صفحات العالم

هل يعتذرون للشعب السوري؟

 

د. طارق كتيله

اكتب هذا المقال ردا على بعض الاصوات خاصة ‘العروبية’ منها التي ماتزال تعتقد بأن اميركا واسرائيل تقف وراء كل حركة في العالم وخاصة عالمنا العربي وبأن كل شيء هو مؤامرة خطط لها في هذين البلدين وكأن هؤلاء لم يروا بأم اعينهم قبل عده اشهر فقط اسقاط الشعوب العربية لطغاة كبار كانوا من اقوى رجال الغرب في عالمنا العربي واهمهم على الاطلاق رجل اسرائيل المدلل حسني مبارك وبأن اسرائيل لم تستطع وبكل جبروتها ويدها الطويلة ان تمنع سقوطه امام ضربات الشعب الثائر.

ان الثورة السورية هي ثورة شعبية بامتياز على غرار باقي ثورات الشعوب العربية في عصر الربيع العربي اسبابها ودوافعها ذاتية اهمها الفساد والديكتاتورية والظلم وامتهان كرامة المواطن وقد بدات سلمية تطلب الاصلاح ولكن عناد النظام البوليسي وصم اذنيه عن سماع وتلبية مطالب الشارع ومن ثم استخدامه الرصاص الحي لقتل المتظاهرين واخافة الاخرين واعتقال وتعذيب الالاف كي يقضي على هذه المظاهرات ويقمع الاحتجاجات هو ما ادى الى نفاذ السبل امام الشباب الثائر وابقاء خيار واحد لهم وهو التسلح والدفاع عن النفس والعمل العسكري للتخلص من هذا النظام الذي اقنع نفسه وبدعم دولي من الشرق والغرب بأن سوريا مملكة لعائلة الاسد لا يمكن لأحد منازعته عليها.

نعود لهؤلاء الذين يساوون بين الضحية والجلاد – بين المجرم والمدافع عن نفسه – بين الشبيح والمقاتل من اجل الحرية ونقول لهم بأن اتهامهم للشعب السوري بأنه يدمر بلده و تحميل المسؤولية لطرفي الصراع هو مجانبة سيئة للحقيقة وبأن هذا الاتهام هو من اشد انواع الطعن والظلم لطلاب الحرية الذين حملوا دمهم على كفهم في سبيلها ووقفوا وما في الموت شك لواقف من اجل نيل حريتهم واستعاده كرامتهم.

لم يكن من السهل على الذين حملوا السلاح ضد هذا النظام المجرم ان يقوموا بهذا خاصة ان معظمهم من الطلاب والمثقفين والبسطاء الذين لا خبرة لهم على حمل السلاح وخوض الحروب علما بأنهم يحملون السلاح الخفيف ضد جيش نظامي تعداده مئات الالاف ومسلح بآلاف الدبابات والطائرات- ولكن مع ذلك ونظرا للظلم الواقع عليهم ابوا الا ان تكون كرامتهم هي العليا وحريتهم هي المنال حتى لو كانوا قلة تحارب كثرة ولكن كم من فئة قليلة غلبت فئه كثيره باذن الله.

على هؤلاء الذين يساوون بين الجلاد الذي قصف الاحياء السكنية بالدبابات والطائرات وهجر اهلها وقضى على من تبقى فيها وقنص المتظاهرين السلميين ولم يوفر شيخا او ولدا ولم يحترم شرف امرأة ولا براءة طفل وبين من حمل السلاح وخاطر بحياته رغم اختلال موازين القوى لمجابهة هذا الوحش الكاسر الذي ارتكب كل هذه الجرائم وتحرير الوطن منه ومن شره- على هؤلاء ان يعتذروا للشعب السوري.

عليهم ان يعتذروا للشعب السوري عندما يتساءلون عن اي طرف في الشعب السوري يقفون وكأنهم نسوا بأن الشرذمة القليلة من الشعب السوري التي لا تنادي الا ‘بالروح بالدم نفديك يا بشار’ و’الله سوريا بشار وبس’ هي نفسها الفلول في مصر وكتائب القذافي في ليبيا وهي لا تمثل سوى قلة ذات مصالح فئوية او طائفية لا ترى في سوريا الا مزرعة للاسد.

هل من المعقول مساواة هؤلاء المغسولة عقولهم والمولهين بحب الديكتاتور الذي يدمر بلده ويحرق اقدم مدن في التاريخ بمن خرج ينادي ‘الله سوريا حريه وبس’ ويحمل كفنه بيده في سبيل التخلص من الظلم والاستبداد؟.

نرجو من هؤلاء الكتاب ان يتقوا الله في انفسهم وان يقفوا مع الحق والا يلبسوا الحق بالباطل لأن كليها واضخ وضوح الشمس. اما القول بأن اميركا تدعم الثورة السورية فهو ليس بالصحيح ولو انها فعلا داعمة حقا لها لكان الامر انتهى منذ زمن لكن الحقيقة هي ان الأهم لاميركا في المنطقة هي مصلحة حليفتها اسرائيل والتي تخشى من ان انتصار الثوره قد يأتي بمحور تركي سوري مصري بدعم خليجي اقله من بعض دول الخليج يفتح عليها ابواب جهنم عبر حدود الجولان التي امنها لها نظام الاسد طوال الاربعين سنه الماضية.

في الحقيقة ان من اسباب تأخر انتصار الثورة عسكريا هو الموقف الامريكي الذي يمنع تزويد الثوار بالاسلحه النوعية التي تسقط الطائرات وتوقف هذا الغول الذي دمر الحجر وقتل البشر كصواريخ ستغنر وغيرها مما يلجم الالة العسكرية التدميرية للاسد ويغير موازين القوى بل والانكى من ذلك ان الحكومة الامريكية وكما ذكرت الكثير من المصادر تضغط على الدول الداعمة للشعب السوري لعدم مد الثوار بهكذا اسلحة وحتى احيانا بالاموال اللازمة لهم وذلك خوفا من سقوط النظام السوري بأسرع مما هو متوقع وبالتالي عدم التحكم بمن سيأتي بعده وحماية مصالح اسرائيل كما كانت الحال طوال العقود الماضية.

اتمنى ان يصل هذا الكلام لمن يهمه الامر حتى تبقى مصداقية هؤلاء الكتاب عالية وان ينظروا الى المسألة نظرة العدل لا نظرة الخوف وكان الله في عون الشعب السوري الطيب الذي لم يجد في هذا العالم من يقف معه وقفة حق تنهي معاناته كما كان يقف دائما مع كل شعوب العالم الثائرة ضد الظلم والعدوان والطغيان.

‘ كاتب فلسطيني مقيم في امريكا

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى