صفحات العالم

مقالات تناولت التدخل الروسي في سورية

موسكو ستفاجىء الجميع بورقة الأكراد!/ سلمان الأنصاري

الجميع يعلم أن واشنطن تتعامل مع أكراد سوريا بنوع من الحميمية المنبثقة من المصلحة المشتركة فيما يتعلق بمكافحة داعش. ولكن هنالك أيضا رابطين آخرين يربطان أمريكا بالأكراد ولا يقلان أهمية وهم أن أكراد سوريا يتميزون بأنهم غير أصوليين بل قوميين بنكهة وغطاء وطني ، وهذه خاصية محببة لدى الأوساط السياسية الواشنطنية لأنهم يتحسسون بشكل كبير من الجماعات التي تبدو معتدلة دينيا في فترة ومتشددة في فترات. الرابط الآخر هو بالرغم من رمزيته ولكنه يهم الأمريكيين بشكل كبير، وهو أن أكراد سوريا لديهم قيم ليبرالية كثيرة وعلى رأسها دور وحق المرأة في العمل جنباً بجنب مع الرجال حتى في الأعمال العسكرية.

بطبيعة الحال، أمريكا عملت على إنشاء مجموعة تسمى القوات السورية الديمقراطية وهي ذات أغلبية كردية. تم إنشاء وتسمية هذه القوات بعد عدة أيام من التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا. هذا يدل وبشكل كبير على أن واشنطن تعتمد سياساتها في الشرق الأوسط على أسلوب ردات الفعل Reactive Stance ثم تهدأ إذا استمر التعقيد وتغير أسلوبها إلى أسلوب “let’s wait and see” أي دعونا ننتظر ونرى.

على كل حال، لا أستبعد وجود تنسيق عالي المستوى ووعود واشنطنية ضمنية لأكراد سوريا، من الصعب التكهن بطبيعة هذه الوعود خصوصا أن أكراد سوريا ليست لديهم قيادة سياسية موحدة كأكراد العراق. بطبيعة الحال، واشنطن تعلم حساسية موضوع إعطاء إشارات بعمل سياسي أو دبلوماسي مع أكراد سوريا. فهذا سيغضب تركيا في المقام الأول وسيغضب الدول العربية الرافضة لفكرة التقسيم العرقي للأراضي العربية. رغم إيماني أن الموقف العربي متباين في ذلك لعدم وجود حساسية سياسية وجغرافية مع الأكراد إلى حد ما كما هو الأمر مع تركيا. فتركيا عليها أن تعلم أن تباطؤها السياسي والعسكري فيما يتعلق بالإطاحة ببشار ومكافحة داعش سيكون له آثار وخيمة ويجعلها دولة ذات وجود صوري في المنطقة. فالسعودية والدول العربية لن تتردد في إعطاء الأكراد فرصتهم التاريخية وبدعم قوى الأرض قاطبة إن كانوا هم من سيخلصوا الشعب السوري من مصيبتيه؛ بشار وداعش.

كلنا نعلم أن تقوية أكراد سوريا وتوحيد موقفهم ككيان سياسي مستقل وذا سيادة سيتسبب بضرر جيوسياسي كبير لأنقرة. فهذا سيتسبب بوجود ما يشبه الدولة الكردية التي تشترك في حدودها مع الحدود التركية المتخمة بالأكراد الذين سيطالبون بإستقلالهم أيضا لينضموا مع أصدقائهم.

بشكل عام، واشنطن حتما لن تجازف بعلاقتها مع أنقرة رغم وجود مايشبه البرود السياسي فيما بينهما. ولكن السؤال الأهم من كل هذا وذاك كالآتي ! ماهو رأي موسكو فيما يتعلق بالأكراد ؟ تركيا و روسيا لديهما تاريخ نزاعات إمبراطورية كبيرة ! فهل ستعمل موسكو على دعم إستقلال الأكراد قريبا لكي يكونوا في خاصرة تركيا؟ خصوصا بعدما رأينا مغازلة روسية خجولة للأكراد! ولاتسألوني عن رأي واشنطن! لأنها ستحقق هدفها بيد غيرها وستكون بذلك (طايرة من الفرحة!).

 

 

 

حديث المبادرة الروسية/ عبد المنعم سعيد

لم ينتهِ شهر سبتمبر (أيلول) هذا العام إلا وكانت روسيا قد وضعت أقدامها العسكرية على الأرض السورية. ولم ينتهِ شهر أكتوبر (تشرين الأول) بعده إلا ودعت إلى عقد اجتماع فيينا لتسوية الأزمة السورية. ولم تمضِ أيام بعدها إلا وطرحت خطة لتسوية الأزمة في سوريا والحرب الأهلية فيها. المعادلة هنا بين استخدام القوة المسلحة، ومن بعدها اللجوء إلى الدبلوماسية ثم السياسة تقدم شهادة على أن بوتين، يتحرك وفقًا لأدبيات العلاقات الدولية من ناحية، مع قدر من الحس أنه من الجائز أن كل الأطراف المتداخلة في سوريا ربما أصبحت جاهزة لنوع من التسوية من ناحية أخرى. برهان ذلك سوف تثبته الأيام، فكل ما جرى للدولة السورية كان ترجمة لتهرؤ حالة النظام السياسي، وعنوان على زحف غير مقدس لجماعات إرهابية، وقبل ذلك وبعده صراعات ومنافسات جيو – سياسية، وجيو – استراتيجية، إقليمية ومن بعدها دولية، أضافت مزيدًا من الحطب على نار مشتعلة. هل وصل كل ذلك إلى «الذروة» التي بعدها لا يكون إلا تسوية، أو تحويل الصراع إلى حالة صومالية تتغذى فيها النار على نفسها لسنوات وعقود، بينما العالم يهز الأكتاف.

أسباب المشروع الروسي لا شك أنها تبدأ من أوروبا، حيث يوجد مشروع أكبر لاستعادة المكانة الروسية، والتخلص من المهانة التي أعقبت السقوط المدوي للاتحاد السوفياتي. ولكن الشرق الأوسط أيضًا يشهد أنه سواء كانت العباءة «سوفياتية» أو غيرها (لا يوجد اسم يمكن أن يوصف به النظام الروسي الحالي، فهو لم يعد اشتراكيًا أو شيوعيًا بالتأكيد، ولكنه ليس رأسماليًا أيضًا، كما أنه لم يعد شموليًا استبداديًا، ولكنه ليس ديمقراطيًا بالقطع!) فإن ضرورات الجغرافيا تجعل البحث عن موطئ قدم في الشرق الأوسط من طبائع الأشياء. ربما كان الجديد في الأمر بعد عقدين من الانسحاب من المنطقة، أن روسيا باتت قادرة على اتخاذ القرارات، والحديث، ووضع القوات، وأن لديها من الموارد ما يعزز كل ذلك. كثير من المراقبين يختلفون، ويعتبرون المسألة الروسية حاليًا ليست أكثر من ظاهرة «بوتينية» – نسبة إلى بوتين الرئيس – تجعلها شخصية أكثر تحاول مدّ نطاق نفوذها، وإقناع الشعب الروسي بأن الإمبراطورية في طريقها إلى العودة. أيًا كان الأمر في هذا المبحث فإن ما يهمنا هو أن أمرًا مهمًا أصبح موضوعًا على طاولة المنطقة، وفي زمن بات فيه الجميع مرهقًا فإن المرجح هو أن المبادرة الروسية سوف تجد من يأخذها بجدية، حتى ولو كان من الوارد أن تكون تحفظات هنا أو هناك. فالميزة الاستراتيجية للمبادرة هي أنها الوحيدة المطروحة على العالم، بينما الأزمة السورية تفيض دمًا ولاجئين يضغطون على الضمير العالمي.

المبادرة ذاتها تظهر كما لو أنها حاولت أن تراعي مطالب كل الأطراف، فهي تلبي رغبة جميع الحاضرين في فيينا في العداء للإرهاب من ناحية، والاستعداد للحرب ضد «داعش» من ناحية أخرى. المبادرة تركت الباب مفتوحًا لضم تنظيمات إرهابية أخرى («النصرة» على سبيل المثال) ولكنها لم تسمِ إلا واحدة لا يوجد تحفظ عليها من أحد. الحرب هنا التي سوف تشمل الجميع سوف تصير شرعية بالتصديق في مجلس الأمن؛ وساعتها فإن الشيطان الذي يكمن في التفاصيل، سوف يدور حول إدارة الحرب ضد الإرهاب. أما نقطة البداية في التعامل مع الأزمة السورية، فهي التي لا يختلف عليها أحد، على الأقل علانية، وهي ضرورة المحافظة على السلامة الإقليمية للدولة السورية، لا اقتطاع لجزء، ولا تقسيم. المبادرة أيضًا تعاملت مع النقطة الشائكة الخاصة بالحكم السوري الحالي، أو ما تبقى منه (بلغت القوات المسلحة السورية قبل نشوب الحرب الأهلية 300 ألف مقاتل يسيطرون على كل الأراضي السورية، والآن فإنها لا تزيد على 80 ألفًا تسيطر فقط على نحو ربع الأراضي).

المعادلة هنا أن النظام سوف يبقى لفترة محددة – ربما لا تزيد على عامين – وهي التي سوف يتم فيها التحول من كونه نظامًا حاكمًا إلى طرف من أطراف الأزمة، حتى إن بشار الأسد لن يكون جالسًا على المائدة الدستورية، بينما تتولى الأطراف المختلفة وضع الدستور خلال 18 شهرًا تنتهي باستفتاء من الشعب السوري يقر فيه الدستور الجديد. محتوى الدستور فيه كل ما هو مضاد للنظام السوري الحالي القائم على حزب واحد، ورئيس واحد، ومذهب واحد، فالمبادئ الموضوعة تقوم على نظام ديمقراطي، علماني، يحترم حقوق الأقليات العرقية والمذهبية، والمصالح المتنوعة والمتعددة للأطراف المختلفة، وسلطات الرئيس فيه محدودة تتعلق بالدفاع والسياسة الخارجية. لا شيء في ذلك يعطي لبشار الأسد بشارة ما تعود عليه، ولكنه أيضًا لا يقذف به من النافذة في التو واللحظة. ولكن ذلك يبدو منطقيًا حال وضع الدستور الذي سيليه فورًا عقد انتخابات رئاسية مبكرة (أي تنتهي ولاية بشار التي وضعها لنفسه قبل موعدها)، مصاحبة بانتخابات برلمانية تتم وفقًا للدستور.

المشهد الافتتاحي لآلية تنفيذ المبادرة سوف يكون وقف إطلاق النار بين النظام والمعارضة، وهو ما يحتمل وجود قوات مراقبة، ومناطق منزوعة السلاح، وكل ذلك سوف تتحمله الجماعة الداعمة والمكونة من الدول المشاركة في فيينا. ولكن إطلاق النار سوف يكون مستمرًا لتدمير «داعش» على الأقل. ومع الاتفاق على المبادرة، فإن مرحلة انتقالية تبدأ تقودها حكومة مؤقتة تشرف على عملية وضع الدستور وعقد الانتخابات التي تليه، ومن الممكن أن تكون هي أداة العمل من أجل إعادة بناء الدولة.

المهمة بالتأكيد تبدو وكأنها على ضوء ما نراه على أرض الواقع، نوع من الخيال، ولكن الواقعي فيها أنها نقطة بداية، وأن كل من شارك في فيينا من الأطراف الفاعلة، أي تلك التي لديها نفوذ قل أو زاد على أرض الواقع، وباختصار إما أنها ترجح كفة الحل، وإما أنها قادرة على إفساد الصفقة كلها. واجب الدول العربية المشاركة هنا هو أولاً أن تشكل طرفًا جماعيًا في المباحثات، وما سوف يتلوها من خطوات؛ وثانيًا أن تبدأ هي بالمبادرة في أمور كثيرة قد يبدأ فيها الإنقاذ، ولكن الحسم العسكري أيضًا سوف يعطي الصوت العربي معنى أكبر؛ وثالثًا أن أهمية ما يجري الآن حول سوريا قد يشكل نموذجًا يمكن تطبيقه في مناطق أخرى مع بعض من التكيف مع الظروف السائدة في كل أزمة. بالتأكيد فإنه من الصعب التفاؤل في حالة استعصت على الحل لسنوات طوال، ولكن المقارنة ما بين الآن، وما كنا عليه منذ شهور، قد تعطي بعضًا من الأمل.

الشرق الاوسط

 

 

 

 

المادة 51 والتوظيف الروسي: توسيع التدخل العسكري/ واشنطن ــ منير الماوري

سارعت روسيا بعد إعلانها عن أن قنبلة أدت إلى إسقاط طائرتها في شبه جزيرة سيناء، إلى تقديم مشروع إلى مجلس الأمن الدولي حول تنسيق الجهود في “مكافحة الإرهاب” ينص صراحة على حق “الدفاع عن النفس واعتماد المادة 51” من ميثاق الأمم المتحدة. وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قد توعّد الجناة المسؤولين عن إسقاط الطائرة، بالوصول إليهم أينما كانوا ومعاقبتهم، مؤكداً أن روسيا ستتصرف وفقاً للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي تتيح الدفاع عن النفس.

من جهته، أعلن المندوب الروسي في الأمم المتحدة، فيتالي تشوركين، بعد تقديم المشروع المعدّل ليل الأربعاء، أن نص المشروع كُتب بصيغة تجعله يرضي الجميع، مشيراً إلى “ضرورة توحيد جميع الجهود والتركيز على قضية رئيسية هي محاربة الإرهاب”. وأوضح أنه “تم التشديد على مكافحة تنظيم داعش وضرورة الجهود المشتركة”، لافتاً إلى أن ذلك يشمل “تنسيق الجهود والعمل المشترك على توقيف مرتكبي الأعمال الإرهابية ومعاقبتهم”.

وكانت روسيا عرضت نسخة أولية من مشروعها أمام مجلس الأمن في أواخر سبتمبر/ أيلول الماضي، إلا أن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا رفضتها بسبب بند يدعو إلى مقاتلة الجهاديين بموافقة النظام السوري. وأعلن تشوركين أن الصيغة الجديدة لا تزال تتضمن هذا البند، إلا أنه قلّل من أهمية الخلافات.

وفي موازاة المشروع الروسي، قررت فرنسا أيضاً تقديم مشروع لمجلس الأمن حول مواجهة “داعش”. وقال السفير الفرنسي لدى الامم المتحدة فرنسوا دولاتر، إنه “يعمل على إعداد نص سيكون مقتضباً وقوياً ويركز على المعركة ضد عدونا المشترك داعش”. ومن المفترض أن يُعرض النص على المجلس قريباً. وأعلن دولاتر أنه “سيدرس النص الروسي بتأنٍ” ليرى إذا كان من الممكن إدراج مقاطع منه ضمن مشروع القرار الفرنسي.

وتعليقاً على المشروع الفرنسي المرتقب، قال المندوب الروسي إنه لا يفضّل “بروز سباق على هذا المسار، والأمر الذي تم الحديث عنه بصوت عالٍ خلال المداولات في مجلس الأمن، هو وحدة الصف بين أعضاء المجلس”، لافتاً إلى أن المشروع الروسي قد صيغ بشكل جيد جداً ووُضع كنص عام وشامل، وكُتب بصيغة تجعله يرضي الجميع.

ويبقى أبرز ما يقوم عليه المشروع الروسي، هو محاربة الإرهاب استناداً إلى المادة 51 من الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي جرى توقيعه في 26 يونيو/ حزيران 1945. وتنصّ المادة 51 على أن من حق الدول، فرادى أو جماعات، الدفاع عن نفسها إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء “الأمم المتحدة” وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي. وتؤكد المادة إياها حق الدفاع عن النفس مع احتفاظ مجلس الأمن الدولي بصلاحياته بمقتضى سلطته ومسؤولياته المستمدة من أحكام الميثاق الدولي.

وبما أن هذه المادة هي التي استندت إليها دول حلف شمال الأطلسي في تأسيس الحلف للدفاع عن نفسها، كما استندت إليها لاحقاً دول المعسكر الاشتراكي في تأسيس حلف وارسو، فذلك يعني أن هذه المادة ستعتمد عليها روسيا في مشروعية تأسيس حلف جديد.

وعلى هذا الأساس أعلنت وزارة الخارجية الروسية، الثلاثاء، أن روسيا سوف تتصرف وفقاً للمادة 51 للرد على الإرهاب الذي أسقط الطائرة الروسية في سيناء. لكن بعض ناشطي حقوق الإنسان أعربوا عن قلقهم من مضمون ما أعلنته الخارجية الروسية، قائلين إن تسخير المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة للرد تجعل التدخّلات العسكرية من جانب دولة معينة أو مجموعة من الدول مشروعة وقد تستغل هذه المشروعية لخدمة أغراض أخرى غير الدفاع عن النفس.

وحذر معلقون أميركيون من أن يُستغل حادث إسقاط الطائرة الروسية واعتداءات باريس لإطلاق “حرب عالمية ثالثة”، خصوصاً في ظل تفاقم مشكلة تدافع اللاجئين إلى أوروبا.

ولا تقتصر الإجراءات الروسية على مشروع القرار الدولي ضد تنظيم “داعش”، بل ذكرت وزارة الخارجية أنه “بناءً على توجيهات الرئيس فلاديمير بوتين، نخطر جميع الشركاء الدوليين، ببدء الأجهزة المختصة الروسية البحث عن المجرمين”، وأكدت أن “عمل هذه الأجهزة سيستمر حتى الكشف عن جميع المتورطين، أينما كانوا، وتقديمهم إلى العدالة”.

ويبدو أن هجمات باريس وإسقاط الطائرة الروسية، وفّرا لفرنسا وروسيا فرصة للبدء عملياً في تشكيل حلف جديد من المتوقع أن يتوسّع لاحقاً ليشمل معظم حلفاء الأمس في الحربين العالميتين الأولى والثانية. وتدرك باريس وموسكو أن اللحظة التاريخية الراهنة أوجدت لروسيا والدول الغربية المنافسة لها مبررات لتناسي خصومات ما بعد الحرب الثانية والبدء في التحضير لحرب عالمية ثالثة تلوح بوادرها في الأفق ضد محور جديد هو محور التطرف كبديل للنازية والفاشية. وبوجود المحور المعادي البديل، يأمل أبرز صقور الحلفاء الجدد، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن يُجنّب بلاده مواجهات عسكرية أكثر خطورة ظلت محتملة لعقود طويلة ضد حلف شمال الأطلسي، بل ربما تتهيأ ظروف جديدة لدخول روسيا في عضوية الحلف الذي لا يزال حتى الآن معادٍ لها.

ومن المفارقات الموجبة للتأمل أن عدداً من أبرز مفكري السياسة الأميركية يتوقّعون منذ سنوات حرباً عالمية ثالثة، ولكن توقعاتهم كانت على أساس أن طرفي الحرب هما الولايات المتحدة وأعضاء حلف الأطلسي من جهة، وروسيا والصين وإيران من جهة أخرى. ولم يكن أحد يتصور أن تبدأ نُذُر الحرب وقد أصبحت روسيا وإيران إلى جانب التحالف الغربي التقليدي. ومن بين من خانتهم توقعاتهم جزئياً، وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر، الذي كثيراً ما كان يردد أن سياسات بوتين تقود العالم إلى حرب عالمية ثالثة، قال إنها ستكون شديدة القسوة ولن يخرج منها سوى منتصر واحد، هو الولايات المتحدة من وجهة نظره.

وكان كيسنجر يعتقد أن عودة الهيبة لروسيا والصين ستكون السبب في سرعة زوال كل منهما ومعهما إيران التي اعتبر سقوطها هدفاً مهمّاً لإسرائيل. وتوقّع كيسنجر قبل سنوات أنّ تحتل الولايات المتحدة أراضي سبع دول شرق أوسطية من أجل الهيمنة على منافسين كبار بحجم الصين والهند وروسيا وليس من أجل استغلال الموارد لصالح أميركا.

وتتضمن الخطوات التي بدأتها موسكو وباريس مغريات للولايات المتحدة ولبعض صنّاع القرار فيها ممّن يهمّهم وجود عدو يعتاشون منه أكثر مما يهمهم وجود أصدقاء يشكلون عبئاً ثقيلاً. وهو ما يوفره “محور التطرف” الذي يمثله زعيم تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) أبوبكر البغدادي، وزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، نظراً لأنه يؤدي الغرض من دون أن يشكل خطراً جسيماً وحقيقياً بالقدر الذي تشكله الدول التي تملك أسلحة نووية. لكن الإدارة الأميركية لم تتعجل في التعليق رسمياً على التطورات الجديدة ولا يزال الموقف يتبلور في الخارجية الأميركية والبيت الأبيض وفي البنتاغون كذلك.

أما دول الاتحاد الأوروبي باستثناء فرنسا، فلا تبدو أنها متحمّسة للشراكة مع بوتين في أي تحالف جديد وإن كانت مضطرة أن تتحمّل أعباء التدخلات الفرنسية الخارجية. ويرى الاتحاد الأوروبي في حلف شمال الأطلسي أهمية كبرى لضمان الاستقرار العالمي، وأكدت على هذا الرأي الممثلة العليا للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فديريكا موغريني، قائلة في تصريحات في بروكسل إنه لا يمكن تحقيق الأمن العالمي إلا من خلال جهد جماعي ومشترك، بالتنسيق مع حلف شمال الأطلسي.

ولا يتضمن هذا الرأي رفضاً للدور الروسي المقبل ولكن الاتحاد الأوروبي على ما يبدو حريص على بقاء القيادة بيد الحلف الأطلسي، وعدم نقلها إلى بوتين. وبشأن فرنسا، فإن دول الاتحاد الأوروبي وافقت على طلب فرنسي تقديم المساعدة العسكرية لها بموجب إحدى بنود معاهدة لشبونة. غير أن مسؤولين أوروبيين شددوا على أن المساعدة لفرنسا لا تتضمن بأي حال من الأحوال الموافقة على أي مغامرة عسكرية باسم الاتحاد الأوروبي، مؤكدين أن دور الاتحاد الأوروبي سيقتصر على تنسيق المساعدات المادية المتفق عليها ثنائياً بين فرنسا والدول الأعضاء.

العربي الجديد

 

 

 

 

تحطم الطائرة الروسية في سيناء… هل كان انتقام «تنظيم الدولة» من تدخل موسكو في سوريا؟/ فيكتوريا سيميوشينا

موسكو ـ «القدس العربي»: أعلن جهاز الأمن الفدرالي الروسي في السابع عشر من تشرين الثاني/نوفمبر أن الطائرة الروسية ايرباص-321 التابعة لشركة طيران «كوغاليم آفيا» التي تحطمت على بعد حوالي 100 كم من مدينة العريش في شمال سيناء، تحطمت نتيجة عمل إرهابي. وتعهد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالعثور على الجناة «في أي مكان في العالم تواجدوا فيه ومعاقبتهم، بغض النظر عن مكان اختبائهم». كان العمل الإرهابي، وفقا للخبراء الروس، انتقاما من قبل «الدولة الإسلامية» للعملية العسكرية الروسية في سوريا.

قنبلة على متن الطائرة

تأكد بعد مرور 17 يوما على تحطم الطائرة الروسية في سيناء، حدوث الأمر الأسوأ: لقد كانت أكبر كارثة في تاريخ الطيران الروسي والسوفييتي التي أسفرت عن مقتل 217 شخصا و 7 من أفراد الطاقم، هي عمل إرهابي.

أعلن متشددو المنظمة المتطرفة المحظورة في روسيا «الدولة الإسلامية» مرتين عن مسؤوليتهم عن كارثة الطائرة. بيد أن السلطات الروسية والمصرية لم تسارع بالاعتراف بوقوع عمل إرهابي مستندة إلى ضرورة استكمال التحقيق في الكارثة. وعلى الرغم من ذلك، فقد تم تعليق الحركة الجوية مع مصر.

رئيس جمعية الصداقة والتعاون التجاري مع الدول العربية فياتشيسلاف ماتوزوف تحدث في مقابلة مع «القدس العربي» قائلا «نشرت وسائل الإعلام الغربية والبريطانية آنيا في اليوم نفسه افتراضا عن أنه هجوم، على الرغم من عدم وجود أي دليل لديها. كانت الروايات مستندة فقط إلى معلومات أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية التي تراقب حركة الطيران فوق شبه جزيرة سيناء. كانت لدى روسيا رؤيتها الخاصة للحدث. ينبغي قبل الإعلان عن شيء ما إجراء تفحص ودراسة. ان الإعلانات السريعة من قبل بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية مخصصة لتوجيه ضربة لمصر، لأنها سوف تتسبب في هروب السياح وإحداث أضرار خطيرة في الاقتصاد، وكذلك لتوجيه ضربة إلى العلاقات المصرية الروسية ككل. لذا كانت مهتمة بتبني رواية العمل الإرهابي بأسرع وقت ممكن».

ان ما يشير إلى العمل الإرهابي، وفقا لرئيس جهاز الأمن الفدرالي الروسي ألكسندر بورتنيكوف، وجود آثار مادة متفجرة من إنتاج أجنبي على عناصر الطائرة والأغراض الشخصية للركاب. وأعلن بورتنيكوف في الاجتماع الذي عقد برئاسة الرئيس بوتين أنه «انفجرت على متن الطائرة وهي محلقة قنبلة يدوية الصنع تبلغ استطاعتها كيلوغراما واحدا من (تي ان تي) ما أدى إلى تبعثر أشلاء الطائرة في الهواء، وهو ما يفسر انتشار أجزاء جسم الطائرة على مسافة كبيرة».

وسارعت المجلة الرسمية للمنظمة الإرهابية «الدولة الإسلامية» (دابق) في اليوم نفسه الذي اعترفت فيه السلطات الروسية أن تحطم الطائرة ناتج عن عمل إرهابي، إلى نشر صور لعبوة ناسفة، كانت مخبأة في علبة «شويبس» تم استخدامها، في العمل الإرهابي. كذلك أعلن المسلحون أن العمل الإرهابي خطط أصلا لتفجير طائرة احدى الدول الغربية، ولكنهم غيّروا رأيهم بعد بدء العمل العسكري الروسي في سوريا.

يعتقد ماتوزوف أن «الدولة الإسلامية قد خططت لمسألة متعددة الجوانب. فأولا وقبل كل شيء، قتل أناس وعائلات وأطفال قضوا اجازتهم في شرم الشيخ. ان هذه ضربة موجهة لروسيا وكذلك لمصر وللعلاقات بين مصر وروسيا ككل. لقد تم اختيار منحى الضربة بعناية فائقة. ولكن لديّ دليل حاسم ضد محاولة الإعلان عن أن ذلك جاء بمثابة عقاب لروسيا لمشاركتها في قصف تنظيم الدولة في سوريا. فالأمريكيون يقصفون الدولة الإسلامية منذ عام ونصف، ولم تكن هناك أي رد فعل من قبل هذه الدولة. بينما بدأ رد الفعل فقط عندما شرعت روسيا بفعل الشيء ذاته الذي تقوم به أمريكا منذ عام ونصف. بيد أن روسيا قامت بذلك بفعالية وبكفاءة وبالاعتماد على الجيش السوري».

ويعتقد فاسيلي كوزنيتسوف، رئيس مركز الدراسات العربية والإسلامية في معهد الدراسات الشرقية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، أن العمل الإرهابي على متن الطائرة الروسية ليس انتقاما من قبل الدولة الإسلامية، وانما هو رد بالمثل.

«الدولة الإسلامية هي مرتع للإرهاب والجهادية، ومن الواضح أنه ينبغي تصدير هذه الجهادية إلى جهة ما. تقود جميع تطورات هذه المنظمة إلى زيادة النشاط الإرهابي في أي سيناريو. لقد أدركت القيادة الروسية ذلك، وهذا هو السبب في توجيهها الضربة الأولى. لا يبدّل الرعب الذي حدث للطائرة من حقيقة أنه من دون قيامنا بتوجيه ضربة استباقية ضد «الدولة الإسلامية»، لكان بانتظارنا في جميع الأحوال حدوث عمل إرهابي أشد وطأة».

البحث عن المجرمين ومعاقبتهم

وأكد الرئيس الروسي خلال لقائه مع أعضاء جهاز الأمن الفدرالي على «أننا سوف نبحث عنهم أينما كانوا مختبئين. سنجدهم في أي مكان في العالم وسنعاقبهم».

لقد أمر فلاديمير بوتين، على وجه الخصوص، بتشديد الضربات ضد مواقع الإرهابيين في سوريا. وقال: «لا ينبغي أن تستمر العمليات القتالية لطائراتنا في سوريا فحسب، بل يجب تقويتها، بحيث يدرك المجرمون بأنه لا مفر من العقاب».

شرعت روسيا، بعد ساعات قليلة من الإعلان عن تحطم الطائرة بسبب عمل إرهابي، بتوجيه ضربة قوية إلى مواقع «الدولة الإسلامية» في سوريا.

ومن المعلوم أن روسيا استخدمت 34 صاروخا مجنحا محمولا جوا ودمرت 14 موقعا للإرهابيين. وتم التأكيد في هيئة الأركان الروسية على أنه قد تم تحذير الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها حول هذه الضربات وقد شرعت القوات السورية بفضل ذلك بعمليات هجومية.

تعتقد يانا يرمولينكو، الخبيرة في معهد الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، أن «من المفارقات أن تصب هذه الأحداث الرهيبة في مصلحة سياسة بوتين ـ ينظر الآن إلى دعوات روسيا للنضال ضد «الدولة الإسلامية» من قبل المجتمع الدولي بشكل مختلف عما كان عليه الحال قبل شهر مضى. حتى أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست ضد تشكيل تحالف مضاد «للدولة الإسلامية» بمشاركة روسيا، على الرغم من أن الرئيس أوباما قد أكد أنه يجب على روسيا أن تركز كل جهودها على القتال ضد «الدولة الإسلامية» وليس ضد جميع القوى المعارضة للأسد. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤثر تعاون روسيا مع الغرب على العقوبات المفروضة على روسيا ويصرف نظر الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا لبعض الوقت عن المسألة الأوكرانية».

لا يمكن للولايات المتحدة الأمريكية والبلدان الغربية، وفقا لرئيس لجنة مجلس الدوما للشؤون الدولية اليكسي بوشكوف، تدمير «الدولة الإسلامية» بدون مشاركة روسيا.

كتب بوشكوف على صفحته في التويتر، تعليقا على إعلان صحيفة «التايمز» البريطانية عن أن الولايات المتحدة الأمريكية «قادرة على سحق الدولة الإسلامية» حتى بدون مساعدة بوتين «من أن العين بصيرة واليد قصيرة، لماذا لم تقم بسحقها من قبل، بل سمحت لها بالاستيلاء على 40 في المئة من أراضي العراق؟».

وأكد النائب أنه، في حين أن الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند بعد الهجمات الإرهابية في باريس يضع نصب عينيه ليس ردع الإرهابيين فحسب، بل القضاء عليهم، فان وزير الخارجية الأمريكية جون كيري لا يتحدث إلاّ عن زيادة الضغط على «الدولة الإسلامية».

أنشأت البحرية الروسية بأمر من فلاديمير بوتين قناة «اتصال مباشر» مع المجموعة القتالية الفرنسية بقيادة حاملة الطائرات شارل ديغول في العملية ضد الإرهابيين. والسؤال الذي يطرحه العديدون الآن: هل ستقدم روسيا على تنفيذ عملية برية في سوريا؟.

يدعي فلاديمير أحمدوف، العضو الكبير في مركز دراسة المشاكل العامة للشرق المعاصر في معهد الدراسات الشرقية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، ﺒ «أن المهمة رقم واحد في الوضع الحالي- هي تنسيق عمل جميع القوى المتواجدة في المنطقة وتوجيهها نحو نقطة واحدة للنضال ضد تنظيم الدولة. أظن أن الأمر في الوقت الحاضر لا يتطلب القيام بعملية برية، على الرغم من حقيقة وجود ممثلين لقوات خاصة من بلدان شتى في سوريا. ومثلما قال رئيسنا، فان المعارضة السورية التي ليست جزءا من تنظيم الدولة ولا من جبهة النصرة قد قامت من تلقاء ذاتها بالاتصال بممثلينا عارضة خدماتها للنضال ضد التنظيم. وأعتقد أنه ينبغي تطوير هذا الاتصال واستخدام هذه القوات، فهؤلاء يمثلون حوالي 80 ألف مقاتل جميعهم سوريون، وكثير منهم مدنيون».

ان القوات الضخمة المتواجدة الآن في منطقة الشرق الأوسط، وفقا للمستشرق الروسي، هي بحد ذاتها مستهدفة من قبل النشاط الإرهابي للتنظيم.

«هذه المنظمة ليست مفهومة حتى النهاية لنا. ان ما يتجلى الآن هو غيض من فيض. ففي العام ونصف المنصرمين يحارب تنظيم الدولة ليس بقدر التمسك بالأرض فحسب، بل بقدر الاستيلاء على العديد من الموارد البشرية وعلى المقدرات المادية. انه، بهذا المعنى، مختلف جدا عن تنظيم القاعدة الذي حارب من أجل العقيدة. هنا لا وجود لأي عقيدة. هنا، من جهة أولى مشروع الربح، ومن جهة أخرى، زعزعة الاستقرار. يتم استعراض القوة من قبل جميع الأطراف تحت شعار محاربة تنظيم الدولة. ولماذا تنظيم الدولة بحاجة لذلك؟ ان موقف روسيا واضح ومفهوم، لأنه قد تم إذلالها لفترة طويلة، وهي اليوم تستعرض قوتها. ولكن، إذا ما تمت العودة إلى موضوع تنظيم الدولة، فيمكن الانتهاء من هذه المنظمة بوساطة قوات عربية مشتركة مستعدة للمشاركة في ذلك. نظرا لأن العرب أيضا ليسوا بمهتمين بتراكم قوات مسلحة ضخمة من القوى الرئيسية في العالم في المنطقة».

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى