صفحات العالم

العقوبات على سوريا


د. محمد العسومي

تتزايد أهمية العقوبات الاقتصادية في العلاقات الدولية وتستخدم كأداة فاعلة في تحقيق الأغراض التي تسعى إليها بلدان العالم، سواء بصورة فردية، كالدول العظمى أو على المستويين الإقليمي والعالمي، كما هو الوضع في حالتي سوريا وإيران.

والعقوبات الاقتصادية أسلوب قديم نسبياً في العلاقات بين الأمم، ففي بداية القرن العشرين استخدمته البلدان الغربية ضد روسيا، كما فرضته الولايات المتحدة بصورة فردية على كوبا منذ عام 1959.

وتفاوتت تأثيرات هذه العقوبات بين بلد وآخر، وذلك وفقاً لشمولية هذه العقوبات ودرجة ارتباطها بالتركيبة الاقتصادية والاجتماعية للبلد المفروضة عليه، فالعراق تمكن من تخفيف حدتها في بداية التسعينيات وحتى عام 2003 بفضل عائداته الكبيرة من النفط، أما كوبا فتمكنت من الاستمرار في مناهضتها للولايات المتحدة بفضل دعم المعسكر الشرقي والصين لها على مدى أكثر من ثلاثين عاماً، ومن ثم دعم فنزويلا الدولة النفطية الغنية.

ومن التجارب السابقة يتضح أن الجميع يدفع ثمناً باهظا لهذه العقوبات، رسمياً وشعبياً، إلا أنها في نهاية المطاف تؤدي إلى تضعضع الأوضاع الاقتصادية والمادية وإلحاق خسائر جسيمة بالأفراد والمستثمرين، مما يوجد حالة من التذمر لدى فئات واسعة من المجتمع.

وفي الحالة السورية، فإن استمرار الاضطرابات لما يقارب العام، ألحق خسائر كبيرة بالاقتصاد السوري، وبالأخص بعد أن توقفت بعض البلدان الغربية عن شراء النفط، حيث كان ذلك بمثابة مؤشر لإصرار المجتمع الدولي على دفع النظام للاستجابة للبدء في القيام بعملية إصلاح حقيقية، لكن عدم مرونة القيادة السورية دفع بجامعة الدول العربية لفرض عقوبات قاسية على سوريا ستؤدي إلى مزيد من التدهور الاقتصادي هناك.

وسوف تتأثر معظم القطاعات الرئيسية من هذه العقوبات وفي مقدمتها قطاع النفط الذي يعتبر المصدر الرئيسي للعملات الأجنبية. أما القطاعان المالي والعقاري، حيث تستثمر دول مجلس التعاون عشرات المليارات فيهما، فسوف يعانيان، إذ أدت الاستثمارات الخليجية في القطاع المصرفي إلى تأسيس أربعة بنوك خلال العقد الماضي، ضمنها بنوك إسلامية. وفي هذا الصدد أعلن عن وقف إجراءات إقامة بنوك جديدة، كالبنك المزمع إقامته بالشراكة بين بنك أبوظبي الوطني وبيت التمويل الخليجي. أما قطاع التجارة الخارجية، فإن التأثيرات السلبية عليه لن تقل شأناً، حيث تشكل تجارة سوريا مع البلدان العربية ما بين 45 و50 في المئة من إجمالي تجارتها الخارجية.

ورغم أن دولتين مهمتين، كروسيا والصين، لن تنضما لهذه العقوبات، كما أن إيران والعراق تحاولان سد الفجوة الاستثمارية والتجارية، فإن واردات سوريا من روسيا تتركز في تجارة السلاح، بينما لا تملك إيران القدرات اللازمة لتعويض سوريا عن علاقاتها العربية.

وإذا ما أضفنا إلى ذلك بدء هروب رؤوس الأموال من سوريا، وخصوصاً عن طريق التهريب إلى لبنان، فلن يمر وقت طويل قبل أن “تنشف” السوق السورية وتصبح كالثمرة القابلة للسقوط في أي وقت.

ولحسن الحظ استثنت العقوبات العربية بعض المسائل المرتبطة بحياة الناس العادية ورزقهم اليومي، كتحويلات العاملين في الخارج، ومنتجات المزارعين والحرفيين وصغار التجار، حيث وجهت العقوبات لصميم الاقتصاد السوري الذي يعتمد عليه النظام ويستمد منه قوته، كالنفط والخدمات المالية والتجارة.

والواقع أن سوريا اليوم محاصرة اقتصادياً ومعزولة سياسياً، ومن المهم أن لا تطول فترة العقوبات، فإطالتها ستؤدي إلى تدني مريع في حياة الناس المعيشية، وهو ما لا يتمناه أحد، حيث يتحمل النظام مسؤولية هذا التردي بسبب تعنته وتحديه للمجتمع الدولي وتمسكه بأساليب لم تعد مقبولة في عالم اليوم.

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى