إيلي عبدوصفحات المستقبل

عن صورنا الفيسبوكية أو الذات كما نتمناها/ إيلي عبدو

 

 

تتسابق أفعال الحياة ووقائعها اليومية مع الصور الرامية إلى توثيق هذه الأفعال والإعلان عنها. يصبح الحدث المرتكب أشد ارتباطاً مع الصورة التي تشهره عبر مواقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” و”توتير” و”إنستغرام”. ما يجعلنا أكثر استدراجاً إلى تلك المسافة الرمادية بين الفعل وتوثيقه. ارتكابنا للوقائع يخضع للصورة التي ستسفر عنها، ثمة شرعية مرئية تمنح الحدث وجوده وتجعله عرضة للتفاعل والمشاركة مع الآخرين.

نلتقي، نتسوق، نتجول سياحياً بقصد التقاط الصور ونشرها في صفحاتنا الخاصة. نحظى حينها بقدر من الشرعية، ويكتمل ذلك القدر، لحظة يعلق أحدهم أو يعبر آخر عن إعجابه. تبقى تفاصيلنا وأحداث حياتنا، موضوعاً للشك واللايقين قبل أن تملك حيزها الافتراضي فتتضاعف وتمتلك فرصتها الإشهارية. المقصود بالشك حاجتنا إلى إخراج الفعل من سريته وزجه عمداً في منطقة الضوء حيث يراه مئات الأصدقاء أو مئات المشاركين. الأمر أقرب إلى الانتقال من الخاص إلى العام، الأشياء الحميمية تغدو موضوعاً للتداول الافتراضي. بمعنى آخر، رفض فرديتنا و تمريرها بخبث إلى فضاءات التواصل.

قد يكشف ذلك في أحد وجوهه عن الرغبة في قتل الفرد غير المرضي عنه من قبلنا وتحويله إلى جزء من مجموع يخضع لشروط المناخ التواصلي. الفرد المطحون سياسياً واجتماعياً واقتصادياً يجد مطرحاً يتنصل فيه من فرديته المنهكة ويعيد إنتاجها بشروط عامة متفق عليها لدى سكان الافتراض. يهرب من الواقع ليعيد إنتاجه بطريقة تلائم الصورة المتخيلة والخالية من المشاكل، ما يستدعي التحايل على الحدث وتقليم تفاصيله.

الصور التي توثق الحدث، تبقى مجتزأة وناقصة، تأخذ أفضل ما فيه وتهمل البقية، ما يدفع الواقع إلى التراجع لصالح الرغبة. أي أننا نوثق ما نرغب وما نحب أن نظهر عليه، وليس حقيقتنا. هذه الأخيرة تغدو منقحة، نقية، ونظيفة من العيوب و المثالب، وأكثر جهوزية للانضمام إلى عالم جديد لا مكان فيه للنتوءات والأخطاء.

عالم يحتفل بالذات التي تتنكر لواقعها، وتنتمي إلى وهم ساذج، يحيل الفرد إلى مجموعة من الصور المنتقاة من مناسبات مختلفة، ويحوّله إلى جزء من قطيع يتبادل المشاركون فيه لعبة الشرعية القائمة على التفاعل العابر.

رغبتنا في التعرف على شخص ما، غالباً ما تتوازى مع صوره المنشورة في صفحته الخاصة. هي ذاتها، الصور الممنتجة رغبوياً والقابلة للتجدد دائماً، بما يمنع الفرد من إعلان ذاته كما هي، بكل عيوبها ومساوئها، والاكتفاء بما يرضي الذات الافتراضية المكونة حديثاً على وقع اللايكات وتعليقات المديح المبالغة بها.

العربي الجديد

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى