صفحات الناسفاطمة ياسين

هِبات أسديّة للبيع/ فاطمة ياسين

 

 

 

بدايةً، ومنذ اشتعال ثورة الحرية والكرامة في سورية، أحدثَ نظامُ الأسد، بمساعدة هيئة مستشاريه الضخمة التي تحوي أجانب، روساً وإيرانيين، إلى جانب ضباط أمن ومخابرات ومدنيين سوريين، ما يدعى خلية الأزمة، بغيةَ القفز فوق الحواجز التي تقف في وجه بقاء الأسد في السلطة “إلى الأبد”.

ونعلم، جميعاً، أن النظام استخدم أساليب متعددة ومتباينة، اختلفت بين شد الحبل على المعارضين، وإضافة صلاحيات متزايدة لقوى الأمن والشبيحة، ومحاباة بعض المناطق السورية، والتساهل مع تمرّداتها، وإنزال العقاب الجماعي الجهنمي على مناطق أخرى، حيث يكون الدمار والتخريب السلاح الأنسب لطبيعة التظاهرات وأهداف المتظاهرين.

بالنسبة لأكثرية الشعب السوري المغلوب على أمره، كان الاقتصاد ولقمة عيش المواطن الورقة الأكثر تداولاً بيد بشار الأسد “لتقريب” الناس من النظام، وجعلهم يستشعرون أهمية بقائه، وإذ نتكلم عن الممارسات الخبيثة التي قام بها، مثل زيادة قيمة الدولار “وهمياً” في السوق، وإعادة خفضها بشكل غريب، ثم رفعها تدريجياً، وجني مكاسب من المشتغلين بالبورصة، ونضيف لذلك رفع أسعار المواد الأساسية، بوتيرةٍ حطمت أرقاماً قياسية، مرة بعد مرة، فلن نغفل الأساليب الناعمة في استمالة الناس لقبول النظام. توضّحت هذه الاستمالة بشكلها الجلي، من خلال مراسيم زيادة الرواتب والأجور التي لا يزال يصدرها “الرئيس” بشار الأسد دورياً.

كانت زيادة الرواتب السلاح الثالث للأسد الذي واجه به ثورة درعا وعموم سورية، بعد الرصاص واتهامات الثوار بالطائفية والتكفير. وعلى الرغم من انكشاف هشاشة هذه المسرحية التي تُدعى زيادة الرواتب، إلا أن حكومة الأسد ما زالت تستخدمها، كلما اشتدت “الأزمة”. وكما تجبر طفلاً صغيراً على نيل قطعة السكر، بعد قيامك ببضع حركات خفة، بغاية مزيد من التشويق، يتفنن نظام الأسد في تقديم “زيادته” للمواطنين، فتارة يأتي الرفع على شكل نسبة من الراتب الأصلي، وتارة، كما في المرة الأخيرة، على شكل رقم ثابت زهيد (يعادل سبعة دولارات ونصف!) يضاف إلى رواتب كل الموظفين، كبيرهم وصغيرهم، بما يشمل العسكريين. وأحياناً، إذا كان العطاء كبيراً، كما في الأول من شهر إبريل/ نيسان من عام 2011، تتم إضافة نسبة 20% إلى 30% مع رقم ثابت إلى رواتب الموظفين المدنيين والعسكريين، ويستثنى من بيان المرسوم اللجان الشعبية (الشبيحة) خجلاً..

تسبق كل زيادة توقعات وتسريبات، بعضها يصيب وبعضها يخيب، في محاولة متكررة من حكومة النظام لإعطاء القرار أهمية مضافة، مع يقين الدولة أن المواطن، ومنذ ما قبل الثورة أو “الأزمة”، لا يتلقى زيادات الرواتب، إلا بتوجّس ووجل، لأنه يعرف ما سيلي ذلك من ارتفاع أسعار سيضاهي الزيادة بمرات ومرات، وأنه، أي المواطن، لا يلقي بالاً للسطرين الروتينيين اللذين يذيّلان كل قرار، في أن رفع الأجور والرواتب لن يؤثر على أسعار المحروقات والسلع التجارية. لكن، على أي حال، لا يعني ذلك شيئاً، لأن الغاية من الزيادة ليست موجهة أصلاً لهذا المواطن، بل هي، كما يعلم الجميع، رسالة إلى الخارج، يحاول النظام فيها رسم صورة زائفة عن واقع سيئ، صورة توحي بتماسك الأسد، وقدرته المستدامة على تحقيق حد أدنى من الحياة لمواطنيه الذين يعيشون في كنفه، على مساحةٍ تقل عن ربع جغرافية سورية. وفي هذا السياق، ربما كان الهدف من الزيادة الأخيرة في الظروف الحالية حصول النظام على مقعد أفضل في المفاوضات التي ستلي موقف روسيا المعلن في دعم بشار الأسد عسكرياً، وعلى الأرض. أو أن تكون الغاية تحقيق وقع إيجابي في أسماع الموالين له، بعد هزّة هدنة الزبداني الأخيرة، وانسحاب النظام مع حليفه، حزب الله، من المنطقة مخذولين صاغرين.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى