صفحات الناسوليد بركسية

كم أتمنى لو كان هذا رئيسي!/ وليد بركسية

 

 

كم أتمنى لو كان هذا رئيسي! جملة ربما قالها كثير من المشاهدين لمقاطع الفيديو والصور التي بثتها صفحة “رئاسة الجمهورية السورية” في “فايسبوك” لرئيس النظام السوري بشار الأسد في ريف حماة خلال اليومين الماضيين، وهو يزور بعض الجرحى من جيشه بمناسبة عيد الفطر. مصطحباً معه عائلته، زوجته وأطفاله، براحة شديدة وبساطة كأنهم أفراد عاديون يقومون بزيارات عائلية معتادة للجيران كبقية البشر الطبيعيين، وليسوا العائلة التي تسببت بأكبر كارثة إنسانية في العالم منذ الحرب العالمية الثانية.

وفي المقاطع يتفوق الأسد على كافة النماذج العالمية للرؤساء المشهورين بالتواضع، فيخلع حذاءه عدة مرات ويقبل أفراد الشعب البسيطين ويلتقط معهم صور السيلفي ويجلس على الأرض في بيوت شديدة الفقر، ومعه زوجته أسماء الأسد التي تظهر بملابس شديدة البساطة على غير الإطلالات الباذخة السابقة لها، ويرفض الجميع تناول الأطعمة والأشربة من باب الأدب التقليدي في الأعياد والزيارات العائلية “الرسمية”.

يتصرف الأسد هنا من منطلق انتهاء الحرب، في امتداد لعدد من المقاطع التي أطلقها خلال شهر رمضان الماضي، لكنه لا يمهد لإعادة الإعمار والاقتصاد وإزالة مظاهر التشبيح المستشرية في الأوساط الموالية للنظام، بل يمهد لفكرة المصالحة بين السوريين وإنهاء الأحقاد أو على الأقل إعادتها لوضع الخمول، وتحديداً أولئك المتضريين جسدياً أو الذين فقدوا أفراداً أعزاء عليهم، ضمن الفئات الموالية فقط، والتي شهدت في الفترة الماضية ارتفاعاً في مستوى الاحتجاج الداخلي على كمية الخسائر البشرية في صفوف قوات النظام.

ولعل هذا السبب بالتحديد هو ما جعل الأسد يختار ريف حماة لهذه الجولة المفاجئة، وتفضيلها على مسقط رأسه في القرداحة أو أماكن أخرى في ريف اللاذقية، والتي كان تصوير المقاطع فيها سيجعلها شديدة المباشرة كفيديوهات دعائية بعكس ريف حماة، كما أن أماكن مثل طرطوس وريفها بتسجيلها أعلى نسب الاحتجاج على التجنيد وطول أمد الحرب نظراً لكلفتها المتزايدة، تبدو أماكن غير مضمونة لاصطناع العفوية والمحبة تجاه الأسد من دون طلبات أو احتجاجات من طرف العائلات المختارة لاستقبال الأسد وعائلته.

إلى ذلك يشكل ريف حماة الذي مازال يشهد اشتباكات في بعض أجزائه، منطقة مثالية لتوجيه رسالة الانتصار وعودة الأمان من جهة ولإظهار “المحبة الشعبية” له من جهة ثانية، ولهذا السبب فقط يصطحب الأسد أولاده في الجولة، وهو أمر لم يكن ليقدم عليه قبل أشهر قليلة فقط مهما كانت الحراسة والإجراءات الأمنية مشددة حوله. ولهذا السبب أيضاً تمتلئ المقاطع بالقبل والمصافحات الحماسية واحتضان الأطفال وحتى السلام العابر على حواجز التفتيش العسكرية.

ويجب القول أن حماة التي تتمتع بنسيج طائفي متنوع بين السنة والاسماعيلية والعلوية، تشكل امتداداً بعيداً لفكرة المصالحة والتسامح في مرحلة ما بعد الحرب التي يرمي إليها الأسد، الذي يطرح نفسه كرئيس محبوب من “كل السوريين”، ليس فقط من الناحية العسكرية بل من الناحية “الإنسانية” والدينية ومن ناحية الالتزام بالتقاليد المحلية، ما يجعل كل ما سبق كذبة دعائية هو حقيقة أن الزيارة اقتصرت على القرى العلوية فقط في ريف مصياف، إي إلى بيئة الأسد الشعبية الحاضنة له، وهي الخاصية التي تحيل الفيديو تلقائياً إلى خانة البروباغندا.

وهنا، تذكر المقاطع الأسدية بالدعاية الإسرائيلية التي يقدمها كل من المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي ومنسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية يوآف مردخاي، اللذان يستغلان المناسبات الدينية الإسلامية، كعيد الفطر أو رمضان لتقديم مقاطع دعائية موجهة للعرب على أنهم “مواطنون ضمن الدولة اليهودية” بشكل يعاكس الحقيقة العنصرية للسياسات الإسرائيلية، كما أن الأسد يستمد صورته اللطيفة من رئيس الوزراء الكندي جاستن برودو الذي بات “قدوة” في هذا النوع من الإطلالات، مع اختلاف في نوعية الأغراض منها بطبيعة الحال. وعليه فإن الأسد يدعي عبر استلهام التجربتين إلى الادعاء بأنه رئيس كل السوريين في سوريا المستقبلية الموحدة، مهما كانت ذلك القول منافياً لواقع العنصرية الأسدية.

وفي العموم يمكن القول أن الأسد يتقن لعب الدور جيداً هذه المرة، فمقاطع الفيديو القصيرة لا تترك مجالاً له كي يظهر بصورة دعائية فجة كما هي حال بقية مقاطعه الطويلة، كما أن المناطق التي جرى فيها التصوير بملامح الفقر العامة فيها من جهة وبلهفة سكانها البسطاء على نيل رضى “المعلم” من جهة ثانية، تختلق جواً من العفوية لم يكن ليحدث لو كان التصوير في طبقة من المتعلمين أو المثقفين المتحذلقين أو بين أفراد الطبقة الوسطى الذين كانوا سيثيرون ربما، أحاديث عن الوضع الخدمي والإنساني المتردي في أماكن سيطرة النظام، وتحديداً سيطرة الميليشيات على تفاصيل الحياة المختلفة هناك.

المدن

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى