صفحات المستقبل

ثائرة من الرقة ذبحت مرتين

 

 هديل كوكي

من الصعب حقاً الحديث اليوم عن انسانة عاشت و ناضلت في الظل بعيداً عن أضواء النشاط في الثورة السورية في ظل حشود المتزلفين و الطامحين في جذب الأضواء الذين تعجّ بهم ثورتنا .

هي فتاة يتيمة الأب و الأم في الثلاثينات من العمر من محافظة الرقة قرأت احدى الدعوات التي كانت تنتشر بكثافة على مواقع التواصل الاجتماعي في مثل هذه الأيام منذ عامين و التي تدعوا للتظاهر و الاحتجاج ضد النظام فاختارت الاستجابة لأحد الدعوات التي قامت بها صفحة على الفيسبوك لا يتجاوز عدد المشتركين بها الألف كانت الدعوة عبارة عن موعد لتجمع صامت و غير منظم يقام في ساحة سعدالله الجابري هدفه معرفة مدى امكانية استجابة الشباب لهكذا دعوات .سافرت كنانة من مكان اقامتها (مدينة الرقة) لحلب و كانت في الساحة المحددة في الموعد المحدد كان هذا في 9 اذار .

لا أعرف من أين أبدأ حديثي عن شجاعتها .. لكن سأبدأ كما تعلّمنا أن نبدأ كل مواضيعنا في مدارس البعث .

كان يوماً مشمساً و جميلاً … كنت أنا أيضاً لنفس السبب في ساحة سعدالله الجابري ,أحمل بعض كتب الجامعة و كتاب اخر اتظاهر بأني أقرأه ..جلست في الساحة في الموعد التي حددته الدعوة الغير منطقية أصلاً بسبب وضع ساحة سعدالله الجابري و حلب و سوريا انذاك , كنت أرتجف خوفاً و يخيّل لي بأن كل من يمر بجانبي هو رجل أمن يعرف لماذا أنا هنا.

بعد عشرة دقائق سارت باتجاهي فتاة من الطرف الاخر للساحة ترتدي حجاب أسود و جينز و تيشرت .لتجلس بجانبي تماماً رغم ضيق المقعد و كثرة المقاعد الأخرى التي كان بامكانها الجلوس عليها .

كانت كنانة تلك الفتاة , عرفتني باسمها فوراً و

حاولت فتح حديث معي لكني صددتها أكثر من مرة لخوفي الشديد من كل ما كان يحيط بي ,كنت مضطرة أخيراً بسبب الحاحها على الحديث أن أجيب على سؤالها , سألتني ماذا تفعلين هنا,قلت لها انتظر أصدقائي و أنتي ؟ ..

قالت لي أنتظر أصدقائي أيضاً ..

بعد فترة من الصمت, قالت لي يبدو أن أصدقائي و أصدقائك لن يأتوا ” والله البنات أشجع من الشباب بهالبلد””

هنا ازداد خوفي منها و من كلامها , لم أكن أفكر الا بأنها قد تكون متعاملة مع الأمن ! تظاهرت بأني لا أفهم عما تتحدث و قررت المغادرة فوراً !

أصرّت على مرافقتي فلم أشأ أن ألفت نظرها باصراري على الرفض .. كانت أشجع مني و قالت لي على الطريق..حبيبتي أنت لا تعرفيني و أنا لا أعرفك لكن كلانا نعرف لماذا نحن هنا,أتينا استجابة لدعوة للاحتجاج نشرت على الفيسبوك ,أتيت علني أتعرف على أحد النشطاء في مدينة حلب على أرض الواقع و بعيداً عن الشاشة, لا أطلب منك أن تقولي شئ الان لكن خذي اسمي على الفيسبوك و اذا كنت مطمئنة للتواصل معي عندما تذهبين فأنا بالانتظار .

ابتسمت و ودعتها .

و فوراً وعند أول مقهى انترنت صادفته أرسلت لها رسالة أخبرتها فيها كم خجلت من جبني و مغالاتي في الخوف أمام شجاعتها و صراحتها معي , و طلبت منها أن نلتقي .

مر يومان على ذلك اللقاء لم أتواصل فيه أنا و كنانة الا مرتين على الفيسبوك و بعد ثلاثة أيام وزعت مع بعض زملائي في جامعة حلب مناشير تدعوا لمظاهرات 15 اذار قبض علينا بعد توزيعها بيوم .

في ثاني يوم لي في فرع الأمن العسكري في حلب أفاجأ بكنانة و فتاة أخرى يدخلون الى الزنزانة التي كنت فيها .

كانت كنانة مدماة من الضرب من قبل العناصر التي عرفت أنهم اعتقلوها في 15 اذار من أحد أسواق حلب و هي تحمل لافتة كتب عليها بكل بساطة و من الآخر “يسقط بشار الأسد” ,

نعم يسقط بشار الأسد في وسط حلب و في 15 اذار-2011

.من الساعات القليلة التي تركوها معي في نفس الزنزانة عرفت أنها أخت لأحد أعضاء مجلس الشعب .في الرقة,كانت تعاني من أزمات ربو حادة و شقيقة سببت لها الكثير من الألم في السجن,

في نفس اليوم الذي تم القاء القبض عليها كانت ذكرى مرور سنة على وفاة والدتها كانت متألمة و حزينة كل شئ فيها كان محطماً.

لم يعرف أحد بقصة كنانة التي بقيت في السجن أربعين يوماً ثم أطلق سراحها لتضرب ضرباً وحشياً و همجياً بعد خروجها من السجن من قبل أخيها “عضو مجلس الشعب” حيث تسبب لها هذا الهمجي بثقب و مشكلة صمم دائمة في أحد أذنيها

لم تنتهي معاناتها هنا بل أنها بقيت حبيسة في منزل أخيها و زوجته انقطع تواصلي معها بعد أن حرمها أخوها الوغد من كل وسائل الاتصال .

. هكذا انتهت قصة كنانة وانتهى ما أعرفه من معاناتها ,و انقطعت أخبارها عني منذ ذلك الحين .

لكن للأسف لا أظن أنّ كنانة هي السورية الوحيدة التي لم ينتهي عذابها و قمعها بالسجن بل مثلها مثل الكثير من السوريّــات اللواتي خرجن من سجون قمع النظام الى سجون قمع الأخ أو الأب أو الزوج في مجتمعات تستقبل فتياتها الثائرات بالمزيد من القمع باسم العيب و العار , بينما تستقبل ذكورها من الثوّار استقبال الأبطال الفاتحين.

من قلبي سلام و حب لكنانة و كل ثائرة ذبح قلبها النظام بغلّــه و اجرامه ثم ذبحها رجال القبيلة بتخلّفهم و رجعيّتهم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى