صفحات العالم

سليمان فرنجية –الملف الرئاسي في لبنان وتداعياته على الوضع في سورية –مجموعة مقالات-

 

 

 

 

عن التكرار الذي لا يعلّم … ولا يزول/ حسام عيتاني

يُغري التكرار شبه الحرفي لردود فعل اللبنانيين على أي حدث يشهده بلدهم، بدراسة أوسع لظواهر الاجتماع والسياسة. ذلك أن ردّ الفعل الشرطي الذي يظهر من دون تغير يُذكر، يشي بما هو أبعد من الانقسام التقليدي بين معسكرين أصابا لبنان بشلل مدمّر منذ عشر سنوات، فاقمته تداعيات الثورات ثم الحروب العربية.

بل يمكن إحالة الحدث وردود الفعل عليه الى صيغ مجردة رياضياً، والتكهّن بدقة ملليمترية تقريباً بكل ما سيظهر على شاشات التلفزة المحلّية المتنافسة على التغطية والنقل المباشر من مكان الواقعة، وما سيقال على وسائل التواصل الاجتماعي وما سيدلي به محللون استراتيجيون وصحافيون متخصصون في كل ما ترتفع فوقه الشمس. يمكن اقتراح الصيغة التالية للمعادلة الرياضية: ردود الفعل تساوي الحدث (وهذا قد يكون انفجاراً إرهابياً في منطقة سكنية أو اغتيالاً سياسياً أو اختطاف جنود أو مبادلتهم او حتى انهيار مبنى سكني متهالك) موزّعاً (علامة قسمة) على أفراد الجماعة الطائفية – السياسية المعنية بالحدث ومطروح منها مواقف الكتل الطائفية المعادية. ثمة ردود فعل يكون مآلها الصفر بسبب استحالة إدراج المتغير (الحدث) في أي من خانات الانقسام الأهلي. أزمة النفايات والحراك المدني الذي أسفرت عنه على سبيل المثل. وهذا مثل تكرّر مع كل الأحداث العابرة للطوائف. وداخل هذه الأخيرة، معادلات رياضية أكثر تعقيداً تدخل فيها العوامل الجهوية ومستوى الولاءات التي قد تستدخل ارتفاعاً في أهمية عنصر كان مغفلاً في حدث سابق.

يُستثنى من هذه الأحداث، ما ينطوي على مصالح مالية ضخمة يتوافق أفراد الطبقة السياسية على تقاسمها، على ما يجري حالياً في موضوع النفط والغاز المكتشفين أمام السواحل اللبنانية، والذي قد يؤدي دوراً مهماً في تسوية تنهي الفراغ الرئاسي إذا تحسّنت شروط تقاسم (أو نهب، وكل تقاسم بين السياسيين اللبنانيين هو عملية سطو موصوفة) هذه الثروة الوطنية.

غني عن البيان أن سكب العمليات الاجتماعية في صيغ رياضية، مهما كثرت فيها العوامل والمتغيرات وازداد تعقيدها ودقتها، ليس من الصحة في شيء. فقد منيت بالخيبة كل محاولات إيجاد القوانين الشاملة والقاطعة والباتّة للتطور الاجتماعي والتاريخي. بيد أن محاولة كهذه تبدو جديرة بالتأمل عند تناول الحالة اللبنانية التي تداني ظواهرها أحوال الجماد في الثبات ونبذ قابلية التفاعل والتبدل وسنّتهما.

ردود الفعل التي أعقبت التبادل بين الحكومة اللبنانية و «جبهة النصرة» لأسرى الأولى لدى الثانية، مقابل الإفراج عن متّهمين إسلاميين في السجون اللبنانية وتحسين أوضاع اللاجئين السوريين في جرود عرسال، لا تختلف، في العمق، عن تلك التي جاءت إثر أي انفجار أو اغتيال شهدهما البلد في الأعوام الأخيرة. تصاغر أو تعاظم الشماتة العلنية بالفريق الذي حلّت المصيبة به وإعلان التعاطف والتضامن والرغبة في طي صفحة التناحر السابق، يتعلّقان أولاً بفداحة الحدث وعدد الضحايا الأبرياء الذين أصيبوا فيه. لكن سرعان ما تعود المواقف الى مواقعها الأصلية وتستأنف «الأعمال كالمعتاد».

يدخل الى المشهد هنا، إعلام مفلس أخلاقياً ومهنياً يديره عدد من المستفيدين المباشرين من مخصصات مالية تمنحها لهم الأحزاب والتيارات الطائفية (على ما جاء في تغريدات ابن أحد المسؤولين الحزبيين عندما خرجت وسيلة إعلامية عن النص المطلوب منها). يجهد هذا الإعلام في أداء مهمته الحزبية الفئوية من دون أن يقدم، بعد إشهاره وقوع الحدث، أي خدمة للمشاهد متجاهلاً دوره كمؤدّ لخدمة عامة أساساً. بل ينكبّ على تجييش جمهوره المستهدف وحشده وراء قيادته الطائفية.

ومن لزوميات هذه الأحداث، استخدام المراسلين والمعلّقين ومن يدخل في بابهم من ناشطي «فايسبوك» و «تويتر»، مصطلحات باتت خلافية وتشير الى معانٍ مختلفة باختلاف قائليها. فـ «الكرامة» التي كثر تداولها والتغنّي بها من فريق 8 آذار (مارس) بعد عملية التبادل مع «النصرة»، حيث أسف هؤلاء لضياعها والإساءة إليها ممن شكر الجبهة الإرهابية على إطلاقها سراح الأسرى لديها، حملت معنى آخر لدى الطرف الآخر الذي شدّد على أهمية الجانب الإنساني من التبادل وعودة عناصر الجيش وقوى الأمن الى عائلاتهم التي ذاقت أمرّ أنواع القلق والخوف أثناء احتجاز دام سنة وأربعة أشهر.

يخلو تتابع هذه الوقائع بالترتيب المذكور من أي تطوير للأداء أو قراءة من زوايا جديدة ودقيقة للأحداث. بل إن التكهن بالتصريحات التي ستصدر بعد كل حدث ومواقف الأطراف السياسية، لم يعد يحمل أي قدر من الاهتمام أو الترقّب. حتى بات القارئ أو المشاهد يشتبه بوجود «كتاب تعليمات» يجري الالتزام ببنوده التزاماً حرفياً عند وقوع أي حدث.

الملل والضجر والسأم وكل مرادفات هذه الكلمات، هي أول ما يُفترض أن يصيب مواطناً عايش عدداً لا يُحصى من الأحداث المشابهة. لكنه ملل يخفي وراءه التدهور المريع وغير القابل للانعكاس – في ما يبدو – لأحوال الدولة والاجتماع في لبنان. فلا جمود ولا فراغ في المجتمعات بل تحركات مستمرة قد تكون غير مرئية من مراسلي التلفزة ومديريها أو من غلاة المدافعين عن صواب أحزابهم وتياراتهم.

لقد شكّل الحراك المدني بين شهري آب (أغسطس) وأيلول (سبتمبر) الماضيين، عرضاً لبعض المشكلات التي تجمع اللبنانيين كشعب. لكن الحراك انتهى برصيد معنوي وخواء سياسي، فاستؤنفت الحركة في الدوائر المفرغة المعتادة ومعادلاتها السقيمة.

الحياة

 

 

كان يمكن لسليمان فرنجية الحفيد أن يكون مشروعاً رئاسياً لو…/ وسام سعادة

سليمان فرنجية الحفيد هو من أوثق حلفاء النظام السوري في لبنان. هذا التحالف صار عنده أشبه بعقيدة قائمة بذاتها. مع ذلك، فهو حفيد لرئيس جمهورية يحمل نفس الاسم. رئيس شكّل وصوله عام ١٩٧٠ تغليباً لخيار التشدّد بين الموارنة، وترجمة لانكفاء الاعتدال المركزي الشهابي، لكنّه تميّز عن «اليمين المسيحي» بطرفية الزعامة نسبة إلى مركز الجبل اللبناني، مركز «لبنان الإمارة والمتصرفية»، وهي طرفية عادة ما يأباها موارنة الشمال اللبناني، باعتبار أنّ هذا الشمال هو المعمل الروحي والتاريخي للمارونية، وهو ما يفسّر تسمّي الميليشيا التي أسسها طوني سليمان فرنجية بـ»المردة». شكّل «المردة» أحد مكوّنات «الجبهة اللبنانية» في بدايات الحرب، أي الجبهة التي ستنشأ لاحقاً «القوات اللبنانية» كذراع عسكري لها، إنما بعد دمج وانشطار دمويين: فلئن نجح العنف في دمج ميليشيا «النمور» الشمعونية، فإنّ المدى الذي وصله في مجزرة اهدن التي ذهب ضحيتها طوني فرنجية وعائلته ومرافقيه، أسّس لانشقاق عميق في الشمال الماروني، انشقاق تغذّت منه بشكل وافر السياسة السورية في لبنان.

ورغم أنّ الظاهرة التي قادت هذا الخيار العنيف في التعامل مع داني شمعون وطوني فرنجية، أي ظاهرة الشيخ بشير الجميّل، تحوّلت بسرعة مدهشة نهاية السبعينيات إلى الظاهرة الأكثر شعبية بين مسيحيي لبنان، وتوّجت بهالة من القدسية بعد اغتيال بشير رئيساً منتخباً شاباً، فإنّ الشمال المسيحي المنقسم حتى نهاية الحرب بين قسم داخل في الفلك العسكري السوري وبين قسم خاضع لسيطرة «القوات»، بقي حبيس سردتين. من جهة، «الثورة الشعبية المسلّحة» القواتية في مواجهة اقطاع آل فرنجية حليف النظام البعثي السوري الذي يعمل على قضم والغاء وجود لبنان، وبالتالي العدو الوجودي للمسيحيين فيه. ومن جهة ثانية، «المردة» الذين يباهون بتحالف بين سليمان فرنجية الجد وحافظ الأسد قبل وصول كليهما إلى السدّة الرئاسية في البلدين، ويجدون فيه ضرورة وجودية للحفاظ على المسيحيين في الشرق.

بعد ربع قرن على نهاية الحرب الأهلية، لا يزال قطبا الموارنة من حيث الشعبية، هما العماد ميشال عون وسمير جعجع، أي قطبي الحرب الأهلية المسيحية الداخلية التي انتهت الحرب «العامة» بها. يشترك عون وجعجع في التحدّر من «البشيرية»: الأول لأنه جسّد حضور «البشيرية» في الجيش النظامي نفسه، والثاني، لأنّه ورث الجيش الموازي الذي أسّسه بشير.

في المقابل، يبقى سليمان فرنجية ثالث ثلاثة بين زعماء الموارنة، هذا إذا اعتبرنا أنّ الرئيس الحالي للكتائب سامي أمين الجميّل لم تأت ساعته بعد، حيث أنّ الاسم الكتائبي الذي يطرح رئاسياً لا يزال والده الرئيس السابق للجمهورية. هنا أيضاً، في حالة سامي الجميّل، نحن أمام نموذج ثالث لوراثة البشيريّة. لكنه ينتمي إلى جيل مختلف..

سليمان فرنجية الحفيد هو إذن الزعيم الماروني الوحيد الذي لديه شعبية في طائفته، خصوصاً ضمن منطقته، خارج إطار البشيرية، بل بينه وبين البشيرية ما صنعه مجزرة أفقدته عائلته، في إطار حرب كان والده فيها أحد قادة ميليشياتها، بل أحد قادة الميليشيات المفترض أن تتشكّل منها «القوات اللبنانية» لولا التزام «المردة» بخيار استمرار التحالف مع دمشق، بخلاف ارتداد باقي أركان الجبهة عن هذا التحالف، وهو ما يعود، بدرجة كبيرة، إلى «ضغط من تحت» على قادتها، قاده بشير.

من هنا، عندما تحرّك مشروع تسوية رئاسية يأتي بموجبها سليمان فرنجية الحفيد رئيساً للجمهورية وسعد الحريري رئيساً للوزراء انفجر لغم بالحسابات الفوقية التبسيطية. هذا اللغم عائد إلى كون سليمان فرنجية زعيم له حيثية شعبية مسيحية حقيقية، لكنها خارج عن «الإجماع البشيري» الذي أعاد تكوين «الإجماع المسيحي» في لبنان.

النتيجة الأولى لهذا الأخذ والرد كانت ترسيخ تركز زعامات الموارنة الحالية في الشمال: سمير جعجع وسليمان فرنجية.. وأيضاً جبران باسيل، في مقابل تراجع ثقل زعامات مركز الجبل اللبناني (الشوف والمتنين وكسروان).

لكنه الشمال الذي ما زال «حبيس السرديتين» ولو بشكل هُذّب مع الوقت. أسوأ ما في مشروع التسوية الذي طرح لم يكن أن فرنجية حليف آل الأسد، ولا في كيفية «سلق الموضوع»، بل في أنّه لم يربط أي تفعيل لرصيد فرنجية الرئاسية بتحقيق مصالحة تقوّض الانشطار الماروني الشمالي، مصالحة بين سمير جعجع وسليمان فرنجية. لو أن المسوّقين لفرنجية رئيساً اهتموا لحظة بهذه الحيثية، بدلاً من بيع جلد الدب قبل اصطياده، وتوهّم أنهم عزلوا جعجع، في وقت زادت عزلتهم هم، لكان من الممكن جدياً المناقشة في «إيجابيات وسلبيات» وصول فرنجية إلى قصر بعبدا، وبالتالي في الضمانات لتثمير الإيجابيات ومحاصرة السلبيات.  يبقى أن المشكلة الأكبر هي في منطق لا يريد لا عون ولا جعجع ولا فرنجية ولا يريد موارنة بلا حيثية أيضاً ولا يريد الشغور. فهذا منطق الشغور نفسه.

٭ كاتب لبناني

القدس العربي

 

 

 

 

فرنجية يضمن «الحياد» سواء بقي الأسد أم رحل؟/ جورج سمعان

تحريك الملف الرئاسي في لبنان حمل جملة من القراءات. لكنه يبقى أولاً وأخيراً خطوة منطقية وطبيعية تواكب المنعطف الكبير الذي شهدته الأزمة في سورية. والذي بدّل في قواعد اللعبة العسكرية والسياسية بعد التدخل الروسي وخريطة الطريق للتسوية السياسية. وخلق معادلات جديدة وقلب موازين القوى. ولا شك في أن حضور جميع اللاعبين، إقليميين ودوليين، لقاءي فيينا مؤشر إلى استعدادهم إلى تقديم تنازلات، وإلى رغبة جماعية في وجوب دحر الإرهاب وإقفال الساحة السورية. وإذا كانت تفجيرات باريس شكلت دافعاً إلى شعور العالم بفداحة الأخطار الناجمة عن استمرار الحريق الشامي. وقربت الموقف الأوروبي من موقف الكرملين وقدمت «داعش عدواً أول»، فإن إسقاط تركيا مقاتلة روسية كشف عمق الهوة التي تفصل بين أهل التسوية. ليس بين أنقرة وموسكو فحسب، بل بين هذه وحلف شمال الأطلسي. لكن كلا الحادثين قدم ذخيرة إضافية إلى الكرملين ومشروعه الخاص بالتسوية.

جملة الأحداث التي شهدتها الأزمة السورية في الشهرين الماضيين دفعت جميع المعنيين إلى إعادة التموضع. وكان طبيعياً أن يشعر اللبنانيون كغيرهم بوجوب مواكبة ما يجري في سورية والمستقبل الذي يرسم لها. كأنما ثمة عودة إلى تلازم المسارين. وكان طبيعياً أن يشعروا بأن ثمة سقفاً زمنياً لم يعد من الجائز تجاوزه. تماماً كما وضع الروس سقفاً زمنياً لتدخلهم في الشام لا يتجاوز مطالع السنة المقبلة. فإما تسوية تستند إلى مفهومهم وتخدم مصالحهم وإما مواصلة الحرب. إذاً ثمة رابط بين السقفين. حتى الآن كان واضحاً أن البلد الصغير أفاد من غطاء دولي وإقليمي أتاح له إبعاد النار عن ساحته. أو على الأقل حال دون سقوطه في الحريق المذهبي المشتعل في المنطقة… وإن لم يجنبه جرائم الإرهاب. وكان لا بد للحوار بين «تيار المستقبل» و «حزب الله» أن يواكب، التحول الكبير الذي طرأ على الأزمة السورية بنقلة نوعية. لم تعد المهمة تقتصر على إبعاد برميل البارود المحتقن عن النار المذهبية وهو كاد أن ينفجر في أكثر من مناسبة آخرها الجريمة الإرهابية في برج البراجنة.

لم يكن منطقياً أن يجمع العالم على وجوب الحفاظ على الدولة السورية ومنع انهيار مؤسساتها وأن يواصل اللبنانيون مراقبة تحلل دولتهم وانهيار مؤسساتهم واقتصادهم. كان لا بد من التقاط اللحظة، أو محاولة اقتناص الفرصة لعلهم يتوافقون على انتخاب رئيس للجمهورية. وفي ظل استعصاء التفاهم على مرشح توافقي، وغياب التفاهم بين القوى المسيحية على مرشح يقدمونه إلى شركائهم في الوطن، جاء اللقاء بين سعد الحريري وسليمان فرنجية ليلقي أكثر من حجر في البركة الراكدة. يسوق أركان «تيار المستقبل» جملة اعتبارات محلية باتت معروفة أملت على السير في ترشيح زعيم «تيار المردة». ليس أقلها شعوره بأن جمهوراً واسعاً يحمله القسط الأكبر مما يعانيه البلد من أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية. وشعوره أيضاً بأن قوى الاعتدال التي يمثل يتآكل نفوذها في ظل صعود التنظيمات الإرهابية وانتشارها. فضلاً عن الغموض الذي يكتنف صورة سورية الجديدة التي لن تعود كما كانت أياً كانت صورة التسوية. والمهم في هذا المجال أن يكون لبنان جاهزاً لمفاعيل التسوية في سورية، أياً كان مآلها، أو في أسوأ الأحوال أن يظل محافظاً على فك الاشتباك بينه وبين الحرب التي قد تستعر.

لم يكن فرنجية خيار الحريري وحده. فشريكه في الحوار يبحث عن إعادة تموضع. سيعود مقاتلوه من وراء الحدود، سواء انتهى الأمر بقيام «سورية المفيدة» أو بانطلاق التسوية على وقع العلميات الروسية. وكان لافتاً أن زعيم «حزب الله» السيد حسن نصر الله الذي لم يكن منذ أشهر مهتماً بمصير الحوار وحتى بمصير الحكومة، انعطف هو الآخر. تبدلت حساباته. ولا بد من إعادة تموضع فرضها على الجميع الرئيس فلاديمير بوتين الذي أبلغ من يهمهم الأمر، ديبلوماسياً وعسكرياً على الأرض، أنه بات في وضع يمكنه التحكم بمجريات الأمور في سورية. نادى السيد قبل أيام بتسوية شاملة، و «تحت سقف الطائف». فلا مؤتمر تأسيسياً ولا مثالثة ولا من يحزنون. هو يدرك أن رجاله سيعودون من سورية عاجلاً أم آجلاً، أو سيطلب منهم مغادرتها إذا انطلقت المرحلة الانتقالية. ولا يريد تجديد الصراع حول سلاحه. فيما بات يدرك خصومه المحليون أن مسألة مشاركته في القتال خارج الحدود، كما قضية سلاحه، أمر بات مرتبطاً بالموازين الإقليمية. وهو ما توافق عليه الحريري وفرنجية، وتبادلا الضمانات سواء بقي الأسد أم رحل. وهذا ما يريح «حزب الله» أيضاً. فضلاً عن أن رعاة تحييد لبنان، قريبين وبعيدين، لم يكونوا ولن يكونوا بعيدين عن خيارات اللبنانيين. ولا شك في رغبة إقليمية ودولية ملحة في إقفال ملف الرئاسة أشعلت الضوء الأخضر لعل لبنان يخرج من مأزقه ومرحلة المراوحة. وعندما يجلس المتخاصمون معاً إلى طاولة فيينا لا تعود هناك محظورات لعدم جلوس اللبنانيين إلى الطاولة.

وثمة مغالاة في قراءة خيار فرنجية للرئاسة. كأن يرى بعضهم أنه ليس عنصر طمأنة لحليفه في «8 آذار» فحسب، بل ضمان لجملة أقليات في المنطقة إذا كان لا بد من رحيل الأسد وتقديم ضمانات للعلويين وفئة واسعة من المسيحيين الذين ناصروه هنا في لبنان وفي سورية. فالأميركيون الذين صموا آذانهم عن مخاوف شركائهم الخليجيين من توسع إيران في المنطقة العربية، كانوا يتساءلون من باب الجزم أن الجمهورية الإسلامية لا يمكنها ابتلاع سورية. الديموغرافيا المذهبية هنا – كما هي في اليمن – تختلف عما هي عليه في العراق حيث أنها هنا أيضاً لم تستطع أن تهضم ما حاولت ابتلاعه! على رغم أن ممثل المرشد علي خامنئي لدى «الحرس الثوري» علي سعيدي عاد يردد أخيراً معزوفة تمدد حدود بلاده إلى البحر الأبيض المتوسط وباب المندب. كأنه لا يشعر بحرارة النار التي تشتعل بين أيديهم في العراق واليمن وسورية.

تلازم المسارين يجب ألا يعني أن تطول المرحلة الضبابية حتى يختار اللبنانيون رئيسهم أو يتوافقوا على فرنجية رئيساً. إن طرحه مرشحاً أعاد خلط الأوراق، خصوصاً في أوساط القوى المسيحية التي عليها عاجلاً أن تحدد موقفها… إلا إذا توافق ميشال عون وسمير جعجع على مرشح آخر ليحرج كل طرف حليفه. أو إذا فاجأ رئيس «القوات اللبنانية» شركاءه في «14 آذار» التي لا يكاد يبقى منها شيء حالها حال «8 آذار»، وأعلن دعم ترشيح الجنرال. عندها فليتنافس المتنافسون. المهم أن يكون لبنان حصيناً، سواء سلكت الأزمة السورية «خريطة الطريق» للتسوية، أو واصل الجميع خيار الحسم العسكري، كما يبدو حتى الآن. والكرة ليست في ملعب «المستقبل» و «حزب الله» وفرنجية وحدهم. إنها عند الشريك المسيحي، من «التيار الوطني» و «القوات» و»الكتائب» وكل القوى الأخرى.

يظل هذا أفضل من انتظار ما ستؤول إليه الأزمة في سورية حيث يميل الطرف الروسي إلى خيار الحسم العسكري في بلد يختلط فيه مزيج من الأعراق والمذاهب الذين يبدون تصميماً على مواصلة القتال. وليس سراً أن أقطاب المعارضة السياسية السورية في الخارج يؤمنون بأن هدف موسكو إخراج «الجيش الحر» والفصائل المعتدلة من المعادلة. أو على الأقل تقسيم هذا الجيش وتفتيته. بعدها يسهل اختيار المعارضة المدجنة التي لا تملك ذراعاً عسكرية للتفاوض في فيينا أو جنيف. والنتيجة فرض تسوية تعيد انتاج النظام. ولن يكون مهماً بعد ذلك بقي بشار الأسد أم رحل. ويكاد جميع المعنيين بالأزمة يأخذون على التدخل الروسي أن القليل من غاراته استهدف مواقع «داعش»، خصوصاً بعد تفجير الطائرة في سيناء.

لكن المفاجآت على الطريق الطويل للتسوية كفيلة بتغيير الحسابات وقلب الأولويات والسياسات. ولن تكون روسيا استثناءً. إثر اعتداءات باريس ثم إسقاط تركيا مقاتلة روسية، بات شبه مستحيل قيام هيكل دولي موحد لقتال التنظيمات الإرهابية. ليس لأن ثمة خلافاً على وضع لائحة موحدة بهذه التنظيمات فقط. وليس لأن المنخرطين في الأزمة السورية تختلف أهدافهم وسياساتهم فحسب. بل لأن ثمة عقداً يجب تفكيكها أولاً. فكيف يمكن الغرب التحالف مع دولة كبرى يفرض عليها عقوبات وحصاراً اقتصادياً؟ وكيف يمكن الولايات المتحدة القبول بالقتال إلى جانب إيران وميليشياتها وبعض هذه تضعهم على لائحتها لقوى الإرهاب؟ وكيف لتركيا التي يتلو فعل الندامة على ما فعلت مقاتلاتها بالطائرة الروسية أن تنخرط في تحالف يستند إلى رؤية تعتمد على الكرد بقيادة صالح مسلم القريب من حزب العمال الكردستاني فصيلاً أساسياً في قتال تنظيم «الدولة الإسلامية»؟ مثلما لا يستقيم وقوف السعودية وشركائها الخليجيين في خندق واحد مع خصومها الذين تستهدفهم في اليمن وسورية والعراق، وإن جلست معهم إلى طاولة التفاوض؟ ومن الوهم تصور الجمهورية الإسلامية وقد تخلت بسهولة عما بنت لسنوات من بغداد إلى بيروت… كأنهم يجلسون إلى طاولة الحوار وأيديهم على الزناد إلى أن يحين موعد التفجير المقبل… إلا إذا استطاعت موسكو أن تطوع القوى الإقليمية، وتحد من نفوذها وقدرتها على المنافسة، كما تحاول مع تركيا اليوم. وهذا أمر دونه عقبات فأنقرة ليست وحيدة لا شرقاً ولا غرباً. ومثلها خصوم الأسد والمصرون على رحيله. فهل تكتفي موسكو بـ «سورية المفيدة» التي ترسخ الحل الفيديرالي في كل بلاد الهلال الخصيب بما فيه لبنان؟ ام أنها تنزلق عميقاً وتغامر بقوات برية من الجمهوريات الإسلامية الحليفة في وسط آسيا؟

الحياة

 

 

تسوية ما بعد الحراك/ حسام عيتاني

تقتضي بداية الحل في سورية تليين مواقف حلفاء نظام بشار الأسد وتفكيك التحالفات التي نسجها ومنها علاقته الوثيقة بـ»حزب الله» وعدد من القوى اللبنانية. إبعاد الأسد عن السلطة في إطار مرحلة انتقالية يتطلب طمأنة الحزب إلى أنه لن يكون الهدف المقبل على أي جدول أعمال أميركي أو خليجي. عنوان الطمأنينة المقترحة هو سليمان فرنجية.

الصديق الشخصي لبشار الأسد والمؤيد الدائم لـ «حزب الله»، قد يكون المدخل الذي يمهد لنأي حقيقي بلبنان عن الأتون السوري. سليمان فرنجية لن يخرج من محور الممانعة لكنه سيمنع انهيار لبنان عندما تحل ساعة التسوية الكبرى في سورية. هكذا تبرر أوساط المروجين لترشيح الزعيم الماروني الرابع اندفاع بعض أشد خصومه لتسويقه على رغم خطر تفكك الجبهات التي جمعتهم بمسيحيي 14 آذار.

سيتم تجاوز المعارضة المسيحية من خلال تسريع مشاريع استخراج النفط والغاز وتوزيع الرشى المناسبة على المعترضين. ستموّل الثروة الدفينة «المصالحة» المقبلة على الطريقة اللبنانية: تقاسم جديد للسلطة مرتكز إلى أنصبة سخية من الغنيمة الاقتصادية. ستنقل هذه المصالحة النظام اللبناني في الشكل إلى طور أعلى من إمساك «البيوتات» السياسية بالثروة الوطنية، خصوصاً أن المال السياسي الذي كان يأتي إلى لبنان لتمويل التيارات والأحزاب المختلفة قد توقف. وقد أبلغت جهات خارجية أنصارها في لبنان أن توقف التمويل سيطول وأن استئنافه ليس ظاهراً في الأفق بسبب الحروب المتعددة في المنطقة، المتزامنة مع التراجع الكبير في أسعار النفط، المورد الأول للممولين في إيران والخليج.

وفي الوقت الذي تشعر الطبقة السياسية ببدايات التململ الشعبي جراء انقطاع المال السياسي، يمثل النفط والغاز البحريان بديلاً مناسباً لعودة تدفق المال إلى صناديق القوى الطائفية، وبالتالي لإعادة التغذية إلى المؤسسات الموازية لمؤسسات الدولة والتي تتيح ديمومة النظام الطائفي، خصوصاً بعدما أظهر الحراك المدني في الشهور القليلة الماضية صعوبة فرض المزيد من الأعباء على المواطنين المكتوين أصلاً بنار أزمة اقتصادية خانقة.

الشرط الأول لتحقق هذا المشروع هو ملء الفراغ في رئاسة الجمهورية بما يحمي مصالح جميع الزعامات الفاعلة ويضمن استمرارها في اللعبة في شكل صريح سواء من خلال مشاركتها المباشرة في السلطة المقبلة أو من خلال تغذية نهمها إلى المال وترك المجال مفتوحاً أمام طموحاتها السياسية.

يقلل أصحاب هذا السيناريو الوردي من خطر اعتراضات قوى مسيحية وازنة مثل «القوات اللبنانية» وحزب الكتائب على رئاسة سليمان فرنجية للجمهورية اللبنانية، ويراهنون على إمكان الوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف، ما زال قيد الصوغ والتعديل لضبط الحصص الملائمة من الكعكتين السياسية والمالية.

يمهد الكلام أعلاه لعودة إلى التأمل في الحدود التي تبلغها أفكار المواطنة والمساواة والعدالة الاجتماعية والمجتمع المدني في بلد تقبض على مقدراته قوى لا تتورع عن التكشير عن أنيابها ما أن تشم رائحة الطريدة. ويستدعي كذلك أسئلة عن أسباب فشل الحراك المدني الذي أطلقته أزمة النفايات (التي لم تجد حلاً لها بعد مرور أربعة أشهر ونيف على بدايتها). هل كان من المفترض التمسك بسقف سياسي عالٍ للحراك والإصرار على مواجهة القوى الطائفية المُمثلة في السلطة، مهما كان الثمن؟ المؤكد أن فشل الحراك في العثور على روحه السياسية أدى إلى بعث روح النظام الطائفي.

ثمة الكثير من الأسئلة التي قد لا يعني طرحها اليوم الشيء الكثير بعدما استعادت الطوائف زمام المبادرة وكشفت عن أحجام مختلف اللاعبين على الساحة السياسية. هذا زمن ما بعد الحراك.

الحياة

 

 

 

 

الحكم الانتقالي في سورية … ولبنان/ وليد شقير

يقتضي التدقيق في المناخ الإقليمي والدولي الذي يحيط بحمأة الاتصالات الجارية بين الفرقاء اللبنانيين المختلفين، والتي رفعت الآمال باحتمال اتفاقهم على إنهاء الشغور الرئاسي الذي يؤذن، كما يقول عدد من الأقطاب، بأن تتكرر تجربة إنتاج رئيس من صناعة لبنانية، باختيار سليمان فرنجية الحفيد مثلما تم انتخاب سليمان فرنجية الجد عام 1970، نتيجة تصويت لبناني على ترجيحه بصوت واحد، خلافاً لسائر الرؤساء الذين جاء اختيارهم بتسويات دولية أو إقليمية.

ومع أن بعض قارئي التاريخ يعتبرون أن التأثير الخارجي في ترجيح فرنجية الجد لم يكن معدوماً، وينسبون ترجيح أصوات الزعيم الراحل كمال جنبلاط له، بسبب تدخل سوفياتي معه كي يفعل ذلك في ذلك الحين، فإن ذلك لا يمنع القول إن جنبلاط الابن، وليد، قد يلعب الدور نفسه هذه المرة أيضاً، نتيجة دعم أميركي لهذا الخيار، مع أن لقرار زعيم تيار «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري «الانقلاب» على الخصومة مع الفريق الذي ينتمي إليه فرنجية الحفيد، الدور الأساس في جعل التسوية على الرئاسة ممكنة. ولعلّ هذا ما يعطي التسوية المفترضة بعداً خارجياً أيضاً، مهما كان القرار في شأنها محلياً.

ولطالما ارتبط الشغور الرئاسي اللبناني بمجريات الأزمة السورية وحاجة حلفاء بشار الأسد، لا سيما «حزب الله» وإيران، الى الإمساك بورقة الرئاسة، إلى أن يحين وقت الإفراج عنها بما يضمن قيام سلطة تضمن «عدم طعن الحزب في الظهر» (التعبير الذي ردده قادته في سردهم مواصفات الرئيس) أثناء قتاله في سورية. والاعتقاد السائد طوال فترة السنة ونصف السنة من الشغور، أن تأييد الحزب وإيران ترشيح العماد ميشال عون كان يهدف الى إدامة الشغور، إذا كانت حظوظه متدنية، وأن البديل هو فرنجية، وأن أي توافق على الرئيس اللبناني يحتاج الى تفاهم إيراني- سعودي بقي متعذراً الى الآن، نظراً الى استمرار التباعد وتصاعد الصراع بين القوتين الإقليميتين.

ما الذي تغير حتى توافِق طهران على إنهاء الشغور ومعها «حزب الله»، وحتى تبارك السعودية خيار الحريري دعم فرنجية كمرشح حليف للحزب؟ لا يختلف اثنان على أن إيران فقدت الكثير من نفوذها في سورية مع التدخل الروسي العسكري المباشر في الحرب فيها، ومع سعي موسكو الى الحل السياسي في سورية بالاشتراك مع الولايات المتحدة ودول الغرب والدول النافذة في الإقليم، وأنه سيأتي الوقت الذي يتطلب انسحابها الى قاعدتها الخلفية في لبنان، الذي تحرص على استمرار نفوذها فيه كورقة تصبح بلا فائدة إذا انهار البلد نتيجة استمرار تفاعلات الشغور الرئاسي على سائر المؤسسات اللبنانية الدستورية، فتسهِّل الفوضى وضع الحزب بين سندان التطرف الإسلامي الذي سيملأ الفراغ الذي يتركه إضعاف الزعامة السنية المعتدلة، ومطرقة إسرائيل التي قد تتحين فرصة مواتية لحرب لا يتمتع خلالها الحزب بالغطاء الشرعي.

ويمكن اختصار هذه الوضعية الإيرانية بالقول إنها أفقدتها القوة المطلقة التي تسمح لها بالفيتو في سورية وفي لبنان، بحيث تسعى الى التعويض عبر المجيء برئيس يطمئنها بتحالفه مع الحزب إزاء تراجع دورها في سورية، وغموض الموقف الروسي حيال بقاء الأسد في المرحلة الانتقالية التي يجري الإعداد لها، إذا نجحت جهود العملية السياسية. ويشكل دور إيران في لبنان أحد ميادين التكيف مع المرحلة الانتقالية هذه، بقدر ما استطاعت موسكو ومعها الدول الغربية أن ترمي الكرة في الملعب السعودي كي ينجح في توحيد المعارضة السورية لتأهيلها كي تشارك في هذه المرحلة الانتقالية.

والأرجح أن للرياض أسلوبها في التكيف مع المرحلة الانتقالية في لبنان أيضاً. ويمكن القول إن تفضيلها التعاطي مع رئيس لبناني سوري الهوى (عربي) مثل فرنجية أفضل من رئيس يُنظر إليه على أن الوجه الإيراني لتحالفاته غالب على الأوجه الأخرى، أو مع رئيس يمكن توقع ما يمكن أن يكون عليه سلوكه (Predictable) مقارنة مع رئيس مثل عون (Unpredictable). هذا فضلاً عن أن الهوى السوري لفرنجية قابل لأن يتغير إذا صدقت التوقعات بأن حكم المرحلة الانتقالية في سورية سيطيح الأسد، سواء في بدايتها أم في نهايتها…

الحياة

 

 

 

ما الذي يجعل “حزب الله ” يلوذ بالصمت حيال تطور مفاجئ بحجم ترئيس فرنجية؟/ ابراهيم بيرم

قبل ايام سئل احد رموز “حزب الله” في مجلس خاص: الى متى ستظلون تعتصمون بالصمت المطبق حيال تطور سياسي صادم بحجم تسمية رئيس “تيار المردة” النائب سليمان فرنجية رئيسا عتيدا ، وهو تطور يحتاج منكم كما من سواكم كلاما كثيرا مباحا؟ فكان رده مقتضبا: “نحن ندير معركة سياسية وأحد اسلحتنا الاستعانة بالكتمان والصمت”.

هذه الاجابة على كثافتها تختزل في طياتها بالنسبة الى العالمين ببواطن الحزب امرا اساسيا جوهره ان الحزب مربك من جهة ومتوجس من جهة اخرى وينتظر توالي المزيد من المؤشرات وانكشاف المزيد من المخبوء من جهة ثالثة.

الارباك يتأتى من ان الحزب سيكون في لحظة ما مضطرا الى المفاضلة بين حليفين موثوق بهما، واي حسم في اي اتجاه له تبعاته واثمانه.

والتوجس مصدره ان العرض الذي قدمه الرئيس سعد الحريري من ألفه الى يائه شكل مفاجأة وصدمة له كما لسواه من كل مكونات المشهد السياسي اللبناني. وعليه كان الحزب مضطرا ايضا الى الذهاب في رحلة تقص عاجلة وحاسمة ليعرف ما اذا كان العرض برمته صفقة مدخلها الرئيسي انتخابات رئاسية لتترك بعدها الامور بكل تفاصيلها وشياطينها الى مرحلة لاحقة، ام انه معبر الى تسوية كاملة متكاملة يتم التفاهم عليها استهلالا قبل ولوج عتبة مقر مجلس النواب لتدور صندوقة الاقتراع دورتها على ترسيم الحدود وعلى كل ما يلي هذه العملية من شروط تأليف الحكومة الجديدة الى توزيع المراكز القيادية وشكل قانون الانتخاب ، وبين هذا وذاك مسألة الثلث المعطل ومضامين البيان الوزاري وما يمكن ان يفرض على الرئيس العتيد من شروط مسبقة خصوصا ان هناك كلاما على 13 نقطة رئيسية.

ومن منطلق هذه الاشكاليات والقضايا يصدق اطلاق الحزب لمصطلح المعركة على الحدث المستجد وسبل مقاربته والتعامل معه. في الكواليس المحيطة بالحزب اكثر من رواية وواقعة يتم تداولها عن صلة قيادة الحزب بالحدث مبتدأ وخبرا اي مذ كان جنين الهمس في الكواليس الى ان صار عرضا من لحم ودم وتبين انه يحظى بقوة دعم خارجية لا ريب فيها وحولها، وصار يتعين على كل الاطراف البحث لا عن سبل الاعتراض عليه واسقاطه بل عن كيفية التكيف معه والخضوع لمشيئته كونه وضع لينفذ وليس قابلا للرد.

وعليه يقال في الكواليس ان المرشح للرئاسة الاولى النائب فرنجية ومنذ ان اتاه نبأ العرض، بادر على الفور الى زيارة دمشق التي ما انقطع عن زيارتها عارضا الموضوع برمته مع الرئيس السوري بشار الاسد. وبعد تقليب الامر على كل اوجهه كان الرد الحاسم للاسد: “انا اثق تماما كما تعلم بالسيد نصرالله. عليك مراجعته والتفاهم معه بعد مراجعة العماد عون”. وهنا تتباين المعلومات، فثمة من يؤكد ان فرنجية قابل على الفور السيد نصرالله عارضا الامر من كل جوانبه، فكان رد نصرالله مركزا على الآتي:

– انت حليفنا التاريخي الذي لا يرقى الشك الى وطنيته وقوميته وقد خضنا معا اقصى المعارك.

– انا لدي توجسات من العرض توقيتا ومضمونا واتمنى عليك التريث والتفكير مليا.

– ان مرشحنا المعلن الذي لا يمكن التخلي عنه هو العماد عون او من يسميه هو.

ولكن ثمة من لايجزم في حصول هذا اللقاء ويتحدث عن موفد للنائب فرنجية الى قيادة الحزب وحمل الرد. ومما يزيد الالتباس هو صمت الحزب عن نبأ اللقاء لقطع الشك باليقين.

المهم انه بعد ذلك ذهب فرنجية الى باريس واجتمع مع الرئيس سعد الحريري في اللقاء الشهير الذي صار لاحقا علامة فارقة في المشهد السياسي اللبناني ومنطلقا لمرحلة جديدة بمواصفات مختلفة تماما عما سبقها، خصوصا ان فصولها ما فتئت تتوالى ونتائجها ما برحت تتداعى حتى الساعة والى فترة بعيدة لا سيما ان الحريري ابلغ ضيفه بانه مرشحه الرسمي للرئاسة الاولى وان على كل منهما مهمة تسويق هذا العرض.

اما السيد نصرالله فذهب الى موقف آخر اذ اطل في مناسبة دينية ليعلن للمرة الاولى عن عرض ثلاثي البعد جديده اللافت انه تحت سقف اتفاق الطائف.

ومهما يكن من امر فالتطورات المتسارعة منذ نحو عشرة ايام واصرار فرنجية على انه مرشح جدي وانه جائزة اعطيت لقوى 8 آذار وان انتخابه فرصة نادرة للاستقرار وعدم انتخابه معبر محتمل للفوضى، لذا فهو ماض قدما في التعامل ايجابا مع العرض الذي اتاه على حين غرة. وفي مقابل عدم تقبل العماد عون لهذا العرض حتى الان فان “حزب الله” في وضع لا يحسد عليه ولا يتيح له اخذ قرار عاجل.لذا فهو على ما يبدو ولج مرحلة ترقب وانتظار من عناوينها العريضة :

– المبادرة الى الكشف سريعا بعد سريان العرض عن مضمون رسالة بعث بها نصرالله الى العماد عون فحواها: نحن واياك في موقف واحد ولسنا في حل من التزامنا المعلن تجاهك.

– لا تنتظروا ان نكون في وقت من الاوقات في موقع الضاغط على العماد عون للقبول بالعرض، فهو المخول اخذ القرار وفق حسابات ونحن ملتزمون هذا القرار.

– الحزب على دراية بالمعلومات التي تقول ان هناك محاولات تبذل من اكثر من جهة مع العماد عون لتغيير موقفه او التأثير عليه، وان في بعضها اغراءات كمثل القول انه لن يكون رئيسا بل سيكون بمثابة الحاكم مع سلة اغراءات تصل الى حد تحديد الحصص التي سينالها بدءا من قيادة الجيش الى حاكمية المصرف المركزي الى سواها.

– لم يعد خافيا ان هاجس الحزب الاساسي هو: هل ما يعرض هو صفقة عبر بوابة ترئيس احد ابرز حلفائه، ام هو التفاف على سلة الحل المتكاملة التي سبق وقدمها السيد نصرالله؟

– من البديهي ان الحزب يراقب عن كثب عمليات التواصل المكثفة التي يجريها فرنجية مع حليفه “التيار الوطني الحر” والتي كانت فاتحتها اللقاء بينه وبين الوزير جبران باسيل وزيارة التعزية التي قام بها الى الرابية والتي كسرت الحواجز امام لقاء مرتقب بين القطبين قريبا لوضع الامور على بساط احمدي، وهي كلها تطورات يمكن البناء عليها، ومن البديهي انه سيكون للحزب مشاوراته مع حلفائه.

النهار

 

 

صمت «حزب الله» أمام ترشيح فرنجية/ خالد الدخيل

ترشيح رئيس تيار «المستقبل»، سعد الحريري، غير المعلن بعد، للنائب سليمان فرنجية له دلالاته اللبنانية. وله دلالته الإقليمية أيضاً. يتكامل هذا الترشيح مع حقيقة أن حكم عائلة الأسد في سورية يقترب من نهايته. لا أحد يعرف كيف ومتى سيتم ذلك. لكن الإجماع الإقليمي والدولي، وقبل ذلك المحلي، لا يدع مجالاً للشك بأن حكم الأسد لم يعد جزءاً من مستقبل المنطقة. وصول فرنجية للرئاسة في هذه الحالة يصب في مصلحة لبنان وبالتالي ينبغي أن يكون في مصلحة 14 و8 آذار. الفراغ السياسي في لبنان في مرحلة انتقالية مضطربة مثل هذه ينطوي على مخاطر كبيرة بالنسبة إلى لبنان. هكذا تبدو الصورة بالنسبة إلى مسؤول لبناني رفيع، ووثيق الصلة بالحراك الذي يجري في إطار عملية الترشيح التي فاجأت الجميع.

السؤال المحير بالنسبة إلى ميشال عون وأنصاره: لماذا النائب سليمان فرنجية تحديداً وليس الجنرال؟ كلاهما حليف لـ «حزب الله»، الذراع الإيرانية في الشام. فرنجية أقرب إلى الرئيس السوري بشار الأسد من الجنرال عون. الأخير كان العدو الأول للوجود السوري في لبنان، وكان خصماً عنيداً لـ «حزب الله». على العكس من ذلك، كان ولا يزال فرنجية يرتبط وعائلته بعلاقة حميمة مع عائلة الأسد منذ أيام جده الرئيس الراحل سليمان فرنجية. المفترض والحال كذلك من زاوية 14 آذار، ومن الزاوية الإقليمية أيضاً، أن يكون حظ الجنرال في الرئاسة أرجح من حظ النائب فرنجية. كتلته النيابية الكبيرة، وخلفيته السياسية الصلبة في مناهضة السوريين و»حزب الله»، وما يتمتع به من قاعدة مسيحية عريضة، تجعله كذلك. لكن شخصية الجنرال ومزاجه الحاد، معطوفاً على مسار الأحداث في المنطقة، كما في لبنان، وتحديداً مستقبل الأسد الذي يتجه لأن يكون خلفه وخلف المنطقة، يفرض كما يبدو عكس ذلك. من هنا تتعارض مفاعيل الخلفية السياسية لكل من الرجلين مع حظه في الاقتراب من القصر الرئاسي. في هذا السياق يبدو الجنرال حتى الآن الأقل حظاً في السباق الرئاسي الذي كرس حياته السياسية له منذ عودته من منفاه الباريسي عام 2005.

في المقابل يبدو سليمان فرنجية بتمثيله النيابي المحدود، وبتاريخه السياسي الذي ارتبط بعائلة الأسد، واعتمد عليها من دون انقطاع، الأكثر حظاً لأن يخلف جده أخيراً، ولو بعد حين. هذه مفارقة. والعامل الأهم فيها ليس الفارق في شخصية الرجلين وحسب، وإنما بطبيعة اللعبة السياسية اللبنانية وبحيثية فرنجية فيها، ثم بالمآل الذي يتجه إليه التاريخ السياسي لعائلة الأسد. اللافت هنا أن وصول الجد لمقعد الرئاسة كان في بداية حكم حافظ الأسد وعائلته في سورية، وأن وصول الحفيد للمقعد نفسه، إذا ما قدر له أن يصل، سيكون في اللحظة التي يدخل فيها حكم الأسد عتمة الغروب ويوغل فيها.

كان ميشال عون (هل لا يزال؟) يعوّل على التحالف مع «حزب الله» في التمهيد لوصوله للرئاسة. ومبرره أن تضافر القاعدة المسيحية الواسعة التي يتمتع بها، مع سلاح الحزب وما يتمتع به أيضاً من قاعدة شيعية واسعة، وعلاقة قوية مع سورية، ترجح ذلك. لكن يبدو أن وصول الجنرال للرئاسة ليس هدفاً مشتركاً بالقناعة والقوة نفسها لدى الطرف الآخر في التحالف. أولوية «حزب الله» في هذا التحالف هي استثمار شعبية الجنرال المسيحية لتأمين غطاء مسيحي لدور الحزب محلياً وإقليمياً. وقد نجح في ذلك، خصوصاً لناحية تغطية دوره في القتال في سورية. الغريب أن الجنرال لم يأبه أنه لم يحصل في المقابل على أي مكسب سياسي يقترب في حجمه مما حققه «حزب الله». يكتشف الجنرال أن ما عوّل عليه من التحالف مع الحزب قابل لأن يتبخر بسرعة لافتة. هل أن موقف «حزب الله» بأن مرشحه الوحيد للرئاسة هو ميشال عون نهائي؟ إذا كان الأمر كذلك فلماذا يلتزم الصمت لأسابيع الآن حيال ما يبدو أنه ترشيح جاد للنائب فرنجية من قبل الحريري؟ هل يعتبره فخاً له؟ ربما أن لجوء الحزب لصمت مطبق يعبر عن حالة ارتباك، أو انتظار أن ينقذه عون أو فرنجية من دون أن يعلن موقفاً قبل ذلك. لكن الحقيقة بحسب مصدر رفيع وعلى معرفة بمجريات الحراك المحيط بهذا الترشيح أن سليمان فرنجية توصل إلى تفاهم مع قيادة الحزب بأن يعلن الحزب موافقته على ترشيحه للرئاسة في حال أعلن سعد الحريري هذا الترشيح على الملأ.

ربما أن دافع الحزب في هذا التفاهم قناعته بأن حظوظ ترشيح فرنجية أقل مما تبدو عليه، وبالتالي لن يخسر شيئاً من وراء تفاهم غير معلن. لكن ربما أن الحزب لا يزال يساوره قلق من النزعة الاستقلالية للجنرال، وأنها نزعة قد تبرز بعد وصوله إلى قصر الرئاسة. ومن ثم فالتفاهم مع فرنجية هو بمثابة بديل آخر للحظة الأخيرة. ويبقى من ناحية ثالثة احتمال أن الحزب في الحقيقة يفضل في الظروف الحالية عون في قصر بعبدا على فرنجية. فعون أقرب إلى إيران من خلال الحزب منه للأسد، وهو يعتمد في دوره اللبناني على طهران أكثر مما يعتمد على الأسد. وبما أن حقبة الأسد تقترب من نهايتها، فمن الأفضل بالنسبة إلى الحزب أن يكون حليف طهران هو من ينبغي أن يكون في قصر بعبدا، وليس حليف الأسد فرنجية. من هذه الزاوية يشير المصدر اللبناني الرفيع إلى احتمال أن تصل معارضة سمير جعجع لترشيح فرنجية بأن يتخلى عن ترشيح نفسه، وأن يعلن ترشيحه للجنرال عون نكاية بسعد الحريري. وإذا ما حصل هذا فإنه سيتسبب بإحراج كبير لـ «حزب الله» بين تأييده المعلن لترشيح عون، وتفاهمه غير المعلن مع فرنجية. ماذا سيفعل الحزب في هذه الحالة؟ هل ينقلب على عون ويتمسك بترشيح فرنجية؟ أم يضطر إلى الثبات على موقفه، ويعلن تأييده لـ «القوات» وزعيمها الذي يعتبره من ألد أعدائه، وأنه في يوم ما كان على اتصال بإسرائيل؟ في كل الأحوال سيكون لموقف الحزب دلالته: إما أن يؤكد عمق انخراطه في المشروع الإيراني، أو ينحاز للبنان والشام مؤكداً استقلاله عن هذا المشروع.

* أكاديمي وكاتب سعودي

الحياة

 

 

 

المغامرة مع سليمان فرنجية/ الياس حرفوش

ترشيح النائب والوزير السابق سليمان فرنجية للرئاسة في لبنان من قبل الرئيس سعد الحريري، يقلب المشهد السياسي في هذا البلد رأساً على عقب. فرنجية، لسان حال القيادة السورية وكاتم أسرارها، وصاحب الحظ في الاتصال المباشر مع الرئيس بشار الأسد، حيث لا ينافسه على هذه العلاقة الوثيقة سوى السيد حسن نصرالله. فرنجية هو مرشح رئيس تيار «المستقبل»، ونجل الرئيس الراحل رفيق الحريري، الذي كان فرنجية وزيراً للداخلية وقت اغتياله. هذا الاغتيال الذي دفع أنصار الحريري إلى التحالف ضمن فريق 14 آذار، الذي كان له (ذات يوم) عنوانان كبيران: استعادة السيادة (بعد نهاية الوصاية السورية) وتحقيق العدالة (من خلال ملاحقة المتهمين بالاغتيال وبينهم قادة في «حزب الله»).

في أحلك الأحلام لم يكن رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع، أو حليفه اللدود العماد ميشال عون، يتخيلان مثل هذا المشهد المرعب. كيف يمكن أن تنقلب التحالفات على هذه الصورة بين عشية وضحاها؟ وأين يمكن أن يمر انقلاب بهذا الحجم، ويتيسر تسويقه للمواطنين الغائبين عن الوعي، سوى في بلد مثل لبنان؟

لا مبالغة في القول، إن ترشيح فرنجية، إذا سار إلى النهايات التي يأمل بها الزعيم الماروني الشمالي، سوف يعيد لبنان إلى ما قبل عشر سنوات، أي إلى ما قبل اغتيال الحريري. هذا يعني أن دفاتر 8 و14 آذار وملفاتهما والمشاريع التي بنيا عليها تحالفاتهما سوف تغلق إلى الأبد. ما بين فرنجية وعون اليوم من شقاق هو أوسع بكثير مما بين فرنجية والحريري. كذلك الحال بين سعد الحريري وسمير جعجع. الكل يراجع حساباته ويستغرب هذا «الطعن في الظهر»، الذي يبدو أنه بات شعار «التحالفات» في هذه المنطقة المضطربة. لكن الذين يستغربون، من هنا وهناك، ينسون أنهم في لبنان. وفي لبنان، حيث لا يحاسب أحد أحداً، تجوز كل المحرّمات.

في زمن غياب الحسابات، يصير ممكناً أن تسقط الدعوات إلى انتخاب «رئيس توافقي»، أي لا مع هذا الفريق ولا مع ذاك، بحيث لا يشعر أي من الفريقين أنه انتصر على الآخر. بسبب هذه الحجة تعطلت الانتخابات وبقي المقعد الرئاسي شاغراً لأكثر من سنة ونصف. ما الذي تغير الآن ليتحول المطالبون بالرئيس التوافقي إلى الدعوة إلى «رئيس تسوية»، على ما قال النائب وليد جنبلاط؟ وكيف يمكن تعريف «رئيس التسوية»، إلا إذا كان وسطياً، أي قادراً على تسوية الخلافات بين مختلف الأطراف، وليس أحد أطراف الخلاف، على ما هو النائب فرنجية؟

لا يشكو المعارضون المسيحيون لترشيح فرنجية فقط من عدم وسطية الرجل. شكواهم الأخرى، وربما الأهم، أن ضمانة فرنجية للسيادة ليست مضمونة، بسبب علاقته الوثيقة برأس النظام السوري. وطالما أن بشار الأسد في قصر المهاجرين، وطالما أن إبعاده عن السلطة لم يعد يحتل الأولوية في نظر الحكومات الغربية، الغارقة في همّ مواجهة «داعش»، فإن وصول سليمان فرنجية إلى قصر بعبدا، في نظر المعارضين، يشكل مغامرة كبيرة، أين منها رئاسة اميل لحود وما رافقها وتبعها… لولا أن ضعف الذاكرة يساعد على النسيان!

غير أن مشكلة المعارضة المسيحية مع هذا الطرح هي أن فرنجية هو أحد الأقطاب الموارنة الأربعة الذين صار التوافق بينهم على القبول بأي منهم رئيساً، إذا استطاع الحصول على توافق وطني. لا سيما أن فرنجية لم ينكر يوماً علاقته الوثيقة بالرئيس السوري، ولا انتماءه إلى ما يسميه دائماً «الخط»، أي خط 8 آذار، والتحالف مع دمشق و»حزب الله».

من هنا لا يحق للقادة المسيحيين أن يوجهوا اللوم إلى سعد الحريري إذا أعلن ترشيح سليمان فرنجية. فبصرف النظر عن الانقلاب على المواقف والتحالفات الذي أشرنا إليه، والذي سيؤدي إلى دفن 14 آذار، لكن هذا الترشيح لا يتجاوز التوافق الماروني على الأقطاب الأربعة. فالذين وضعوا لائحة الترشيحات تلك، ومن بينها اسم فرنجية، هم الذين يتحملون مسؤولية الاختيار الذي يشكون منه اليوم.

من المفارقات اللبنانية أن «حزب الله»، الملتزم بدعم ميشال عون، قد يكون الجهة الوحيدة القادرة على إنقاذ مسيحيي 14 آذار (أو من بقي منهم)، من المغامرة مع سليمان فرنجية!

 

 

 

 

جنبلاط والحريري:آخر المعاصي/ ساطع نور الدين

المعصية السياسية التي ارتكبها النائب وليد جنبلاط ومعه الرئيس سعد الحريري، وخلفهما الرئيس نبيه بري، لا تحتمل المغفرة، ولا تسمح بالتوبة، ولا توفر لاي منهم فرص اعلان الندم. لعلها ستكون ذروة المعاصي وخاتمتها المأساوية.

اختيار النائب سليمان فرنجية ليس ملهاة، مع انه يتسم ببعض من هذه الصفة، ولن يكون مخرجاً من أي مأزق، دستوري او سياسي. الاصح انه سيكون مدخلا لطور جديد من الازمة اللبنانية المعطوفة منذ العام 1976 ، على اختبارات القوة والسلطة السورية. الاختيار هو بالحد الادنى استدعاء جديد لسوريا النظام والمعارضة على حد سواء للدخول الى لبنان بشكل مختلف عن أي وقت مضى.

هذه المرة الاستدعاء يرتكز الى عناصر الازمة السورية اكثر مما يندفع للبحث عن حلول للازمة اللبنانية. مع الحفيد، التاريخ سيعيد نفسه، وسيكون لبنان امام معضلة مشابهة لتلك التي انتجها الجد الرئيس الراحل سليمان فرنجية، عندما دعا الرئيس حافظ الاسد الى ردع الخصوم اللبنانيين والفلسطينيين. وتحول الردع الى إقامة مديدة، والى أزمة بديلة.

ما يفعله جنبلاط، ومعه الحريري وبري، هو إعلان الانخراط الابرز والاخطر بالحرب السورية. ومن الان فصاعدا سيصبح إلتحاق حزب الله المشين في تلك الحرب مجرد تفصيل صغير، جميلٍ يرد خلف الحدود اللبنانية، بالمقارنة مع خطوط التماس التي ستنفتح في الشوارع اللبنانية، وينضم اليها سوريون موالون ومعارضون، بطريقة اسوأ بكثير من ذلك الظهور المسلح لمقاتلي جبهة النصرة في عرسال، الذي ارتعب منه اللبنانيون جميعا، وأدركوا ان كل أحلام الانفصال او الابتعاد عن الحرب السورية ضاعت سدى.

اختيار فرنجية هو بهذا المعنى تجديد للشعار القديم، المدمر للكيان اللبناني ولاستقراره المنشود دائماً: وحدة المسار والمصير ستكون فعلاً لا قولاً، وبشكل دموي، ينحي جانباً الصراع السوري الافتراضي مع العدو الاسرائيلي، ليعلن اندماج لبنان الكامل بالحرب الاهلية السورية، لا سيما عندما يعلن الرئيس المختار انحيازه العملي الكامل مع النظام وانضمامه الى معركته، وعندما يتنبه المعارضون السوريون، وعلى رأسهم داعش والنصرة تحديدا الى هوية الرئيس اللبناني الجديد وهواه وسياسته، والى الجبهة الجديدة التي فتحت للحرب معهم..او عندما يلاحظوا ان النظام في دمشق حقق في المحافظة اللبنانية مكسباً سياسياً وأمنياً مهماً، يعادل إسترداد ريف حلب الجنوبي او ربما يفوقه.

عندها لن تكون جبهة بيروت نفسها مختلفة عن جبهات حلب او حمص او حماه، وستدخل العاصمة اللبنانية بنداً على جدول أعمال اي مفاوضات سورية – سورية، ولن يكون من المستبعد في وقت لاحق ان يجلس لبنانيون، موالون ومعارضون، على طرفي تلك الطاولة السورية للبحث في شروط وقف اطلاق النار واعادة توزيع السلطة بين ابناء الشعب الواحد المقيم في دولتين!

ليس لمعصية اختيار فرنجية من حصيلة اخرى. الاحتفالات التي ستنظم في دمشق بانتخابه ستكون بلا ادنى شك أكبر وأهم من تلك التي ستجري في بيروت او حتى في زغرتا. اما التعهد الذي يقال ان جنبلاط والحريري حصلا عليه بالا تكون زيارة الرئيس فرنجية الاولى الى العاصمة السورية، فانها يمكن ان تكون الزيارة الثانية او الثالثة، او يرجح ان تستبدل باستقبال ضيف سوري ممنوع من السفر الى الخارج، في قصر بعبدا. وقد وجهت الدعوة بشكل غير رسمي بالفعل قبل ايام.

المعصية كبيرة جدا، والمخاطرة أكبر. ولا تقف في وجهها اليوم سوى قوتين مسيحيتين كبريين تحفزهما دوافع شخصية بحتة، ولا يعطلها سوى احتمال إنكشاف تلك الخدعة الرائجة عن ان اختيار فرنجية تم بناء على كلمة سر اميركية فرنسية فاتيكانية سعودية..وهو ما لم يثبت حتى الان باي دليل ملموس، عدا عن ان تلك الدول ما زالت تتجاهل لبنان وتزدري ياسييه الذين أدمنوا على ارتكاب المعاصي.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى