صفحات الناس

ما نوع الألم “تحت سماء حلب”؟/ ملاذ الزعبي

  “متل ما انا خايف عليها أكيد في كثيرين خايفين عليها ورح يحاربوا مشانها، وعندي أمل بهالأشخاص مع إنون قليلين كتير”، بهذه الجمل التي تمزج الخوف من المستقبل والأمل الكبير به، يختم الجندي المنشق عن الجيش السوري أحمد الإبراهيم كلامه، أمام كاميرا المخرج الشاب عروة مقداد في فيلم “تحت سماء حلب” الذي بثته قناة “العربية” على شاشتها مؤخراً.

في فيلمه الوثائقي الثاني، عقب “بعدنا طيبين”، اختار مقداد (28 عاماً) حلب مرة أخرى مسرحاً لتصوير أحداث يغيب معظمها عن وسائل الإعلام العربية والعالمية، ولنقل جوانب إنسانية، قلما تجد طريقها إلى الشاشات الصغيرة منها والفضية.

 يصور لنا مقداد على مدى 26 دقيقة تقريباً، ثلاث شخصيات رئيسية، تتنقل بينها كاميرا المخرج بالتناوب، وهم صلاح العلي الطالب في كلية الهندسة المعمارية في سنته قبل الأخيرة والمقاتل في لواء التوحيد، أحد أبرز القوى العسكرية المناهضة للنظام السوري في حلب، وأحمد الإبراهيم المنشق عن جيش النظام السوري والمنضم لاحقا إلى لواء التوحيد، ورأفت الرفاعي وهو إعلامي مستقل.

 يجيب أبطال الفيلم الثلاثة عن أسئلة متلاحقة يطرحها عليهم المخرج عن الثورة والعسكرة والطائفية ومستقبل البلاد، لكن كاميرا المخرج الشاب تنقل أيضا جانبا إنسانياً آخر لشخصيات فيلمه بمعزل عن الثورة. نراهم يعدون طعاماً متواضعاً ويتناولونه، ينشغلون بعملهم اليومي، أو يتبادلون مع أصدقاء حديثاً عن ذكريات الطفولة، ويجيبون على أسئلة عن الأنثى والحب.

 بالإضافة إلى هؤلاء، يتبادل المخرج أطراف حديث قصير مع مقاتل لا نرى وجهه، ويكتفي مقداد ب”كلوز آب” على فوهة بندقيته وبزته العسكرية، كونهما موضوع الحديث، في حل إخراجي ذكي ولافت.

 تهتز كاميرا مقداد أحياناً، كواقع المدينة المتأرجح، فالموت قد يأتي في أي لحظة، وتحديدا من السماء. صودف أن سقطت قذيفة على طابق علوي في البناء الذي كانت تتم فيه عملية التصوير، والصورة تتكلم: الشظايا في كل مكان والغبار يغطي كل شي، فيما ينقل مشهد آخر مليء بالقسوة، حالة الهلع والفوضى بعيد قصف من الطيران الحربي، والجرحى الذين يتم نقلهم إلى مستشفى ميداني في سيارة نقل مدنية بغياب الحد الأدنى من الشروط الصحية المطلوبة في هكذا حالات.

لكن حضور الأنثى في الفيلم يقتصر على أسئلة عن غيابها، لم نشاهد المرأة السورية في فيلم مقداد، سواء تعمد الأخير ذلك أم لم يتعمد. لم نسمعها تتحدث هي أيضاً عن آمالها وآلامها، وعن رؤيتها ودورها في سوريا المستقبل، ألا تعيش المرأة السورية تحت سماء حلب أيضاً؟

 العمل الذي صوره مخرجه في آذار/مارس الماضي وتكفل شخصياً بإنتاجه وبعمليات المونتاج، ومن دون الحصول على أي تمويل قبل أن تشتريه العربية، يبدو مشغولاً بأناة أهدأ من الكثير من الأفلام الوثائقية المسلوقة التي أنتجت خلال الثورة السورية، والتي ارتبطت، في كثير من الأحيان، بحاجة الجهات المنتجة إلى أعمال سريعة بغية العرض والتسويق أو لضمان دوران عجلة التمويل مجدداً.

أنهى مقداد فيلمه الثالث الذي يحمل عنواناً مبدئياً هو “على الطريق” ويتناول مجموعة من الشباب السوريين الذين يعزفون الموسيقى في شوارع العاصمة اللبنانية بيروت، بينما بدأ يحضر لفيلم جديد عن الاحتكاك السوري الدائم بالموت.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى