صفحات العالم

سيناريوات عسكرية في سوريا تُعيد إحياء شبح العراق وسريبرينيتسا


8 خطوات لزيادة الضغط على النظام وعزله دولياً تمهيداً لحقبة ما بعده

موناليزا فريحة

مع استمرار عمليات القتل في سوريا، وإقفال دمشق الباب أمام الحلول العربية، تعود الى الواجهة النداءات المتقطعة لتدخل خارجي، انساني حيناً وعسكري أحياناً ، على أمل وضع حد لعشرة أشهر من العنف وانهاء حمام الدم الذي أوقع أكثر من خمسة آلاف قتيل. بيد أن هذا الحل لا يزال بعيداً في ظل تردد أكثر الحكومات الغربية في المضي فيه، نظراً الى الاخطار الكبيرة التي تترتّب على مثل هذه المغامرة.

في المبدأ، قد لا تتطلب الدعوة الى تدخل خارجي أكثر من الفظائع التي تحصل في سوريا، والحصيلة اليومية للقتلى وصور التعذيب التي تتناقلها التلفزيونات ومواقع التواصل الاجتماعي. فمع كل هذا، يصير مشروعاً أن تطغى العواطف على العقل والمصلحة، ويصير الجدل عن هوية القاتل والمقتول وسلمية الانتفاضة عقيما.

ولكن عملياً، لا تكفي مشاعر النقمة على الانتهاكات التي يتعرض لها الشعب  السوري، ولا حماسة بعض الدول العربية لتغيير المعادلة الاستراتيجية في المنطقة بالتخلص من نظام حليف أساسي لايران، للمضي في هذه الخطوة غير المحسومة النتائج، وهو ما يعكسه الجدل الواسع الذي يثيره هذا السيناريو في الادارات الغربية، كما في مؤسسات الرأي ومراكز الابحاث. فحتى في نظر بعض الذين يدعون الى سياسات متشددة حيال سوريا، تبدو المغامرة، بما فيها الانسانية حيال سوريا، خطيرة ومكلفة، ويعيد الحديث عنها احياء شبح المستنقع العراقي.

لا شك في أن ثمة الكثير من الشرعية في المخاوف من مخاطر جسيمة كامنة في انهيار نظام الاسد. ويبدو الغرب، ومعه العرب والاتراك، مدركاً للمعضلة التي يواجهها في سوريا، وقد يكون أقصى ما بات يتمناه هو أن يسقط النظام وحده. وطوال أشهر ، تسابق زعماء على تعداد الايام الباقية للأسد في السلطة، وراوحت بين “أيام” و”أسابيع” و”أشهر” وصولاً الى “سنوات”، مع العلم أن أيام جميع الزعماء معدودة على المدى الطويل.

بعد عشرة أشهر من بدء الانتفاضة السورية، ليس في كلام المسؤولين السوريين، وآخره كلام وزير الخارجية وليد المعلم أمس، ما يؤذن بأن رأس النظام يستعد للتنحي أو أن النظام على وشك السقوط. وفي المقابل،ليس ثمة ما يوحي بأن جامعة الدول العربية ستحمل قريباً طلب “المجلس الوطني السوري” فرض منطقة حظر طيران فوق سوريا الى مجلس الامن وقت يتمسك الروس برفضهم مثل هذه الخطوة ولا يفوت قادة حلف شمال الاطلسي مناسبة لابداء معارضتهم القوية لها.

سوريا ليست ليبيا

“سوريا ليست ليبيا”، حجة لا ينفك المتحفظون يرددونها رداً على الدعوات الى التعامل مع النظام السوري بالطريقة التي تعامل بها الغرب مع نظام العقيد معمر القذافي. فكيف تختلف التجربتان؟ وهل هذا الاختلاف كاف بتشريع المراوحة التي تشهدها الأزمة؟ وإذا كان العمل العسكري غير وارد، هل يكون البديل تجاهل ما يحصل؟

صحيح أنه لو كانت سوريا تشبه ليبيا، لكانت الحجة للتدخل في اطار”مسؤولية الحماية” أقوى بكثير، ولكنها في الواقع ليست كذلك.

أولا، تبدو المعارضة السورية أضعف وأكثر تشتتاً وهي لا تسيطر عملياً على أية منطقة. وخلافاً لـ”المجلس الوطني الانتقالي” في ليبيا، الذي رص صفوف المعارضة وانتزع اعترافاً دولياً واسعاً سريعاً، استغرق تأليف “المجلس الوطني السوري” سبعة أشهر، وهو لم يحظ الا باعتراف محدود. وحدهم الزعماء الانتقاليون في ليبيا اعترفوا به رسمياً كحكومة في المنفى. وفيما وعدت تونس باعتراف سريع، اكتفت فرنسا باعتباره “محاوراً شرعياً”. ومع أنه نجح في استقطاب مزيد من الناشطين على الارض، ينتقد معارضون كثر رده البطيء على الاحداث، وخصوصاً حركة رئيسه برهان غليون الذي رفض في البداية دعم الانشقاقات الفردية في الجيش، بحجة أن على القوات السورية الانشقاق جماعياً، وهذا ما لم يحصل حتى الآن، وبعث  برسائل متناقضة عن التدخل الاجنبي وانشاء منطقة آمنة في سوريا.

وقبل كل ذلك، افتقر المجلس الى القدرة على توحيد كل فصائل المعارضة تحت مظلته، وعجز عن ارساء قيادة واضحة للثوار على الارض. وأواخر كانون الاول الماضي، عين المجلس العميد عقيل هاشم، الذي يعيش في سياتل، كبير مستشاريه العسكريين، في محاولة لتشكيل شركة رسمية مع “الجيش السوري الحر”، الا أن هذا “الجيش” لا يزال حتى الآن قوة مستقلة، وهو يدعي أنه يعد نحو 15 ألف منشق، وإن يكن هذا العدد مبالغاً فيه على الارجح، كما أنه يعتبر على نطاق واسع القوة الوحيدة التي تقاتل الجيش السوري، وخصوصاً في حمص، وتجنَّب اقامة شركة مع أجزاء أخرى من المعارضة، وهو يدير بنفسه اتصالاته الديبلوماسية. وفي كانون الاول الماضي، أنشأ مجلساً عسكرياً  فوّض اليه حماية المحتجين المدنيين، والممتلكات العامة والخاصة، ومنع العمليات الانتقامية في حال سقوط النظام. ويعتبر قائده العقيد رياض الاسعد مؤيداً قوياً لتدخل  غربي في سوريا. كذلك، يريد المجلس العسكري التواصل مباشرة مع حكومات أجنبية لحشد الدعم وربما أسلحة وأموال. وليس “الجيش السوري الحر” القوة المعارضة الوحيدة المسلحة في سوريا، إذ إن ثمة كتائب عدة من المسلحين المستقلين تحمل أسماء شخصيات تاريخية أو “شهداء” سقطوا في الانتفاضة وتسعى الى تعبئة مدنيين أو منشقين من الجيش. ومع أن هذه الكتائب ليست منضوية تحت لواء “الجيش السوري الحر” الا أنها أظهرت قدرة كبيرة على شن  هجمات دموية، منها العمليتان اللتان استهدفتا مركز مخابرات سلاح الجو ومكاتب حزب البعث في وسط دمشق.

محاذير

ووسط هذا التشتت، لا ينظر الغرب الى هذه المعارضة السورية على انها بديل حقيقي عن النظام.

الى ذلك، ثمة أكثر من عامل يدفع الغرب الى التردد في القيام بمغامرة عسكرية في سوريا، ومنها الحليفان القويان للنظام ايران و”حزب الله”، اللذان لن يتردد أحدهما على الأقل في الانخراط في المواجهة إذا حصلت، اضافة الى التركيبة الطائفية لسوريا وموقعها الجغرافي  الذي ينذر بتحول أي خطوة ناقصة في هذا البلد تهديداً لسلام هش في محيطها، بما فيه اسرائيل والعراق والاردن وتركيا ولبنان.

حظر الطيران

ومع هذه المحاذير، تبدو فرص نجاح السيناريوات المتداولة لتدخل خارجي، ضئيلة.

عموماً، ويبدو طلب فرض منطقة حظر طيران غير ذي صلة بالأحداث في سوريا، في ظل عدم استخدام القوات السورية طائرات الهليكوبتر أو المقاتلات على نطاق واسع لتنفيذ هجماتها. ومن هذا المنطلق، يقول مارك لينش في “الفورين بوليسي” أن مراقبة المجال الجوي السوري لن يكون له تأثير على حركة الجيش السوري، كما أن فرض مثل هذه المنطقة سيتطلب قصفاً أولياً للمنشآت السورية المضادة للطيران. ولفت الى أن أكثر القدرات السورية المضادة للصواريخ يتركز داخل المناطق الحضرية أو قربها، الامر الذي يزيد خطر سقوط ضحايا من المدنيين.

ويذهب لينش الى القول إن منطقة حظر طيران في سوريا ليست بديلاً رخيصاً من الحرب، وإنما هي حرب بذاتها، “حرب ستتحول سريعاً الى فوضى”.

وبعيداً من منطقة حظر الطيران، ثمة سيناريو آخر يفترض  قصفاً جوياً أميركياً وأطلسياً لأهداف تابعة للنظام.وبغض النظر عن عدم شرعية مثل هذه الخطوة من دون تفويض دولي، يرى لينش أن هذا الأمر سيكون نموذجاً لعمل قد يبدو مفيداً بعض الوقت قبل أن يثير كمّاً من المشاكل الجديدة.

منطقة عازلة

والى هذين السيناريوين، دفع “المجلس الوطني السوري” في اتجاه انشاء منطقة آمنة أو عازلة لحماية اللاجئين تشكل حجر أساس لما يمكن أن يكون بنغازي سورية  تستخدمها المعارضة مقراً لحكومة بديلة.

الواقع ان خطوة كهذه تتطلب اقتطاع جزء من الاراضي السورية وتوفير الوسائل العسكرية لحمايتها.ولا شك في أن السبيل الاكثر فاعلية لتحقيق هذه الخطوة هو مجلس الامن، الا أن روسيا ستكون في المرصاد أيضاً ولن توافق عليها، وقد عبرت عن ذلك صراحة. الى ذلك، يعيد هذا السيناريو بالنسبة الى خبراء شبح سريبرينيتسا في الحرب البوسنية عندما بدا المجتمع الدولي عاجزاً عن حماية المدنيين تحت مظلته.

وإذا كانت سريبرينيتسا الاحتمال الاسوأ، تبدو  تجربة   1991 الناجحة نسبياً في شمال العراق  أكثر واقعية، لكن تلك العملية التي كان مفترضاً أن تكون رداً قصير الامد على الازمة، مع توقعات لانهيار سريع لانهيار نظام صدام حسين، تحولت التزاماً استمر عقداً.

صحيح أن منطقة آمنة تتيح للمعارضة السورية في المنفى تنظيم صفوفها، الا أنها لن تكون بالضرورة بنغازي سورية. ففي رأي خبراء، ان انشاء مثل هذه المنطقة الذي يشكل انتهاكاً للسيادة السورية، يقتضي استثماراً مباشراً وكبيراً للقوات والموارد، ويرسي التزاماً طويل الامد على الارجح. وليس ثمة ما يشير الى أن  منطقة  كهذه  تعجيل في انهيار النظام، أو تخدم المهمات الانسانية لحماية ارواح السوريين.ولن يتوانى النظام عن اعتبارها دليلاً حسياً على المؤامرة الغربية لتقسيم سوريا.

8 بدائل

يجزم روبرت دانون من مجلس العلاقات الخارجية بأن أي تدخل عسكري في سوريا لا يزال بعيداً ، مشككاً أصلاً في أهداف مثل هذا التدخل.الا أنه في المقابل، يرى أن ثمة خطوات عدة يمكن الادارة الاميركية اتخاذها، غير الحل العسكري، لزيادة الضغط على النظام وعزله دولياً واضعاف قاعدة الدعم له داخلياً والمساعدة في الاعداد لحقبة ما بعد الاسد. ويعدد ثماني خطوات في هذا المجال، منها استدعاء السفير الاميركي، وتحميل النظام السوري مسؤولية الموظفين الاميركيين في سوريا والتهديد باقفال السفارة إذا لم تضمن سلامة هؤلاء، وانشاء مجموعة اتصال دولية لسوريا “أصدقاء سوريا” لتوحيد الجهود لمساعدة الشعب السوري، وزيادة الضغط الديبلوماسي عليها، وزيادة الدعم للمعارضة بتعيين مبعوث أميركي رفيع المستوى اليها، والدفع في اتجاه حظر للسلاح على دمشق وابقائها على جدول أعمال مجلس الامن، وتشديد العقوبات على المسؤولين الحكوميين ومناصريهم، وبدء خطوات عملية لمحاكمة الاسد ورجاله أمام محكمة العدل الدولية.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى