صفحات الثقافة

شعراء الإثارة.. مضجرون/ محمد حجيري

 

 

حتى الآن، وبرغم انتفاء دور الشعر وترهله، لكن بعض الشعراء العرب، يحبون الدور “الطاووسي” لأنفسهم، يحبون الضجيج حول أفعالهم وكلامهم، ربما لأن قصائدهم لم تعد تلفت انتباه القارئ وأصابها الهُزل او جارت عليها الأيام أو ولدت ميتة، يستجدون الضجيج بأية وسيلة، من خلال مواقفهم وسلوكهم ومقابلاتهم، يظنون أنهم محور الكون ومركز ثقله وتأثيره…

***

أتى الشاعر الفلسطيني مروان مخول إلى بيروت، قدم أمسيات في أكثر من مسرح وزاوية، لا بأس أن يكون ناشطاً حاملاً أوزار الكلمة على كتفيه، أو على جناحي أسفاره، أو أن تكون الكلمة نتاج تفجراته الجوانية. لكن الشاعر الثائر، تصرف كما لو أنه نجم الزمن الضائع، رافقته الفنانة أميمة الخليل في امسياته، بدا في الحملة الاعلانية كأن الفنانة مجرد مرافق له أو ارتضت صاحبة الصوت ان تكون في هذا الدور، وسعى صاحب القصائد لأن يكون في هذا لدور -اي نجم الحفلات-… ندرك ذلك من ملصقاته على الجدران بيروت ومن مقابلاته التلفزيونية والصحافية المكثفة. وأطل في أكثر من وسيلة اعلامية من سياسات مختلفة، كان أكثر ميلاً الى الاستعراض والادعاء أكثر من كونه شاعراً. كان فلسطينياً رافعاً راية التمرد، أكثر من كونه شاعراً يبحث عن لغة وقصيدة. تحدث في البروباغندا السياسية اكثر من الشعر، تصرف كما لو أنه يريد أن يرث “حضور محمود درويش” في دوره “النضالي”. يقول كلاماً ويعرف أن العدو سيستدعيه أو يحقق معه، لا بأس في التحدي والمواجهة، عاد مخول من بيروت واعتقلته الشرطة الاسرائيلية، وحققت معه لساعات، لكن “مجد” الاعتقال لم يعمر طويلاً، لم يكن أكثر من خبر في صحيفة أو تعليقاً عابراً في الفايسبوك. من كل الجولات المخولية ربما لم نحفظ كلمة من شعره، ولم تعلق عبارة واحدة منه في ذاكرتنا. الأرجح ان مروان مخول يدرك ان الشعر لديه مفاتيح للضجيج لكن الهندسة، أي مهنة مخول، أكثر قدرة أو أشد تأثيرا في الواقع من الشعر الراهن.

***

الشاعر أدونيس أطل أيضاً بإثارة من نوع آخر في مقابلة مع جريدة “السفير”، قال كلاماً مكرراً حول التاريخ والإسلام، ولا جديد فيه. لقي سخرية واستهزاء ونقداً على جدران الفايسبوك وحسابات تويتر وفي بعض المقالات. بعد موجة النقد، انبرى بعض اصدقاء الشاعر للدفاع عنه، أو للرد على منتقيده. حصلت مسرحية لم تقدم جديداً، بطلها أدونيس، وكورسها شعراء من المقربين منه وشعراء لا يتفقون معه… شعراء معه وشعراء ضده، كتبوا عن التاريخ من دون أن يكونوا ضالعين بتفاصيله وحيثياته. كتبوا كأن المسألة تتعلق بشخص أدونيس قبل كل شيء… منهم من كتب وكأن أدونيس “خاتم المثقفين” و”خاتم المؤرخين” و”خاتم الشعراء”… ومنهم أيضا من كتب بلغة لدودية تتسم باللغو والثرثرة انطلاقاً مما سمعه…

إحدى الصحف اللبنانية، ربما لم تحتمل أن يكتب مسؤولها الثقافي تعليقاً فايسبوكياً نقدياً لأدونيس، فوجدناه يكتب مقالاً لطيفاً عن “الشاعر الرمز” الذي “يقول كلاماً وازناً”. لم تحتمل الجريدة حرية أي من كتابها في فايسبوك. “طفّشت” أحدهم لأنه غرد. وأجبرت الآخر على الاعتذار من زعيم يمولها لأنه أطلق بعض فسبكاته ضده. كأن الجريدة تعيش “فوبيا الفسبكة”…

***

الشاعر العراقي سعدي يوسف أيضاً يبحث عن الضجيج والمفرقعات، مفرقعاته تلتقي مع مفرقعات رفيقه الشيوعي زياد الرحباني، لكن بلا “هضامة” ولا مقدرة على المزاح والهزال. هو يرمي كلمة بعكس التيار وينتظر الردود، يشتم الربيع العربي، ويسخر من بشرة أوباما، يؤيد “البعث” في سوريا، يتلقى الجوائز من الإمارات ويسخر من دبي. هذه المرة كتب في موقعه الالكتروني يحيي منفذ عملية سوسة الإرهابية على “شواطئ تونس”، وأثارت خربشاته موجة عارمة من الاستياء، على اعتبار أنّ الشاعر انحاز في كلماته إلى القاتل بدلاً من القتيل. قارن بين عمل الارهابي التونسي، وانتحارية في جنوب لبنان ضد اسرائيل (وهو أخطأ وقال انها على شواطئ فلسطين) قائلاً:

“أكان طالبُ العِلم، سيف الدين رِزقي، يطأ للمرة الأولى في حياته، شاطئاً تونسيّاً؟

ألا شيْء يجمع بينه وبين سناء محيدلي وهي تطأ للمرة الأولى شاطئاً فلسطينيّاً؟

شاطئاً محتلاًّ…

هؤلاء الأوربيون يحتلّون شواطئنا.

لم يعُدْ لدينا بحرٌ”…

سعدي يوسف “الشيوعي الأخير”، بات مملاً وهزيلاً وبخربشاته الانترنتية يهين تاريخه الشعري والثقافي.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى