صفحات العالم

نظام الأسد.. نهاية الطريق أم نهاية التاريخ؟


عبد الله بن بجاد العتيبي

تستمر الجامعة العربية بقيادة خليجية وتنسيق مع تركيا في ممارسة مزيد من الضغوط على ما تبقى من نظام الأسد، وهي تطالب النظام السوري، وبإلحاح، بأن يعلن كتابيا بقبوله بمراقبين عرب يتم نشرهم في عدد من المواقع التي تشهد توترا عاليا وعنفا مبالغا فيه في المدن والأرياف داخل سوريا، لضمان وقف القتل وسحب القوات المسلحة وحماية المدنيين، والمهلة ثلاثة أيام، حسب ما صدر يوم الخميس الماضي من الرباط، على أن يتم إرسال المراقبين فور موافقة النظام.

يمكن الحديث هنا عن نهاية الطريق بالنسبة لنظام أبان عن عجز كامل عن أي قدرة للتعامل بشكل مختلف تجاه أزمة بلاده، وضغوط الجامعة والدول العربية، وتركيا تؤكد أن طريق النظام قد شارف على نهايته في قصة دامية كتب هو أول سطر في نهايتها بيديه.

وكما فعل لويس السادس عشر في فرنسا، حين كانت لديه، بالإضافة لجنوده الفرنسيين «قوة مهمة أخرى متمثلة في الجنود المرتزقة المجندين من الأقوام الأجنبية، من السويسريين والألمان بخاصة»، وكما لجأ نظام القذافي في مواجهة الثوار المسلحين ضده لا إلى كتائبه الوطنية فحسب، بل استعان بالمرتزقة من عدد من الدول الأفريقية وبعض دول أوروبا الشرقية سابقا، فكذلك فعل الأسد بعد استمرار احتجاجات شعبه وظهور انشقاقات في جيشه؛ حيث لجأ للاستعانة بقوات من الحرس الثوري الإيراني وعناصر من حزب الله اللبناني، وذكر أحد المعارضين السوريين شيئا من دعم جاء من قبل بعض الميليشيات العراقية الشيعية.

يشعر نظام الأسد أن سحب قواته من المدن ووقف العنف والشبيحة قد يكونان نهاية نظامه، وربما كان محقا، لكنه يغفل عن أن الضغوط العربية الآخذة في التصاعد قوة وفي الإسراع زمنا قد تكون أخطر عليه، وكما عجز عن اجتراح أي حل سوى العنف في المرحلة الماضية، فإنه اليوم يبدو أكثر عجزا عن التفاعل مع الظروف الجديدة والمواقف السياسية الصلبة للجامعة العربية والدول العربية وتركيا.

لا يبدو أن الأسد الجريح سيكتفي بلعق جراحه فحسب؛ فمع تضييق الخناق عليه سيلجأ لمحاولة تصدير المشكلات للخارج، خاصة لدول الخليج، وربما نسمع في الأيام المقبلة مزيدا من الأخبار التي تتحدث عن اكتشاف مؤامرات تخريبية جديدة غير تلك التي سمعنا في الأسابيع القليلة الماضية.

بدأ المدافعون عن النظام السوري بدفع واضح منه يتخذون مسارين، الأول: تصعيدي في خطابه السياسي ولهجته الاستعلائية التي تتبنى التهديد والتخويف على الطريقة القديمة، ويعبر عن هذا بعض تصريحات ممثلي النظام في وسائل الإعلام؛ حيث محاولات استعمال العنف المادي من ضرب باليد والكراسي، وحيث تصعيد اللغة التخوينية الرخيصة تجاه المعارضين، ومن تابع الفضائيات العربية الأسبوع الماضي لا بد أن يكون قد شاهد شيئا من هذا. ومن قبل ومن بعد تبقى تصريحات حسن نصر الله ملتهبة دائما.

المسار الثاني: مسار يعتمد التهدئة ولغة سياسية ناعمة، وعبَّر عن هذا المسار كل من نبيه بري، رئيس مجلس النواب اللبناني، وميشال عون، زعيم التيار الوطني الحر بلبنان، وذلك في خطابين رقيقين موجهين للعاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، يطالبانه بالسعي إلى حل الأزمة السورية، وأن الأمل في حلها معقود عليه.

كان بري سوريا دائما، وعاد عون من منفاه ليصبح سوريا مزايدا، وتوجههما بمثل هذا الخطاب لا يعني إلا شيئا واحدا، هو أن النظام السوري بدأ يشعر بالاختناق ويرمي بأوراقه كلها، بل وببعضها التي يعتبرها كبارا لتفادي مصير بات يبدو لدى الكثيرين محتوما إلا لديه.

مع أن مصير النظام بات متجها لنهاية طريق شبه محتومة، إلا أنه لم يزل بيده اختيار نوع تلك النهاية ولونها، فإما نهاية سلمية خضراء يعلن فيها بشار تنحيه عن السلطة وتسليمها لنائب له تختاره المعارضة، وسحب القوات المسلحة من الشوارع وإيقاف قتل المدنيين، والاستجابة لمطالب الجامعة العربية بالسماح للمراقبين بدخول البلاد، ورسم مرحلة انتقالية تضمن انتقالا سلسا للسلطة يجنب الشعب والدولة ويلات حرب أهلية ومنازعات دامية، وهو خيار يبدو بعيد المنال لمن يعرف طبيعة النظام السوري.

وإما – وهو الخيار الثاني – أن يختار نهاية عنيفة دامية تحرق الأخضر واليابس على طريقة خيار شمشون، ويأمل النظام من خلالها لا تدمير سوريا اليوم فحسب، بل ضمان استمرار النزاعات والدمار حتى بعد سقوطه الكامل.

لئن كان بشار الأسد – ولم يزل – يستهين بالعقوبات الدولية، وبالعقوبات الاقتصادية، ويجبره خطاب الشعارات الذي يتبناه سياسيا وإعلاميا على مواصلة النهج ذاته، فإنه بممانعته للمتغيرات ومقاومته للمستقبل لن يفعل شيئا أكثر من إطباق فكي كماشة العقوبات على نظامه.

كان فرانسيس فوكوياما متفائلا بمستقبل أفضل حين طرح كتابه «نهاية التاريخ» 1993، بينما كان مثقف متشائم آخر يلملم أوراقه البائسة الأخيرة مستعدا للرحيل، وهو إميل سيوران (ت 1995)، ويبدو أن فوكوياما لم يطلع على ما قاله سيوران في كتابه «مساوئ أن يكون المرء قد ولد» الصادر عام 1973 حين قال: «كل جيل يعيش في المطلق، ويتصرف كما لو أنه بلغ القمة، بل نهاية التاريخ».

ولئن مضى سيوران محافظا على تشاؤمه القديم فقد كان لدى فوكوياما فسحة من الدهر وازدياد من المعرفة قادتاه لإعادة النظر في تلك النهاية المتفائلة للتاريخ التي بشر بها، إلا أنه وعلى العكس فإن الرئيس السوري الذي بات يرى نهاية الطريق لنظامه يريد أن يجعلها نهاية التاريخ للدولة والشعب والوطن في سوريا.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى