صفحات المستقبل

طائرات النظام تحرق كفرنبل.. لكن لافتاتها ظلّت مرفوعة


ريّان ماجد

كانت الساعة الواحدة من بعد ظهر يوم الاثنين في الخامس من تشرين الثاني. بدأ هدير طيارتيّ السوخوي يقترب كثيراً وينشر حالة من الرعب والهلع بين السكّان. نزل الناس الى الشوارع وبدأوا بالركض من دون وجهة معيّنة، إذ لا مكان آمناً في كفرنبل. فالبناية المؤلّفة من أربعة طوابق تحوّلها الصواريخ الفراغية الى حفرة عمقها 5 أمتار. أطلق الطيران 6 صواريخ متتالية، كل صاروخ اختار هدفه وتحوّلت 6 مواقع الى رماد”.

يروي رائد فارس، كاتب لافتات كفرنبل، كيف دخل الى الموقع الأول مباشرة بعد استهدافه من الطيران. يصف منظر الدمار الرهيب الذي لحق بدوّار الساعة في وسط المدينة. “الجرحى على الأرض وكنت وحدي بين الجثث والخراب. بدأت أنادي الناس المذهولين والواقفين بعيداً ليقتربوا ويساعدوا في نقل الجرحى وحمل الشهداء بينما الطيران لا يزال يحوم فوق رؤوسنا. لا يمكن لعقل أن يتقبّل ما حدث في كفرنبل البارحة. جامع الصدّيق أصبح رماداً، أربعة منازل في حيّ الكسريا أصبحت رماداً أيضاً، كذلك الحيّ الجنوبي. غبار ورماد ودمار. عشرات الجرحى، 32 شهيداً تمّ التعرّف إلى 17 منهم والباقي تحولوا إلى جثث متفحّمة”.

إسعاف الجرحى ترافق مع قصف مدفعيّ عنيف، إذ لم يكتفِ النظام بالصواريخ التي ألقتها طائراته. “أكثر من 30 قذيفة في الساعة، أسقطت المزيد من الشهداء والجرحى”، يُكمل رائد، الذي بدأ حديثه يتقطّع. “آسف، التعابير عم بتخونّي وما عم يظبط معي الوصف. تفكيري مشتّت بين الجرحى والشهداء والحرائق والدمار والخراب …”.

“كل ما نتقدّم خطوة، برجّعونا 100 سنة لورا”، يُضيف رائد. فالمدينة التي خيّم الخوف والقلق على سكّانها في الشهور الماضية، نتيجة القصف والطيران، استرجعت حيويتها أخيراً وعادت التظاهرات تعمّ شوارعها، وانتشرت لافتاتها ورسوماتها من جديد على صفحات التواصل الاجتماعي. “ما يجري في سوريا ليس حرباً أهلية بل إبادة جماعية. اتركونا نموت لكن لا تكذبوا”. هذه واحدة من اللافتات التي كتبها رائد ورفعها المتظاهرون يوم الجمعة الماضي في 2 تشرين الثاني. جاء ردّ النظام السوري عليها بعد ثلاثة أيام.

“ربّما تستطيع “الميغ” أن تحرق لافتة في كفرنبل.. لكنها بالتأكيد لا تستطيع أن تنسي الناس العبارة التي كانت مكتوبة عليها”، على ما جاء في تعليق لمصطفى علّوش على فايسبوك. “كفرنبل، نُبل الريشة أمام سفالة القذيفة”، تقول آية الأتاسي على صفحتها. وعلى “كرتونة” من “دير الزور”، المدينة المنكوبة بدورها والمنسية، كُتب التعليق الآتي: “كفرنبل، لافتاتك أسقطت طيرانهم، يا بهيّة”.

كما انتشرت على “فايسبوك” صور تُظهر هول الدمار ووجوه تختصر تعابيرها عمق المأساة التي تصيب السوريين من مدينة الى أخرى. جثث محترقة، بيوت مدمّرة، صبيّة مفجوعة، ورجل لجأ من “معرّة النعمان” الى كفرنبل هرباً من القصف، وإذ بطيّارات النظام تلحق به وتخطف ولَدَيه…

استفاق رائد فارس اليوم الثلاثاء على هدوء حذر يعمّ المدينة. يتحضّر لغارات جديدة محتملة، لكنّه مصمّم على الصمود والتظاهر وكتابة اللافتات والمحافظة على روح النكتة على الرغم من الصواريخ والقذائف. “ننتظر الطيران بفارغ الصبر. لا شيء يمكنه إيقافنا. ستبقى كفرنبل الشوكة التي تؤرقه وتؤرق نظامه”.

لبنان الآن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى