضة وزارة الدفاع الأميركية وجود تنسيق مع القوات الروسية في سوريا، وكال الإهانات والضغوط كي تقبل المعارضة السورية بإملاءاته كلها، وهدد ذات مرة فصائل المعارضة بأنها ستفقد سيطرتها نهائياً على الأرض جراء التدخل الروسي، والتعبير الأخير كما هو معلوم هو الاسم الرمزي لوقف الإمداد عن فصائل المعارضة.

عطفاً على ما سبق، سيكون من الإفراط في حسن الظن قبل الإفراط في التفاؤل انتظارُ متغيرات جوهرية بناء على التفاهم الروسي الأميركي، باستثناء تلك المتعلقة بالمزيد من إضعاف الفصائل التي تقاتل نظام الأسد. وأن يحظى التفاهم الجديد، كما أشيع بمباركة طهران فهذه دلالة كافية على تفاهمات غير مكتوبة، يُترك تظهيرها إلى التنفيذ العملي. مع ذلك، الأمر لا يتعلق بتفاؤل أو ظنون فحسب، إنه يتعلق في المقام الأول بسلسلة من التنازلات الأميركية الطوعية والمتدرجة، وبقراءة موسكو وطهران القابلية الأميركية للتنازل، القابلية المتوقفة أحياناً فقط على محاولة ابتزاز صغيرة ومكشوفة.

يكرر مايكل راتني في رسالته إلى فصائل المعارضة أن التفاهم مع روسيا سيخضع لاختبارات ثقة بالروس، وفيما إذا كانوا سيجبرون النظام على الالتزام بالهدنة، وبخاصة وقف نشاط طيران الأخير. هذه اللغة الحذرة لا تتلاءم مع الأمل بانطلاق عملية سياسية سريعة، ولا تتلاءم أيضاً مع روحية التفاهم بين قوتين عظميين، لكنها تشرح جيداً السلوك الروسي القائم على التنصل من التفاهمات بحثاً عن تفاهم جديد بشروط أفضل. الأهم من ذلك أن ردع إدارة بوتين عن تكرار نهجها لا يبدو ملحوظاً إطلاقاً، فالأمر متروك لحسن النوايا، مع تنويه الرسالة حرفياً بسوء نوايا النظام وعرقلته اتفاق الهدنة السابق. غياب أية آلية مُلزمة ليس نقطة الضعف الوحيدة، ما لم يكن معطوفاً على غياب الضمانات الأميركية، وهي كما في الهدنة السابقة غير متاحة، بمعنى غياب أي تعهد أميركي بإمداد فصائل المعارضة بالسلاح في حال عدم تنفيذ التفاهم.

لذا من المرجح أن يُنفذ التفاهم جزئياً، أي إلى الحد الذي لا يتسبب بإحراج كبير لإدارة أوباما، إلى الحد الذي يسمح لها بالدخول في آلية تعاون عسكري واستخباراتي بين الجيشين، وهو المطلب الأساسي لإدارة بوتين، وكما تمت الإشارة هو المطلب الذي يلقى معارضة من جنرالات البنتاغون. ترجمة ذلك هي تعاون القوتين في استهداف التنظيمات التي يُتفق على تصنيفها إرهابية، مع إبقاء الباب مفتوحاً أمام خروقات متكررة تطال غيرها من التنظيمات، وفي المحصلة القبول بالأمر الواقع الروسي الذي يصنف الجميع إرهابيين.

وإذا كان مفهوماً السعي الروسي إلى عقد تفاهم قبل الانتخابات الأميركية فقد يكون مستغرباً تلهف إدارة أوباما للتفاهم، والذي يصعب تبريره إلا بحزم لم تُظهره الإدارة في ملفات أخرى. المقصود طبعاً هو حزم الإدارة في إمساكها بالملف السوري، وتحييد الحلفاء الأوربيين والإقليميين عنه قدر الإمكان بما يتنافى مع الصورة الرائجة عن سلبيتها إزاءه. ذلك الحزم يغري بالتكهن بوجود رغبة لدى أوباما في توريث سكة الحل إلى الإدارة المقبلة، عبر التضييق تماماً على الاحتمالات التي قد تراها مناسبة أكثر. هذا السيناريو يتفق مع دفاع أوباما عن موقفه من القضية السورية، وعندما لا يغادر البيت الأبيض إلا بعد تضييق الخيارات السورية أمام المقيم الجديد فهو يدعم خياراته منذ صفقة الكيماوي.

بعبارة أخرى، يعلم أوباما ووزير خارجيته أن ما تبقى من عمر الإدارة لن يشهد حلاً سورياً، والعمل الوحيد المتبقي لديهما هو فرض رؤيتهما على الحل بتقييده بالتزامات مع الجانب الروسي. لو كانت الأهواء الشخصية تسيّر زعيم القوة الأعظم لقلنا بأنها آخر طعنة يوجهها أوباما للسوريين الذين سيحتفلون برحيله، أما وأن الأمر ليس كذلك فهذا أيضاً لا يستدعي حسن الظن.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى