صفحات العالم

يا حيف

 


علي الرز

يوم خرجتْ القبور عن صمتها… صمت الأحياء. لله درّكم يا أطفال الشهادة بصدور عارية في مختلف المدن والمحافظات السورية. لله درّكم، ضنّ السياسيون والكتّاب والصحافيون عليكم بكلمة حق، لا بل تقدّموا على مَن يحمل السلاح فكفنوكم تارة بلبوس الاندساس وطوراً بثياب المخرّبين ومرة بعباءات السلف ومرات ومرات بأدوات «التآمر» الخارجي.

يا حيف… والله يا حيف. ابن السابعة ارهابي ومخرب؟ يخرج أمام الكاميرات هاتفاً «سلمية سلمية» و«حرية حرية» ويعود الى بيته محمولاً بأيدي والده المرتعشة لأنه يخاف ان ينقله الى المستشفى كي لا تخطفه عناصر الأمن او «الشبيحة» وتساوم اهله عليه. يلفظ الطفل أنفاسه تحت وطأة الدمع المنحبس من مآقي الوالد وولْولة الأم، ويلفظ «المحلل السياسي» التابع للنظام رصاصاً من نوع آخر «يحلل» فيه القتل من دون ان ينسى الترحم على القاتل والقتيل خوفاً من أي خطأ على الهواء.

وكأن خروج المتظاهرين سلميا في سورية أزعج العالم. لا وقت لهؤلاء المنسيين في أحد سراديب العالم الثالث، ولا مبرر لهم للمطالبة بالديموقراطية والحرية والتداول السلمي للسلطة ومحاربة الفساد. هناك أمور كثيرة أهم ويكفي ما هو العالم متورط فيه شرقاً وغرباً. لكن السوريين ارتكبوا فعل المفاجأة وغيّروا في اربعين يوماً صورة لم تتغيّر في أربعين عاماً. اتضح ان هؤلاء المنسيين هم أكثر المتذكرين. أكثر المقهورين من تغلب خوف الآخرين على عدالة قضيتهم. أكثر المجروحين من نسج الآخرين علاقات مع نظامٍ قطع كل خيوط العلاقة مع شعبه. اكثر التواقين إلى حياة حرة كريمة تحت شمس النهار لا في أقبية التعذيب… والتعذيب في هذا الاطار لم يكن من النظام وحده.

ابن السابعة من عمره «قصف» ظهر والديه لكنه سيقصف ضمائر كثيرة خاملة خامدة مستكينة. يستطيع العالم ان يدير ظهره الى حين، وتستطيع جوقة الزحف المقدس الى مصالحها مع النظام أن تبرر ما يحصل بنظريات لا يصدّقها حتى جمهورها، لكن للعدالة وللإنسانية وللقيم وللإرادات أسساً يستحيل أن تهمل… وإن أمهلت.

يا حيف على أمة يتقدم فيها شهداؤها ويتراجع أحياؤها. يا حيف على أمة تسمع قبورها من في آذانهم صمم ويصمت أحياؤها. يا حيف على أمة يتحدث فيها الأطفال الموتى – الاحياء وتخرس فيها ألسنة الاحياء – الموتى. يا حيف على أمة يقبع فيها الآلاف في السجون لأنهم من أنصار إبداء الرأي ويتنعم فيها الآلاف خارج السجون لأنهم من أنصار إبادة الرأي.

… يا حيف علينا.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى