صفحات المستقبل

سيئ المزاج أنتَ يا موت/ فؤاد حلاق

 

 

لم أستيقظ منذ زمن على صوت المنبّه، بل غالباً على صوت صاروخ أو صراخ طفل جريح أو امرأة فقدت ابنها. وعند كل صباح أستمع إلى فيروز بينما أكون قد حضّرت فنجان القهوة وأسأل نفسي:

هل يحتمل الشعب السوري مزيداً من الوجع؟ وكم من الصبر لديه لإكمال عمره متصالحاً مع ما يجري من قصفٍ أسديّ وموتٍ داعشيّ وغرق في المياه الإقليمية؟

خلال السنوات الخمس الماضية شاهد السوري كل أنواع الموت التي لم يكن يتوقع رؤيتها إلا عبّر أفلام هوليوود.

فمنذ اندلاع الثورة في 15 مارس/آذار 2011، بدأت أنواع الموت تنتشر في الشارع السوري كالهواء الذي نتنفسه، وإطلاق الرصاص على المتظاهرين العزّل هو أهون أنواع الموت الذي واجه السوريين، إلى أن أعلنها النظام حرب إبادة وقام بتصفية قرى كاملة على أساسٍ عرقيّ طائفيّ كمجزرة الحولة في حمص، وذنب أهالي الحولة الذين تم ذبحهم بالسكاكين أنّهم من سورية الأسد!

ناهيك عن المعتقلين الذين تم حرقهم حتى الموت داخل السجون بدون تهمة وبدون تحقيق وإن وجدت تهمة تكون: المطالبة بالحرية أو الإساءة للسيد الرئيس!

ولم يبخل بشار الأسد بقصف الشعب السوري بشيء، فلم يبقَ نوع من أنواع الموت لم يجربه بشعبه كالرصاص والذبح بالسكاكين إلى صواريخ أرض أرض، إلى البراميل المتفجرة إلى المواد الكيميائية. كذلك استعمل الغاز الكيماوي لأول مرّة في الغوطة الدمشقية 21 أغسطس/ آب 2013 وللأمانة شعر المجتمع الدولي بالقلق!

وفي 19 من شهر أغسطي/آب 2014 نشر تنظيم “داعش” أول فيديو يظهر فيه الصحافي الأميركي جيمس فولي مرتدياً بدلة برتقالية نظيفة ويقف بجانبه مقاتل من الدولة الإسلامية ملثماً، ويحمل سكيناً ليرسل رسالة إلى الولايات المتحدة الأميركية كي توقف قصف التنظيم بالطائرات وإلّا سيقوم بذبح كل الأسرى الموجودين لدى التنظيم، كان فيديو جيمس فولي كالصاعقة بالنسبة للعالم ككل في تجربة جديدة للقتل وسبّب صدمة للسورين الذين يعرفون فولي جيداً وكيف كان يغطي أحداث الثورة وجرائم نظام بشار الأسد عبر كاميرته، بينما اتهمه التنظيم بأنَّه ضابط في الجيش الأميركي.

أما بالنسبة للذين نجوا من صواريخ الأسد وسكاكين “داعش” وقرروا النزوح كانت وجهتهم الدول المجاورة، في الجنوب كانت وجهة النازحين الأردن، هناك يصارعون العواصف الرملية والتي أدت عدّة مرات لمقتل عدّة أطفال في مخيم الزعتري خنقاً.

أمّا أهالي الشمال فوجهتهم تركيا والتي أغلقت معابرها لأسباب مجهولة حتى الآن منذ مطلع شهر أبريل/نيسان 2015.

وفي حال أردتَ الهجرة إلى أوربا عبر البحر، لن تستطيع ضمان حياتك بالوصول للشاطئ الحلم فقد تموت غرقاً أو يأتي من يخطفك عبر الغابات ويسرق ما بحوذتك لتبقى بلا شيء، وبعد ذلك قد يصادفك تاجر أعضاء بشرية ليبيعك قطعا.

الموت عاشقٌ سيئ فإذا أحبّ أحد أخذه من دون رجعة، وهو صديق الجميع، وليس عنصرياً ولا مناطقياً ولا طائفياً، ويؤمن بالمساواة بين المرأة والرجل وبين الصغير والكبير.
ولا فرق بينهم سوى بمساحة المأوى الجديد (القبر).
كثيرون أخذهم الموت وهم يضحكون وكثيرون أخذهم الموت وهم يبكون.
سيئ المزاج أنتَ يا موت.

(سورية)

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى