صفحات المستقبل

مغامرة “الجسد” الأولى .. رداً على نداء “فراس السواح” .. !!

 


عزيزي “فراس السوّاح” :

يحبطني جداً أنّي أستطيع بسهولة .. واعتماداً على بيانات مكان إقامتي .. أن أردّ عن نفسي تهمة “التظاهر”  .. وهي لتهمة .. والله .. أخجل من “ردّها” .. ولو أنّي أعلم أنّ “آلاف الأميال” العازلة بما فيها من “أغوار” و”كهوف” قد تكفيني لأخبّئ خجلي .. فهم بالأمس وفقط .. كانوا قد تركوا لي و-لغيري- تلك “الكهوف” وأخذوا معهم أساطيرهم و أحجارهم ورسوماتهم وتماثيلهم “العشتاريّة” .. ورحلوا في “مظاهرة” .. وما عادوا .. !!

وأنا يا سيّدي .. لم أعد أجد لهم عندي حجراً أو “طوطماً” “لأتيمم” .. لكنّني أصلّي في كلّ يوم لهم .. أدير وجهي شطر “المسجد العمري” وأصلّي .. ويؤنّبني في “الإسلام ما بعد الجاهلي” أنّ الصلاة لا تُسقط  ركن”الحجّ” .. وأنّ “ألاف الأميال” لا تبرّر لك .. عند الواحد الأحد .. ألا تقطعها “بناقة” .. !! .. وتؤنّبني “حضاريتّي المرهفة” .. “ما بعد الجاهليّة قطعاً” .. أنّني لا أقوى حتى أن أشرب معهم .. نخب “شهدائهم” و”أبطالهم” .. فنجان قهوتهم المرّ ..

بالأمس وفقط .. كنت أرتّب مكتبتي الصغيرة .. أمسكت بلحظة شرود كتابك “مغامرة العقل الأولى” .. خطر لي لوهلة أن أحزمه في حقيبة سفري خوفاً من نسيانه .. فهو –كما هيّئ لي- قد ينفعني كأداة للتظاهر بدلاً من “الشموع” و”اللافتات” .. أو ربّما “كمسودّة” “لبيان” أو “منشور” يُوزّع سراً ..  ثمّ ترددت .. هل هي فعلاً “مغامرة عقل أولى” !! .. أم هي هذه المرّة مغامرة “جسد” يفنى أمام رصاص وبندقيّة ودبّابة ..!! .. وهل حقاً يقوى “العقل” على “المغامرة” إن كان الجسد سجيناً .. !! .. ها قد تركنا العقل “يغامر” خمسين عاماً .. فما الذي كان .. !! .. غير أن جئتونا الآن لتزفّوا لنا “الوطن” شهيداً لم يولد .. ولم يلد إلا “الطائفيّة” و”العشائريّة” وكلّ عباءات ما قبل المدنيّة .. !!

ثم منذ متى و”العامّة” يعرفون أسماء “معتقليهم” و”منفييهم” بتهمة “مغامرة عقل أولى” .. !! هم تعرّفوا عليهم “اليوم” .. و”اليوم فقط” .. التقوهم “عنوةً” حينما خرجوا للـ”شارع” .. فهتفوا لهم .. وكتبوا شعاراتهم لهم .. وأحالوهم لأبطال “هرقليّين” غامروا وحدهم وما “أخذوهم” .. !! ..

فهلّا بالأبطال رجاءً .. أن ينقلوا “مكاتبهم” و”أوراقهم” و”أقلامهم” إلى “الشارع” .. ليقوموا معهم .. بمغامرة أولى .. للعقل والجسد .. !! .. ألا يتوق فيكم “الجسد” أن يغامر .. !! بدل أن يمشي في جنازة الوطن .. !!

تفترض أنت يا سيّدي .. أنّ في “الشارع” طرفاً ثالثاً جاهلياً .. لا هو من ضمن “الشباب الديمقراطي” الذي يتظاهر سلمياً .. ولا هو من ضمن رجالات الأمن المدججة بالسلاح .. ولا أخفيك حقاً أنّي تساءلت مطوّلاً وأنا أتأمّل هذا التصنيف .. فهل “رجالات الأمن” -هؤلاء البربريّون!!- يتبعون لطرف “جاهلي” .. أم لـ”ما بعد جاهلي” .. !! .. وهل على الـ”ما بعد جاهلي” أن يعتزل في بيته ويترك بلاده “بما حملت” حلبةً يتصارع فيها “ثيران جاهليّة” .. !! .. هل “أئد” نفسي حتّى لا “يئدوني” .. !! .. وهل حقاً عليّ أن أنتظر لحظة تجلّ “رومانسيّة” لهؤلاء “الجاهليين” .. فيخلعوا عنهم رداء “الجاهليّة” ليُخرجوني من “وأدي” .. !! أو حتّى ليصلّوا على شهادة قبري .. !!

لست أستغرب يا سيّدي أنّك لم  تكفر “بالتاريخ” بعد .. فأنت أستاذه وعلّامته .. أما نحن يا سيّدي .. فقد كفرنا به .. فلا “بنو مازن” حاربت “بني شيبان” .. ولا “الأوس” التقى مع “الخزرج” .. لم يتحارب “الجاهليّون” يوماً يا سيّدي .. أرجوك أن تصدّقني لمرّة .. لم أصدّق إنساناً كما صدقتك .. فصدّقني لمرّة .. هي روايات لا تُنقل عادة على “بثّ فضائي” .. كُتبت لكي نستأنس بها .. ونتكلّم عنها .. ونكتب عنها “الأشعار” و”الروايات” و”الملاحم” و”الأساطير” .. ونجهد في جمع “وثائق” تُغني بحوثنا التاريخيّة .. ولنمارس “مغامرة العقل الأولى” معها .. وننسى “مغامرة الجسد” .. !! .. لم تُكتب إلا لهذا الغرض .. ولن تمحى .. إذا لم نمحها بأيدينا .. وربّما .. بدمائنا .. !!

وأخيراً .. لم تكن تحتاج يا سيّدي .. أن تروي لي قصص نضالك .. أوأن تستجرّ استعطافي بصورتك جانب تلك الأحجار لتذكّرني أنّي وُلدتُ عليها .. وزحفت فوق رمالها .. وتعلّمت النطق من أبجديّتها .. والصلاة من رسوماتها .. وأنا الذي لم ألمسها يوماً إلا من كلماتك .. لم يكن عليك أن تذكّرني بأبوّتك .. وكان عليك أن تعلم وحدك .. وتبرّر لي وحدك .. أنّي لن أعيش بعد اليوم .. في جلباب أبي .. حتّى أبي .. !!

باسل الجنيدي

http://www.drbasel.com/2011/05/blog-post_07.html

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى