خليل النعيميصفحات الثقافة

عليك اللعنة/ خليل النعيمي

ُصور اطفال الغوطتَيْن النائمين ببراءةحتى الموت، الأطفال الذين كانوا، قبل قليل، يلعبون، ربما، بحيوية، تشبه براءتهم وهو ُيعْدَمون،تبصق في وجه الإنسانية التي لاقلب لها. تبصق على هذه الإنسانية الكذابة المراوغة المنافقة اللئيمة التي لا تتحلى بأية قيمة أخلاقية. مباديء هذه ‘’ الانسانية’’ المزعومة ، وبخاصة في طبعتها الغربية، لأن الشرق لا مباديء له، بعد أن صار تابعاً َم ْنرسوناً، ومرهوناً، للغرب، تلك المباديء المغرضة والإنتقائية، التي يدافع الغرب عنها بقوة عندما تتهدد مصالحه الحقيرة، ليست أفضل من مباديء’’ آكلي لحوم البشر’’ الذين شيطنهم الغرب بشكل خاص. بل أقول أن مبادى ‘‘آكلى لحوم البشر’’ لهي أفضل بكثير من مباديء الإنسانية الغربية، اليوم، عندما يتعلّق الأمر بالثورة السورية، ومصير أطفالها، وأبطالها.

حتى أعتى ‘’الوحوش البشرية’‘ تتمتّع بإنسانية، هي أقلّ سوءاً من إنسانية هذا العالم، ومن موقفه تجاه أطفال سوريا، وموتهم المأساوي في الغوطتين. أما الحيوانات التي يسميها ‘‘العالم المتحضر ‘’ ‘’متوحشة’’ فهي أفضل من هذا العالم الزائف والكذاب بكثير. لها قوانن وقواعد وأصول للقتل والإفتراس، أقل وحشية وشراسة مما تفعله السلطة السورية الغاشمة، وطاغيتهاالمستميت على الاحتفاظ بكرسّيه المهزوز. والذي،يحظى بتواطؤ، وتعاون، ورضى، من الشرق والغرب، على السواء. من البيت الأبيض إلى موسكو، ومن لندن إلى باريس. أما العالم العربي فلا خير في الحديث عنه. لإنه اختار أن يكون ‘’ رجل الغرب المريض’’ . وآفاته : السمنة النفطية، والتراكم النقدي، والبلادة الأخلاقية، والزحف وراء الكبار الذين لا يريدونه، ولا يسمحون له بأن يصير كبيراً. إلى هذا الحد يتمسك ‘‘طاغية الشرق’’، ‘’هولا كو الجديد’’ بالسلطةالتي صارت‘’ َمَسْلخاً ‘’؟ مايفعله الطاغية، وطغمته، يتجاوزكل تقديرإنسانيّ، وكل مفهوم أخلاّقي. لم تعرف البشرية طاغية أمْعنَ في قتل البشر، وتخريب البلاد، التي لم تعد له،كما َفعل هذا.لامجال للكلام السياسي، ولا للتحليل أوالتركيب. فأمام الهول المرعب لايجدي سوى الخشوع. لينتظر التاريخ، إذا، حتى يحين موعد القصاص.

التنديد، والتهديد، والاستنكار، لا يفيد أطفال الغوطتن النائمين إلى الأبد. فليسكت المستاؤون في الغرب. وليريحونا من تصريحاتهم الاخلاقية البائسة. وليفهموا أننا صرنا نفهم لغتهم السياسية الحمقاء، وندرك مناوًشاتهم الكلامية الفارغة، ونعرف أنهم لن يساعدونا أبدا ضد طاغية هم زرعوه، مثلما زرعوا، من قبل، أباه في أرض سورية، كما زرعوا الكثيرين من أمثاله في أمكنة أخرى من العالم. دموع التماسيح التي تفرزها رغبتهم الكاسحة للخراب صرنا نعرفها. وندرك مقدار الشهوة العارمة للدم التي تختفي وراء هذه الدموع الكاذبة. فليسكت الغرب إلى الأبد. الحرب بلاضمير تدمير للإنسانية. هذاماتقوله صور الأطفال النائمين في الغوطيتن. وتزيد: عليك اللعنة أيها العالم. شرقاً، وغرباً، وعلى الضفتين. لا نستثني أحداً ولامكانًا.كل حَيّ على وجه البسيطة، اليوم، يستحق اللعنة. لإنه ليس ثمة بريء صامت.

بعد مجازر الغوطتين كل ‘’تحليل منطقي’’ حماقة، وتبرير. أو هو، على أقل تقدير، ‘’حسن نية ’’ ساذج. لا مبرر، ولا ذريعة، ولا حجة، ولا سبب، يمكن أن يشرح ما حدث. وما يستمر في الحدوث تحت أبصار العالم الذي يَنْبح عاجزاًعن فعل أي شيء، ولايكُفُّ عن العواء. وفي النهاية، ماذا يستطيع الفرد المعزول أن يفعل إزاء هذا الرعب والقسوة والطغيان، سوى أن يصير هو الآخر ضحية. وماذابإمكانه أن يفعل لعاَلم تخلّى عن إنسانيته ، وحَطَّ مبادئه تحت مؤ َّخرته، ولا يهمه غير الزحف المطلق وراء مصالحه التعيسة، غير أن يقول له :

عليك اللعنة.

جريدة الوقائع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى