صفحات الثقافةممدوح عزام

كمائن نقدية/ ممدوح عزام

 

 

 

تعرف الحياة الثقافية السورية أسماء العديد من الكتّاب الذين ازدادت شهرتهم وحضور أسمائهم في الوسط الثقافي، بعد أن تبوّأوا مناصب ثقافية، كرئاسة تحرير الجرائد أو المجلات الأدبية والفكرية.

وفي هذا الباب، فإن ثمة “صحافيين” و”كتّاباً” ينفّذون أجندات السلطة في تكريس الاسم وتعويم حضوره في الوسط الثقافي. تستطيع أعمدة الصحف وبرامج التلفزيون وخطط المراكز الثقافية، أيضاً، المشاركة في عمليات تعدين التماثيل لأي كاتب من المؤيّدين.

وقد تمكّن الضجيج المداهن، أن يكسب الكثير من المواقع الهامّة في الحاضر الثقافي للسوريين، ليضع فيها أسماء موالية، في مقابل محاولة محو أو طمس للأسماء الهامة في الإبداع.

اللافت في الأمر، هو أن تلك الكمائن كانت تستعين في الغالب بنظريات النقد الغربية التي عملت على نفي واستبعاد الحامل الفكري للأعمال الأدبية، أو تهميشه، لحساب الحديث عن شفرات غامضة يدّعيها أو يمنحها من يدعيها لمن يشاء من الكتّاب، ولما يريد من النصوص.

أذكر مثلاً أن النظرية البنيوية، أو أن النظرية البنيوية في نسختها السورية، كي لا نتّهم النظرية الأم جزافاً، أحاطت العشرات من الكتّاب بخطوطها الطولية والعرضية وبدوائرها الغامضة، في أكبر عملية تلفيق نقدي، لا يمكن إزاءه التعرّف إلى قيمة المادة الأدبية المكتوبة لا في النص المنقود، ولا في النص الناقد.

ومن الواضح أن إغراق السوق الثقافي بمثل تلك الدراسات المنافقة كان يضمن السلامة من جهة، للناقد المتغطرس الذي يستطيع، من خلال تلك المواد الهندسية، أن يظل محايداً بخصوص القيمة الفكرية والوجدانية والفنية أخيراً للنص المنقود. كما يضمن الحضور الموازي لـ “الروائي” المنقود تجاه أي اسم من الأسماء المعروفة في عالم الرواية من جهة ثانية.

وقد باتت جميع الروايات، بفضل تلك “الدراسات” متساوية من حيث أهلية القراءة وقابلية النقد.

فكر اليوم أن البنيوية، كما فُهمت وطُبّقت في النقد اليومي السوري، بدت اكتشافاً سعيداً للسلطة الثقافية، وقد تمكّنت من وضع الجميع في سلّة المساواة النصية.

صار بالوسع أن يحشر اسم أي كاتب في السجل الروائي، في عملية استبدال أو “مساواة” غير نزيهة. فيختفي اسم هاني الراهب، صاحب “الوباء”، و”رسمت خطاً في الرمال”، وغيرها، لتظهر عشرات الأسماء من “الروائيين” الهواة، على يد عدد من النقاد الذين لم تسمعوا بهم البتة، ويضيع اسم سعيد حورانية أو حسيب كيالي من سجل القصة القصيرة، فيما تظهر العشرات من البدائل المؤقتّة.

وبموازاة النسخة السورية للبنيوية، صنع النقّاد نسخة محلية مزوّرة لـ “التناص”، استخدمت لتمويه الضحالة والتستر على الاختلاسات الأدبية ورعاية الأخوّة الشخصية بين الناقد والروائي أو الشاعر، من عدالة النقد وصرامة الموقف النقدي المخلص للفن والحقيقة.

أما اليوم فقد رحلت البنيوية، لم نعد نرى أي أسهم أو بيانات في مدائح العروض النقدية، وانمحت التأشيرات الجمركية المزورة، بينما عاد كاتب التناص ليكون لصّاً وحسب.

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى