صفحات العالم

مقالان تناولا خطة دي ميستورا لحل الأزمة السورية

 

 

خطة دي ميستورا العرجاء!/ هشام منوّر

لا يألو المبعوث الأممي إلى سوريا سيتفان دي ميستورا جهدا في تسويق خطط ومبادرات جديدة كل يوم بخصوص إيجاد حل «سياسي» في سوريا، لكن الواقع يشير أن محاولاته دائماً تبوء بالفشل على الرغم من تبني مجلس الأمن الأخير لخطته رباعية الأركان وبالإجماع.

التحركات السياسية الأخيرة التي قامت بها روسيا مع السعودية ودول الخليج وإيران لم تجدِ نفعاً. أُغلقت من جديد «النافذة الصغيرة» في إيجاد حل سياسي ، في حين لم تلقَ الخطة الإيرانية «المعدّلة» أي آذان صاغية لدى الدول الفاعلة في الملف السوري. يأتي ذلك، مع استمرار المبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، بمتابعة تلقي أسماء مرشحي النظام والمعارضة للمشاركة مع ممثلين عن منظمات المجتمع المدني في مجموعات العمل الأربع التي تباشر أعمالها منتصف سبتمبر/ أيلول المقبل.

يبدو الموضوع السوري معلّقاً بين نجاح دي ميستورا بالالتفاف على بيان جنيف والسير بخطته التي تبنّتها الأمم المتحدة رسمياً، وبين الحسم العسكري الذي لمّحت إليه السعودية، وتسير فيه تركيا من خلال المنطقة الآمنة التي اصطلح على تسميتها «منطقة خالية من داعش».

فخطة المبعوث الأممي، التي تتضمن مجموعات العمل الأربع (السلامة والحماية، مكافحة الإرهاب، القضايا السياسية والقانونية، وإعادة الإعمار)، والتي تعمل بالتوازي وتضمّ ممثلين عن النظام وممثلين عن المعارضة وممثلين عن منظمات المجتمع المدني، سيكون حسم نتائج قراراتها بيد الأخيرة، أي المنظمات التي سيتم اختيارها من قبل المنظمات السورية المرخّصة من قبل النظام والتابعة له أصلاً. وهو الأمر الذي ينذر بنسف كل بيان جنيف. كما يُستبعد أن تقبل به المعارضة السورية والدول التي تدعمها، ما يرجّح خيار الحسم العسكري الميداني، انطلاقاً من المنطقة الآمنة، شمال سورية.

الائتلاف السوري المعارض أصدر بياناً، باسم هيئته السياسية، قال فيه إن أجوبة فريق دي ميستورا على الأسئلة والتوضيحات التي طرحها أعضاء الائتلاف أثناء لقائهم به، «لم تكن كافية لتبدّد هواجسنا حول مسائل عدة».

ولخّص الائتلاف ملاحظاته على خطة دي ميستورا بطول الفترة الزمنية لمسار العمل المقترح، والتي أشار البيان فيها إلى أنّ النظام السوري سيستفيد من هذا الوقت لتعويم نفسه وتعزيز مكاسبه على الأرض، كما حصل في تجارب سابقة.

مسودة الخطة المقترحة يضيع في طياتها الهدف المنشود من بيان جنيف وقرار مجلس الأمن 2118، وهو الاتفاق على تشكيل هيئة الحكم الانتقالية كاملة الصلاحيات، والمجتمع الدولي لا يزال يتهرّب من مواجهة أساس المشكلة، الذي يكمن في تحقيق الانتقال السياسي الجذري والشامل من دون وجود الأسد وعصابته في المرحلة الانتقالية وما بعدها.

ما يجري حالياً هو محاولة لتشويه إرادة الشعب السوري من خلال الانتقائية في اختيار ممثليه، في الوقت الذي لم يعد فيه هناك من شك في شرعية تمثيل قوى الثورة والمعارضة، كما حدث في مشاورات جنيف في مايو/ أيار الماضي.

والحال أن جميع التحركات التي مرّت في الفترة السابقة باءت بالفشل، لا سيما التقارب السعودي الروسي، الذي أفضى إلى أول تواصل مباشر بين رئيس مكتب الأمن القومي السوري، ممثل النظام، اللواء علي مملوك والمملكة في جدة. والمعارضة المتمثلة بـ»الائتلاف»، قلقة من خطة دي ميستورا، وحتى الآن لم تتخذ القرار في المشاركة بمجموعات عمل دي ميستورا الأربع من عدمها، لكنها قد تجد نفسها مرغمة على المشاركة، وخصوصاً بعد صدور البيان الرئاسي من الأمم المتحدة الذي تبنى خطة المبعوث الأممي.

تسود الشكوك والمخاوف مما يبيّته المبعوث الدولي الذي يسير في ظلال روسيا نحو المعارضة السورية، فدي ميستورا نسف بيان جنيف، ويؤسس الآن لقاعدة جديدة للحل السياسي، وتحقيق مطلب رحيل الأسد ضمن مجموعات العمل الأربع التي تؤسس لمرحلة المفاوضات بات ضئيلاً مع وجود طرف ثالث سيرجّح الكفّة ضمن المجموعات، التي سيقوم باختيارها فريق دي ميستورا من قبل النقابات السورية، والتي تتبع ضمناً للنظام السوري.

يبدو التغيّر اللافت بمساعي روسيا هو ترحيب إيران بخطة دي ميستورا التي تبناها مجلس الأمن. إذ قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الإيرانية، مرضية أفخم، في تصريح نشرته وكالة «إيسنا» للأنباء إنه «يمكن أن نعتبر هذه الخطة الجديدة خطوة للأقطاب الإقليميين والدوليين من أجل تفهّم أفضل للحقيقة ميدانياً وعلى الصعيد السياسي».

في المقابل، أظهر المؤتمر الصحافي بين وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، ونظيره الروسي سيرغي لافروف، حجم الاختلاف بين وجهة نظر البلدين حيال مصير الأسد في مستقبل سوريا. وقد تبيّن تمسك الروس بالدفاع عن النظام ورئيسه بشار الأسد حتى النهاية. وقد ترجم الروس هذا التمسك بتزويد النظام بطائرات متطورة، كرسالة تطمين للنظام على ثبات مواقفهم تجاهه وكدليل على فشلهم بأخذ دور الوسيط في العملية السياسية في سوريا.

وكان الجبير قد أكّد قبل ذهابه إلى موسكو، تمسُّك بلاده بموقفها من المسألة السورية. وطرح رسمياً خياراً عسكرياً لإسقاط الأسد، لكنه أبقى الباب مفتوحاً أمام روسيا، حين أعلن رغبة المملكة في الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية المدنية والعسكرية، مشدداً على أنّ الحل السياسي الوحيد يكمن في العودة إلى مقررات جنيف وإطلاق عملية انتقالية تشمل صياغة دستور جديد وإجراء انتخابات تؤدي إلى حكومة منتخبة «لا تضمّ بشار الأسد».

إعادة فتح شق صغير في نافذة الحل السياسي في سورية سيكون مرتبطاً بالوضع الميداني على الأرض مع المطالبة بتطبيق بيان جنيف، وهذا ما سيعيد الجبهات إلى الاشتعال مرة أخرى بما في ذلك المضيّ قدماً في إقامة المنطقة الآمنة التي تم اتخاذ قرار كامل فيها وستكون تحت شعار «منطقة خالية من تنظيم داعش».، والحال أن الجميع بات يسابق الزمن وتفعيل مجموعات العمل الأربع لفرض رؤيته على هوية الممثلين وطبيعة عمل هذه المجموعات التي اتضح أن دي ميستورا نجح في الالتفاف على مخرجات مؤتمر جنيف من خلال خطة «عرجاء» تلبي طموحات إيران وروسيا، ولا تلبي طموحات اي من الأطراف السورية المعارضة للنظام السوري، وربما… حتى الأسد نفسه الذي سيجد نفسه مهمشاً في الظاهر أمام مؤيديه وأنصاره لصالح مجموعات تعمل في الظاهر مستقلة عن قراره السياسي.

٭ كاتب وباحث فلسطيني

القدس العربي

 

 

 

ينجح دي ميستورا إذا نجح … العبادي؟/ جورج سمعان

إقرار مجلس الأمن خطة المبعوث الدولي إلى سورية ستيفان دي ميستورا تطوي عملياً صفحة بيان جنيف الأول. والممثلون الذين سيشكلون اللجان الأربع في الخطة يقود منطقياً إلى طي صفحة «الائتلاف الوطني». لن يعود له الثقل السياسي الذي كان أو الذي يطمح إليه. النظام سيختار ممثليه. والائتلاف سيختار ممثليه. وسيكون هؤلاء جزءاً من فريق المعارضة الذي سيضم أيضاً مندوبين من «هيئة التنسيق» و«مؤتمر القاهرة». ودي ميستورا سيختار ممثلي تنظيمات المجتمع المدني (التقى 38 منهم!). والنتيجة أن ممثلي أطياف المعارضة مجتمعة لن تكون لهم الغلبة في اللجان. الجميع سيكونون هامشيين. ليس هذا مؤشراً إلى مآل الائتلاف فحسب. المفاوضات التي دارت بين إيران و«أحرار الشام» في تركيا لتسوية قضية الزبداني والفوعة وكفريا (ريف إدلب) كشفت ضعفه. كان يفترض أن يكون وليس العسكر شريكاً أو الطرف الذي يجلس بمواجهة ممثلي طهران. علماً أن «الأحرار» ليسوا الكتلة الأكبر التي تقاتل غرب دمشق. يعني ذلك ببساطة أن المُضيف التركي كان في مواجهة إيران. النظام لم يسلم وحده القياد إلى حليفه التفاوض، المعارضة السياسية أيضاً سلمت كرسيها عن طيب خاطر أو مرغمة إلى الفصيل العسكري الذي ترعاه أنقرة.

هذه الصورة لا تكشف وحدها انتقال القرار السوري إلى الخارج. للمرة الأولى منذ أربع سنوات يبدو جميع المعنيين الإقليميين والدوليين بالأزمة السورية منخرطين في البحث عن تسوية. هذه هي القراءة الحرفية لقرار مجلس الأمن. جميعهم يرون مصلحة في إطلاق قطار «جنيف 3»، مع اختلاف بين جملة المصالح. والتصعيد الذي يشهده مسرح العمليات ترجمة واقعية لرغبة كل طرف في تعزيز مواقعه وكسب مزيد من الأرض، تعزيزاً لموقفه من المفاوضات التي يفترض أن تنطلق بعد تشكيل اللجان الأربع المنصوص عليها في خطة المبعوث الدولي. لكن تركيبة اللجان ومسار التسوية لا يسمحان بهامش للمناورة لطرف دون آخر. لذا لن تكون للأطراف السورية المتصارعة الكلمة الفصل في نتيجة الصفقة وصورتها النهائية. «جنيف 3» سيكون مؤتمراً لالتقاط الصور التذكارية. سيعقد فقط بعد نحو ثلاثة أشهر للتوقيع على ما سيقره المؤتمر الوطني الذي سيكون عليه الموافقة على ما توصلت إليه اللجان في خلال ثلاثة أشهر تبدأ بعد بضعة أيام.

ثمة رغبة خارجية في فرض صيغة الحل. إدارة الرئيس باراك أوباما جددت تكليف روسيا رعاية المسيرة. لم يعد يعنيها الكثير من الساحة الشامية. انتزعت من إيران تجميد البرنامج النووي. وأرغمت دمشق على تسليم ترسانتها الكيماوية. ولم تعد سورية تشكل خطراً أو تحدياً سياسياً أو عسكرياً لمصالح مباشرة للولايات المتحدة. بل ربما كانت هناك مصلحة أميركية في مزيد من تفتيت المشرق العربي، عندها تسهل ولادة النظام الجديد في الإقليم وفرضه على ما يبقى من آثار دول وجيوش ومجتمعات في المنطقة. بل عندها تسهل إعادة رسم الخريطة برمتها.

هذا على الورق، كما يقال، لكن الوقائع على الأرض السورية من التعقيد ما يجعل مهمة المبعوث الدولي شبه مستحيلة. أول التحديات ليست الرغبة الدفينة لكل طرف في إلغاء الآخر وتحقيق انتصار نهائي حاسم، وهو ما سيترجم تشدداً وعناداً. أول التحديات هو أن التسوية ستستغرق وقتاً طويلاً بطول الحرب التي يستدعيها قتال «الدولة الإسلامية» واحتواؤها ثم القضاء عليها. «داعش» والفصائل المتشددة التي تتحسس رأسها بعد كل حديث عن تسوية لن تقف مكتوفة. وهي بدأت التحرك لتحقيق مكاسب جديدة على الأرض، وإعادة تموضع في جبهات ومحاور. ليس هذا التحدي الوحيد. روسيا التي أخذت على عاتقها اقناع إيران بتأييد بيان جنيف، لا تبدو قادرة على انتزاع مثل هذا التأييد. ومرد ذلك أساساً إلى صراع الطرفين على سورية. قد تكون موسكو مستعدة في النهاية للتخلي عن رأس النظام في دمشق ضمن شروط وظروف لا تظهر فيها مظهر الموافق على تغيير القيادة بإرادة خارجية. من هنا تشديدها على أن مستقبل الرئيس بشار الأسد رهن الحوار بين السوريين وحدهم. في حين أن إيران لا تبدي مثل هذا الاستعداد. بل هي تطرح صيغة للحل تنتهي بترسيخ بقاء الرئيس الأسد في ظل حكومة وحدة وطنية تعطي المعارضة مكاسب لا ترقى إلى حدود التغيير البسيط!

موقف إيران النهائي سيتحكم بنتائج الخطة الدولية. والحال أن خصوم طهران يتهمونها اليوم، على وقع ما يجري في الزبداني والغوطتين، بأنها تدفع بمشروع التقسيم قدماً. يستندون إلى الشروط التي ساقتها لوفد «أحرار الشام». تريد دمشق والغوطتين والزبداني والقلمون مناطق صافية للنظام. تجهد لتغيير ديموغرافي يضمن للنظام الاحتفاظ بالعاصمة وبالحدود التي تربطه بلبنان. هذا التغيير اتهمها به خصومه في العراق أيضاً. أخذ أهل السنّة على قوات «الحشد الشعبي» التي تقاتل «داعش» بأنهم يعتمدون، كما القوات السورية النظامية، خطة الأرض المحروقة للسيطرة عليها لاحقاً بعد ترحيل سكانها.

إن انخراط إيران في مثل هذا المشروع في كل بلاد الشام يعني أنها قادرة على ابتلاع جزء من العالم العربي. في المبدأ يصعب أن تتغلب الجمهورية الإسلامية على هذا العالم بهذه البساطة، أو تهيمن وتبسط سيطرتها ونفوذها بلا رادع. فلا الجغرافيا ولا الديموغرافيا ولا القوة العسكرية ولا الكتلة الاقتصادية تتيح لها مثل هذا الطموح، إذا كانت راغبة في ذلك. هذا في منطق موازين القوى التي بين عناصرها أيضاً كتلة العلاقات والمصالح التي تربط العرب بالخارج بعيداً وقريباً، وكفة هذه راجحة لمصلحة العرب. لكن هذا الميزان أصابه كثير من الخلل، من خروج العراق من الحساب، إلى الأزمة الكبرى في سورية والاستعصاء السياسي في لبنان. فضلاً عن سقوط عدد آخر من الدول العربية في حروب أهلية أو ما شابهها.

لا جدال في أن إيران أفادت من هذه الظروف لتمد نفوذها في المشرق العربي وأطراف أخرى في شبه الجزيرة العربية. ساعدها في ذلك ليس قوتها العسكرية أو الاقتصادية بقدر ما ساعدتها التداعيات التي خلفتها «غزوتا نيويورك وواشنطن». جنت ثمار الحروب الاستباقية التي شنتها إدارة جورج بوش الإبن. كسبت في أفغانستان وثأرت من «طالبان». وورثت في العراق ما كان نظام البعث يحرمها منه. وساهم ذلك في تغلغها في سورية التي بات نظامها في السنوات الأربع الأخيرة يعتمد اعتماداً كبيراً على مساعداتها العسكرية والمالية لترسيخ بقائه. واعتمدت على حلفاء ومجموعات وميليشيات تلتقي معها إما في الإيديولوجيا أوالمذهب أوالسياسة. وقد يعطيها الإتفاق النووي دفعة لتجديد حلمها في السيطرة، بعدما كانت العقوبات في السنوات الأخيرة تهدده بالانكماش والضمور… إلا إذا تغلب التيار الإصلاحي على منافسيه رافعي شعار الامبراطورية. لكن السؤال هل يمكن إيران فعلاً أن تمسك ببلدان مشتعلة تستنزف قواها وثرواتها؟ ألا تعتبر من التجربة السوفياتية ليكون الأجدى أن تتماهى مع الموقف الروسي بدل أن تغرد وحيدة؟

إذا اختارت إيران فعلاً تقسيم سورية، ونالت حصة كبرى في صيغة محاصصة على غرار ما في العراق، عليها أن تخوض على الأرض حروباً طاحنة. حملة التغيير الديموغرافي في الزبداني والغوطتين لن تكون كافية. الاحتفاظ بالأراضي التي باتت جزءاً من «الامبراطورية الفارسية» تستدعي إعادة رسم الحدود في بلاد الشام. توفير سهولة التواصل بين هذه الأراضي، من المتوسط إلى حدود أفغانستان، لا يوفره تغيير ديموغرافي يطاول دمشق وريفها وغربها فحسب. إذا تحقق لها ذلك، لا بد لاحقاً من صدام واسع مع «الدولة الإسلامية» في سورية والعراق. لا بد من طردها من تدمر لإعادة فتح الطريق بين دمشق وبغداد عبر معبر البوكمال، ومنه الانطلاق في الصحراء الغربية من ريف حمص إلى الرمادي ومحافظة الأنبار، للإمساك بمنطقة توفر التواصل بين العاصمتين العربيتين. وتوفر التواصل بين الساحل العلوي وملحقاته في حمص وحماه. ولن تكتفي بذلك، يستدعي المشروع ملحقات أولها توسيع التواصل بين الكتلة الشيعية في لبنان والعلوية في الساحل عبر تغيير ديموغرافي قد لا يقتصر على شمال البقاع بل ربما شمل شمال لبنان!

هذا مشروع إمبراطوري ضخم يتنــاسى رافعـــو لوائه حقائق ووقائع. فلا إيران بهذه القدرة وهذا الجبـــروت، لا عسكرياً ولا اقتصادياً. ولا الـعالم العربي رفع الراية البيضاء. هو حاضر في سورية والعراق ولبنان. ولا تركيا غائبة. ولا المجتمع الدولي سيلزم الصمت، هو المتهم بتعميم الفوضى الخلاقة لتفتيت المنطقة وإعادة تشكيلها على قياس مصالحه. وهل يمكن إيران أن تقيم خريطة عجز عنها أصحاب الأفكار من القوميين العرب إلى البعثيين والقوميين السوريين وغيرهم؟ هل تستطيع أن تهضم هذا الخليط من الطوائف والمذاهب والأعراق ومصالحه في المشرق العربي وتروّضه؟

رضخت إيران تحت ضغوط العقوبات والحصار، وقدمت ما يجب أن تقدم لتسوية ملفها النووي. ولو كانت بهذه المقدرة الخيالية لما كانت تخلت عن الحوثيين. ولما تخلت عن نوري المالكي. وهي اليوم تقبض على الجمر في العراق حيث يواجه رجالها قوى لا يستهان بها من المرجعية الشيعية العليا إلى قوى شيعية كثيرة فضلاً عن السنّة و… «داعش». والمحك الآن ليس المسار السياسي في سورية وحدها. المؤشر على موقف إيران وقدرتها ما سيؤول إليه مشروع الإصلاح الذي ينادي به العراقيون ويقوده حيدر العبادي بديلاً من المحاصصة القاتلة. فإذا نجحت في إطاحته لن تكون لها حصة تشارك فيها العرب فحسب، سيعود شبح التقسيم خياراً ثقيلاً على العراق. وهذا ما حذر منه المرجع الأعلى السيد علي السيستاني. وهذا ما نادت به دوائر أميركية. مثل هذا المآل لن يقف عند حدود بلاد الرافدين. سيكون مقدمة لإعادة رسم خريطة المشرق العربي كله. يعني ذلك أن مستقبل خطة دي ميستورا رهن بما يجري في العراق أيضاً حيث «المعركة» الأقرب، وإلا كيف ستنجح الحرب على «داعش»؟

الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى