صفحات العالم

سوريا ضحية المصالح والخطوط الحمر

 

 

الفظائع التي يرتكبها الأسد مستمرة وكأن لا شيء في الغرب وإسرائيل

معقول أنه كانت لإسرائيل مبررات وجيهة، لِمَ لا تهاجم المحارق في سجن صيدنايا في دمشق، حيث أخفى نظام الأسد جثث السجناء الذين قتلهم: بخلاف نقل السلاح المتطور إلى حزب الله، ليس في المحارق أي تهديد لإسرائيل.

يدور الحديث عن موضوع أخلاقي فقط. فقد قامت دولة إسرائيل من رماد ملايين أدخلت جثثهم إلى المحارق في الكارثة. فمن أقسم بأن «أبدأ لن يتكرر»، لا يمكنه أن يقف جانبًا عندما يكون على مسافة بضع عشرات الكيلو مترات من هنا، في سوريا، تستخدم مرة أخرى المحارق لتشويش آثار جرائم ضدَّ الإنسانية.

لقد انكشفت المعلومات عن وجود المحارق بشكل مخطط له من قبل وزارة الخارجية في واشنطن. والأمريكيون الذين عرفوا أن السوريين سيسارعون إلى النفي، نشروا صورا جوية «مدينة» للمحارق، وإلى جانبها تقديرات عن الفظائع التي ارتكبت فيها.

الاستنتاج الواجب ما كان يفترض أن يكون بالأقوال، بل بالأفعال. فإذا كانت الولايات المتحدة مقتنعة بالمعلومات التي نشرتها، فقد كان عليها أن تهاجم المنشأة وتدمرها. ولكن بدلًا من ذلك، دحرج الأمريكيون المسألة إلى بوابة روسيا ـ الحليفة الحقيقية في سوريا ـ بطلب أن تعمل على معالجة الأمر.

من الصعب أن نجد منطقًا في السلوك الأمريكي: ليس هكذا تتصرف من تدّعي قيادة العالم وتقرر له المعايير الأخلاقية. بالمقابل، يمكن لنا أن نجد بالذات ثباتًا في موقف واشنطن: حتى عندما كشفت إسرائيل عن استخدام الأسد للسلاح الكيميائي ضد معارضيه، فعلت الولايات المتحدة كل شيء كي لا تتصدى للمشكلة.

وفقط عندما قتل في 2003 أكثر من ألف مواطن في هجوم كيميائي في ضواحي دمشق، اضطرت الإدارة إلى العمل. وتهديداتها بالهجوم أدت في حينه بالأسد إلى التخلي عن ترسانته الكيميائية باستثناء قدرة طفيفة تبقت لديه. وعندما استخدمت هذه القدرة في وقت مبكر من هذه السنة، عملت الإدارة مرة أخرى، هذه المرة بطريقة عسكرية. فقد جاءت عشرات الصواريخ الجوالة لتقرر للأسد خطًا أحمر واضحًا، أو كما قالت الإدارة في واشنطن ـ هناك أفعال «لا يمكن للعالم المتحضر أن يتجاهلها».

ثمة في هذا التعريف ازدواجية غير قليلة. ففي الحرب الأهلية في سوريا قتل حتى الأن نحو 600 ألف شخص. وأصيب الملايين. نحو نصف البيوت دمرت، وأكثر من 30 من مئة أصبحوا لاجئين. أما العالم فلم يهمه هذا كثيرا إلى أن بدأ اللاجئون يتسللون إلى أوروبا. ولولا أن داعش قد بدأ في تنفيذ العمليات في الغرب، لبقيت الحرب موضوعا سوريا داخليا. كان يفترض بالمحارق أن تكون خطًا أحمر. فالدرس من الحرب العالمية الثانية لا يزال طريا، وصارخا ـ وكان يفترض العمل. ليس فقط من جانب الولايات المتحدة؛ فأوروبا أظهرت مرة أخرى كم هي واسعة الفجوة بين الأقوال والأفعال. عن روسيا والصين لا يوجد على الإطلاق ما يمكن الحديث. فهما تريان في سوريا صفقة، لا بشرا.

الأمر الذي يعيد الكرة إلى إسرائيل. فقد كان النهج السائد في البلاد على مدى سنوات الحرب في سوريا أن هذه ليست شأننا: طالما كان يقتل الواحد الآخر، فهم لا يقتلوننا، مبدئيا؛ النهج الصحيح، أن تترك إسرائيل خارج دائرة القتال. أما أخلاقيا فالنهج إشكالي لأنها هي أيضا تغض النظر عن الفظائع.

بحجة الخوف من التصعيد امتنعت إسرائيل في كل مرة عن العمل في مواضيع لا ترتبط بأمنها مباشرة. هذا شرعي بالطبع، ومع ذلك فإنه يخلف إحساسا غير مريح. فبالاجمال، نجد أن الفظائع في سوريا مستمرة وكأن لا شيء، في الغرب (وعندنا أيضا) ـ كله حكي.

يوآف ليمور

إسرائيل اليوم 9/10/2017

القدس العربي

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى