صفحات سوريةعمر قدور

لا الأسد يصلح ولا هذه المعارضة/ عمر قدور

 

 

 

يندر أن تصبح قضية بلد خارجية تماماً، على النحو الذي نشهده الآن في سوريا. تدخل عسكري روسي كالذي يحدث الآن أكثر ما يثيره تكهنات وتحليلات، بينما تكاد تنعدم المواقف السياسية وتالياً الرسائل الميدانية، أو العكس. جهة المعارضة الوحيدة التي واكبت التدخل الروسي، بالترحيب به وبأهدافه المعلنة، هي أقرب إلى التبرع بما لا يحتاجه أحد منها لهامشية حضورها أصلاً، ولندع جانباً أنها صاحبة لاءات معروفة في مقدمها “لا للتدخل الخارجي”. ائتلاف قوى المعارضة، المقيم في إسطنبول، كان قد ابتلع الطعم الروسي قبل مدة وتحدثت قياداته عن تغير في الموقف الروسي مفاده عدم التمسك بشخص الأسد، ويبدو صوت تلك القيادات غائباً اليوم فيما بوتين نفسه يعلن التمسك بالأسد، بل يحاول انتزاع بيان من مجلس الأمن يضفي عليه الشرعية.

لن يكون جديداً القول ان واحداً من مآسي الثورة السورية عدم وجود قيادة سياسية وطنية، قادرة على مواكبتها أولاً وقادرة تالياً على إدارة علاقاتها الدولية. تجارب عديدة للمعارضة مرت خلال السنوات الأربع والنصف الأخيرة، تكاد جميعها تحمل دلالة واحدة قاطعة هي اللانضج، ويكاد تأثيرها الأهم ينحصر في دفع السوريين إلى الإدبار عن العمل السياسي لانعدام الأمل به وبالقائمين عليه. الآن، حظ أي إطار سياسي جديد من القبول شبه منعدم، لا لأن مأساة السوريين الإنسانية فاقت الحد فحسب، وإنما لشيوع الاعتقاد بفساد العمل السياسي وانحطاطه، الأمر الذي جسدته معارضة راحت تفقد شرعيتها باضطراد منذ تأسيسها بعد الثورة.

السلاح ليس السبب كما يُشاع دائماً، ففي الحرب اللبنانية على سبيل المثال، تداخلت جميع العوامل الداخلية والخارجية وصولاً إلى تشكيل إمارات الحرب، وعلى رغم بؤس المثال اللبناني إلا أنه لم يكن يفتقر تماماً إلى شخصيات سياسية ذات اعتراف محلي ودولي، ولم يشهد على نحو ما نراه الآن قوى عسكرية بلا مستوى سياسي على الإطلاق. حتى القوى العسكرية القليلة التي انضوت في ائتلاف المعارضة السوري فعلت ذلك على قاعدة شعار إسقاط النظام، وهي غير مرتبطة به عضوياً لأن سبل إمداداتها لا تمر به، وليس صعباً في الحالة السورية الحالية تفويض إطار سياسي اليوم وسحب الاعتراف به غداً، والسيرة النموذجية المعتادة بدء أي تشكيل بزخم أقوى مما يليه بعد أيام قلائل حيث ستبدأ الخلافات وصولاً إلى انفراط العقد كله، إذا وجد من يعلن انفراطه.

من هذه الثغرة، التي صار يتساوى فيها الجميع، يأتي التدخل الدولي ليزيد في إهانتهم. ففي حالة نادرة وشاذة أيضاً تهدد شخصيات دولية قسماً من المعارضة السورية بأن ما لا يقبله هناك قسم سواه جاهز للانخراط فيه، وألا أفضلية له على ذلك القسم، بما أن الكل لا يتمتع بتغطية شعبية داخلية تمنحه وزناً. وإذا شئنا التعيين بأوضح مما سبق، ببساطة يمكن لصناع القرار الدوليين استخدام تلونات المعارضة بحسب حاجتهم لا بحسب تمثيل شعبي منعدم أصلاً، يمكن تعويم ائتلاف المعارضة أحياناً، ويمكن تعويم هيئة التنسيق أحياناً أخرى، ذلك بحسب التوجه الدولي السائد، مثلما يمكن الدفع إلى تقارب بين الجهتين وإصدار بيان توافقي يطيحه الطرفان أو واحد منهما بلا أدنى توضيح أو حرج.

طوال أربع سنوات كان أهم ما فعلته المعارضة انقسامها بين شعار إسقاط النظام والتسوية معه، والعديد من الأفراد تأرجحوا ذهاباً وإياباً بين الشعارين، وكان تبريرهم إذا تفضلوا بالتبرير هو الاستسلام للمناخ الدولي السائد. من نافل القول أن أصحاب التيارين لا يملكون حضوراً ملحوظاً على الأرض كقوة سياسية بالمعنى المتعارف عليه، وأن قوتهم الحقيقية تأتي فقط من الاعتراف الدولي بهما، وأن “الكيد” السياسي الدارج بينهما يتعلق أيضاً بالمناخ السياسي الدولي بحسب ما يعتريه من توافق أو مواجهة. أصحاب التيارين مُسلِّمون تماماً بخروج الشأن السوري من أيدي السوريين، ولا يبذلون أدنى جهد لإعادته إلى أصحابه، فمن ينادون بتسوية مع النظام ينتظرون تسوية دولية إقليمية تتيحها، ومن ينادون بإسقاطه يأملون بنجاح جهود الدول الداعمة بإقناع إدارة أوباما بإسقاطه.

التياران منفصلان عن الوقائع الميدانية، حتى إذا استقوى أحدهما بها، وفي حالة شاذة أيضاً لم تعد الوقائع الميدانية ذات دلالة سوى على توجهات القوى الداعمة، ففتح معركة يستلزم إمدادات تأتي من الخارج حكماً، وهذه الإمدادات تأتي مباشرة، وعلى الأغلب من دون معرفة المستوى السياسي. بعض قادة المعارضة يزاول التحليل السياسي في الصحافة، أسوة بأي محلل متابع فلا معطيات سياسية يُفترض وجودها من خلال موقعه، ولا تبصّر مختلف بناء على ما يُفترض أن يتيحه الموقع، ولعل قسماً معتبراً من هذه التحليلات يشير إلى انقطاع قادة المعارضة عن الجهد السياسي والدبلوماسي المتوقع، أما خلوّه من أي تصور وطني عملي لمواجهة المتغيرات فقد صار أمراً متوقعاً.

إن أطرف التحليلات صار يُبنى الآن على وجود توافق دولي، يقوم فيه الروسي بتأهيل النظام، ويتولى الغرب تأهيل المعارضة “المناسبة”، تحليل ينطوي على عجز داخلي تام عن التغيير، وينعي كلياً مطالب السوريين الذين لا حساب لهم في تصورات الخارج أو في تصورات كافة قوى المعارضة. الخبر السيء أنه حتى هذا الاحتمال سيستهلك وقتاً طويلاً، ليكتشف أصحابه عبث ترميم ما لم يعد صالحاً، فلا الأسد يصلح أن يكون جزءاً من مستقبل السوريين، ولا هذه المعارضة تصلح. الخبر الأسوأ أن استهلاك الوقت لا يبشّر بإنتاج بدائل أفضل، طالما لن يأتي البديل بعملية ديمقراطية يخوضها عموم السوريين.

المدن

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى