صفحات الناسوليد بركسية

فتاة الشعلان: قصة موت عابر/ وليد بركسية

 

 

لم تثر قضية “فتاة الشعلان” شهية الإعلام السوري بشقيه المؤيد والمعارض. فالفتاة التي وجدت جثة هامدة في حي الشعلان في دمشق، ونهشت كلابها من جسدها، تعامل الجميع برزانة غريبة مع قصتها المحزنة وغير المألوفة التي ضجت بها مواقع التواصل الاجتماعي. ونجا الجميع من فخ الشائعات والانزلاق نحو الصحافة الصفراء، رغم جاذبية الموضوع.

صحف النظام الرسمية الثلاث في دمشق، لم تأتِ على ذكر القصة نهائياً، فيما اكتفت صحيفة “الوطن” شبه الرسمية بنقل خبر مقتضب بيّنت فيه ملابسات الحادثة، وهو الخبر نفسه الذي نشرته بداية إذاعة “شام إف إم” المؤيدة، وتم نسخه في كافة المواقع السورية الأخرى، قبل أن ينتشر نحو مواقع وصحف عربية بالحرفية ذاتها.

إعلام النظام عموماً، ومن قبل 2011، لا يلتفت الى القصص اليومية التي تحدث في المجتمع السوري، ويركز عموماً في الشق المحلي على خطاب الدعاية والإنجازات والقصص المجتمعية وأخبار النقابات البعثية. أما القصص الفردية والحوادث والجرائم والقضايا اليومية، فلا يعيرها اهتماماً كبيراً، وازداد هذا النوع من الخطاب الفوقي المنفصل عن الناس بعد الثورة بشكل ملحوظ.

من جهته، لم يلتفت الإعلام المعارض للقضية أيضاً، ربما لأنها خارج نطاق سيطرته. ولم يتم تغليف القصة المأساوية المحزنة بطابع سياسي أو رمي التهمة على النظام في مقتل الفتاة مثلاً بسبب تزمته في الحل الأمني وإيصاله البلاد إلى هذه الدرجة من عدم الاستقرار حتى في مناطق سيطرته، وهي ملاحظة تبرز تطور الإعلام المعارض وابتعاده أكثر عن أساليب البروباغاندا التي يعتمدها في بعض الأحيان.

الموت الجماعي اليومي في سوريا بطرق شنيعة وبأسلحة محرمة دولياً أحياناً، جعل من قصة حزينة لموت فتاة شابة في مطلع العشرينيات من عمرها، ونهش جثتها من كلبيها الوفيين، مجرد قصة عابرة لا تثير الاهتمام الإنساني بالدرجة الكافية، حتى لو كانت الأزمة السورية تشكل خلفية بعيدة للقصة ككل، والتي جعلت الفتاة تسكن بمفردها دون عائلة أو أصدقاء ولا يتعرف عليها أحد، حتى الآن حيث تقبع جثتها في مستشفى “المجتهد” وسط العاصمة دمشق.

عدم وجود صور حقيقية للجثة ساهم أيضاً بعدم انتشارها ضمن سياق إعلامي. صورة واحدة لها كانت كفيلة بجعلها منافسة لصورة الطفل السوري آلان الغريق على السواحل التركية، أو صور اللاجئين السوريين في أوروبا، وكانت ستحول عيون الإعلام للبحث عن الصور المأساوية لمدنيي الداخل في مناطق النظام. لكن ذلك لم يتحقق، وقد يكون ذلك أفضل وأكثر احتراماً وإنسانية للضحية التي عانت الكثير دون شك.

قوة السوشيال ميديا كانت المحرك الأساسي للقصة، حيث انتشرت عشرات الشائعات مع هاشتاغ “#فتاة_الشعلان” أو مع عنوان “فتاة الشعلان”، وكانت القصة المتخيلة الأبرز تتمحور حول موت الفتاة وبقاء جثتها في الطريق لثلاثة أيام كاملة بينما يرمي لها المحسنون المارة بعض النقود ظناً أنها متسولة عادية، ثم البكاء على الأيام القديمة وعاصمة الياسمين والتحسر على الماضي الجميل.

الشائعة بدأت في صفحات “إعلامية” ذات شعبية واسعة مثل “يوميات قذيفة هاون” التي تبث كثيراً من هذه الأنباء الغريبة سعياً للإثارة والبحث عن مزيد من الجمهور واللايكات، هو نوع جديد من الصحافة الصفراء السورية التي تتطور في “فايسبوك” تحديداً في ظل عدم وجود صحافة شعبية في البلاد تهتم بهذا النمط من الأخبار.

في “فايسبوك” بعض المتزمتين من المؤيدين والمعارضين وجد القصة فرصة سانحة لإلقاء الاتهامات على الطرف الآخر، في اشارة الى “ما وصلت إليه حال البلاد”، فيما كانت عبارة “الله يرحمها” المقتضبة هي أسهل طريقة لإبداء التعاطف السريع ثم الانشغال بالهموم الذاتية اليومية. التعاطف في “فايسبوك” نفسه بات نوعاً من الترف الذي لا يتحمل كلفته جميع السوريين خصوصاً في مناطق الداخل المرهقة.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى