صفحات سوريةعلي العبدالله

ما هكذا تورد الإبل


علي العبدالله *

     كتب الصديق الدكتور منذر خدام مقالة تحت عنوان ” ماذا يجري في القاهرة بين المعارضتين ؟ ” ( جريدة النهار 30/11/2011 ) حول الحوار الذي دار ويدور بين المجلس الوطني السوري وهيئة التنسيق لقوى التغيير الديمقراطي تبنى فيه رواية الهيئة المذكورة محملا المجلس مسؤولية تعطيل الشق التنظيمي من الحوار  قال نقلا عن مصادره : ” إن العمل على الشق التنظيمي المتعلق بتوحيد المعارضة السورية تنفيذا لمطالب جامعة الدول العربية والعديد من الأطراف الدولية الأخرى لم يبدأ بعد بسبب رفض وفد المجلس الوطني السوري البحث فيه ” ، وأضاف : ” وعندما طالبه وفد هيئة التنسيق بتشكيل لجنة عليا لتنسيق السياسات والمواقف تضم جميع أطياف المعارضة ، خصوصا إن هناك العديد منها لا ينتمي للمجلس أو للهيئة كان الجواب أيضا الرفض ” . واستطرد ناقلا عن مصادره : ” بأن في المجلس الوطني من يرفض رفضا باتا انضمام الهيئة للمجلس حتى ولو جاء بلا قيد أو شرط ، وسربت بعض الأسماء القيادية المهمة فيه التي تقول بذلك، نتحفظ عن ذكرها ، والحجة المعلنة التي يسوّقها هؤلاء هي أن هيئة التنسيق تقبل الحوار مع النظام ، بل يصفها المغالون منهم بأنها الوجه الآخر للنظام ، وهذا ما نفته وتنفيه الهيئة باستمرار ” .

     انتقل الدكتور منذر من النقل عن مصادره إلى إطلاق الأحكام والتقديرات قائلا : ” وبعيدا عن هذه الحجج الواهية التي يتذرع بها قادة المجلس الوطني للتهرب من استحقاق توحيد المعارضة، فإنهم لا يخفون عن بعض أوساطهم ما هو غير معلن ، لكنه متداول ، وهو حقيقي يفيد بأن وجود هيئة التنسيق في قوام المجلس الوطني سوف يخلق نوعا من التوازن داخل المجلس يحول دون اللجوء إلى التدخل العسكري الخارجي كخيار محتمل هذا من جهة، ومن جهة ثانية سوف يحد من قدرة تركيا وأطراف دولية أخرى (فرنسا على سبيل المثال) على التأثير على مواقف وسياسات المجلس الوطني السوري ” . وأضاف قائلا : ” هذا يعني أن القوى الفاعلة في المجلس الوطني، والقوى الداعمة والممولة له، لا تريد وحدة المعارضة السورية بما يحدّ من خياراتها السياسية ” .

   لقد تحول الدكتور منذر إلى الحكم قبل أن يتحقق من دقة الرواية التي سمعها من مصادره ويتأكد من صحتها بالاستماع إلى رواية الطرف الآخر ، إذ من المفترض به كباحث وحريص على وحدة المعارضة عدم الحكم قبل التأكد من صحة الرواية ” كي لا يصيب قوم بجهالة ” ، كما تقول الآية الكريمة ، وبعدها يطلق أحكامه على بينة . والحقيقة إن هناك رواية للطرف الثاني ، المجلس الوطني ، تقول : ” إن الهيئة طالبت بالعودة إلى المربع الأول وتشكيل ائتلاف سياسي جديد وباسم جديد بدءا من تشكيل هيئة تحضيرية مكونة من المجلس الوطني وهيئة التنسيق بالتساوي 50% لكل طرف وهذا ما رفضه المجلس لاعتبارات كثيرة لعل أهمها إعطاء انطباع خاطئ للشعب السوري بعامة وقوى الثورة بخاصة وضرب مصداقية المعارضة والتشكيك في جديتها وقدرتها على البناء والمراكمة فهي كالعنكبوت الذي ينقض غزله “.

   في فقرة أخرى يرى الدكتور منذر في الدعوة التي وجهها مؤسسو المجلس للهيئة للمشاركة في تشكيل المجلس تقليل من شأن الهيئة قال : ” إلا أنها كانت دعوة للانضمام فقط في تجاهل واضح لدورها وما تمثله من قوى سياسية معارضة في الداخل والخارج ”  كاشفا عن عدم معرفة بما جرى حيث أن الدعوة لم تكن للانضمام بل للمشاركة في تأسيس المجلس الوطني الذي تشكل على مرحلتين بدأت في تشكيله قوى إسلامية مستقلة وأخرى علمانية وليبرالية وان هذه القوى وجهت دعوة إلى إعلان دمشق للحضور والمشاركة وان الإعلان اعتذر عن عدم الحضور ودعا الأطراف المؤسسة إلى التريث وإجراء حوارات مع كافة القوى والعمل على إشراكها في عملية التأسيس لكن الأطراف المؤسسة أصرت على إكمال ما بدأت به وعند إعلان تشكيل المجلس في نسخته الأولى اكتشفت الأطراف المؤسسة تسرعها وعادت وقبلت اقتراح إعلان دمشق بالدعوة إلى مائدة مستديرة تضم كل القوى والدخول في حوار حول الأسس السياسية لتشكيل الائتلاف ومراعاة أن تكون الوفود متساوية في العدد كي لا يشعر طرف بالغبن ، في هذا السياق دعيت الهيئة للمشاركة في تأسيس النسخة الموسعة من المجلس الوطني ولقد كان جواب الهيئة الرفض ومحاولة إقناع إعلان دمشق بعدم المشاركة والتوجه لتشكيل ائتلاف في الداخل وترك القوى التي تسعى لتشكيل المجلس الوطني في الخارج . رفض الإعلان اقتراح الهيئة وشارك في تأسيس المجلس الوطني السوري .

  لم يكتف الدكتور منذر بذلك بل استهجن دعوة مؤسسي المجلس للهيئة واعتبرها دعوة للانضمام في تجاهل لدورها وما تمثله من قوى …..الخ  . ما الذي يريده الدكتور أكثر من دعوة الهيئة للمشاركة في عملية التأسيس ، هنا نذكر بما فعلته الهيئة في حالة مشابهة حيث وجهت دعوة إلى إعلان دمشق للمشاركة في مؤتمرها الذي عقدته في حلبون / ريف دمشق وعرضت عليه 15 مقعدا ، لم يقبل الإعلان الحضور لان خلافه مع الهيئة سياسي يتعلق بالموقف من اللحظة السياسية التي تعيشها سورية لكنه لم يقم برد فعل عصبي على دعوته للانضمام إلى الهيئة ولم يجد فيها تقليل من شأنه .

   في فقرة أخرى عرج الدكتور على إعلان دمشق محملا إياه مسؤولية فشل اتفاق الدوحة دافعا بالتهمة إلى حدود التآمر لاستبعاد الهيئة وتشكيل المجلس الوطني السوري ليس دون إشراكها وحسب بل وبإقصائها عن سابق إصرار وتصميم . هنا مرة أخرى تفوت الدكتور منذر الدقة حيث أن ما حصل في الدوحة اتفاق مبدئي على تشكيل الائتلاف الوطني السوري غير أن الخلاف دب بين المشاركين في ضوء إعلان المبادرة العربية في طبعتها الأولى وتضمنها بندا يحدد القوة التي ستحاور النظام باسم المعارضة وهي الهيئة وليس غيرها فانسحب من الحوار التيار الإسلامي المستقل على أن يكمل إعلان دمشق وهيئة التنسيق والإخوان المسلمين الحوار عند العودة إلى سورية ومراجعة الأطر التنظيمية وعند العودة إلى سورية أرسلت الهيئة اقتراحات بتعديل البيان التأسيسي في فقرتين السياسية برفض التدخل الخارجي والعنف والطائفية ، اللاءات التي عقد لقاء الهيئة الموسع في حلبون تحت رايتها ، والتنظيمية بالدعوة إلى إشراك الأحزاب الكردية في الائتلاف ، أجل الإعلان الحوار حول تشكيل الائتلاف في انتظار نتائج لقاء حلبون وجاءت دعوة الهيئة للإعلان لحضور اللقاء كجزء من هيئة التنسيق بالانضمام إليها ثم تكرس الخلاف بعد قرارات اللقاء وحديثها عن إسقاط النظام الأمني الاستبدادي ما فهم بترك الباب مفتوحا لحوار مع السلطة وهو ما لا يقبله إعلان دمشق . في هذا الظرف جاءت دعوة مؤسسيي المجلس الوطني السوري لحضور المائدة المستديرة لوضع أسس تشكيل مجلس وطني سوري والتي رفضتها الهيئة وقبلها الإعلان .

   مع المبادرة العربية في نسختها الثانية تجدد الحديث عن ضرورة توحيد المعارضة أو توحيد موقفها من المرحلة الانتقالية ومن سورية المستقبل والخلاف بين المجلس والهيئة يدور حول السياسة وقراءة اللحظة السياسية الراهنة وسبل الاستجابة لها وهذا ما يمنع الاتفاق التنظيمي أما الحديث عن التخوين ، نذكر هنا بما قاله الدكتور منذر في فقرة سابقة بأن وجود هيئة التنسيق في قوام المجلس الوطني سوف يخلق نوعا من التوازن داخل المجلس يحول دون اللجوء إلى التدخل العسكري الخارجي كخيار محتمل. هذا من جهة، ومن جهة ثانية سوف يحد من قدرة تركيا وأطراف دولية أخرى (فرنسا على سبيل المثال) على التأثير على مواقف وسياسات المجلس الوطني السوري …… هذا يعني أن القوى الفاعلة في المجلس الوطني، والقوى الداعمة والممولة له، لا تريد وحدة المعارضة السورية بما يحدّ من خياراتها السياسية وما ينطوي عليه من غمز ولمز وتشكيك في وطنية قوى المجلس ، ومنطق الإقصاء فلا وجود له إلا في عقول ترفض الإقرار بالواقع وتسعى للتعاطي معه بصورة انتقائية .

* كاتب سوري .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى