صفحات العالم

سوريا: معارضة مشتتة تتفق في الخطاب وشعارات الثورة الفضفاضة/ وائل عصام

 

 

 

إذا كان هجوم النظام الأخير على ريف دمشق، بعد حصار طويل، لم يدفع الفصائل لتفاهمات مرحلية، لمواجهته، فكيف يمكن أن تتمكن حالة معارضة كهذه مشتتة بهذه الدرجة، من مواجهة استحقاقات أكبر، حال سقط النظام مستقبلا؟

إذا نظرنا للغوطة الشرقية قبل سيطرة النظام عليها، لوجدنا أنها كانت تحت سيطرة فصيلين رئيسيين هما، «جيش الإسلام» و»فيلق الرحمن»، وكل منهما متمترس في أحيائه، وعلى حالة من القطيعة مع جاره، مع اشتباكات ونزاعات لا تنتهي في الأعوام الأخيرة، وسجون كل فصيل ممتلئة بعناصر منافسيه من الفصائل الثورية، ومنهم قيادات ثورية قديمة في الغوطة، منهم من أعدم، ومنهم من لم يطلق سراحه إلا بعد أن سقطت الغوطة، كأبو علي خبية وأحمد صبحي أبو طه وغيرهما، وإضافة إلى واقع التباغض والتنافس لسنوات طويلة، في مجالات كثيرة، لا يمكن التطرق هنا لذكرها باستفاضة، فإن الحال في جنوب دمشق بين «إخوة المنهج» لا يقل سوءا عن الغوطة الشرقية، حيث تذابح الجهاديون في تنظيم «الدولة» وشقيقه المنشق «النصرة» باسمه الأخير «تحرير الشام»، لسنوات، بدءا من ساحات اليرموك والحجر الأسود، وصولا لمعارك مناصريهم المليئة بالتكفير والبذاءة في ساحات التويتر والفيسبوك!

لقد تحول كل فصيل من تلك الفصائل إن كان في إطار الجيش الحر والتنظيمات «الإسلامية المعتدلة» في الغوطة الشرقية، أو في إطار التنظيمات الجهادية، تحولوا لإمارات محلية، تتفق فقط في الخطاب بهدف إسقاط النظام وشعارات الثورة الفضفاضة، لكنها عمليا، تركز جلّ جهدها على حماية مكتسباتها المحلية الضيقة، بحيث تحول اهتمامها لهدف إسقاط الأقربين، كونهم أشد المنافسين، وسط غياب مريع وفشل عميق، لأي صيغة عقد شراكة حقيقي،  تضمن على الأقل، تأجيل الخلافات مرحليا لكي يتمكنوا من التنسيق الفاعل لمواجهة النظام عسكريا وسياسيا.

لهذا كان الواقع المتردي، لأداء الفصائل المتنازعة، وهو محاصرة من قبل النظام، في كل مناطق المعارضة، يطرح بإلحاح التساؤل التالي: كيف يمكن لفصائل  المعارضة أن تحكم دمشق وسوريا حال سقط النظام، وهي غير قادرة على حكم أحياء الضواحي في دمشق وتجاوز خلافاتها، في عز الحصار والتهديد الداهم من قبل عدوها المشترك؟ لا يمكن إيجاد أي تبريرات لهذا المشهد الغارق في الخصومات اللا متناهية، فالمفترض أن تتلاشى أو تؤجل كل الاختلافات والتباينات، على الأقل مرحليا، لحين الانتهاء من التهديد الجامع، والملاحظ أن هذه المتلازمة، وقعت فيها الفصائل بجميع ألوانها، سواء كانت إسلامية معتدلة أو جيشا حرا أو جهاديين، بحيث يمكن القول بأن جذورها مجتمعية أكثر منها حركية، وهي تمتد أيضا إلى الدول نفسها الداعمة العربية لفصائل الثورة، الغارقة في نزاعاتها، وكأنها انعكاس لها، أو ربما هو مثال جديد يذكرنا، بهذه الحالة المتفشية في العقل السياسي العربي.

وهنا يمكن التطرق إلى إشكالية مرتبطة بواقع الفصائل المشتتة مع الدول الداعمة الغربية، وهي أن هذه القوى الغربية الداعمة للثورة السورية، التي كان هناك من يرى أنها تشكل حليفا دوليا وازنا للمعارضة ضد النظام وحلفائه الإقليميين، هذه الدول لم تكن تملك القدرة على إيجاد بديل مستقر للنظام السوري، بالنظر لواقع المعارضة المشتت والمتداعي هذا.

ولو افترضنا أن دعما غربيا مستمرا وصل لحد التدخل العسكري وأدى إلى إسقاط النظام في دمشق، فإن القوى المعارضة المسلحة المتمركزة في ريف دمشق، التي يفترض أن تكون الدعامة الأساسية للسلطة في دمشق حال تحريرها، هذه القوى قد اختبرت من ناحية الأداء المدني والعسكري وقدرتها على إدارة الخلافات، ولم تتمكن من التفكير بعقل دولة، بل ظلت تفكر بمنطق الإمارة المحلية، وهذا يقودنا إلى أن التدخل الغربي وإن استطاع جدلا إسقاط النظام أو تهميش سيطرته، فإنه غير قادر على حل مشاكل مستعصية صبغت المشهد العام للمعارضة، وربما هذا المشهد المستعصي، هو ما ساعد أقلية طائفية منظمة من مواجهة ثورة الأغلبية السنية المشتتة.

القدس العربي

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى