صفحات العالم

سورية ساحة لمعركة روسيا مع الغرب و«الجهاديين»

راغدة درغام

تنوي الدول الغربية التوجه الأسبوع المقبل إلى قمة مجموعة الثماني -التي تضم الدول الصناعية الغربية السبع زائد روسيا– ببعض الحزم في شأن سورية، وذلك بعدما فضحت معركة القصير تلكؤها، وأسقطت سورية في أيدي إيران. واشنطن ماضية في النمط البطيء من التشاور والتفكير على مهل في خياراتها، فيما الزحف المنظَّم نحو معركة حلب قد يرسخ موازين الهزيمة والانتصار عسكرياً لصالح النظام في دمشق وشريكه في القتال «حزب الله» وحليفه الإيراني والروسي والصيني. الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتهيّأ لأن يختال كالطاووس وسط قادة الدول الغربية، الذين يتهاوون على يديه لإرضائه وإقناعه بكف إحراجهم في سورية، فهو في قمة السعادة عندما يستعرض إذلال قادة الغرب أمام جبروته، مسجِّلاً رد صفعة الإهانة في ليبيا بصفعتين لهم في سورية مهما تفاقمت أعداد القتلى والمشردين واللاجئين.

إنها معركة روسيا مع الغرب، وهي أيضاً ساحة معركة روسيا ضد الإسلاميين، من أمثال «جبهة النصرة» وغيرها من الجهاديين بعيداً من أراضيها. أما الرئيس الأميركي باراك أوباما، فإنه في نظر الرئيس فلاديمير بوتين الهدية التي لا تكف عن العطاء، لأنه غير راغب بالانسياق إلى سورية، مباشرة أو بالواسطة. وهكذا، تبقى الساحة السورية رهن السيطرة والهيمنة الروسية–الإيرانية بقرار أميركي بامتياز، ويستمر السباق بين السكتين السياسية والعسكرية في حرب سورية، مع مؤشرات إلى ملامح تغيير في المواقف الغربية لجهة تسليحٍ ما للمعارضة استباقاً لمعركة حلب، كي لا تفضح هذه المعركة واشنطن وحلفاءها أكثر وأكثر.

هذا في الشق العسكري وموازين القوى المتقلبة على أشلاء السوريين، أما في الشق السياسي، فإن «جنيف–2» الذي يريده الروس مؤتمراً دولياً يرعاه بوتين وأوباما، فإنه على نارٍ خافتة، وسط خلافات، من أبرزها: الدور الإيراني في سورية وعقدة الرئيس السوري بشار الأسد. وليس هناك أي مؤشر على انعقاد اللقاء قبل معركة موازين القوى الآتية عبر حلب، فالشق السياسي يتخذ الآن مقعداً خلف الشق العسكري في المعادلة السورية، فيما أحاديث الكبار في قمة الثماني التي تعقد في إيرلندا الشمالية ستتوسع في صقل علاقات ثنائية وجماعية، من أبرزها العلاقة مع روسيا.

أحد الديبلوماسيين المرافقين للإعدادات الجارية سياسياً وعسكرياً، وصف الوضع كالتالي: لا للانهزام ولا للانتصار، وقال إن الجزء الخاص بـ «لا لانهزام» القوات السورية النظامية وبشار الأسد، قد تم تنفيذه بالذات في معركة القصير، لكن جزء «لا لانتصار» قوى النظام وبشار الأسد آتٍ عبر معركة حلب.

الجميع الآن يتحدث عن مواجهة كبرى في شأن حلب، سياسية وعسكرية. القرار على الأرض لن ينتظر القمم والإعدادات لمؤتمر «جنيف–2» أو غيره، لأنه قرار دمشق وطهران بشراكة مع «حزب الله». روسيا مؤثرة بالتأكيد، لكن الفاعل الأساسي هو إيران، التي تملي إن كانت المعركة الآتية في حاجة إلى «حزب الله».

بعض التصريحات الروسية يوحي بلغة أكثر نقداً للرئيس السوري عشية القمة الإرلندية، وبعضها الآخر يوضح تماماً كيف أن روسيا اليوم تعيد صياغة التفاهمات الدولية بما يلائمها ويخدم النظام في دمشق.

ما تقوله القيادة الروسية الآن علناً وفي الاجتماعات المغلقة، هو أن لا منطق في «العملية السياسية الانتقالية» بالمعنى الذي أقره اجتماع «جنيف–1» وأضاف إليه الممثل الأممي والعربي الأخضر الإبراهيمي أن السلطة الانتقالية يجب أن تتمتع بصلاحيات تنفيذية كاملة، فهذا يعني أن هناك هيئة حكومية بديلة من النظام القائم تتمتع بكامل الصلاحيات التنفيذية في المرحلة الانتقالية.

روسيا الآن تعارض، تقول إن لا بد للنظام الحاكم في دمشق من الاحتفاظ بالسلطات الأمنية. قيل هذا الكلام بلغة أن الأسد يستمر بممارسة صلاحياته «كرئيس حرب»، لأن بلاده تمر بحرب. اليوم اللغة أقل خشونة، لكن المعنى ذاته، وهو أن روسيا لا توافق على تسليم الرئيس السوري صلاحيات الحكم إلى هيئة انتقالية. وهكذا، تريد روسيا عملياً محو فكرة السلطة الانتقالية.

ثانياً، تتحدث روسيا الآن عن وفود، وليس وفداً واحداً، للمعارضة السورية. إنها تريد تفتيت الأمر الواقع التمثيلي للمعارضة السورية في مؤتمر «جنيف–2»، الذي تريده موسكو مؤتمراً دولياً.

الورقة التي قدمتها روسيا حول هذا المؤتمر، وهي غير منشورة، تنص على عناصر مهمة، منها التالي بالتدريج الوارد في الورقة:

* أن المؤتمر يجب أن ينعقد «طبقاً لما تم الاتفاق عليه في موسكو في 7 أيار (مايو) 2013، بين وزيري الخارجية الروسي والأميركي وبناء على البيان الختامي للاجتماع الوزاري حول سورية في 30 حزيران (يونيو) 2012».

معنى هذا أن موسكو أقحمت التفاهم الثنائي بين كيري ولافروف على تفاهمات «جنيف–1» لتعدّلها، سيما وأن كيري تراجع في 7 أيار عن الموقف الذي أصرت عليه الولايات المتحدة بأن على بشار الأسد أن يتنحى.

* تريد موسكو أن يوجه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون دعواته إلى المؤتمر «طبقاً للاتفاقيات الروسية–الأميركية التي تم التوصل لها في 7 أيار، وهذا يعني أن موسكو تعمل بصورة متماسكة على تمييع ما تم الاتفاق عليه في جنيف قبل سنة، عندما كانت هيلاري كلينتون وزيرة خارجية، وأنها تريد استبدال كلينتون بكيري رسمياً.

* تنص الورقة على ضرورة انعقاد المؤتمر «تحت مظلة (auspices) الأمم المتحدة وتحت رعاية مشتركة روسية–أميركية»، على أن «يحدد الراعيان الموعد والأجندة، وكذلك من هم المشاركون في المؤتمر بعد إجراء مشاورات مع المعنيين». وإضافة إلى ذلك، «يقوم الراعيان بمراقبة monitor تنفيذ قرارات المؤتمر ونشاطاته ومجموعات العمل التي يتم إنشاؤها». ترجمة هذه الفقرة أن موسكو ترفض «جنيف–1» جملة وتفصيلاً، وتريد بديلاً امتلاك المؤتمر ثنائياً، هي وواشنطن حصراً، بمساهمة رمزية من الأمم المتحدة، أي ما يبقى من اتفاق جنيف، وهو فقط انعقاد المؤتمر في جنيف».

* تقترح روسيا في ورقتها مؤتمراً دولياً شاملاً برعاية روسية–أميركية، على أن تتدلى إليه الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن -الصين وبريطانيا وفرنسا إلى جانب روسيا والولايات المتحدة- والأمين العام للأمم المتحدة والأمين العام لجامعة الدول العربية، والممثلة العليا للسياسة الأوروبية كاثرين آشتون والأخضر الإبراهيمي، أما الدول فإنها «مجاورة» و «أخرى إقليمية»، وتشمل مصر والأردن والعراق ولبنان والمملكة العربية السعودية وتركيا وإيران. بكلام آخر، تريد موسكو أن تستعيد أيام العز، عندما كانت الاتحاد السوفياتي، وأن ترعى سوية مع الولايات المتحدة مؤتمراً دولياً عن سورية يشكل مدخلاً لعودة القطبين إلى رسم خريطة لسورية تصر على أن يكون لإيران دور فيها. بيت القصيد هنا أن روسيا تريد إيران على الطاولة، وتريد مكانة مماثلة للولايات المتحدة في مرتبة «رعاية» المؤتمر. هنا تبدو موسكو واضحة في أن سورية في اعتباراتها تشكل مدخلاً مهماً لدور إقليمي لروسيا يعيد لها مكانتها الماضية ويضع في أيديها أدوات اتخاذ القرار.

* تنص الورقة على أن «الأطراف السورية في المؤتمر ستتمثل عبر مشاركة الحكومة السورية من جهة، وجميع المجموعات المعارضة التي تتصرف على أساس تسوية سياسية للأزمة ضمن إطار اتفاقيات جنيف، من جهة أخرى».

على هذا الصعيد، قررت موسكو أنها لا تريد وفداً واحداً أو موحداً للمعارضة ولا ترغب في أن يمثل «الائتلاف» المعارضة. إنها تسعى وراء تواجد معارضة الداخل، كما تسمَّى على طاولة المؤتمر، وتود أيضاً إبراز عدم لمِّ شمل المعارضة السورية.

* موسكو تريد للمشاركين أن يتبنوا بياناً مشتركاً في مطلع المؤتمر يؤكد «التزامهم الحل السلمي» على أساس «وقف العنف المسلح والتحريض عليه، ووقف جميع أشكال التورط الخارجي، والكف عن توفير السلاح غير الشرعي وحركة المتطرفين Militants»، أي أن موسكو تريد تكبيل المعارضة عسكرياً كنقطة انطلاق.

* تنص الورقة على أن «إطلاق عملية تفاوضية» هو بهدف التوصل إلى «تفاهم مشترك بين الحكومة السورية ومجموعة المعارضة» على سلطة انتقالية طبقاً لبيان جنيف 2012. هنا، تضع موسكو السلطة الانتقالية رهن «تفاهم مشترك» للحكومة في دمشق قول رئيسي فيه، إنما الأهم أن هدف المؤتمر هو «إطلاق عملية تفاوضية» لتحقيق هذا الهدف.

* الأولويات التي تدرجها الورقة الروسية هي: «وقف النار، السلطة الانتقالية، استعادة الدولة السيادة الكاملة في سورية وداخلها وعلى حدودها»، «تنسيق جهود مكافحة الإرهاب ونشاطات المرتزقة والزعران Gangsterism وغيرها من الجريمة المنظمة». والكلام عما يُطلق عليه اليوم لقب «التكفيريين» وليس عن غيرهم، هذا إلى جانب مسائل أخرى تدرجها الورقة، منها إطلاق سراح المعتقلين الذين لم تثبت عليهم تهم النشاطات الإجرامية، وكذلك الأشخاص الذين «تم اعتقالهم بشكل غير قانوني من قبل أي طرف في النزاع». وتنتهي الورقة في أولويتها رقم 8 بالتحدث عن «عودة اللاجئين والمشردين داخلياً».

* تنتهي الورقة إلى اقتراح إنشاء 4 مجموعات عمل تعنى بالاستقرار العسكري والسياسي، والحوار السوري – السوري، و «تطبيع الوضع المالي والاقتصادي والإنساني» ومساعدة المتضررين وعودة اللاجئين.

الدول الغربية الثلاث في مجلس الأمن –الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا– قدمت ورقتها، وكذلك فعلت الأمانة العامة للأمم المتحدة قبيل اللقاء الثلاثي الذي ضمّ ممثلي الأطراف الثلاثة قبل أيام في 5 حزيران (يونيو). ركزت تلك الورقة على أن هدف «جنيف–2» هو التعامل مع العملية السياسية الانتقالية كما ورد في بيان «جنيف–1»، وخصوصاً تمتُّع الهيئة الانتقالية بسلطات تنفيذية كاملة. وكذلك اقترحت أن تضم قائمة المشاركين الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وتركيا والعراق وألمانيا وإيطاليا والمملكة العربية السعودية ومصر والأردن وقطر وآشتون إلى جانب الأمين العام للأمم المتحدة ولجامعة الدول العربية والدول الأخرى المهتمة بالمعاونة في إيجاد حل سلمي للأزمة والمشاركة في إطار مختلف قبل مؤتمر «جنيف–2»، وذلك للاستماع إلى وجهة نظرها. ونصت على أن الدول التي لم تعبِّر عن تأييدها لبيان «جنيف–1» علناً لن تشارك في المؤتمر. وجاء فيها أن الإبراهيمي هو الذي يرأس جلسة المفاوضات بين الحكومة والمعارضة السورية.

أما تصوُّر الأمانة العامة، فهو عقد اجتماع وزاري للأطراف المشاركة، يعقبه غداء عمل للمشاركين يليه جلسة الإبراهيمي مع وفدي الحكومة والمعارضة فقط من دون مشاركة أي طرف آخر، ورأي الأمانة العامة هو أن التفاهم العام هو أن تشارك المعارضة بوفد واحد يضم الائتلاف الوطني إلى جانب ممثلين آخرين للمعارضة.

وفق المعلومات الموثوقة، أيّد الإبراهيمي مشاركة إيران في «جنيف–2»، ودعم الموقف الروسي في هذه المسألة المهمة التي تثير معارضة سعودية وخليجية. الولايات المتحدة، وفق المعلومات، رفضت مشاركة إيران في المؤتمر، علماً أن المصادر الروسية قالت في وقت سابق إن جون كيري أوحى ضمن أجواء لقاءات 7 أيار وما تبعها، أن واشنطن لا تمانع. ويبدو أن واشنطن إما غيّرت رأيها أو أن هذا هو موقفها التفاوضي.

كل هذه الأوراق والمفاوضات تتم بموازاة التحضيرات العسكرية لمعركة حلب، حيث «الانتصار» قد يكون ممنوعاً ما بعد منع «الانهزام».

المأساة مستمرة في سورية، والحسرة على أطفالها، الذين -وفق «يونيسيف»- يواجهون مخاطر وتهديدات لحياتهم لا سابقة لها. إنهم الأعشاب التي يرقص عليها الفيلة.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى