صفحات الثقافة

نداء الى المنتفضين العرب


عقل العويط

أمام سيول الانتفاضات الثورية، والتحولات السياسية التي يعتمل بها العالم العربي، من مغاربه الى مشارقه، وحيال الاحتمالات المستقبلية التي قد يجد نفسه في مواجهتها، هل يستطيع المنتفضون العرب أن يخترقوا الثنائية “الإرهابية” التي وضعتهم فيها الأنظمة الاستبدادية والاتجاهات السلفية الدينية؟ هذا هو التحدي الأساسي الماثل أمام المنتفضين أنفسهم، بل أمام الأحرار جميعاً.

هذا نداءٌ موجَّه الى المنتفضين في العالم العربي. فليُعمَّم في الميادين والساحات، وليُعلَّق على اللوحات الإعلانية. وليُنشَر في الصحف والمجلات. ولتبثّه التلفزيونات والفضائيات والإذاعات. ولتأخذ به وسائط الاتصال الحديثة، من “فايسبوك” و”تويتر” وسواهما.

هذا نداءٌ موجَّه حصراً الى المنتفضين الأحرار، الرافضين ثنائية الخيارين الظلاميين: الأنظمة الديكتاتورية القائمة، والبديل الإسلامي.

هذا نداءٌ موجَّه حصراً الى صنّاع الخيار الثالث، الى قادته، وأبطاله، وجنوده، وهامشييه، ومثقّفيه، وكتّابه، ومفكّريه، المرئيين منهم وغير المرئيين.

هذا نداءٌ موجَّه حصراً الى الشعوب والى الأفراد العرب، الذين يجمعهم جرحٌ واحد، ويتطلعون الى أمل واحد، الأمل بالحرية. الحرية البيضاء فحسب. هذه المنزَّهة من كل تبعية أو مصادرة. والمحرَّرة من كل قيد أو شرط.

هذا نداءٌ موجَّه حصراً الى المنتفضين، صانعي هذا الخيار الثالث، في لبنان وسوريا والأردن وفلسطين والعراق وقطر ومصر وليبيا والسودان واليمن والجزائر والسعودية والكويت والبحرين وعمان وتونس والمغرب والإمارات…، وهلمّ.

من حقّي – كحالم – أن أناديكم، لأني أريدكم أن تنتبهوا. الثورات قد تُسرَق منكم، وأريد أن أعرف أين أنتم أيها التنويريون العرب، وأين أحفادكم، وحاملو مشاعلكم الجدد، الذين وعدتمونا خلال الأشهر الأخيرة بأن العالم العربي لن يكون بعد الآن أنظمة استبدادية، لا أمنية ولا دينية، ولن يكون أيضاً، لا أفغانستان ولا “قاعدة” ولا “طالبان”، بل سيكون على الصورة الديموقراطية التي تشتهونها.

أريد أن أعرف أين يقيم طه حسين في هذه اللحظة، ومعه عبد الرزّاق السنهوري، وفرج فوده، ونصر حامد أبو زيد، ومحمد عبده، وجمال الدين الأفغاني، وأمين الريحاني، وجبران خليل جبران، وخالد سعيد، ومحمد بوعزيزي، وابرهيم قاشوش.

أريد أن أعرف أين أنتم أيها المنتفضون المثقفون الأنقياء الجدد؟ أين أنتم أيها الفتيان الأغرار؟ احضروا فوراً، ولتنزل أعدادكم المليونية مجدداً الى الساحات والميادين، ولتصنع لنا عهوداً ودساتير وقوانين وانتخابات جديدة، تكون بيوتاً للديموقراطية لا لسواها. انزلوا الى الساحات والميادين، فهي لكم. افتحوا السجون. حرِّروا القصور من مغتصبيها. واجعلوها ملكاً للحرية.

لقد جعلتمونا ننفض عن أجسادنا وأرواحنا أعمار الكهولة والهرم واليأس. جعلتمونا نعود فتياناً، فهل يجوز أن تتخلّوا فتُنتَزَع فتوّتنا وأحلامنا وقد باتت على مرمى فجر الأشواق والأحلام؟

الحاضر حقٌّ لكم. المستقبل أيضاً. فلا يجوز أن يُسرَق هذان، ويصيرا في لحظة تراخٍ وغفلة، بين أنياب الماضويين والسلفيين والظلاميين؟

هذا نداءٌ موجَّه حصراً الى المنتفضين الشباب. إذ ليس من حقّ الشباب أن ينتابهم يأس أو تنخر أدمغتهم سوسة الإحباط.

لقد مررتُ بالعواصم، بالمدن، بالقرى، بالساحات، وبالميادين، فرأيتُ خبز الثورات الجديدة – وهو حقٌّ حصري للشعوب – يكاد يصير في أفواه الاستبداديين والأبديين الدينيين، وهم متأهبون لينهشوه نهشاً، بعدما كان لشهر، لشهرين، لأشهر قليلة، مرفوعاً في وجه الشمس، على راحاتكم أيها التغييريون الأشاوس، من أجل أن يكون طعاماً للجياع الأحرار الى الحرية.

لا يحقّ لكم أن تيأسوا. أنتم الذين ملأتم مياديننا بالزهو، وجعلتمونا نحلم مرةً ثانية، بل ثالثة، بأن المستحيل ممكن، أنتم الذين سرّبتم الحلم إلى أدمغتنا، وفي أوردتنا، كالمصل، من طريق الـ”فايسبوك” والـ”تويتر”، والانترنت، انزلوا مجدداً الى الميادين، واحتلّوها. بل حرِّروها من منتهزي الفرص، ومن صانعي الدسائس، ومن راكبي الموجات، وحرِّروها أيضاً من أصحاب المصالح المحلية والإقليمية والدولية.

أيها المنتفضون الشباب، املأوا الهواء مجدداً بعبير أرواحكم، والأرض بوقع أقدامكم.

التغيير يحصل ابتداء من الآن، فلا تتركوه في أيدي الاستبداديين، ولا تدعوه يذهب الى أيدي الظلاميين.

أنتم مطلوبون فوراً، لتعودوا على جناح السرعة الى عملكم الديموقراطي الهادئ والمنظّم والهادف.

سأعمّم صوركم وعناوينكم ليتصل بكم جميع الشهداء والقتلى والجرحى والمعوقين والمساجين والأسرى والمهمّشين والمنفيين والجياع والحالمين والموعودين والدونكيشوتيين.

يجب أن تحضروا فوراً، وإلاّ فإن دموع الأمهات والثكالى والأرامل والأطفال ستلاحقكم الى القبور.

وأنتَ يا طه حسين. أريدك أن تحضراً فوراً. أن تنزل يوم الجمعة المقبل الى ميدان التحرير في القاهرة. أن تنصت الى الهتافات والشعارات والأفكار التي يبثّها دعاة الدين السلفيون والجهاديون. وأن تقول كلمتك فيها.

فأين أنت؟ انزل من علياء كتبك ومن على منبر جامعتك. تعال الى تحت، حيث الشارع، وحيث ناس الشارع. والأحرار.

وأنتَ يا خالد سعيد، وأنت يا محمد بوعزيزي، هاتِ عربتك واعبر بها الشوارع، ونادِ على الثوّار الأحرار أمثالك ليلاقوك من جديد، ليس الى ساحات تونس فحسب، بل الى كل مكان في العالم العربي.

وأنتَ يا ابرهيم قاشوش، هاتِ حنجرتك، واصدح بها في كل مكان سوري وعربي، لتزعزع برنين الصوت التراجيدي الملهم عروش الطغاة.

وليذهب الاستبداديون الى حيث يجب أن يذهب كل مستبد. وليذهب دعاة الدين الى المساجد والكنائس فحسب. أما المنتفضون التنويريون فلينجزوا حرياتهم ودساتيرهم وقوانينهم وانتخاباتهم بأنفسهم، بعقولهم وأجسادهم والأرواح، لتكون موئلاً وحيداً للأحرار.

انتبِهوا. فبعد قليل قد تُنهَب أفكاركم ومبادراتكم نهباً، وقد ندخل كلّنا مجدداً في الليل الطويل، ولا يعود ثمة أحلام تنقذنا من هذا الليل الطويل. انتبِهوا. واعملوا فقط!

¶¶¶

الى أين يذهب النظام الاستبدادي العربي؟

إنه يذهب الى المكان الوحيد الذي يستطيع فيه أن يكون ذاتَه. يذهب إلى حيث تتحقق هذه الذات، وإلى حيث تتجلّى، كما لو أنها لم تتحقق، ولم تتجلَّ من قبل. يذهب إلى حيث يسطّر رقماً قياسياً جديداً وإضافياً، لم يتمكن من إحرازه في ما سبق من مجازر وارتكابات وأهوال.

وهو يذهب خصوصاً الى هناك، لأنه إذ لا يستطيع إلاّ أن يذهب، يعلم أنه في الامتحان الصعب، الذي ربما يكون الامتحان الأخير، لكن الطويل. لأجل ذلك، هو “يبدع” في عمله، ويمعن، ويحفر عميقاً عميقاً عميقاً، بل يحفر أعمق، وصولاً الى القعر الذي ما بعده من قعر.

بعد قليل، أو بعد كثير، لا بدّ أن يكون ثمة نهاية.

لقد علّمنا التاريخ أن النهايات التي آل إليها النظام الاستبدادي، في كل مكان من العالم، هي النهايات نفسها، وإن تعددت أسماؤها والأشكال.

النظام الاستبدادي لا يمكنه إلاّ أن ينتهي. وها هو يعجّل في إنهاء نفسه بنفسه.

هل هو التاريخ الأمني يعيد نفسه؟ أم هو قَدَر النظام الاستبدادي الذي لا يستطيع التحرر من طبعه وجسمه وجلده؟

لقد دخل النظام الاستبدادي في الأتون، ولم يعد ممكناً الخروج منه.

مسؤوليتنا أن نعي ذلك وعياً مبرماً. وأن نعي خصوصاً أن الحرية هي وحدها قَدَرنا، لا النظام الاستبدادي.

أما الممسكون عنوةً بما يظنّونه زمام الحياة والمصير، من قادة سياسيين وأمنيين ودينيين، فليعوا أنهم لا يستطيعون أن يضعوا أحداً أمام خرافة القَدَر “التخييري” الجائر: إما النظام الاستبدادي، وإما البديل الديني الاستبدادي.

الحرية وحدها تصنع أقدارها وخياراتها و… تعبيراتها السياسية والدستورية.

وهي، أي الحرية، يصنعها أحرارها.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى