صفحات سورية

من يخوض معركة الأسد الأخيرة/ رشا لؤي الجندي

 

 

■ يبدأ العالم اليوم بحشد جهوده لإيجاد حلّ للتقدّم العسكري السريع الذي حققته قوات ما يسمى بالدولة الإسلامية، ويحاول النظام السوري الركوب في أحد المقاعد، علّه يستفيد من إبدائه لحسن النيّة مرة أخرى في تجديد روابط الثقة بينه وبين المجتمع الدولي، خصوصاً بعد تنفيذه لتسليم مخزونه الكيماوي.

وكانت لخسارة النظام أمام تنظيم الدولة، آثار سلبية أمام أنصاره في الداخل

وتساؤلات في الخارج، فبدايةً سقطت الفرقة 17 في 25 تموز/يوليو ثم اللواء 93 في عين عيسة 7 أغسطس/اب، تبعها سقوط مطار «الطبقة» العسكري في الرّقة، ذي الأهمية الاستراتيجية بالنسبة للنظام وآخر معاقله في الرقّة في 24 أغسطس، وقد رافقت هذه الانهيارات مجازر بحقّ الجنود المحتجزين قامت بها داعش كإجراء تقليدي لم يعد مستغرباً بالنسبة لأحد.

السؤال هو لماذا تم ترك هؤلاء الجنود بلا دعم أو عملية إخلاء من أي نوع، حيث يبدو أن النظام تخلى عنهم، مما دفع مؤيديه للبدء بهاشتاغ غاضب بعنوان «وينن» طال وزير الدفاع فهد جاسم الفريج، الذي يلومه مؤيدو النظام على المجازر الحاصلة في الرقّة، وعلى الرغم من هذه الحركة والتأكيدات التي تلقاها المؤيدون بمحاسبة الفريج وكل من تسبب بالمجازر، فقد تمت إعادة تعيين الفريج وزيراً للدفاع في حكومة الحلقي الجديدة، لا يمكن وصف لامبالاة

النظام حيال مؤيديه وقتلاه سوى بأنه لا جديد في تجاهل نظام بشار لرأي أو مطالب السوريين بأي شكل. ويبدو أن الحملة تستمر وأن الأصوات تتعالى، خصوصاً بعد إعدام وإذلال تنظيم الدولة لمئتين من الجنود السوريين المعتقلين لديها، وتركهم عراة مذبوحين تحت الشمس بدون أي تعليق من قبل النظام السوري، كما حصل سابقاً بأحداث الفرقة17 واللواء 93، التي اضطر المؤيدون خلالها للتنازل للأقنية المغرضة، كما يسمونها، كالجزيرة والعربية، ليعرفوا ما الذي يحصل لجنودهم!

يشير المشهد السابق إلى أنّ النظام يمتلك عددا من الأسباب للفشل العسكري في هذه المناطق، الأول هو المعارك التي يخوضها مع حزب الله وجيش

الدفاع الوطني ضد الجيش الحرّ وعدد من الكتائب الإسلامية في ريف حلب الجنوبي- الغربي وجبل غزان بريف حلب الجنوبي، بالإضافة لمعاركه في محيط سجن حلب المركزي ومنطقة البريج بالمدخل الشمالي الشرقي، وتقع مدينة حلب في قمة أولويات النظام بسبب ضعف الجيش الحرّ، الذي يعاني من ضربات داعش في ريف حلب الشمالي الشرقي، ويرى نظام الأسد أنّ اقتناص حلب ووقوعها في يده انتصار يشابه انتصاره في حمص عاصمة الثورة، الذي أعاد له معنويات مؤيديه وحلقته المقرّبة بأنّ إعادة عقارب الساعة إلى الوراء أمر ممكن.

السبب الثاني، هو أنّ النظام السوري لن يقدّم دعماً للحملة ضدّ داعش، في ما لو استطاع، إذا لم يكن سيكتسب دوراً يعيد له الشرعية في اللعبة الدولية، فبالنسبة للنظام تقدّم داعش في حلب أفاده في محاولة استعادتها من الكتائب المعارضة لسلطته، ويبدو أنّ خروج وزير الخارجية وليد المعلم ليعلن الاستعداد للتعاون، ما هو إلا إعلان مبطن عن نوايا النظام في تبادل المصالح. السبب الثالث، هو أنّ النظام يمتلك القدرة على مجابهة الجيش الحرّ الضعيف التسليح والتمويل والمثقل بالخسارات في الآونة الأخيرة، بسبب الهجوم المتكرر لتنظيم الدولة على مواقعه، لكن من الصعب عليه اليوم مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية التي تكتسب مقاتلين جددا مع كل ظَفَر تحققه، فحسب التقديرات الأمريكية تمتلك داعش اليوم 250 إلى 400 صاروخ أرض جوّ استولت عليها من القوات العراقية، كما تمتلك تمويلا ذاتيا يمكنها من الدفع بسخاء لمقاتليها، بالتالي يعلم النظام السوري أنه لن يستطيع الدفع بكل ما لديه من قوة عسكرية وبشرية لمحاربة تنظيم الدولة، الذي يمرّ بلحظة ازدهار، بدون ثمن. بين كل تلك المصالح التي يراهن النظام عليها، هناك عنصر يتم تجاهله وهو الرّعب الذي يدبّ مؤخراً في مراكز قوّته، حيث خرجت في طرطوس حملة «»الكرسي إلك والتابوت لولادنا» التي تعبّر عن تململ المناطق المؤيدة لبشار من وضعهم محرقة فداء لحفاظه على موقعه، من جهة أخرى تبرز مدينة اللاذقية لتنضم للحملة ضد بقاء الأسد، وتتعالى الأصوات لإقامة صلح مع الشعب ورحيله عن السلطة، لا تمرّ هذه المخاوف بدون وجود مسببات فالخوف هنا بسبب سياسة النظام المستمرة باللامبالاة، وهي العنصر الرئيسي في تزايد انفضاض قاعدته الشعبية، خصوصاً الطائفة العلوية من حوله، فالجميع يخشى الحصار، من جهة تتلقى بلدة محردة ذات الأغلبية المسيحية ضربات يومية من جبهة النصرة، التي تريد الاستيلاء عليها للوصول إلى الضيع العلوية القريبة منها، كما أن كذب إعلام النظام بالسيطرة على مطار الطبقة ومحيطه والادعاء بتحطيمه للعدوّ قبل أيام معدودة من سقوطه، يجعل احتمالية سقوط دير الزور أمراً وشيكاً، رغم كل التطمينات، ويأخذ الناس بعين الاعتبار المواقع الأقرب التي قد يضطرون فيها لمواجهة من تم قتالهم وقتل ذويهم لسنوات ثلاث، في النهاية لا يمكن لوليد المعلم طلب فرصة عمل مشترك مع المجتمع الدولي لمقاومة الإرهاب، حيث قام النظام بتجاهل وإطلاق عنان كل العناصر التي كونت لاحقاً خلايا داعش السورية، فهو يعلم كم هي مفيدة لإضعاف خصمه. ويعتبر إعلان الرئيس الفرنسي فرانسوا اولاند أن النظام هو شريك الإرهاب ولن يتم التعاون معه، وإعلان الرئيس الأمريكي باراك أوباما أنّ قتال داعش لا يعني الاختيار بينها وبين النظام، توضيحا معلنا لنبذ بشار الأسد من المجتمع الدولي كطرف مسبب للتطرّف وداعم له وليس العكس. لكن مواجهة النظام الأخيرة لن تكون مع قوات دولية قد تضرب معاقله، كما كان يخشى منذ بداية الثورة السورية، إنما ستكون في عقر داره، حيث تستمر الأصوات المنددة بسياسته حيال الجنود الصغار الذين يتم رميهم في المحرقة كلّ يوم بلامبالاة، ففي مطار الطبقة هرب الضباط في طيارات قدمت لإنقاذهم من العاصمة دمشق وتُرك الجنود لداعش وللجوع.

هؤلاء هم من سيكتب صفحته الأخيرة.

٭باحثة سورية في مركز الشرق للدراسات الاستراتيجية – دبي

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى