صفحات العالم

مقالات تناولت مبادرة دي ميستورا

 

 

مقترحات دي ميستورا في سورية: تسويات صغيرة وعوائق كبيرة

المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات

يسعى ستيفان دي ميستورا، المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى سورية، لحشد التأييد الدوليّ والإقليميّ، لمقترحاته المتعلقة بـإقامة مناطق صراع “مجمَّدة” في مناطق سوريّة مختلفة، وفي مقدمتها مدينة حلب، والتوصل إلى هدناتٍ، أو مصالحاتٍ مؤقتةٍ، تتيح ممارسة إدارة ذاتيّة في هذه المناطق، ويجري التعبير عن هذه الإدارات، من خلال مجالس محليّة منتخبة، أو توافقيّة، يتمّ فيها تمثيل فصائل المعارضة المسلحة، بحسب حجم كلّ فصيلٍ وفاعليته. ولكن، ثمة عوائق جمّة تحول دون نجاح هذه الخطة التي تستهدف تحقيق تسويات محلية.

خطة لتحريك الجمود

عُيِّن دي ميستورا في منصبه الحالي في مطلع يوليو/تموز 2014 مع انسداد أفق الحل السياسيّ في الأزمة السورية، وذلك بعد فشل مؤتمر “جنيف 2″، وعجز الأطراف الراعية للمؤتمر عن إطلاق جولة جديدة من المفاوضات بين النظام السوري والمعارضة، ثمّ إصرار النظام على إجراء الانتخابات الرئاسيّة في سورية في 3 يونيو/حزيران 2014، والتي نسفت ما تبقى من آمال المبعوث السابق، الأخضر الإبراهيمي، بشأن بيان “جنيف 1″، والمتعلق بإنشاء هيئة حكم انتقاليّة، كاملة الصلاحيات، تمهِّد الطريق إلى حلٍ شاملٍ للأزمة.

وقد تزامن تعيين دي ميستورا مع صعود تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، وتوسّع نفوذه بعد سقوط الموصل في 10 يونيو/حزيران 2014، وسيطرته على مساحات واسعة في سورية والعراق، ثمّ إعلانه الخلافة الإسلامية في 29 يونيو/حزيران 2014؛ ما أدى إلى تراجع الاهتمام الدوليّ بالحل السياسيّ للأزمة السوريّة، في مقابل تركيز القوى الكبرى، وخصوصاً الولايات المتحدة، على أولوية التفاوض مع إيران حول ملفها النووي من جهة، واحتواء تنظيم “داعش” ووقف تمدِّده في العراق، وحرمانه من ” الملاذات الآمنة” في سورية، من جهة أخرى.

واعتمادًا على قراءته التشابك الدوليّ والإقليميّ، وتناقض المصالح وتغيّر الأولويات، واستنادًا إلى تجربته الشخصيّة، وسيطٍ دولياً في صراعات، مثل كوسوفو ولبنان والعراق والسودان وغيرها، وعمله ممثلاً خاصاً للأمم المتحدة في أفغانستان، انطلق دي ميستورا من فكرة أنّ الأزمة السوريّة نزاع أهليّ مركّب، وأزمة دوليّة بالغة التعقيد، يصعب حلها في المدى المنظور، أو المتوسط.

لذلك، اختار مدخلًا يختلف عن نهج سلَفَيه، كوفي أنان والأخضر الإبراهيمي، وركز على حلولٍ جزئيّةٍ وأهدافٍ متواضعةٍ، تتمحور حول خفض مستوى العنف وتحسين وصول المساعدات الإنسانية، وزرْعِ ما سماها “بذوراً لعملية سياسية شاملة”، بدلًا من الاستمرار في الرهان على توافقٍ دولي وإقليمي، يؤدي إلى وضع بيان “جنيف 1” موضع التنفيذ.

بمعنى آخر، لم يقدِّم دي ميستورا تصورًا لحلٍ شاملٍ للأزمة، بل قدّم ما يعتبرها محاولةً “لتحريك” العجلة لإيجاد حلٍ لها. وبهذا، فهو لا يفكّر بحلٍ جذريٍ للأزمة السوريّة، بل بحلٍ لمهمته، بحيث تحقق نجاحًا ما في شأنٍ ما.

رهانات دي ميستورا

راهن دي ميستورا على موافقة النظام السوري وإيران على مقترحاته التي تتطابق شكليًا مع مشروعهما، والذي بُدئ فعليًا العمل بمقتضاه في مطلع العام الحاليّ، عبر عقد هدناتٍ مؤقتةٍ ومصالحاتٍ في مناطق حيويّة محاصرة، يصعب استرجاعها عسكريًا، فقد حققا من خلاله، ومن دون دي مستورا، اختراقات في جبهات مهمة مثل المعضمية، وببيلا، وأحياء دمشق الجنوبيّة، وحي الوعر في حمص، بالإضافة إلى اتفاق خروج المقاتلين من حمص القديمة.

لكنّ مشروع الهدنات السابق يختلف عما يطرحه دي ميستورا في بعض التفاصيل المهمة؛ فبينما يشترط النظام وقف إطلاق النار، وتجريد مناطق الهدنات من الأسلحة الثقيلة في مقابل إدخالٍ جزئي للمساعدات الإنسانيّة وتسوية أوضاع المطلوبين لديه، ما يمكّنه من خرق الهدنة، واقتحام المناطق، بعد أن ضمن تجريدها من سلاحها الثقيل (كما جرى في حمص القديمة، ويجري الآن في حي الوعر)، فإنّ دي ميستورا يطرح تجميدًا للصراع، بحيث يحتفظ كل طرفٍ بقدراته العسكرية.

لذلك، وعلى الرغم من ترحيب رئيس النظام السوري بتصريحات المبعوث الدولي، بعد لقائهما في دمشق في 12 سبتمبر/أيلول 2014، عن إعطاء الأولوية لمكافحة الإرهاب، وضرورة إطلاق حوارٍ وطني داخلي، فإنه تجنّب إعطاء موقفٍ واضحٍ من المبادرة المطروحة، مكتفيًا بالقول “إنها جديرة بالدراسة”.

في المقابل، يتجاهل دي ميستورا مرجعية الحل السياسيّ التي قبلت بها المعارضة في “جنيف 2”. وتنقسم المعارضة تجاه مقترحاته بين رفضٍ مطلقٍ (بعض أعضاء الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، والحكومة المؤقتة، وفصائل من المعارضة المسلحة)، وقبولٍ مشروطٍ، عبَّر عنه رئيس المجلس العسكري في حلب، العميد زهير الساكت.

ولا يقتصر الانقسام تجاه مبادرة دي ميستورا على المعارضة السياسية والعسكريّة فحسب، وإنما يمتد إلى الشرائح الشعبية المناهضة للنظام، بين من يرى أنّ الأفكار المطروحة حلولٌ مجتزأة، تمثِّل انقلابًا على الثورة، واستسلامًا للنظام، وتفريطًا بما جرى تقديمه من تضحيات، وبين آخرين ينظرون إليها بوصفها تجميدًا مؤقتًا للحرب يخفِّف مأساتهم ومعانتهم.

ويعدّ الانقسام الراهن امتدادًا لنقاشٍ احتدم سابقًا، بشأن جدوى الهدنات والمصالحات المحلية والمبادرات التي أطلقها رئيس الائتلاف السابق، معاذ الخطيب، بما فيها زيارته أخيراً موسكو. وفي ضوء ذلك، ومع استمرار المعاناة وتغيّر الأولويات الدوليّة، يستمر دي ميستورا في حشد الدعم لمقترحاته، معوِّلًا على عدم ممانعة القوى الدوليّة والإقليميّة الفاعلة في الأزمة السوريّة، وعلى قبولٍ غربي ضمني، ولاسيما أنه يطرح أفكاره تحت عنوان “وقف تقدّم داعش”.

كما يعوِّل دي ميستورا على دعمٍ روسي لمقترحاته، والضغط على النظام لقبولها، بشكلها الحاليّ، من دون أي تعديلٍ على غرار مبادرة نزع السلاح الكيماوي. ومن ثمّ، يأمل أن تُطرح المبادرة على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بحيث يجري تبنيها مشروع قرارٍ ملزمٍ لجميع الأطراف، لوقف إطلاق النار في عموم سورية، أو في بعض الجبهات الساخنة على الأقل، وبطريقة تجعلها مكمّلة لقرار مجلس الأمن 2139 القاضي بإيصال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة، ودعوة جميع الأطراف لـ “وضع حـدٍ فـوري لجميع أعمـال العنـف الـتي تـؤدي إلى المعاناة الإنـسانية في ســورية”.

“لا يقتصر الانقسام تجاه مبادرة دي ميستورا على المعارضة السياسية والعسكريّة فحسب، وإنما يمتد إلى الشرائح الشعبية المناهضة للنظام”

عوائق تعترض سبيل المبادرة

على الرغم من ترحيب أطرافٍ داخليةٍ وخارجيةٍ عدة بمقترحات دي ميستورا، فإنّ ترجمتها العملية تصطدم بعوائق عديدة، تعبِّر عنها (وإن بشكلٍ مواربٍ) مواقف هذه الأطراف.

النظام وإيران: يتشابه مقترح دي ميستورا شكليًا مع مشروع الهدنات والمصالحات الذي بلورته إيران صيغةً لحل الأزمة السورية، وألزمت النظام بتنفيذه، لكنه يختلف، في تفاصيله المهمة وفي آلية التنفيذ. وترى إيران أنّ الموازين العسكريّة الحاليّة ترجّح كفّة النظام بشكل واضح، ولاسيما أنّ ضربات التحالف الدوليّ ضد تنظيم “داعش”، وضد حركات أخرى، مثل جبهة النصرة وأحرار الشام، أفادت النظام، وعزّزت موقفه العسكريّ، خصوصاً في حلب، وذلك باعتراف المسؤولين الأميركيين.

وعلى الرغم من أهميّة مدينة حلب بالنسبة إلى النظام، فإنه يفتقد للعدد والعتاد اللذين قد يمكّناه من حسم المعركة فيها. لذلك، ربما يتجاوب النظام مع مقترح دي ميستورا في ما يتعلق بمدينة حلب فحسب، لكنه سيستمر في مسعاه، للسيطرة على الريف الشماليّ لحلب، وفك الحصار عن بلدتي نبل والزهراء، واستخدامهما قاعدة عسكرية للانطلاق باتجاه المدينة غربًا، ومحاربة تنظيم “داعش” في الريف الشرقي، وتقديم نفسه طرفاً ميدانياً، يساعد التحالف في وقف تمدِّده.

وفضلًا عن ذلك، يخشى النظام وإيران من ترويج مقترحات دي ميستورا دوليًا لتتحول إلى قرارٍ دولي ملزم. لذلك حرص، كعادته، في التعاطي مع المبادرات السياسية، على إبداء مرونة في دراسة المقترحات، من دون التزام قبولها. وفي هذا الإطار، أيضًا، يمكن فهم موقف علي أكبر ولايتي، مستشار مرشد الثورة، علي خامنئي، للشؤون الدولية، والذي رفض في 1 نوفمبر/تشرين ثاني 2014 طرح دي ميستورا إقامة ما أسماها “مناطق آمنة” في سورية.

المعارضة المسلحة: يقترح دي ميستورا هدنات ومصالحات في مناطق تسيطر عليها المعارضة المسلحة، لكنه يتجاهل قدراتها ووضعها ومواقفها من مقترحاته. فعلى سبيل المثال، نجده يطالب بتجميد الوضع العسكريّ في مدينة حلب، وإلى التفات فصائل المعارضة إلى محاربة “داعش” والحركات الجهادية، بيد أنه يتجاهل حقيقة عدم وجود فصائل قوية تابعة للجيش السوري الحر في المدينة، للقيام بذلك؛ فجبهة النصرة وجبهة أنصار الدين اللتان يصنفهما الغرب حركات إرهابية، فضلًا عن حركة أحرار الشام، المستهدفة بقصف التحالف، هي الفصائل الأكبر والأكثر تأثيرًا في المعادلة العسكريّة في المدينة. لذلك، من غير المفهوم كيف ستجمِّد هذه الفصائل القتال من أجل أن يتفرّغ التحالف لاستهدافها.

كما أنّ التطورات الأخيرة في عموم الشمال السوريّ، وتعاظم نفوذ جبهة النصرة وجماعة جند الأقصى المتحالفة معها، وتراجع الجيش الحر، ينزع الواقعيّة عن الأفكار المطروحة.

الموقف التركي:تجنّبت الحكومة التركية، حتى الآن، التعليق رسميًا على مقترحات دي ميستورا، لكنّ مؤشرات عدة تشير إلى تباينٍ في المواقف واختلافٍ في الرؤية. ففي الوقت الذي يسعى المبعوث الدولي لتجميد القتال في حلب، والتفرّغ لقتال “داعش”، تحذِّر تركيا من احتمال سقوط المدينة بيد النظام، وما قد يترتب على ذلك من موجة لاجئين كبيرة. كما تربط مشاركتها في التحالف الدولي ضد تنظيم “داعش” باستهداف نظام بشار الأسد، وإقامة منطقة آمنة، وفرض حظر جوي فوقها.

بالإضافة إلى ذلك، أثارت تصريحات دي ميستورا ودعوته إلى فتح الحدود أمام متطوعي حزب العمل الكردستاني، المصنَّف تركيًا حزباً إرهابياً، للقتال إلى جانب وحدات الشعب الكردية ضد “داعش” في مدينة عين العرب، حفيظة الحكومة التركية؛ إذ رفضت هذه الدعوة، ووصفتها بأنها “غير مسؤولة”. لذلك، وبخلاف جولاته في معظم الدول الفاعلة والمؤثرة في الأزمة السوريّة، تجاهل دي ميستورا زيارة تركيا حتى الآن.

ونظرًا إلى دور تركيا المهم والمؤثر في الشمال السوريّ، فإنّ طرح مقترحات لتجميد القتال في حلب، من دون التنسيق مع تركيا، يبدو “غير واقعي”.

الموقف الروسي: مع تعطّل الحل السياسيّ، وظهور تنظيم “داعش”، تراجع الحضور الروسيّ في الأزمة السوريّة، في مقابل اندفاعٍ وتدخلٍ عسكريّ غربي وإقليمي. وعلى الرغم من أنّ الضربات الجويّة للتحالف الدولي ضد “داعش” أفادت النظام السوري حليف روسيا، فإنّ الأخيرة تخشى من تغيّر الخطط والأهداف المعلنة في مراحل مقبلة.

وقد عزّز من مخاوفها تجاهل الولايات المتحدة مطالبها باستصدار قرارٍ من مجلس الأمن، ينظِّم عمليات التحالف في سورية، ويحدِّد أهدافه بدقة. وترى روسيا أنّ حضور الغرب في الأزمة السوريّة عبر بوابة التحالف ومحاربة “داعش” قد يهمّش تدريجيًا دورها المحوري في حلٍ مستقبلي للأزمة. لذلك، وعلى الرغم من ترحيبها بمقترحات دي ميستورا، فإنّ روسيا ترى ضرورة تفعيلها في إطار أشمل، وإعادة إحياء عملية سياسية، تجمع طرفي النزاع في جولة مفاوضات جديدة، تحت مسمى مؤتمر “موسكو 1” أو “جنيف 3”.

كما تنظر موسكو للمتغيّرات في الملف السوريّ، ولاسيما بعد صعود تنظيم “داعش” وتقدَّم النظام، كفرصةٍ يمكن استغلالها لتعظيم مصالحها، وتبني رؤيتها في أي مفاوضات قادمة. ولتفعيل ذلك، استقبلت روسيا شخصيات من المعارضة السوريّة، لا تمانع في العودة إلى المسار التفاوضي لحلّ الأزمة، كما وجهت دعوة إلى وفدٍ من النظام، لإقناعه بسلوك المسار نفسه. ولهذا، من غير المرجح أن تدعم روسيا مقترحات دي مستورا. كما أنّ تبني هذه المقترحات عبر قرارٍ ملزمٍ من مجلس الأمن قد يسهم في تهميش الدور الروسي في الأزمة السوريّة.

وعلى الرغم من أنّ مقترحات دي مستورا تحظى بفرصةٍ للتنفيذ، فإنّ العوائق التي تنتظرها كبيرة؛ ما يعزّز احتمال استمرار حال الاستعصاء الراهنة في الأزمة السوريّة.

العربي الجديد

 

 

 

 

سوريا: هل يصلح دي ميستورا ما أفسده العالم/ خطار أبودياب

يراهن دي ميستورا على أن الشعب السوري ينتظر بارقة أمل بسبب التجويع والقتل العشوائي وتهجير السكان. ويحاول النظام السوري القول إنه يدرس المبادرة ويسرب أنها مشتقة من نتاج أفكاره.

خلال مباحثات في موسكو حول الأزمة السورية بين وفد دبلوماسي غربي ومسؤولين روس، لمّح أحد المحاورين إلى رسالة “ستالين” إلى أصحاب الكوادر في حزبه عام 1930، والتي كانت تحت عنوان “دوار النجاح”، حيث حذر خلالها من “روح الغرور والكبرياء” ونتائجها السيئة، وهذا التلميح يخص النظام السوري الذي يظن أن استراتيجيته نجحت، وأن كل الحراك يسير لمصلحته وأن لا شيء يقلقه من الآن فصاعدا، كما نبه دبلوماسي غربي إلى أن “دوخة” الغطرسة التي تطال البعض في دمشق لن تسهل الحلول، أو بداياتها، في هذا الملف الشائك.

مهما كانت الصورة سوداوية في بلاد تدمرت وتفككت وطالت المأساة فيها بشكل مباشر حوالي نصف سكانها قتلا وتهجيرا ونزوحا، يستمر الكلام حول تواصل الجهود الدبلوماسية وفي طليعتها المبادرة المنتظرة للمبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، الدبلوماسي السويدي الإيطالي، الذي يحلو لنفسه التكرار إنه “شخص يعمل في ظروف التحدي”، وربما يطمح للنجاح حيث فشل دبلوماسيان رفيعان من نفس الطراز: كوفي أنان والأخضر الإبراهيمي.

بيد أن الحرب الباردة الجديدة، والصراع الإقليمي الحاد، وتفاقم الاهتراء في الداخل السوري لا ينبئ بنجاح مضمون لمهمة تعتريها المخاطر وينقصها الزخم المطلوب في ظل عدم وجود استراتيجية واضحة لواشنطن وعدم وجود إرادة روسية للخروج من التعطيل (بالإذن من المعارض السوري الحالي وخطيب الجامع الأموي سابقا معاذ الخطيب الذي يراهن على شروق الشمس من موسكو).

يبدأ دي ميستورا عمله في “الوقت الضائع” أو “الوضع الانتقالي” الذي يتخلله تباطؤ الحرب ضد “داعش” (مراوحة في المكان باستثناء الجبهة مع الأكراد) وسعي روسي لإنتاج حل على مقاس النظام عبر الدعوة الممكنة إلى مؤتمر في موسكو كبديل عن جنيف 3، وهي فكرة تهدف لقبول بعض المعارضين الدخول في حكومة تحت رئاسة بشار الأسد الذي يمكن إقناعه لاحقا بقبول ترك السلطة بعد إتمام نصف ولايته. وضمن سياق بيع الأوهام والانتظار الثقيل يتم التسويق لمرحلة ما بعد المفاوضات حول الملف النووي الإيراني، إذ أنه في حال نجاح المفاوضات يعتقد البعض أن الملف السوري سيشهد حلحلة مع انتقال إدارته من الحرس الثوري إلى جهاز وزارة الخارجية، لكن فريقا آخر من المتابعين يخشى -في حال رفع العقوبات عن إيران- أن يزداد الدعم لنظام بشار الأسد.

من جهتها، تؤكد مصادر سورية معارضة على صلة مع المبعوث الأميركي الخاص لدى سوريا دانيال روبنشتاين، أن واشنطن متمسكة بالعودة إلى حل الحكم الانتقالي حسب وثيقة مؤتمر جنيف 1 وأنها ترفض أي تأهيل للرئيس الأسد ومحيطه القريب. وهذا الموقف تتقاسمه مع مجموعة أصدقاء سوريا فيما يزداد العمل المشترك خصوصا بين باريس وأنقرة بهدف “إنقاذ حلب” و“الحل السياسي” في آن معا، حسبما تبين من زيارة أردوغان الأخيرة إلى باريس

تبعا لهذا الوضع المعقد والمواقف المتناقضة والمتباينة، خفض دي ميستورا من سقف طموحاته الأولية وأكد على “التواصل مع جميع الأطراف بهدف وضع حد للعنف وانتهاكات حقوق الإنسان وتسهيل التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية”، استنادا إلى تجربته الغنية (منذ أوائل السبعينات من القرن الماضي) في مناطق الصراع مثل كوسوفو ولبنان والعراق والسودان وإريتريا والصومال، وعمله كممثل خاص للأمم المتحدة في أفغانستان (2010 – 2011 )، يقول أحد المقربين من هذا الدبلوماسي المحنك إنه سيعطي الأولوية للعمل الإنساني كمفتاح للخروج من الحرب الكارثية في سوريا، ولذلك أتته فكرة إعلان مناطق مجمدة، انطلاقا من حلب، في محاولة لإنجاز تحول يتيح عودة الحوار.

للوهلة الأولى، يراهن دي ميستورا وصحبه على أن الشعب السوري، الذي يعيش مأساة قل نظيرها أمنيا وإنسانيا واقتصاديا، ينتظر بارقة أمل في نفق مظلم بسبب حرب التجويع والقتل العشوائي والتهجير المنهجي للسكان. وللوهلة الأولى يحاول النظام السوري القول إنه يدرس المبادرة ويسرّب أنها مشتقة من نتاج أفكاره، واستمرار لنهج ما سمي بالمصالحات التي بقيت محدودة وانتقائية.

لا يمكن لأي فريق معارض حقيقي أن يقف ضد مبادرة تتيح تخفيف المعاناة وإيصال المساعدات. لكن التقييم سيرتبط بموقف النظام في لحظة التطبيق، فإذا كان الهدف إعادة الناس إلى بيت طاعة الحكم لن يكتب النجاح للمبادرة، لأنه مهما كان الوضع المزري لمؤسسات المعارضة، يبقى من الصعب جدا العودة إلى الوراء والتسليم بتصفية الحراك الثوري، أو في اختصار المأساة السورية بالبعد الإنساني ونسيان الجانب السياسي.

في رد متعسف غير مباشر على دي ميستورا وبوغدانوف وغيره، قام النظام السوري في الأسبوع الماضي باعتقال المعارض “الداخلي” لؤي حسين (سبق له اعتقال عبدالعزيز الخير ورجاء الناصر من نفس الفئة، بالإضافة لآلاف من الناشطين السلميين مما أفرغ الحراك الشعبي من قيادته المدنية المتنورة وسرّع بعسكرة الوضع وإرساله إلى المنحى الطائفي) مما يشكل إشارة سيئة عن نوايا هذا النظام الذي يرفض، حتى الآن، تقديم أي تنازل فعلي وملموس أو أي تسهيل للحل السياسي الذي يبقى مجرد أنشودة من دون حد أدنى من التوافقات الإقليمية والدولية. في الماضي لم يصلح العطّار ما أفسده الدهر، وسيصعب على دي ميستورا إصلاح ما خرّبه العالم، كل العالم، في سوريا.

أستاذ العلوم السياسية، المركز الدولي للجيوبوليتيك-باريس

العرب

 

 

 

 

 

هدنات دي ميستورا.. محاذير “النجاح”/ رشا الأطرش

يُفترض أن تُستكمل في جنيف، أواخر الشهر الجاري، مشاورات الخبراء مع فريق المبعوث الدولي إلى سوريا ستفان دي ميستورا، حول سُبل تطبيق خطته لحل الأزمة. كما يُنتظر أن يتوجه دي ميستورا إلى دمشق، الشهر المقبل، متأبطاً خريطة طريق تفصيلية، يتشوق “وزير المصالحة” السوري ورؤساؤه للاطلاع عليها.

والخطة، حسبما سُرّب للإعلام، خطواتها متدرّجة على مدى عامين. تبدأ باتفاقات لوقف إطلاق النار، مع ربطها بمقاربة “لا مركزية في مقابل توسيع الإدارات المحلية”، تعقبها انتخابات محلية وأخرى برلمانية، وصولاً إلى نظام برلماني بدلاً من الرئاسي، يتمتع فيه رئيس الوزراء الذي تختاره غالبية برلمانية بصلاحيات “واسعة”، إلى جانب صلاحيات “واسعة” أيضاً لرئيس الجمهورية. واللافت أن “مصير الأسد”، بحسب الخطة، متروك إلى ما بعد “العملية السياسية”، ومنفصل عن الخطوات الأساسية لمبادرة دي ميستورا. ما يجعل احتمال بقائه رئيساً، قائماً، أو على الأقل، احتفاظه بسلطات أمنية وعسكرية. وبالتالي، أي مستقبل فعلي للخطة إذا ما ظلت مثل هذه الصلاحيات بين يدي نظام أثبت ولاءه لمنهج العنف العاري سبيلاً لـ”السياسة”؟

وُصفت خطة دي ميستورا بأنها تعتمد منهج “من تحت إلى فوق”، إذ تتمثل “قاعدتها” بدوائر هُدنات تنهي العنف وتؤمن إدخال المساعدات، ثم يتسلق السوريون هرم الخطوات المتدرجة إلى حل سياسي. علماً أن الخطوات نفسها، إن اتضحت وطبّقت فعلاً من الأطراف كافة، ستغير الخريطة السياسية والميدانية والاجتماعية وحتى الجغرافية.. ما يطرح تساؤلاً حول المرحلة الانتقالية والحل السياسي الذي ستتغير مقوماته وأشكال صناعته، بين اليوم ونهاية العامَين المفترضَين.

ومع ذلك، فإن استلهام عشرات التجارب السابقة من اتفاقات وقف إطلاق النار، قد يكون فكرة جيدة وعقلانية، من حيث المبدأ. وذلك على أساس إن الصراع في سوريا تشظى إلى صراعات مرتبطة بلاعبين محليين، قد لا يعود لـ”توجيهات عليا” كبير تأثير فيها، خصوصاً من جهة المعارضة. أهم ما في فكرة الهدنات، إنقاذ حيوات. وثانياً، إفساح المجال للتفاوض، ولعملية سياسية بلا ضغوط الدمار والجوع والدم. لكن ذلك، دائماً وأبداً، يعتمد على الشروط، ناهيك عن مدى الالتزام بها، لا سيما من ناحية النظام السوري. فتطبيق منقوص أو ملغّم بشياطين التفاصيل، قد يحفّز المزيد من العنف، خصوصاً أن التجارب السابقة في إقامة الهُدنات، كان الكثير منها سلبياً، إذ استخدمها النظام مراراً كاستراتيجية عسكرية.

تسويق تجربة برزة

والحال أنه يتم التسويق حالياً لتجربة إيجابية نوعاً ما في برزة، من أجل اعتبارها نموذجاً يحتذى، ويؤكد صوابية المقاربة الجديدة. فالحي بات هادئاً نسبياً على صعيد الاشتباكات والقصف (فيما تستمر الاشتباكات في حيّي القابون وجوبر المجاورين)، والمواد الغذائية متوافرة إلى حد ما وتباع بأسعار “طبيعية”، والحي أصبح قِبلة نازحين من مدن وأحياء محاصرة كالقابون وحمص وحرستا والغوطة الشرقية… لكن ناشطين يؤكدون أن النظام لم يستكمل تطبيق بنود اتفاقية الهدنة في برزة، لا سيما في ما يتعلق بإطلاق سراح المعتقلين ووقف الاعتقالات الجديدة، وإدخال الأدوية والمساعدات (التي سجّل تحويلها، أكثر من مرة إلى منطقة “عش الورور” المؤيدة للنظام – والتابعة إدارياً لحيّ برزة!). هذا بالإضافة إلى التراجع عن وعود بإعادة نشر حواجز قوات النظام المحيطة بالحي، بل على العكس، زاد عدد الحواجز.

أما عن تجربة المجالس المحلية، التي يُعوَّل عليها، بحسب منطق خطة دي ميستورا، كنواة لعملية سياسية ما في المستقبل.. فها هو المتحدث باسم “المجلس المحلي” لحي برزة الدمشقي يقول إن قوات النظام لم تلتزم بوعودها بالانسحاب من الحي، كما لم تفرج عن المعتقلين لديها وفق الهدنة الموقعة في الحي. وكرر المتحدث، قبل أيام، الكلام عن تشديد أمني عند الحواجز والاعتقالات اليومية، ونقص شديد في المواد الخدمية الأساسية مثل الوقود والغاز، وسط استمرار انقطاع الكهرباء والماء والاتصالات. وأكد أن “قوات النظام حولت المعونات الدولية المخصصة لحي برزة إلى منطقة عش الورور الخاضعة لسيطرتها”. وإذ حذّر المتحدث من فشل الهدنة مع قوات النظام، في حال استمرت الانتهاكات، فإنه أشار إلى أن المجلس المحلي في برزة أوقف (إلى متى؟) “العديد من المجموعات المسلحة التي أرادت الرد على اعتقال المدنيين والتضييق على الحي”.

وفوق ذلك كله، تصبح حتى هذه التجربة المنقوصة في برزة، “ترفاً” في مناطق أكثر استراتيجية، مثل داريا (القريبة من مواقع “الفرقة الرابعة” التابعة لماهر الأسد، ومن مطار المزة وطريق دمشق – بيروت). في داريا لم يتم التوصل إلى اتفاق هدنة، رغم محاولات عديدة قوامها، كغالبية اتفاقات الهدنات، إدخال المساعدات والإفراج عن المعتقلين، في مقابل تسليم السلاح الثقيل وإزالة حواجز المعارضة في الداخل.

لماذا أقدم النظام على هدنات؟

يُرجع مراقبون ومتابعون عن كثب، موافقة النظام على وقف لإطلاق النار، في تجارب سابقة، إلى واحد أو أكثر من أسباب ثلاثة. الأول: تجسير انتصارات عسكرية، وتكريس هزيمة الطرف المعارض المتعاقد على الهدنة، كما حصل في المعضمية بريف دمشق، مثلاً، حيث فرض النظام شروطه للهدنة، بأثر من تكتيكات العقاب الجماعي المتمثلة في القصف بالبراميل والحصار والتجويع إلخ.. الثاني: “إراحة” جبهة، لإطلاق أو تعزيز عمليات عسكرية في جبهات أخرى. والثالث: بأثر من “توازن ما في القوة”، على طريقة برزة الأقل استراتيجية بالنسبة إلى النظام، يفضي إلى هدنة، ولو كانت عرجاء.

والتمهل هنا في قراءة استراتيجية النظام في تطبيق الهُدنات، ليس من باب أنه “الشرّ الوحيد” في هذه الخريطة، إنما انطلاقاً من حقيقة موضوعية، وهي أنه الطرف الأقدر على عمليات عسكرية منظمة وعلى امتداد الرقعة السورية، مقارنة بالمعارضة التي تبدو قراراتها العسكرية والتكتيكية أكثر مناطقية. والحال أن السيناريو الثالث، وبكل شوائبه، يبدو أفضل ما قد يقبل النظام بتقديمه.. فكم برزة في سوريا الآن؟ وهل حالة حلب، المُقترح البدء بها وتقسيمها بين شرقية وغربية، ستفرز شروط هدنة مقبولة؟

ولا بد من التذكير بأن توازن القوة/الرعب، كما في السيناريو الثالث أعلاه، لا ينحصر في المعنى العسكري البحت بين قوات النظام وفصائل المعارضة، إذ ما زال النظام هو الأقوى بهذا المعنى. لكن المقصود التنبه له، هو اللاتوازن في التبعات الناجمة عن خطوات الطرفين.. فنظام الأسد، حين يمارس العقاب الجماعي في أكثر من بقعة سورية، لا يخشى أي محاسبة أو عواقب موجعة أو رادعة، ولو جزئياً.. لا سيما على إيقاع طائرات التحالف التي تلاحق الإرهاب (من دون كثير جدوى حتى الآن.. بل لعلها عززت شعبية و”مظلومية” المجموعات الأكثر تطرفاً، سواء كانت “الدولة الإسلامية” أو غيرها).

من جهة ثانية، إذا كان الكلام جدياً، في خطة دي ميستورا، عن دور (لم تتضح معالمه بعد) للأمم المتحدة (ناهيك عن أن احتمال إطلاق الخطة بقرار من مجلس الأمن ما زال ضبابياً.. وإذا لم يأت ضمن الفصل السابع، فستزيد التساؤلات حول فرص نجاحها فعلاً)، فإن الدور الأممي المنطقي يفترض أن يتمحور حول: تقديم دعم تقني لإعادة إعمار البنية التحتية، تدريب المجالس المحلية ومساعدتها في هيكلة نفسها، أو حتى وجود ما على الأرض يضمن استمرار الهدنة وينزع التسييس عن العمليات الإنسانية.. فهل سلامة الوجود هذا مضمونة؟ بوعدٍ ممّن؟ وهل تتكرر تجربة برزة – عش الورور؟ ثم، وبناء على تجربة حمص، حيث رعت الأمم المتحدة عملية هدنة، كان أن اعتُقل شبان لم يُخلوا المنطقة مع من أخلاها، وأجبر آخرون على “التجنيد” للقتال في صفوف الجيش النظامي… مجدداً: هل ستُعاد التجارب السابقة باعتبارها “ناجحة”؟ أم سيُستفاد من نقاط نكوصها؟

مصانع التطرف

وفي جانب ثانٍ، يحكي عن نية للأميركيين لاستغلال فترة العامين المفترضَين في تدريب المعارضة “المعتدلة” وتجهيزها. لكن.. أي معارضة؟ وأي منها هي المعتدلة، ووفقاً لأي معيار؟ ما هو معيار الاعتدال الديني؟ بل ومعيار الاعتدال “القتالي”؟ الجيش الحر؟ النصرة؟… وكيف سيتم استيعاب الشروط التي يضعها النظام، منذ الآن، بوقف تمويل المعارضة وتسليحها و”تجفيف منابع الإرهاب”؟

لعل الوقفة هنا مفيدة، عند دراسات غربية، خصوصاً تلك التي أجراها مؤخراً “مركز مكافحة الإرهاب” التابع للأكاديمية الحربية الأميركية. هنا يظهر أن الكثيرين من المقاتلين السوريين (على عكس المهاجرين)، والذين ينضمون إلى الفصائل الإسلامية، سواء أتوا من كتائب الجيش الحر أم من منازلهم، يفعلون ذلك لأنها فصائل “أفضل تجهيزاً وعتاداً”، و”أفضل قيادةً وتنظيماً”، ما يشعرهم بأنها أكثر قدرة على هزيمة بشار الأسد وقواته، إضافة إلى اهتمام تلك الفصائل بالجرحى وبعائلات القتلى. لكن الحال أن هؤلاء المقاتلين يصبحون أكثر تطرفاً، دينياً وايديولوجياً، مع الوقت، أي بعد انضمامهم إلى الفصائل الإسلامية. علماً أن كلمتي “الإسلام” أو “الجهاد”، بحسب الدراسة، لم تكونا من الإجابات الأولى على سؤال من نوع “لماذا تقاتل مع هذه المجموعة؟”.. بل الروابط الاجتماعية والأهلية والمظالم السياسية والطائفية، وطبعاً حكاياتهم وحكايات من حولهم والتي تغذي تاريخاً طويلاً من الأحقاد على نظام ذَبَح واغتصَب واعتقل وعذّب في الأقبية.. حتى الموت.

هكذا، ومجدداً.. كيف سيُصنّف “الاعتدال”؟ ومَن سيمثل الشعب (الشعوب؟!) في سوريا خلال جلسات اللمسات الأخيرة على خطة دي ميستورا؟ وجوه من قوات الأرض؟ الائتلاف؟ ناشطون؟ مندوبو مجالس محلية، أم مندوبون إيرانيون وروس وأتراك وخليجيون؟ والأهم، والحال هذه، هل يعتبر ترك “مصير الأسد” إلى ما بعد العملية السياسية، فكرة جيدة؟

يبقى أن الدعم الإقليمي لمختلف أطراف الصراع يعطي كلاً منها إحساساً بالتفوق والنصر. وإن لم يكن هذا الإحساس زائفاً بصيغة مرحلية، فإن امتداده لفترات أطول مما تحتمل معطياته الميدانية والدولية، هو الزائف في أحيان كثيرة.

ففي العام 2012، كانت المعارضة مفعمة بالثقة في انتصارها الحتمي.

والآن، النظام السوري، ومن خلفه إيران وروسيا، أكثر ثقة بنصر عسكري وتسوية سياسية لصالح المعسكر هذا، سواء في سوريا أو خارجها، خصوصاً مع انفلات بعبع الإرهاب.

الأخيرون ما زالوا يشعرون أن “ستاتيكو” الحرب السورية الراهنة لمصلحتهم، فهل سيجدون من يُشعرهم فعلياً بأن الشعور هذا يفتقر إلى الدقة؟

المدن

 

 

 

الذين استحوا…!/ امين قمورية

الائتلاف السوري المعارض غير راض عن “خريطة الطريق” التي اعدها المبعوث الدولي دو ميستورا لإيجاد حل للازمة المستمرة في البلاد. قالها بصراحة إنه يريد خريطة اجراءات عملية تمهّد لإقامة حكم انتقالي وتشمل اقامة “ثلاث مناطق آمنة”، شمال خط العرض 35 اي المنطقة الشمالية المحاذية لتركيا، وجنوب خط العرض 33 اي المنطقة الجنوبية المحاذية للاردن، وفي اقليم القلمون المحاذي شرقا للحدود اللبنانية. طبعا لم ينسَ المطالبة بفرض حظر للقصف الجوي بكل اشكاله وضمان وصول المساعدات اللازمة الى كل المناطق المحاصرة.

وسقط سهوا من بيان الائتلاف المطالبة بتأمين “ممر آمن” لمقاتلي “الجيش السوري الحر” الى قصر الرئاسة في المهاجرين، ومقر وزارة الدفاع في المزة، طبعا بعد تطهيرهما من الاسد وأركانه. فمن لم يخجل في السابق بمطالبة الغرب مرارا وتكرارا بالتدخل العسكري في بلاده يستطيع ان يفعل ما يشاء ويقول ما يشاء.

هذا الطلب يصير مثاراً للسخرية والتندر، وقت يبحث “الائتلاف الدولي” عن معارضة معتدلة تملأ الفراغ الذي قد ينجم عن غاراتها على “داعش” ولا يجدها في “الائتلاف السوري” الغائب الدائم عن الارض السورية والحاضر ابدا بوقا اعلاميا صار بلا صوت. بل اكثر من ذلك، يصير مثارا للشفقة، اذا ما قورن “نضال” هذا الائتلاف في فنادق العواصم بصمود الاكراد في عين العرب… فعندما يطلب شباب وشابات كوباني المساندة من “الاصدقاء” في الخارج يصير طلبهم محترما وذا معنى بعدما أثبتوا ان الحياة تليق بهم وان النضال هو تضحية وارتباط بالارض وليس بضاعة تباع وتشترى او تستورد من المصانع الاجنبية.

واذا كانت علة سوريا في نظامها، ثم في تنامي التطرف الذي بلغ ذروته في جعل الرقة عاصمة لإمارة التوحش، فان حجم حصة الائتلاف من هذه العلة لايستهان به، حتى صار فعلا هذا الائتلاف والمعارضة على شاكلته، سر بقاء النظام وتمادي “داعش” وجنونها. فهذا التشكيل السياسي، منذ اليوم الاول لإبصاره النور في اسطنبول، لم يتكئ على قدرات الشعب السوري ولم يكن على قدر تضحياته الكبيرة، ولم يجسد وحدته الوطنية او روحه النضالية، بل جعل المساعدة الخارجية هدفا وحيدا نصب عينيه، أملاً في ان يكرر “الاصدقاء” الغربيون والعرب مع البعث السوري ما فعلته واشنطن مع البعث العراقي. لكن حسابات حقل هذه المعارضة لم تضبط على حسابات البيدر الاميركي او بيادر الاصدقاء بل صارت هي نفسها اداة بخسة من ادوات بيدرهم.

اما الآن، فبين براميل النظام وسكاكين “داعش”، صارت للائتلاف وظيفة ترفيهية بعدما باتت بياناته المادة الوحيدة لتسلية السوريين.

النهار

 

 

 

دي ميستورا.. لا عنب النظام ولا بلح المعارضة!/ هشام منوَّر()

لا يعدم الموفد الدولي الجديد «ستيفان دي ميستورا» الخبرة أو الحنكة السياسية، لكن فترة انتظاره للتقدم بمبادرة سياسية جديدة تخص سوريا طالت (بالنظر إلى خبرته وشهرة تفاصيل الحدث السوري). فالرجل الذي زار معظم العواصم العربية والإقليمية والدولية المعنية بالأزمة السورية، خرج أخيراً بمبادرة بعنوان غامض يهدف إلى التوصل إلى وقف لإطلاق النار في سورية بين النظام وفصائل المعارضة السورية المسلحة، وتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المتضررة والنازحين واللاجئين السوريين، تحت عنوان «مناطق مجمدة الصراع» مقترحاً مدينة حلب (لرمزيتها وأهميتها بحسب دي ميستورا) كنموذج لتطبيق أفكاره.

لقد نال المبعوث الأممي موافقة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون وتأييده، وعرض خطته «الغامضة» على مجلس الأمن الدولي في اجتماع خصص لبحث الأوضاع في سورية، ورغم اعترافه بعدم امتلاكه لرؤية او خطة واضحة للحل في سورية، إلا أنه يراهن على تنفيذ مقترحه كمقدمة لتطبيق خطوات أخرى تلحظ الجانب الإنساني في سورية وحاجة السوريين إلى وقف إطلاق النار وإيصال المساعدات الإنسانية.

مصادر مطلعة في نظام بشار الأسد أكدت في تسريبات إعلامية رفضها مقترحات «دي ميستورا»، تسمية منطقة مجمدة النزاع «غير عملي» في الأوضاع الراهنة، وتأكيدها على أن منطلق أي عملية تسوية يجب أن يكون الاتفاق على اعتبار «مكافحة الإرهاب أولوية»، وإصرار النظام على رؤيته المتعلقة بعودة جميع المناطق الخارجة عن سيطرته إلى ما يسميه «حضن الوطن»! فيما هددت إيران المبعوث الدولي بمصير سابقيه فيما لو فكر بعرض هذا الطرح، وهو الذي سيتوجه إلى دمشق لعرضه رسمياً، بحسب مصادر موالية للنظام، قريباً.

في المقابل، رشحت أنباء عن اجتماع دي ميستورا بالمعارضة السورية وجس نبضها بخصوص مقترحاته، ملوحاً بعدم مبالاة المجتمع الدولي بالملف السوري في الوقت الراهن، للضغط عليها وقبول ما «يجود» به عليها.

«دي مستورا»، بحسب مصادر في المعارضة السورية، أراد الالتفاف على مسألة المناطق الآمنة بطريقة غير مباشرة، وأخبر المعارضة بنيته طرح فكرة العمل على إيجاد مناطق شبه خالية من الاشتباكات بين قوات المعارضة وقوات النظام، على أن تدار شؤون تلك المناطق من السكان المحليين، الأمر الذي رأت فيه المعارضة السورية «التفافاً» من قبله على فكرة «الهدن» التي روج لها النظام استناداً إلى المبادرة الإيرانية، في المناطق التي استعصى عليه دخولها.

يحاول دي ميستورا «نثر الأمل» كما يقول عن مبادرته، من خلال السعي إلى وقف لإطلاق النار، وتأمين وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين في سورية، ولكونه يعلم أن أي مبادرة لن يكتب لها النجاح ما لم توافق عليها حليفة نظام الأسد وداعمه (إيران). فهو يستند إلى مبادرتها القديمة لكسب رضا وود النظام وحلفائه، وتمرير مطالبهم في ظل العجز البشري الذي تعرفه قوات النظام بعد طلبها آلاف السوريين للاحتياط، أكثر من نصفهم من منطقة الساحل، ما أثار موجة من الغضب والتململ داخل الشريحة الموالية له.

في المقابل، هناك فرصة قد تلوح من وراء هذه المبادرة «ربما» يمكن التعويل عليها، إذا أحسن التعامل معها، فبعض التسريبات تشير إلى أن مقترح دي ميستورا، إن تم تمريره وفق أسلوب معين، سيتضمن نشر قوات دولية وعربية في المناطق التي سيتم اختيارها «لتجميد الصراع» بحسب وصفة دي ميستورا، وستكون هذه القوات بقيادة تركية، لتأمين وقف إطلاق النار، وهو ما يلبي عملياً مطالب تركيا المتمثلة بإنشاء مناطق «آمنة» أو «عازلة» بحسب اختلاف التسميات، ويسهل انخراطها في التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة، ووقف تدفق اللاجئين السوريين إلى تركيا، وهي أمور يحرص التحالف على تلبيتها لضمان الانتقال إلى العمل البري ضد «تنظيم الدولة«.

حتى الآن يرفض كل من النظام والمعارضة أفكار دي ميستورا «الغامضة» حول مبادرته المعلنة، في الوقت الذي تلقى تأييداً دولياً متزايداً. فالمعارضة السورية ترى في الفكرة مجرد إدارة للأزمة في سوريا ومحاولة لتذليل العقبات أمام انضمام النظام إلى التحالف الدولي، والتغاضي عن جرائمه بحق الشعب السوري وعدم محاسبته، وإعادة الشرعية لنظامه المتهالك، والنظام لطالما تعامل مع المبادرات الدولية بمنطق التوجس والتلاعب وتفريغ المضمون عبر اللعب على عامل الزمن والخوض في أدق التفاصيل.

()كاتب وباحث

 

 

 

لماذا حلب؟/ مهنا الحبيل

إلى أين وصل مشروع المناطق المجمدة الذي يتبناه المبعوث الأممي ستيفان ديمستورا في سوريا، خاصة في مدينة حلب التي يشتعل الصراع بشأنها بين الثوار والنظام وحلفائه الإيرانيين ومليشياتهم المتعددة؟

ولماذا ذهب ديمستورا إلى مقر حزب الله في لبنان مباشرة في 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي؟ ولماذا يُرحب النظام بمشروع المناطق المجمدة؟ وما الهدف من كل المشروع؟ وأهم من ذلك ما المشروع المركزي وعلاقته بحرب حلب الكبرى أو استسلامها.

وقبل استعراض المسار السياسي الدقيق والتصريحات الدولية وساحة النفوذ المتغيّر في الشرق العربي، نُذكّر بقضية مهمة، وهي أن المشاريع الإنسانية العاجلة لكوارث سابقة التي تقرر القوى العالمية المؤثرة تدشينها لم تحتج في يوم من الأيام لإعلان مناطق مجمدة، هذا مصطلح أنتج لمشروع وحالة سياسية خاصة بالثورة السورية، وإلا فالمعتاد والقائم والمنتشر أن تفرض هدنة إنسانية ويخرج المدنيون سالمين وتغاث مناطق القتال بالإعاشة الإنسانية، فلماذا في سوريا اختلف الوضع؟

يختلف الوضع في هذا المشروع الجديد لكون وضع سوريا مختلفا بالكامل في حجم التواطؤ وتنحية المعيار الإنساني، فتصدر الفظائع والمذابح التي ارتكبها النظام، وسوء الوضع الإنساني الذي أكل فيه الناس الشجر، ثم ماتوا جوعا بعد أن استهلكوا ورقه الأخضر، فضلا عن العجز الصحي وغيره، كل ذلك لم يتحرك لأجله المبعوث الأممي لفرض هدنة إنسانية تكررت في كل الحروب إلا في سوريا، ومع ذلك أي مساحة إنسانية يمكن أن تتحقق لهذا الشعب المغدور المحاصر فهي مشروعة للضحية في إطارها الإنساني وليس للمبتز الدولي والإقليمي.

هنا يقفز لنا سؤال المرحلة الخطير عن الهدف من خلق هذا المشروع لمناطق مجمدة هل هو سياسي أم إنساني، وما مهمة هذا المشروع في السياق السياسي والعسكري الشامل؟ وما الغرض من مبادرة ديمستورا في هذا الحراك الضخم نحو حلب؟

يجب التذكير أولا بأن حلب هي قلب الثورة السورية، وأن تصفية الثورة يمر عبرها قبل غيرها، ولذلك هي تحت هذا الحصار الشرس سياسيا وعسكريا، كما أن اختراق داعش (تنظيم الدولة الإسلامية) ومن يؤيدها من مجموعات من النصرة لبنائها الميداني، حقق تفتتا لقوة ميدانها وتماسكها الاجتماعي العام كجسم للثورة السورية، وإن كانت الخلافات التي بين فصائلها قد فتحت الطريق لجحيم داعش الذي صُب على المدنيين وعلى الثوّار، ثم عاد المحور الدولي والإقليمي لاستثمار مساحة الفوضى الذي حققه داعش.

ومنذ استنزاف وتفرق البناء الميداني للثوّار بدأ النظام ومرجعيته الكبرى في إيران التقدم لحرب حلب الكبرى، فهذه الحرب -وفق تصور هؤلاء- هي مخطط ضخم تتجاوز نتائجه آثار معركة إلى حجم حرب مسقطة للثورة السورية كليا، غير أن هذا التصور لم يكن منفردا لدى الإيرانيين بل قناعة مشتركة في الوقت نفسه لواشنطن تبلورت في حرب داعش. ولكن ما مهمة التوافق الأميركي الإيراني بعد حرب داعش الدولية؟ وما بوصلته؟

هنا العنوان الرئيسي في القضية، قرار حصار حلب الجديد وإسقاطها، جاء في تصريحات متعددة من الجانبين ضمن قرار التنسيق لفرض واقع جديد على المشرق العربي يبدأ بمسمى حرب داعش ويعبر بواسطتها لتصفية الثورة السورية، وتقوية النظام الطائفي في العراق وإعادة صناعته من جديد من ذات الاحتلال المزدوج.

إن الربيع الأميركي الإيراني صعد بصورة واضحة في المنطقة وعزز تعاونه إستراتيجيا ومرحليا بعيدا عن حكايات الشيطان الأكبر وترمومتر الملف النووي وأضحى تحت المشاهدة العلنية وليس التخمين الظني، وتأكيدات واشنطن على أن الشريك لمثل هذه المهام هو طهران تمارس اليوم تنفيذيا، بل إن الصحافة الأميركية تطرح رؤية جديدة مهمة جدا لوضع كل هذا الحراك في سياق واحد.

ما يطرحه الإعلام وتدور حوله تصريحات مسؤولين أميركيين أن البيت الأبيض كان ينسق مع دول الخليج لاحتواء إيران، واليوم ينسق مع إيران لاحتواء دول الخليج العربي!

هذا التحوّل شبه العلني الذي تُنسب إليه مفاوضات مسقط السرية هو ما بات يحكم قواعد اللعبة في المشرق العربي، إيران هي الطرف الفاعل والشريك الإقليمي أمام الآخرين الذين لا ترى فيهم واشنطن قدرة لتحقيق شراكة قوية في السياسة الإقليمية وإن راعت مصالحها معهم.

ليس ذلك فحسب، بل تتحد هذه الشراكة في بعض الأهداف في سوريا، فالخشية من الثورة السورية لدى تل أبيب كمهدد للأمن القومي للاحتلال الإسرائيلي كان حاضرا بقوة في كل تعاطي الغرب مع القضية السورية، كما أن الخشية من قوة دولة ديمقراطية في الشام أيضا يخيف الغرب الذي كان دائما يرفض الإرادة الشعبية للشرق ويخشى من قوة استقلاله.

من هنا نعرف الخيوط التي تحاصر حلب وأن مبادرة ديمستورا سواء كانت قصدا فصنعت لذلك، وهذا مرجح أو أُخضعت لمصالح القطبين فهي تأتي اليوم في ظل هذه الحرب الكبرى على حلب. إن التدرج الذي اشترطه النظام هو عدم وقف التصعيد العسكري في المناطق التي يتقدم فيها، فيما يفرض التجميد في المناطق التي يسهل له التجميد حسمها أو يحتاج لإخضاعها بمفاوضات.

أي أن التجميد الذي يحمله المبعوث الأممي ديمستورا، في داخله عملية ابتزاز للثوار وتمهيد لما قيل إنه حل سياسي بالتجميد، فما الحل السياسي الشامل في سوريا الذي يقوم على التجميد وعلى أن الأسد جزء من الحل، كما تقول واشنطن؟

إنه برمجة عمليات استسلام متنقلة لتحقيق هيمنة قوات النظام الذي لن يألو جهدا في تصفية إنسان الثورة أول ما يستقر له الوضع، وتُزرع في كل مدينة سورية سربرنيتسا وتحت بصمة مبعوث أممي كما جرى في البوسنة، ولا يوجد في سجل هذا النظام مطلقا ما يمكن أن يعوّل عليه في سلامة بقية الشعب الذي لم تصله قذائفه وآلياته.

ولكن تبقى قضية الميدان -وكما أكدنا مرارا- هي كلمة الحسم، وصمود الثوار فيها يعني اختراق هذه الجولة الشرسة من الحصار، وبالتالي الإعداد لحقبة جديدة من عمر الثورة تعتمد بعد الله على دعم تركيا ذات الموقف الصلب والمتحد في مصالحه مع الثورة السورية، خاصة حين طرح الرئيس أردوغان محور حلب أمام محور عين العرب/كوباني متسائلا عن سر الصفقات لأجل تلك والصفقات لخنق الأخرى رغم أنها أرض سورية للجميع.

وعليه فإن موقف الثورة وتركيا متحد من حيث المصالح وخريطة التقدم التي يعد لها المحوران بعد كوباني وبعد تراجع داعش في عدة مواقع، ومخاطر تدوير الكرّة على الثورة السورية، وأهم ما تحتاجه الثورة الآن أمام الخذلان العربي المستمر هو حسن تنظيم صفوفها وإطلاق موجتها التجديدية للثورة والثوار، حينها ستقوى ميدانيا وسياسيا وتفرض حضورها على تقاطعات عربية ودولية تعبر بعدها لحماية هذا الشعب واستئناف مسيرة النصر.

الجزيرة نت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى