صفحات الناس

التلامذة السوريون بين اللجوء..واللغة الروسية/ باسم دباغ

في أحد الصفوف المدرسية في جنوب تركيا، يرسم تلميذٌ لا يتجاوز عمره الثمانية أعوام على دفتر الرسم قلوباً على شكل تفاحة ومزهرية. زيّن كل رسومه بعلم الثورة السورية، كما رسم أيضاً منظراً طبيعياً يتوسّطه منزلٌ خشبيٌ على الطريقة السويسرية، ونهراً ينحدر من جبلٍ بعيد يرفرف عليه علم الثورة، ومقاتلاً قرب المنزل يحمل صاروخاً مضاداً للطيران ليُسقِط طائرة بشار قبل أن ترمي البرميل المتفجر على حدّ تعبيره.

في الريحانية، البلدة الصغيرة الواقعة في جنوب ولاية هاتاي في تركيا، يداوم الأطفال الهاربون من الحرب في سوريا في مدرسة السلام، حيث يتولّى تعليمهم إداريون ومعلمون سوريون، فروا بدورهم من سوريا، باللغة العربية.

هازار المهايني، كانت تعمل بمهنة الصيدلة في مونتريال في كندا قبل اندلاع الثورة، قالت في حديث لـ”المدن” إنّها عندما أنشأت مدرسة السلام في تشرين الأول/أكتوبر عام 2012 توقّعت أن ينضم للمدرسة ثلاثمئة تلميذ ليس إلا، لكن لم يكدْ يمضي الأسبوع الأول حتى وصل عدد التلاميذ إلى ما يقارب التسعمئة تلميذ.

مدرسة السلام هي واحدة من ستّ مدارس سورية تعمل في الريحانية التي تقع في ولاية أنطاكية.  قُربُ الريحانية من الحدود السورية التركية ومواطنوها الذين تعود أصولهم إلى جذور عربية، جعلها محطة مهمة للاجئين السوريين، حيث أن الكثيرين من الرجال يعبرون الحدود يومياً نحو سوريا للعمل أو للقتال تاركين أطفالهم وزوجاتهم في مكانٍ آمنٍ بالجانب التركي.

أما في غازي عنتاب – المدينة التي يتجاوز عدد سكانها المليون نسمة في جنوب تركيا أيضاً- افتتح مركز “لفنت” التركي، مدرسةً لتعليم اللاجئين السوريين، تضمّ ما يقارب 500 تلميذٍ سوري. مدير المركز، أحمد شالاتي، الذي كان يملك معهداً في حلب قبل الثورة، أكد في حديث لـ”المدن” بأن مركز “لفنت” هو أول مدرسة لتعليم السوريين في غازي عنتاب.

وأوضح مديرا مدرستي “لفنت” و”السلام” بأنهما يحصلان على تمويل مستقل، من مستثمرٍ سوري ومن تبرعات ومعونات من مَدرَسة في مونتريال. كما أكّدا رغبتهما بتقديم تعليمٍ جيّد للأطفال بلغتهم الأم بعيداً عن أي استقطابٍ سياسي، وفق منهاج سوري معدّل، حُذف منه كلّ ما يشير إلى فكر حزب البعث أو أسرة الأسد.

وبحسب المهايني، فإن أكبر العوائق في وجه الأطفال السوريين هي عدم معرفتهم للغة التركية، إذ يبقى الأطفال معزولين عن المجتمع المحلي، لذلك يمنح الأطفال حصصاً أسبوعية لتعلّم اللغة التركية. لكن ما ضاعف العزلة هو التوتّر مع المجتمع المحلي الذي أعقب التفجيرين اللذين حصلا في الريحانية في شهر أيار/ مايو من العام الماضي، إضافة إلى التوتّر المذهبي مع مواطني هاتاي من العلويين المناصرين للأسد. كما أن الأطفال الذين وُلدوا في تركيا لا يستطيع أهلهم الحصول لهم على إخراج قيد فردي أو جواز سفر.

وأقيمت في مدينة مرسين التركية مدرستين سوريتين، وفي مدينة اسطنبول أربع مدارس فقط. وتعاني بعض الولايات الحدودية الأخرى نقصاً كبيراً في عدد المدارس، حيث أن ولاية ماردين الحدودية مع محافظة الحسكة، والتي يقطنها الكثيرون من اللاجئين السوريين، لا تحتوي على أي مدرسة سورية. وتتولّى الدولة التركية مَهمة التعليم في مخيمات اللاجئين وفق مناهجها وباللغة التركية.

يأتي كلّ ذلك، في وقتٍ أعلنت فيه الحكومة السورية عزمها فرض اللغة الروسية كلغة رسمية ثانية تدرّس اعتباراً من مرحلة التعليم الأساسي. القرار أثار موجةً كبيرةً من الاستهجان والسخرية بين معارضي نظام الأسد. ولتنفيذ القرار أعلن، وزير التربية السوري، هزوان الوز، الأسبوع الماضي، أنه سيتمّ استقدام 450 معلمة روسية لتعليم اللغة الروسية في وقتٍ يعاني فيه القطاع التعليمي السوري من دمارٍ هائل، إذ أعلنت منظمة اليونيسف في شهر حزيران الماضي أن عدد المدارس المدمّرة والمتضررة في سوريا وصل إلى 2960 مدرسة، وبلغ عدد موظفي التعليم الذين قُتِلوا في أعمال العنف 222 موظفاً، في حين استُخدِمَت 1401 مدرسة مأوىً للنازحين والمهجرين، في حين أن الأطفال الذين لا يتلقون التعليم بلغ عددهم أكثر من مليوني طفل.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى