صفحات الناس

فبركة “جهاد النكاح/ روجيه عوطة

 في مدونته “عين على سوريا”، التابعة لمدونات جريدة “لوموند” الفرنسية، نشر إينياس لوفرييه تدوينة بعنوان “سوف تصابون بخيبة أمل: جهاد النكاح لم يكن موجوداً البتة في سوريا”، مفنداً سردية “جهاد النكاح”، ومتتبعاً انتشارها، من مصدرها حتى فيديو روان قداح، الذي بثته قناة “الإخبارية السورية”. ذاك، أن المسؤول الأول عن نشر تلك السردية هو قناة “الجديد” اللبنانية، التي ألقت الضوء على الجهاد الجنسي في إحدى نشرات أخبارها المسائية، متحدثة ً عن فتوى دينية، أطلقها الداعية الإسلامي السعودي محمد العريفي في “تويتر”.

غير أن الشيخ سرعان ما نفى الإشاعة، وأعلن أن حسابه الشخصي مقرصن، وأن التغريدة المنسوبة إليه تتألف من 180 حرفاً، في حين لا يسمح الموقع باستخدام أكثر من 140 حرف في التغريدة الواحدة. وعلى المستوى الديني، رأى العريفي أن الفتوى باطلة شكلاً ومضموناً، بسبب غياب الشروط الشرعية للزواج، أي حضور الولي والشهود، إضافة إلى إتمام العدّة.

ورغم ذلك، لم يتوقف الإعلام الموالي لنظام بشار الأسد عن نشر الإشاعة، بلا أن يذكر  مصدرها المزور. فها هي القنوات السورية الرسمية، وما شابهها في لبنان، تبث فيديوهات مختلفة، يظهر داخلها عدد من “الإرهابيين”، الذين يعترفون بممارسة “جهاد النكاح” مع “المجاهدات”. وفي السياق نفسه، تحدثت وسائل إعلامية عن وصول مجموعة من التونسيات إلى الشام بغاية إمتاع “الأخوة” في الجهاد، والترويح عن قلوبهم حتى يبلغوا الإنتصار. وقد نشرت قناة “الميادين” فيديو، قالت أنه يعود إلى مراهقات تونسيات، ذهبن من بلادهن إلى دمشق لإشباع الحاجات الجنسية للـ”الجهاديين” هناك. لكن، سرعان ما انكشف تزوير القناة، بحيث أن المشاهد التي تضمنها تقريرها الإخباري، كانت قد صورت خلال حرب الشيشان.

 إكتشاف الحقائق هذه، لم يردع وزير الداخلية التونسي، لطفي بن جدو، عن التصريح بأن نسبة كبيرة من التونسيات يتوجهن إلى سوريا لممارسة “جهاد النكاح”. وفي هذه الجهة، يسأل لوفرييه عن سبب إصابة تونس بهذا “الوباء” دون سواها من البلدان. وكانت آمنة قلالي، عضو منظمة “هيومن رايتس ووتش” في تونس، قد أجابت على هذا الإستفهام في حديث لمجلة “فورين بوليسي” الأميركية. إذ أشارت إلى أن حكومة “حركة النهضة” قد أشاعت سردية “جهاد النكاح”، كي تتهرب من مسؤولياتها حيال حريات المرأة في البلاد، كالسماح لها بالسفر من دون إذن مسبق من ولي أمرها. فالوزير بن جدو قال ذات مرة أن تشريع حق المرأة في السفر بحرية، سيؤدي إلى توجهها نحو دمشق، حيث ستمارس الجهاد الجنسي مع المقاتلين!

 نتيجة ضعف الفيديوهات والإشاعات، التي نشرها الإعلام الموالي للأسد، قررت “الإخبارية السورية” أن تفجر قنبلة عبر شاشاتها. وذلك، من خلال تسجيل حديث مصور مع الفتاة روان قداح، التي أخبرت المشاهدين قصة مفبركة عن والدها الذي كان يجبرها على ممارسة “جهاد النكاح” مع أخوته “الإرهابيين” خدمة ً لهم، ولنيل الجنة. كما أنها ليست متأكدة إن كان والدها نفسه قد اغتصبها وقت فقدانها الوعي. وعلى إثر ظهور قداح على الشاشة، سادت حال من الإستنكار في صفوف الموالين والمعارضين على السواء.

 ذاك، أن كلام الفتاة هو انتهاك لأدنى حقوقها الإنسانية والمجتمعية، إضافة إلى تلقينها القصة، التي سردتها بوتيرة صوتية واحدة، بينما تنظر إلى الأسفل، كأنها تقرأ في ورقة موضوعة أمامها. هذا، وطرح السوريون سؤالاً عن سبب ارتدائها ثياباً شتوية، بينما الحرارة في دمشق، كانت تتراوح آنذاك بين 25 و30 درجة مئوية. وهم، لم يتأخروا في الإجابة، إذ كشفوا أن أحد الأجهزة الأمنية كان خطف قداح قبل أشهر، على طريق مدرستها في منطقة نوى الدرعاوية، من أجل الضغط على والدها، الذي هو قائد إحدى كتائب الجيش السوري الحر.

 بعد الكشف عن هذا التزوير، نشر الموالون لنظام بشار الأسد على صفحاتهم في “فايسبوك”، صورة لما سموه “جدول النكاح”. قالوا أن الجيش الأسدي وجده في مقر إحدى الكتائب المعارضة. وقد سُجلت عليه مواعيد النكاح بين “أبو خالد” و”فاروق” و”أبو عمر” من جهة، و”رولا”، و”سامية”، و”فهمية” من جهة أخرى. وللرد على هذه الإشاعة المصورة، نشر المعارضون جدولاً آخر، يسخرون فيه من دعاية النظام الركيكة. وتضمن الجدول  إسم كل من “الأسديات” الثلاثة، أي أنيسة، وأسماء وبشرى، وهن على موعد جهادي مع “أبو عمر، وأبو خالد، وأبو علي”.

 يؤكد صاحب “عين على سوريا” أن كل الأطراف المعارضة في سوريا، من الإئتلاف إلى الجيش السوري الحر، و”جبهة النصرة” حتى، رفضت فتوى “جهاد النكاح”، ونفت وجودها في صفوف الثوار. فهي ليست سوى فبركة من فبركات النظام السوري، كي يشوّه الثورة، ويخاطب الخارج بكلام عن “بربرية” الثوار، وبدائيتهم الجنسية.

هذا، ولا بد من الإشارة  إلى “جهاد نكاح” من نوع آخر، أشاعه رجال النظام في سوريا، وهو المتاجرة بالأجساد في الكازينوهات والملاهي الليلية، التي كان أصحابها، يستقدمون الراقصات والفنانات إليها من لبنان. فقد كشف وزير الإقتصاد السوري السابق محمد نضال الشعار على صفحته “الفايسبوكية” عن وجود 55 ألف شقة دعارة في سوريا، تعود ملكيتها إلى رجال السلطة، الذين  لا يكفون عن المتاجرة بالناس في حين السلم وفي وقت الحرب على حد السواء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى