إياد الجعفريصفحات المستقبل

ما تحتاجه السعودية في سوريا/ إياد الجعفري

 

 

لم تكتفِ موسكو بالتقليل من شأن صفقة الجبير للتخلي عن الأسد، بل ذهبت إلى حد التقليل من شأن مُطلق الصفقة ذاته، الذي وصمته بـ “ضعف الخبرة السياسية”، ووصفت طرحه بـ “البدائي”. في الوقت ذاته، يصف مسؤولون أمريكيون في البنتاغون والمخابرات، خطة كيري للتعاون العسكري الاستخباراتي مع روسيا في سوريا، بأنها “ساذجة”.

في هذه الأثناء، يبدو أن تركيا غارقة تماماً في ترتيب بيتها الداخلي إثر محاولة انقلاب فاشلة، بالتزامن مع ضغوط روسية على أنقرة لتعديل سياساتها في دعم المعارضة المسلحة السورية، نظير عودة العلاقات الاقتصادية والنشاط السياحي بين روسيا وتركيا.

هذا حال المعسكر الداعم للمعارضة السورية، التي قد تكون على موعد قريب مع تحدٍ هو الأخطر على مصيرها، وذلك منذ قرابة السنتين. فخطة كيري – لافروف الأخيرة، نصت على استهداف الطرفين ل”النُصرة”، وأماكن تواجدها، مما يهدد بتفكيك “جيش الفتح”، الذي يمثّل أقوى الفصائل المسلحة السورية، والذي لعب، وما يزال، أدواراً حاسمة في عرقلة تقدم قوات النظام السوري، خاصة في محافظة حلب.

وهكذا، يبدو أن الروس ينالون ما يريدون دون الحاجة لأية تنازلات كبرى، من قبيل التخلي عن الأسد. فالطائرات الروسية التي قصفت موقعين تستخدمهما أمريكا وبريطانيا لدعم أحد فصائل المعارضة السورية، حققت ما ثابرت موسكو على طلبه لأشهر، من دون أي تجاوب في واشنطن، وحصدت روسيا أخيراً، التعاون العسكري والأمني الأمريكي، وفق معادلات تخدم مصالحها ومصالح حليفها بدمشق، وتأتي على حساب المعارضة السورية المدعومة من الغرب ومن قوى إقليمية حليفة له.

لم تعلّق الدوائر الرسمية الروسية على عرض وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، بالتخلي عن الأسد مقابل مكاسب اقتصادية كبرى. لكن “روسيا اليوم”، التي تعد بمثابة وسيلة إعلامية حكومية، علّقت على تلك الصفقة بعنوان، “صفقة مقايضة الأسد مردودة على صاحبها”. وفي ثنايا الرد، علّقت باحثة وإعلامية روسية تُوصف بالمقربة من دوائر صنع القرار في موسكو، بأن تصريح الجبير، “بدائي، وينم عن ضعف الخبرة السياسية”.

إذاً، لا يبدو أن روسيا مستعدة لمقايضة الأسد، وخاصة الآن، فهي تشعر بأنها في أفضل حالاتها داخل معادلات المشهد السوري. فالرئيس الأمريكي غير مستعد لأي تغيير نوعي في سياساته تجاه الصراع في سوريا، وهو يخشى التورط في تصعيد عسكري مع الروس في الساحة السورية، ويضع نصب عينيها تحقيق إنجاز ميداني نوعي ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”، في الموصل والرقة.

أما السعودية، لا تبدو أنها قادرة على فعل الكثير، ما دامت خاضعة للضوابط الأمريكية الخاصة بنوعية وتوقيت دعم الفصائل المسلحة المعارضة في سوريا. فيما يبدو أن تركيا غير مؤهلة للعب أي دور حاسم في الساحة السورية خلال أشهر قادمة، خاصة، وسط التهديدات الأمنية الداخلية التي ما تزال ماثلة أمام أعين المسؤولين الأتراك.

وهكذا تنتعش روسيا، فالمحاولة الانقلابية في تركيا، همشت دور تلك الدولة المحورية في الصراع السوري، ومخاوف أوباما من أي انزلاقات مفاجئة في الصراع السوري، تدفعه لتقديم المزيد والمزيد من التنازلات للروس، على حساب هيبة وفاعلية القوة الأمريكية في نظر الحلفاء قبل الأعداء.

ليبقى العرض السعودي الأخير، أجوف في المنظور الروسي. فالروس سبق أن رفضوا، منذ 3 سنوات، عرضاً من مدير المخابرات السعودية الأسبق، المخضرم، بندر بن سلطان، بالتخلي عن الأسد مقابل صفقة أسلحة ضخمة. لم يكن الروس يومها متواجدين في سوريا، بشكل مباشر، وبهذه القوة والإصرار. ولم تكن المعادلات الإقليمية والأوضاع الدولية، مؤاتية للسياسة الروسية، كما هي الآن. فما بالك، وقد باتت كل التحديات أمام مساعي الروس لتدعيم حكم الأسد، قد ذبلت، وباتت واهية.

لكن هل يعني ذلك أن روسيا تريد الإبقاء على الأسد بالفعل؟، أليس الأخير مجرد ورقة تريد روسيا المقايضة بها، قبل أن تفقد قيمتها؟

ربما كانت تلك نيّة روسيا حتى وقت قريب، لكن، بعد الانحناءات الأمريكية المتكررة، والتطور الدراماتيكي الأخير في تركيا، يظهر للعيان، أن الروس يريدون الذهاب مع الأسد إلى آخر المشوار، أو على الأقل، تحصيل أكبر المكاسب الميدانية التي من الممكن تحصيلها لصالحه، قبل نهاية ولاية أوباما، وتغير السياسة الأمريكية المحتملة مع الإدارة الجديدة في البيت الأبيض، لتكون الأخيرة أمام أمر واقع لانحسار نفوذها، ونفوذ حلفائها الإقليميين، لصالح الروس وحليفهم بدمشق.

والمفارقة، أن انحسار النفوذ الأمريكي، ونفوذ حلفاء واشنطن الإقليميين في سوريا، سيتم بمساعدة أمريكية، عبر الاتفاق الأخير بين كيري ولافروف، والذي إن وجد طريقه للتطبيق بالصورة التي يأملها الروس، فسيؤدي إلى تدمير أكبر عائق لانتصار النظام في حلب، وهو جيش الفتح.

وفي هذه الأثناء، تراقب طهران من بعيد، ورجالاتها على الأرض، فالحليف الروسي يرجع في كل مرة، رغم تذمره، ليخضع لمعادلات التحالف التي تفرضها السياسة الإيرانية، فيقدم الدعم الجوي لمقاتليها على الأرض في معركة حلب التي تراهن عليها طهران كثيراً، رهاناً قد لا يقتصر على أبعاد استراتيجية واقتصادية تخدم مشروعها في سوريا، فحسب، بل أكثر من ذلك، أبعاد تحمل مضموناً طائفياً تاريخياً، مضموناً يراهن على أن ترجع حلب، عاصمة سوريا الثانية، إلى حظيرة “الاثني عشرية”.

يبقى السؤال، هل يملك الجبير وقيادته في الرياض، خطة بديلة عن الصفقة التي عرضها على الروس؟، وهل ستتفرج الرياض، ومعها أنقرة، على إنجازهم النوعي في سوريا، “جيش الفتح”، يتفكك وينهار؟

تبقى الإجابة على هذه التساؤلات خفية وراء كواليس صنع القرار في الرياض وأنقرة، لكن يمكن الجزم بحقيقة حاسمة في التاريخ، هي المعادلة الأخرى لمقولة مؤرخ بروسي شهير، “الحرب امتداد للسياسة ولكن بوسائل أخرى”. فالسياسة إن لم تحظَ بقوة تدعمها، خلت من أية فاعلية على التأثير. ولا يكفي القوة الناعمة دوماً، فالقوة الخشنة ضرورة ثابتة من ضرورات إنجاح أية سياسة. هذا ما أثبته الروس في سوريا خلال الأشهر القليلة الماضية. وهذا ما تحتاج السعودية إلى إثباته في سوريا، قبل فوات الأوان.

يعني ما سبق، أن الأوان قد آن لفرض ضغوط جدية على إدارة أوباما، تستغل ضيق هامش الحركة أمامه، بصورة تضعه أمام الأمر الواقع، وتضطره للقبول به. بكلمات أكثر مباشرة: يجب على السعودية تحديداً، المخاطرة بدعم “جيش الفتح” وسواه من الفصائل المعارضة المضبوطة، بأسلحة نوعية تقلب المعادلات، وذلك قبل فوات الأوان.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى