صفحات سوريةمازن كم الماز

عام على الثورة السورية


مازن كم الماز

عام , 365 يوما أو 366 يوم ؟ يبدو كل ما يحدث في سوريا عادي , أو مكرر , أو منطقي , لكن غير العادي فيه و الجديد فيه و غير المنطقي يختصر حقيقة النظام و الواقع السائدين , كل ما يجري , كل هذا المثير للغثيان و للغضب و للألم يختصر الوضع “الطبيعي” “الاعتيادي” “المنطقي” لنظام شمولي و ديكتاتور مجنون و واقع غبي : هناك في هذه اللحظة من يموتون لأنهم طالبوا أن يعاملوا كبشر , تبدو هذه المبالغة جريمة لا تغتفر لنظام و عالم يقوم على إنكار إنسانيتنا .. إن جنون الموت و هستيريا الذبح عند الديكتاتور الذي فجرته الثورة لم يكن كامنا , بل كان موجودا بالفعل بشكله ما قبل المجزرة , لم يكن قرار الديكتاتور ببدء المجزرة ابن لحظته , لقد كان القرار الأكثر طبيعية و منطقية , لا شك أن السلوك الأقرب لأن يكون غير منطقي , غير عادي , هو سلوك الذاهبين إلى الموت , تماما كما يدين رجال الدين سلوك رعاياهم الذين يديرون ظهورهم لأوامرهم و أوامر إلههم مهددين إياهم بمصير جهنمي , بتعذيب استثنائي في قسوته , الاستسلام هو شرط السلامة و عقاب التمرد على السلطة عقاب جهنمي , هكذا صاغت هذه المجتمعات القمعية شرط الحياة فيها , هكذا صاغت كل سلطة شرط الحياة , شرط تعايشها مع من تستعبدهم , منذ أن ظهرت السلطة على هذه الأرض … مصيبة السلطة , بما في ذلك الأسد أيضا هذه الأيام , أن جنونها القاتل الذي كان يبقينا عاقلين في أزمنة الركود , يصبح هو الخالق لجنون الثورة عند العبيد في فترات الثورة , من غير السهل فهم كيمياء الخلق هذه , التي تسمى ثورة , في سوريا شعب يثور , و يموت لذلك , في سوريا شعب أصابه جنون الثورة و لم يعد من الممكن دفعه للتعايش بمنطقية و عقلانية مع سيده , مع قاتله .. مصيبتنا الحقيقية في فهم واقعنا اليوم هو ليس في خروجنا على السائد أو في تحطمينا لقواعد السلوك الطبيعي المنطقي للعبيد , بل في محاولة تقزيم مغامرتنا هذه , إجهاضها , فرملتها قبل أن تبدأ بالتحليق بعيدا عن واقعنا كعبيد , مصيبتنا اليوم في محاولة تشويه صورة الديكتاتور نفسها , تغييرها , تزويقها , تشويهها ليبدو على غير حقيقته , في تزييف صورة الديكتاتور عموما و هي حالة , وضعية لا علاقة لها لا بطائفة الديكتاتور و لا بدينه و بلونه , الخ .. يريد هذا التشويه أن يستبقي حيزا ما في وعينا لطغاة و قتلة يمكن الخضوع لهم في الحاضر أو المستقبل .. الديكتاتور يقتلنا و سيقتلنا ليس حسب طوائفنا , و لا ألواننا أو أجناسنا , كل سوري بالنسبة له غريب , خارجي , طارئ , كل سوري بالنسبة له مشروع ميت , كل سوري عبد , إما أن يعيش كعبد أو يموت كعبد , طائفته أو جنسه أو قوميته , طائفة مرتزقته أو قوميتهم الخ , هي مجرد تفصيل زائد , هذا التشويه في فهم الواقع قد يهدد باختزال التغيير , اختزال الثورة , في تغيير طائفة الديكتاتور , هذا هو , بالنسبة للثوار , أكثر الأمور تفاهة , بعد أن تجتاز كل هذه الحواجز , بعد أن تحطم كل هذه القيود , بعد كل هذا الموت , أسوأ ما يمكن أن يحدث , بعد استمرار الديكتاتور طبعا , هو أن نسجد من جديد لديكتاتور جديد , فقط بسبب طائفته .. حتى ذلك اليوم لنتمتع بالموت كأحرار , يغمض الشهداء عيونهم على حلم بأنهم و أننا نستحق و أننا سنعيش بحرية , علينا ألا نخون حلمهم أبدا طالما كنا أحياء ..

مازن كم الماز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى