صفحات سورية

نقصُ الجاذبيّة في قضيّتنا/ حسان القالش

 

 

مرّة أخرى، تطرح الأحداث المأسويّة التي تتوالى في المشرق السؤال عن موقع القضيّة السّوريّة من الاهتمام العالمي. فحرب إسرائيل الحاليّة على غزّة، على رغم المزايدات العاطفيّة، حظيت باهتمام ملحوظ في الميديا العالميّة، فضلاً عن تعاطف جزء وازن من الشارع الغربيّ مع الجانب الفلسطيني في تلك الحرب. وهذا ما يجد تفسيره في تاريخيّة القضيّة الفلسطينيّة وقِدَمها، ما أتاح للكثيرين حول العالم فرصة استخدامها واستغلالها إعلاميّاً وثقافيّاً وسياسيّاً في إطار النّزعة العالميّة المعادية لأميركا و «الإمبرياليّة»، فضلاً عن أنّها ما زالت تبدو لهم قضيّةَ مظلوميّة كلاسيكيّة، طَرفا الخير والشرّ فيها معروفان وواضحان، من دون اعتبار للتطوّرات التي طرأت عليها من مسار سلام معقّد وانقسام البيت الفلسطيني وأسلَمة المقاومة وتحكّم المحور الإيراني بمقوّمات وجودها وطريقة عملها.

في المقابل، تبدو القضيّة السّوريّة للبعض معقّدة تعقيد المشرق نفسه، فعلى رغم أَحقيّتها وعدالتها في مواجهة نظام استبداد استعبادي مديد، لا يمكن تجاهل الانقسام الحاصل بين السورييّن على خلفيّتها، وهو انقسام قلّلت المعارضة من قيمته ولم تُقِم اعتباراً له، فيما تعالت على صياغة خطاب وخريطة طريق تضعان في الاعتبار أوضاع الأقليّات السّوريّة من مسيحييّن وأكراد وعلويّين، وأظهرت عجزها ومحدوديّة قدراتها على مخاطبة الغرب وتقريبه من الثورة، لتسقط القضيّة في فخّ وواقع الأسلمة والتطرّف طاردة مجالات تعاطف الشارع الغربي معها. وهذه أمور حسب لها النظام حساباته بخُبث، وكان طرفاً فيها يسانده حلفاؤه الاقليميون والدوليون وماكيناتهم الاعلاميّة.

بيد أنّ هذا كلّه لا ينفي العوامل الخارجيّة التي فرّغت القضيّة السّوريّة من محتواها الثّوري على المستوى الاعلامي، بداية من الدّور المدمّر الذي لعبته كل من قطـــر وتركـــيا في أسلــــمة الثّورة وتوريطـــها بالمتطرّفين، وصولاً إلى السّلبيّة الكــــارثيّة للدول الكبرى التي باتت وكأنّها لا تعرف ماذا تريد من سورية وكيف تتعامل مع قضيّة شعبها، وبالتّالي لم يجد فيها الغرب تلك الجاذبيّة والسّهولة التي تخاطب ميول بعض الشّباب الغربيّ للاندراج في قضايا سهلة كمرحلة من مراحل المراهقة السياسيّة وتلبيةً غير مُكلفة لنزعة التمرّد ونزواتها الموقّتة.

هكذا، تقزّمت قضيّة السوريّين عند القليلين المهتمّين بها من هؤلاء، وانخفضت موجباتها من لزوم التفهّم والإدراك والتأمّل إلى مجرّد تعاطف إنساني بارد ومحايد مع الضّحايا، لتنضمّ إلى مجموعة قضايا العالم الثالث التي تأخذ شكل الموضة، وتحاكي عند البعض نرجسيّته الشّخصية أو رغبته في مجرّد الاختلاف والتميّز عن الأقران أو شيئاً من رفع العتب عن الضّمير العالمي.

يبقى أنّ المخيف والخطير هنا هو وجود سوريّين يتماهَون في سلوكهم تجاه قضيّة شعبهم مع ذاك النموذج الغربيّ، فيتفاعلون مع ما يحدث في البلاد من مقاعد الفُرجة حيث يعيشون في وهم الحياد والرّماديّة، من غير أن يجدوا خلاصهم الأنانيّ الموعود.

* كاتب وصحافي سوري

الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى