سميرة المسالمةصفحات سورية

في إضطراب خطاب المعارضة/ سميرة المسالمة

 

 

تواصل بعض قيادات المعارضة السورية طرح مواقف ملتبسة ومتناقضة وحتى متعارضة مع مواقف سبقلها أن اتخذتها، في ظاهرة متجددة، مضرة، ومؤسفة، تؤكد الاضطراب العام في رؤيتها لمشروعها الوطني، وافتقادها لرؤية واضحة لدورها، ومكانتها، وكيفية إدارة صراعها مع النظام من جهة، وحلفائه من جهة ثانية، والمنظمات الإرهابية المتطرفة من جهة ثالثة.

وقد شكّل هذا الاضطراب في الرؤى والمواقف، طوال السنوات الماضية، علامة ضعف في الثورة السورية، مما أضعف ثقة الشعب بهذه المعارضة، وزعزع صدقيتها في العالم، وأدّى إلى تضعضع كياناتها، السياسية والعسكرية والمدنية، ويتعلق ذلك تحديداً في الموقف من جبهة النصرة، وخطابات الجماعات الإسلامية المسلحة، والتعاطي مع تعقيدات القضية الكردية.

في هذا الإطار، مثلاً، يأتي حديث السيد رياض حجاب رئيس “الهيئة العليا للمفاوضات”، في اعتباره “جبهة النصرة” (“هيئة تحرير الشام” حالياً) بمثابة “أقنعة باهتة لتنظيم «القاعدة»، الذي لم يحل في أرض إلا دمرها، وكان وبالاً على أهلها.” ودعوته “جميع العناصر الخارجية إلى مغادرة بلادنا”! إذ أن الهيئة التي يرأسها حجاب نفسه كانت رحبت بتغيير “جبهة النصرة”، لإسمها (تموز 2016)، كأن ذلك يعطيها صكّ براءة، علماً أن ذلك لا يقدم ولا يؤخر في طبيعة هذه الجبهة، التي لعبت دوراً خطيراً في الإضرار بالثورة السورية، وتوسيع الفجوة بين المعارضة والشعب، وإثارة الشكوك حول شرعية هذه الثورة وأهدافها بصبغها بالتدين والطائفية والمذهبية. والسؤال لماذا تأخّر حجاب، وغيره، في اصدار مثل هذا الموقف؟ وما هي التأثيرات السلبية لهذا التأخر على الثورة وصورتها؟

طبعاً لا أقصد أن حجاب وحده يتحمل المسؤولية عن ذلك، فثمة كثيرون راهنوا على هذه الجبهة، والأهم أنهم جاملوا خطاباتها، إلا أنهم تراجعوا عن ذلك مؤخّراً، وذلك يشمل “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة” الذي كان يرفض أن يدين تصرفات أو مواقف هذه الجبهة  رغم أنها لا تعترف بأهداف الثورة ولا بسوريا التي ندافع عنها، ورغم أن شغلها الشاغل كان إزاحة “الجيش الحر” من المشهد السوري. وهنا يحضرني سؤال حول هذا التوقيت الذي جاء بعد خسارة حلب، وبعد رسم خريطة طريق جديدة بسبب تلك الهزيمة التي تتحمل مسؤوليتها “جبهة النصرة”، وكل من أيدها وصمت عنها من قيادات المعارضة، والتي كانت حسب تصريحات مايكل راتني، المبعوث الأمريكي السابق لدى المعارضة السورية، سبباً في عدم الدعم الدولي للثورة السورية.

أيضاً كانت الثورة السورية شهدت صعود الخطابات الإسلامية، التي أزاحت الخطابات الأساسية التي انطلقت الثورة أصلاً من أجلها، والمتعلقة بإنهاء نظام الاستبداد، واستعادة حقوق السوريين المتعلقة بالحرية والكرامة والمواطنة، في دولة مدنية ديمقراطية، وهو الاجماع الذي توافقت عليه معظم الكيانات السياسية المعارضة في العام الأول للثورة. وللأسف فإن هذا كله تراجع مع التحول نحو الصراع المسلح، وصعود الجماعات العسكرية الإسلامية، في ظل تراجع دور الكيانات السياسية، ومحاولة بعض التيارات التعامل بطريقة برغماتية، أو انتهازية، مع هذه الجماعات، في مراهنات ثبت عقمها، بدليل ما وصلنا إليه.

أما بالنسبة لقضية الأكراد فمن الواضح أن المعارضة مازالت تفتقد لرؤية واضحة لمعالجة قضية حقوق المواطنين الكرد السوريين، ليس باعتبارها قضية مواطنين أفراد فحسب، بل باعتبارها قضية وطنية تخص كل مكونات الشعب السوري، بمختلف قومياتهم، حيث قضايا الحرية لا تتجزأ، وحيث المصارحة في الحلول هي أنجع الطرق للوصول إلى صياغة حل عادل لهذه القضية كما غيرها من القضايا المسكوت عنها، بدافع المواربة تارة وبدافع القفز إلى الأمام لتجاوز المشكلات بدل حلها.

ويدخل ضمن ذلك السؤال للهيئة العليا قبل دخولها الجولة القادمة من مفاوضات جنيف عن الآلية التي اتبعتها لمعالجة الخلافات مع المكون الكردي في الهيئة، بما يتعلق بهذا الأمر، في وضع تتسع الفجوة فيه بين مكونات الهيئة بدل من العمل على ترميمها أو جسرها. ويدخل في ذلك أيضاً أن الطلب لا يفترض توحيد المعارضة في كيان واحد، وإنما بتوحيد رؤيتها لمشروعها الوطني، الذي يضمن حقوق السوريين من دون أن يفرط بسوريا الواحدة والشعب السوري الواحد، وهذا الأخير الذي يختلف على مفهومه كما يبدو، من يقود المعارضة اليوم.

أمر جيد أن نقرأ اليوم تصريحات لبعض قادة المعارضة تقر ببعض الأخطاء، وضرورة علاجها، ولو أنها جاءت متأخرة جداً، وخاصة أن النداءات لمعالجتها قبل جنيف 4 وجنيف 5 وجنيف 6، والتي صدرت من قبل بعض تيارات المعارضة وشخصياتها الوطنية، وجدت آذاناً مغلقة آنذاك، إلا أن العودة إلى حديث الإصلاح في كل وقت يجب ان يجد من يسانده حتى ولو كان مجرد تصريحات يستهلكها الإعلام فقط.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى