أحمد عمرصفحات الناس

طبعة منكّحة ومزيّتة/ أحمد عمر

 

 

انتشر شعار التطوير والتحديث بعد تولي الأسد الابن مكان أبيه بالمصادفة كما قال، ورفعته الدعاية ذكراً وشكراً، حتى ظننّا كل الظن أنّ الأسد هو السبايدرمان الذي نسج “الشبكة العنكبوتية” على هذه المدحية، فعملت الدولة على استجلاب آلات حديثة لتوقيع الموظفين (دفتر الحضور) في كثير من الشركات الحكومية، وألصقت ملصقات على كل الآلات والحيطان القديمة والحديثة والآيلة للسقوط، تعلن بدء عهد التطوير والتحديث، اربطوا الأحزمة: وريث المصادفة سيُدخل سوريا إلى العولمة من غير المرور برأس الرجاء الصالح.

وكان من نتائجها الميمونة أن أخضعت كثيراً من الشركات والمؤسسات والأجهزة العاملة، ومن ضمنها الشركة التي كنت أعمل فيها، للتوقيع الإلكتروني، رواحاً وغدواً، ببصمة الإبهام، وكأننا في مصنع نووي، وكان يتعطل كل يومين، وصرنا على النقيض من عبد الحليم حافظ في أغنية “صافيني مرة وجافيني مرة”، نوقع مرتين: مرة “مانويل” باليد كما كان في العهود المتخلفة، ومرة أوتوماتيك بالبصمة، كالأميين عند مختار حارة سوريا الآلية الاشتراكية.

ثم قررت الدولة العلمانية العليّة، التي يقودها الرجل المعلوماتي الأخضر، المتخرج من بلاد بره أن تحدّث الفواتير، فضعنا، ونحنّ إلى جابي الماء والكهرباء والصوت، نروح خماصاً ونغدو خماصاً أيضا. سابقاً، كان المجبى يذكر رقمه، فيدفع ما بذمّته، فلم نعد نعرف كيف ندفع أجور الدولة المستحقة على رعاياها، فقضينا ساعات وأياماً للعثور على أسمائنا في طوامير الأوراق وأكداس التذاكر، ومن يدري قد يستورد لنا بوتين الأحرف الروسية مع الزبانية الروس، وأظنّ بعض الظن إثم، أنّ الاستعمار الروسي سيكون أرحم، إلا إذا استخدم أدواته القديمة، كما فعل في الشيشان، فالدول الاستعمارية تعشق كل جميل: الأقليات.

حدثت كوارث في نقل الأسماء من طور اليراعة وهو القلم، إلى طور البراعة وهو طور الحاسب الآلي في الزمن البالي، ليس هذا مجال الحديث عنها، ثم وقع التحديث الأكبر عندما حذفت المادة الثامنة من الدستور، فبقي على “الحديدة”،  بشرتنا بالحذف ” الكات وومن” القطة العجوز وملكة جمال تنظيم النظام: بثينة شعبان.

وكانت المادة الفعالة تقضي بقيادة حمار البعث لعربتي الدولة والمجتمع، وهما عربتان مختلفتا السرعة، واحدة بعجلات مدورة والثانية بعجلات مربعة أو مثلثة مثل جبنة البقرة الضاحكة، وأحيانا من غير عجلة، والحق أن من يقود العربتين لم يكن الحمار المسكين، فمن كان يقود العربتين، هم حوذيو قطار المخابرات العتاويل الزنيمين، وذهب الحمار بأم عمرو، فلا رجعت ولا رجع الحمار.

لم نفرح يوماً واحداً بتلك المادة الزرنيخية المريخية، حتى بعد أن عمل النظام ترقية “أب ديت”؛ فصار الحشد الشعبي وعشرات الميلشيات البوتينية والزينبية والعباسية تقود هاتين العربتين، بدلا من حمار البعث المسكين. وصارت العربة بعد التحديث والتطوير سليمة (وكل حاجة لوحدها) تُجر شحطاً من غير فرامل ولا أحم ولا دستور.

ويمكن تسمية سورية المفيدة، بسورية المطوّرة والمحدثة، وكانت أول سيدة عملت “أبديت” معروفة عربياً هي ماري منيب، عندما قالت لعبدو (عادل خيري): أبدو، أما حاكم سورية إلى الأبد فصار بعد التحديث: جوز ناتاشا اللي تحت.

وأمس طلبتْ واحدة من نسوة  السلطان دي مستورا وصواحبه –  فَعَزماً فَقِدماً أدركَ النُّكحَ طالبُهْ- من التجار وأصحاب رؤوس الأموال وأقدامها؛ العودة  إلى حضن الوطن. وكدت أن أقول لها ووحل البوط يسبقني: لن يعودوا إلى حضن الوطن يا قرّة النعل وحشاشة البوط، ليس بسبب الجوع أو العطش في سوريا، فنحن قوم متعودون على الصوم، وقضينا حياتنا رمضاناً من غير تقوى، بل لأنهم ينتظرون أخر تحديث للدستور الأسود، أقصد المسودة يا مولاتي، والدستور لا يعني شيئاً في سوريا، فهو يشبه الوشاح الذي كنتم ترتدونه في المسيرات تضامناً مع شعب فلسطين، يا آبلتي.

وكنت أتمنى من المستورة من نساء دي مستورا أن تتضامن مع طلِّ الملوحي، فتطلب الكشف عن مصيرها في بلد المقاومة والممانعة والعلمانية، بعد انتهاء مدة عقوبتها، على رسالة إلى  الرئيس الأمريكي أوهنت الشعور القومي.

عمل النظام تحديث لنفسه بطبعة داعش “التميت”.

داعش دولة من غير حدود، مثل حبيبة عبد الحليم حافظ في قارئة الفنجان، ومثل الكيان الصهيوني الحبيب، ومن غير عنوان، تعمل بالأعراف القبلية بعد إكسائها عباءة الشريعة الإسلامية، وكنت أشتهي ذلك اليوم الذي يجلدني فيه أمين الفرع أو علي مملوك في الشارع، لسبِّ الرئيس، ثم يعانقني بعد التطهير من الإثم، فأعانقه حتى أكسر ضلوعه من الحب. لا زلت مثل كثيرين أظنُّ أن داعش هي ابنة شرعية للنظام العلماني الكافر “أبديت”.

سيتفاءل كثيرون بمستقبل سوريا المحدثة. أرى أن المجتمع الدولي يحبُّ الأسد، وقد يعمل له على طريقة داعش جلداً في الشارع، ثم يعانقه، ويولي ابنه حافظ الثاني بالمصادفة، أو ماهر بالمصادفة، أو حتى مناف طلاس بالمصادفة، وقتها سنرى سوريا محدّثة مفيدة، وقد صار اسمها سوريا الشمالية. والرئيس اسمه “كيم أيل كينغ كونغ”.

المادة الحافظة وهي الخوف، التي وضعها حافظ الأسد للشعب السوري في علبة السردين التي اسمها سوريا انتهت صلاحيتها، ورأى المجتمع الدولي المنكّح إتلاف المواد المحفوظة حرصا على سلامة ربيبته الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط ” ليمتد”.

تمّ تحديث الإصدار الأخير لبعض وجوه الثورة السورية مثل نواف البشير والجربا وآخرين لم يلحقوا بهم. وأمس قرأنا عملية تحديث بعد الجلطة لرئيس جمهورية المصادفة، فصار أشبه بالولي الفقيه، فأصبح مثله بيد واحدة، وكلاهما مثل تيمور لنك ( اي تيمور الأعرج)، ولا فرق لدى الضحايا أمثالنا بين عرج اليد وعرج القدم . وسمعناه يقول للوفد البلجيكي الذي سيبث المقابلة على تلفزيونات الشعب البلجيكي الصامد البطل: إنّ الرئيس (حافظ) الأسد لم يكن له وريث في المؤسسة ليكون خليفة له! ( وأظن و عقلي يعمل “مانويل” أنه كان له ثلاثة نوّاب، واحد باليد هو رفعت الأسد في باريس واثنان على الشجرة الجافة هما :  الرفيق المنكوب فاروق الشرع الذي رُمي به في  سلة “الريسايكل”، والسيدة نجاح العطار 84 سنة).

يتابع الأسد في طبعة ما بعد الجلطة: توفي الرئيس الأسد وتم ّانتخابي دون أن يكون له أي علاقة بانتخابي عندما كان رئيساً (صح عشرة على عشر) أنا لم أكن أشغل أي منصب في الحكومة (طالعة من بقك زي الفل) لو أرادني أن أخلفه لكان وضعني في منصب ما وأعطاني مسؤولية، بينما لم تكن لدي أي مسؤولية في الواقع، (هذا يشبه أن تحل مصفوفة فورييه نفسها بنفسها). وبالتالي فإن الأمر ليس كما كان كثيرون في وسائل الإعلام الغربية يقولون منذ انتخابي: لقد خلف والده أو وضعه أبوه في ذلك المنصب. (يا لهم من متآمرين).

الآن إلى نتيجة المقدمة الفلسفية التي يخلص إليها الرئيس المطوّر المحدّث: إذاً، سوريا يملكها السوريون، ولكل مواطن سوري الحق في أن يكون في ذلك المنصب (حسب قانون المصادفة الانتخابي)!

انتهى الاقتباس الذي ذكرني بقول زوجته أم منجل لصحيفة أجنبية وهي تشير إلى عجوز سورية: هذه هي التي تحمينا. المرأة العجوز كانت حرس الرئيس الجمهوري!

نجا الرجل من الجلطة، وعادت سورية إلى عصر الحارث بن كلدة الذي قال: “المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء”، وترقية هذا الكلام هي: “الجوع أو الركوع”،  أو “البوتين السليم في الفراش الحميميم”، وبالرفاء والبنين.

قبل سنوات كتب كاتب سوري من الأقليات الموقرة والمقدسة كتاباً، يمنحنا فيه خيارين: “وردة أم قنبلة؟”. القنبلة كانت “ترقية” للوردة، أي “الأسد أو نحرق البلد”.  فأخذنا علما بأن الكاتب العلماني طبعة منقّحة ومزيّدة لعنصر الحاجز.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى