صفحات العالم

مقالات تناولت جنيف 2

«جنيف2»: فرصة أم بداية مستنقع؟

 مأمون فندي

للإجابة عن السؤال: هل «جنيف2» بداية فرصة للحل السياسي في سوريا أم بداية ترسيم لملامح مستنقع لحروب عصابات لسنوات قادمة؟

منهجي منذ بدايات الكتابة هو تحليل القضايا الكبرى من خلال تفكيك القضايا الصغيرة، لذلك سأبدأ التحليل من مشهد مهم شاهدناه جميعا في الأسبوع الماضي الذي أفضى إلى توسيع مجلس المعارضة السورية.

بداية، توسيع المعارضة السورية يكشف عن اختلاف جوهري بين الدول الراعية: دول تهدف إلى تغيير النظام وتسليم سوريا لـ«الإخوان المسلمين» على غرار مصر وتونس، ودول أخرى تورطت في المشهد وتحاول في اللحظة الأخيرة أن تضع فرامل أو كوابح أو فيتو ضد تسليم مقاليد الأمور لـ«الإخوان»، رغم أنها تشارك تركيا وقطر في رؤية تغيير النظام، ولكنها تختلف معها في تسليم سوريا لـ«الإخوان».

مهم لمن يريد أن يفهم بعين صافية أن يحدد بوضوح لماذا تركيا وقطر، مثلا لا تقبل بأقل من تغيير النظام في سوريا وبقاء سوريا موحدة غير مقسمة؟

أبدأ بقطر وتركيا والصراع في سوريا. بداية، لو امتد الصراع في سوريا لمدة عام آخر ودخلنا في حرب عصابات شيعية وسنية على الأرض فالنتيجة الحتمية لصراع العصابات، بما فيها الدولة كعصابة أيضا، فالنتيجة هي ظهور دولة علوية في الساحل السوري ودولة كردية ملحقة بأكراد العراق وأكراد تركيا. من الخاسر الأكبر في هذا؟ تركيا تكون هي الخاسر الأكبر؛ لأن بها ما يقرب من 12 مليون نسمة من العلويين ربما يفضلون العيش ضمن دولة علوية تشمل الساحل السوري ولواء الإسكندرون. إذن تقسيم سوريا يقضم أيضا من المساحة التركية من الناحية العلوية، وأيضا يقضم منها قطعة من ناحية الأكراد الذين قد تكون دويلة كردية لهم في سوريا هي نواة دولة الكرد الكبرى التي تقتطع أجزاء من العراق وإيران وتركيا. إذن كل هذه الدول الخاسرة من قيام دولة كردية تتفق على عدم تقسيم سوريا، وخصوصا تركيا الخاسر الأكبر لن تقبل مطلقا بالتقسيم؛ لأنها تخسر من جهتين: ظهور دولة كردية يأتي على حساب أراضيها، وظهور دولة علوية يأتي على حساب أرضها وسكانها. إذن ما يهم تركيا هو تغيير نظام الأسد وتسليم سوريا لـ«الإخوان» وليس تقسيم سوريا، وتنضم قطر إلى تركيا في هذه الرؤية.

الأطراف الأخرى الراعية للمعارضة السورية والتي تعادي نظام الأسد ونظام «الإخوان» في الوقت ذاته، تريد تغيير النظام، أما الطرف الثاني الراعي للمعارضة غير الدينية، فهو يريد تغيير النظام شريطة ألا يتم تسليم سوريا بعد الأسد إلى «الإخوان»، ولكنه طرف حتى الآن لا يعرف كيف يمنع سيطرة «الإخوان» على سوريا بعد الأسد، فقط اقترح أن يترك هذا المجلس ويدعو لتكوين مجلس يعبر عن الداخل من خلال تمثيل المقاتلين على الأرض إذا ما أصر «الإخوان» على السيطرة. أمام هذا التهديد يبدو أن قطر وتركيا تراجعتا وقبلتا بتوسيع المجلس حتى لا يتم توسيع الشقاق بين الدول الراعية للمعارضة.

في مقابل الموقف التركي – القطري القائل بضرورة تغيير النظام، هناك محور النقيض المتمثل بنظام إيران، ومعه نظام نوري المالكي في العراق، ومعهما حزب الله، يقولون ببقاء النظام الحالي واستمراريته رغم شلال الدماء وبشاعة مائة ألف قتيل حتى اليوم.

تبقى السعودية والإمارات اللتان تتناقض مصالحهما مع إيران ومحاورها بشكل مباشر، وتختلفان في الرؤية، مع كل من تركيا وقطر. أين تقف كل منهما بين هذين النقيضين: القائلين بتغيير النظام (تركيا وقطر) والمنافحين من أجل بقائه واستمراره (إيران والعراق وحزب الله)؟ المؤكد في الحالتين أن الدولتين لا تفضلان تسليم سوريا لـ«الإخوان»، كما أنه من الواضح أيضا أنهما ليستا مع تقسيم سوريا، ولكنهما مع تغيير النظام بشرط عدم تسليم سوريا لـ«الإخوان».

هذا كلام جيد على الورق، ولكن ماذا يعني على أرض الواقع؟ وهنا أسوق مثالين يعقدان الأمر ولا يسهلانه: الأول هو كيف أن توسيع المجلس لا يعني عدم سيطرة «الإخوان» على سوريا وهناك درس واضح وضوح الشمس في الحالة المصرية، حيث كان «الإخوان» أقلية ضمن ممثلي المعارضة التي تفاوضت مع عمر سليمان، ومع ذلك لم يمنع هذا «الإخوان» من سرقة الثورة والسيطرة على المشهد في مصر ولمدة عامين حتى الآن؟!

أما المثال الثاني فهو في حالة اتخاذ الصراع منحى طائفيا بين السنة والشيعة وجيوشهما كما بينت في المقال السابق (الجيش الإيراني والسوري والعراقي وحزب الله) قد تصطف هذه الدول إلى جوار «الإخوان» في مقاومة سيطرة شيعية وتوسع إيراني في المنطقة. أقول قد تصطف رغم أنها لا تقبل هذا الاصطفاف، كما أنه ليس في مصلحة أي منهما على المدى البعيد أن تتحالفا مع «الإخوان المسلمين»، وقد كتبت هذا أيضا في مقال سابق عن المنطقة بين هلالين (الهلال الشيعي والهلال الإخواني)، وكيف أن بعض دول الخليج قد تجد نفسها مع «الإخوان» رغم أنها لا ترغب في ذلك.

توسيع مجلس المعارضة السورية كاشف لاختلاف في الرؤية رغم إصرار البعض على أنه خلاف تكتيكي حول مستقبل الحكم في سوريا وعلاقته باستقرار الإقليم.

واضح من الأحاديث ومن السلوك السياسي في هذه الأزمة أن الرؤية لم تتبلور بعد، وأن الاختلاف بين المعارضة يعكس خلافا بين الدول الراعية. قد يكون الموقفان الروسي والإيراني من الأزمة السورية موقفين في منتهى الغباء، إلا أنهما موقفان متماسكان رغم هذا، وهذه ميزة.

على الطرف الآخر المواقف تستحق الإشادة في بعدها الإنساني الذي يراعي مأساة الشعب السوري، ولكنه موقف لا يتسم بتماسك الرؤية، أو في أحسن الأحوال موقف يتسم بالضبابية. قد تكون إحدى حسنات مؤتمر «جنيف2» هي أن تتبلور الرؤى على طاولة المفاوضات، وتنقل المشهد من صراعاته الإقليمية إلى بعده الدولي.

البعد العالمي هو السياق الحاكم هنا لشكل التغيير في سوريا والمنطقة برمتها، فما زالت أميركا وأوروبا بعد 11 سبتمبر (أيلول) 2001 تريدان الصراع الحضاري داخل البيت الإسلامي (سنة وشيعة)، وكل هذا يشير إلى أننا أمام إما حالة صراع ممتد داخل الصندوق السوري أو صراع إقليمي محدود وممتد أيضا بين السنة والشيعة: صراع يجعل كلا من أميركا وأوروبا بعيدتين عن نيران الجهاد والحروب الدينية. إذن نحن أمام ثلاثة أهلة: هلال شيعي وهلال إخواني وهلال النيران أو هلال الحروب.

في ظل هذه الأجواء يبدو أن «جنيف2» ستكون بداية ترسيم ملامح مستنقع يدوم لسنوات لا بداية حل للأزمة؛ إذ لا يوجد تصور استراتيجي حاكم لهذا المؤتمر يأخذ في الاعتبار مصالح دول الجوار المختلفة وتخوفاتها، ويترك الأمر لجماعات صغيرة ترسم الملامح الاستراتيجية لمنطقة هامة جدا من العالم.

ما لا يدركه المنادون بتغيير النظام في سوريا أن سوريا كلها تغيرت بعد عامين من الثورة، ومن ضمنها النظام، ولكن أهم ما تغير في هذه المعادلة هو الشعب السوري نفسه الذي لم يؤخذ تغييره الكبير حتى في حسبان من يحاولون البحث عن مخرج في سوريا، مخرج يجب أن يكون في مصلحة الشعب السوري قبل كل شيء.

الشؤق الأوسط

جنيف 2 وحدود الأمل

سليمان تقي الدين

وضع التفاوض الأميركي الروسي إطاراً عاماً لحل النزاعات في سوريا. لا أحد يعرف كم سيدوم هذا التفاوض وكم ستكون التفاصيل لترجمة هذا التفاهم صعبة، وكم سيدفع الشعب السوري من الآلام قبل أن يجري تطبيع الحياة. من غير المحسوم حتى الآن عدد الأطراف المشاركة دولياً وإقليمياً وداخلياً. ليس هناك أي تصور نهائي لطبيعة الدولة السورية وشكل نظامها وكيف سيعاد تكوين المؤسسات وعلى رأسها المؤسسة العسكرية والأمنية. والأهم من ذلك كيف سيتم تحديد حجم أو شكل نفوذ الدول والجماعات التي ستشارك في إعادة بناء سوريا.

هذا الاستدراك ضروري جداً في وجه أي «تفاؤل» أو أي حسابات عن قرب انتهاء الأزمة أو عن حسم فيها أو عن أرباح وخسائر. من المؤلم طبعاً القفز فوق النتائج الإنسانية للحديث في الاستراتيجيات السياسية. لكن على هذا المستوى كذلك لا يمكن

تجاهل المكاسب الأميركية الروسية على حساب باقي أطراف النزاع. وما دامت الأمور على هذا النحو بواقعيتها فالحديث عن ترجيح محور إقليمي على محور آخر أو عن حماية منظومة سياسية كانت مستهدفة هو من المكابرة الواضحة. لقد تم وضع اليد على المنطقة من الدول الكبرى وستكون الأولوية لمصالحها وتم استتباع النظام الإقليمي العربي والشرق أوسطي. بل إن احتمالات قيام تعاون إسلامي أو تشبيك علاقات بين التيارات الكبرى: إيران، تركيا، العرب، قد انهار قبل أن يولد وهو الآن في دائرة خطر انتقال الفوضى العربية إلى الجوار الإسلامي نفسه وقد بدأت طلائعه في تركيا وستظهر تداعياته في إيران.

وبمعزل عن ميزان القوى العسكري في الإقليم هناك سدّ واضح في وجه المشروع الإيراني والمشروع التركي وهناك تجويف سريع لكل طروحات الإسلام السياسي ومشاريعه. لم ينهض الإسلام السياسي المصري بدور مصر العربي ولم ينجح الإسلام السياسي التركي في الحفاظ على مصداقيته كنموذج داخلي أو خارجي. أما الإسلام الخليجي فهو أساس في مشهد العنف والفوضى والتفكيك والتبعية.

إن محاولة استبدال النظام العربي بنظام إسلامي في مواجهة الشرق أوسطية كما طرحتها أميركا أثبتت صعوبة التعاون بين هويات قومية أو دينية متوترة وذات طموحات في غياب استقرار المجتمعات وتقدمها في ثقافتها الإنسانية وتطورها المدني. فالمغرب العربي ذاته المندمج اجتماعياً والمنسجم دينياً وطائفياً يعاني من أزمة تنازع الهويات الدينية السياسية بين السلفية والليبرالية الإسلامية. وما دمنا نتحدث عن «حرب كونية» في سوريا ونتطلع إلى توازنات دولية تمهّد لنظام يحد من الطموحات الامبريالية ونزوعها العسكري، فلا يمكن أن نتوقع أن ينعطف الشرق الأوسط نحو السلام أو الاستقرار في المدى المنظور. ولعل حروب الدول كانت أهون على المنطقة من الحروب الأهلية في نتائجها المادية والإنسانية. لقد تم استنزاف ثروات المنطقة وإنجازاتها المدنية والاجتماعية وتم تمزيق نسيجها الوطني ووضعت على طريق النزاعات والتوترات غير القابلة للسيطرة في وقت قريب. هذا النوع من الحروب لا توقف تداعياتها هدنة أو تسوية بل تحتاج إلى جهد تاريخي لكي تعيد اللحمة بين عناصرها. والأرجح أننا لسنا في الاتجاه نحو وقف هذه الحروب بل في اتجاه توسيع ميدانها وتعميق آثارها. فيجب ألا ننظر بتبسيط إلى أي أزمة عندنا أو من حولنا. فحين تدخل تركيا مرحلة الاضطراب أو تتعرض دول الخليج إلى تحديات الاستقرار أو أي بلد في هذا المحيط المترابط إلى آخر حدود آسيا وافريقيا فإن مشكلاتنا تزداد وصعوبات بناء دولنا وتطوير مجتمعاتنا تتعاظم. إن هذه الحروب هي أحد أهم أشكال النهب الإمبريالي لثروات المنطقة وهي أحد أبشع أشكال تطويع المنطقة لموازين القوى الخارجية الدولية. أما نحن فنستجيب لحاجات هذه الحروب بطيبة خاطر.

السفير

عنوان «جنيف – ٢» متوقع

رندة تقي الدين

تأخر الولايات المتحدة في التدخل لإنهاء الأزمة السورية الذي تحدث عنه وزير الخارجية الأميركي جون كيري يعكس واقع الحال وضعف سياسة الرئيس أوباما الخارجية التي ركزت على الانسحابات العسكرية من العراق وأفغانستان من دون وضع استراتيجية فاعلة لما بعد التواجد الأميركي في المنطقة. فالأزمة السورية وتطوراتها أظهرت غياب نفوذ إدارة أوباما بوجه روسيا في هذه المنطقة أو أنها سلمت المنطقة لروسيا لأن مصالحها ليست مهددة بسورية مفككة أو لبنان أمنه مزعزع. فأوباما معني ومهتم أكثر بإيران ودورها في المنطقة وبالتحديد بالنسبة لإسرائيل أكثر من اهتمامه بسورية ومصير الأسد وألوف القتلى الذين يسقطون يومياً بقمع الجيش النظامي السوري. فنظراً إلى الانسحاب الأميركي من هذا النزاع، أصبح شبه مؤكد أن «جنيف – ٢» سترضخ لشروط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي لا يقبل لا برحيل الأسد ولا بتسليم سلطاته وقد تم قبول بقاء الأسد على أن يتم تجريده من صلاحياته منذ «جنيف – ١».

فالتدخل الروسي اليوم في سورية أقوى بكثير في ميزان القوى على الأرض من غياب غربي وجوده يقتصر على التصريحات وتحذيرات لا متابعة لها. في حين أن روسيا تمد سورية بالسلاح والصواريخ والطائرات والتدريب وإحاطة القوى العسكرية السورية في حربها مع شعبها. أما الغرب فينتقل من خطوط حمر كلامية إلى جدل حول مؤتمر دولي معروف مصيره مسبقاً. وزير خارجية فرنسا لوران فابيوس يردد أن الصعوبات هائلة أمام مؤتمر «جنيف – ٢» وأنه ينبغي محاولة إيجاد حل سياسي للصراع السوري.

إن «جنيف – ١» ترك موضوع رحيل الأسد مبهماً اثر اتفاق أميركي روسي بين هيلاري كلينتون وسيرغي لافروف عشية الاجتماع، وكانت «الحياة» واكبت هذا الاجتماع إلى جانب الوزير الفرنسي الذي خرج من القاعة قائلاً آنذاك أنه لم يكن ما ترغب به الأطراف المؤيدة للمعارضة ولكنه كان أقصى ما يمكن التوصل إليه وما هو مقبول. فما الذي سيتغير الآن في «جنيف – ٢» مع رئاسة أميركية قد تكون متراجعة عن موقف وزير الخارجية الأميركي ومع اتحاد أوروبي يأخذ قرارات برفع الحظر عن السلاح لسورية ثم يخرج الوزير الفرنسي ويقول إن رفع الحظر لا يعني تسليم الأسلحة. فخطوة إلى الأمام وعشرة إلى الوراء. ثم يشرح الديبلوماسيون أن في النص الأوروبي عبارة في نص رفع الحظر أن لا تزويد في هذه المرحلة أي أنه قد يفتح الباب للتسليح في مرحلة لاحقة. لكن أي مرحلة عندما يزيد التمزق في سورية؟ إن الاتفاق الأميركي الروسي أهم بالنسبة لأوباما من وضع سورية لذا قد يساوم على بقاء الأسد حتى انتخابات ٢٠١٤ على أن تجد روسيا صيغة في ٢٠١٤ تحفظ ماء الوجه للأسد. وفي هذه الأثناء يستمر النظام في قتل الشعب والمقاتلون سيزدادون ودخول من يريد تفتيت سورية إلى الأراضي السورية يزداد. و «حزب الله» يستمر في القتال إلى جانب النظام السوري وتقديم أبناء الشيعة في لبنان لمقاومة شعب سوري ثائر على نظامه القمعي واستيراد الحرب السورية إلى لبنان. وهذا أمام غرب متفرج وإسرائيل مرتاحة لخراب المنطقة ولانشغال أعدائها في المنطقة «حزب الله» وإيران على الأرض في سورية.

إن مؤتمر «جنيف – ٢» محكوم بمساومة على حساب الشعب السوري. فبوتين أدرك أهمية العلاقة الأميركية الروسية لأوباما وأنها أقوى من اهتمام رئيس أميركي ضعيف على الساحة الدولية بسورية التي ليست استراتيجية بالنسبة له. كما أن بوتين أدخل في حساباته عدم وجود وحدة حال أوروبية في السياسة الخارجية. فأوروبا كثيراً ما تنتقد انقسام المعارضة السورية في حين أن الخلافات الأوروبية كثيراً ما تشل أعمالها. فعنوان «جنيف – ٢» مكتوب مسبقاً ولا شك أن روسيا بوتين استعادت بعض النفوذ في المنطقة من خلال تراجع وضعف سياسة أوباما فيها.

الحياة

أي شرق أوسط ذاهب الى “جنيف ـ” ؟!

د. نقولا زيدان

لم يكن مفاجئاً ما جاء على لسان السيد حسن نصرالله عندما أعلن بالفم الملآن أن معركة حزب الله في سوريا هي معركة مصير. تماماً كما لم تكن مفاجئة قط لنا جميعاً مناورة محاولة تسويق مشروع قانون الانتخابات “الأرثوذكسي” التي أفضت الى فشله الذريع. وقبلها أيضاً لم تحدِث استقالة حكومة الميقاتي تلك المفاجئة الصورة المتوقعة ولا ذلك الاجماع اللغز الملتبس أثناء الاستشارات الملزمة بتكليف النائب تمام سلام بتشكيل حكومة جديدة. لقد ولّى زمن المفاجآت والصدمات الارتدادية، لأن الديموقراطية البرلمانية اللبنانية قد دخلت في حالة خطيرة من الغيبوبة السياسية، بل هناك ثمة من ينعاها لمرحلة ليست قصيرة على الاطلاق. أليس بيننا من يعتقد، وهو يردك في ما يقول الى شواهد وأدلة فيها الكثير من الصواب، ان هناك فريقاً أو طاقماً حاكماً يدير البلاد الآن الى أجل غير منظور.

إلا أن كل هذا الكم الهائل من الاهتراء والتعفن والاكراه والتسلط الذي يضرب الحياة السياسية ويفككها بل يمزقها أشلاء ونتفا لم يولد دفعة واحدة ولم تمطره السماء بل ثمة تراكم مديد متتابع انكب على العمل والسهر المضني الدقيق حتى رسم مواصفات وملامح هذا الطاقم كما جرى التحقق المسبق من تفصيلاته وثناياه… حتى نصل الى ما وصلنا إليه الآن.

علينا أن ندرك الآن انه منذ لحظة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وما تلاها من انتفاضة مذهلة ومدّ جماهيري هائل وما أعقبها من اغتيالات وتفجيرات كانت قوى الثورة المضادة في الحال قد بدأت تعيد تجميع قواها وتنظم صفوفها من جديد وتتوزع فيما بينها الأدوار وتستعيد أنفاسها لتعاود الهجوم المعاكس لتسترد المواقع التي فقدتها. وقد تطلب ذلك ثماني سنوات زاخرة حبلى بل متخمة بتلاحق الأحداث. ولسنا هنا بصدد اعادة قراءة المراحل التي قطعها لبنان منذ ذلك المنعطف التاريخي الطاغي لأنه حتى البسطاء من الناس يسردونها بل اللبناني العادي يعرفها معرفة اليقين، إلا أن الوعي الكامل لترابطها فيما بينها لضرورة قصوى والوصول بها الى اللحظة التاريخية الراهنة لهو أكثر ضرورة حتى ينضج عندنا وعي كامل للظروف المحيطة بنا والى أين تكون غاية المصير.

إن حزب الله هو العقل المخطط والذراع العسكرية والناظم لقوى الثورة المضادة التي أخذت على عاتقها توزيع مهامها وترتيب صفوفها ودعمها بالمال والسلاح وتقديم الغطاء السياسي لها.

كان المخطط يقود اللبنانيين من مرحلة قلقة مخلخلة مهتزة الى مرحلة أخرى أكثر قلقاً وأكثر تأرجحاً واضطراباً. فبداعي المقاومة ومواجهة اسرائيل حتى لو انسحبت من الشريط الحدودي أصبح في لبنان جيشان، وعوضاً عن استنهاض مؤسسات الدولة وتحديثها وعصرنتها أصبح لدينا دولتان، ذلك كتوطئة لسقوط الدولة وبسط نفوذ وسيطرة دولة حزب الله. فلدولة حزب الله هذه جيشها وسلاحها وأجهزتها الأمنية وشبكات اتصالات خاصة بها وميزانية مالية ضخمة بل مؤسسات تجارية خاصة على قاعدة التمويل الذاتي لأن للحزب حساباته المالية الدقيقة، لأن تدفق الدعم المالي الايراني قد يتعرض للنضوب أو التوقف كأن تنشب حرب طاحنة في الخليج أو سواه كما جرى في شمالي اليمن… كما لهذه الدولة جامعاتها ومستشفياتها ومستوصفاتها وصيدلياتها ومعاهدها ومدارسها وحضانات أطفالها، وعوضاً أن تبني لنفسها مطارات استولت على مطار بيروت الذي يخضع لرقابة أجهزتها الأمنية مباشرة بالتنسيق مع مخابرات النظام الأسدي حيث يتم توقيف معارضي نظام دمشق لنقلهم مباشرة الى الحدود ثم الى أقبية وزنازين التعذيب الأسدية في دمشق.

انصبت كل جهود حزب الله على المجلس النيابي في الآونة الأخيرة للسيطرة عليه وهو آخر معاقل الديموقراطية البرلمانية اللبنانية، فعمدت مطابخه لتقديم “القانون الأرثوذكسي” السيئ الذكر لمشاغلة المسيحيين بعضهم بالبعض الآخر، واستمر النقاش العقيم حوله أشهراً طويلة وذلك بقصد اضاعة الوقت ونشر جو مخيف من الشحن الديني والمذهبي والبلبلة والاشمئزاز لدى الرأي العام اللبناني حتى يسقط في يده فينهار. هذا والاستحقاق الدستوري أصبح وشيكاً… وكانت كل المداولات تدور عملياً على خلفية وإيقاع الحرب الدائرة في سوريا فكان التمديد للمجلس الحالي وكأنه هدنة هشّة مؤقتة بين الفرقاء بانتظار جلاء الموقف في سوريا.

بعد سقوط المؤسسات الحكومية والادارات الرسمية والامساك بمرافق البلاد كافة، بل في آن معاً وهي في طريقها الى التهاوي والسقوط كان حزب الله يتورط بصورة غير معلنة في الحرب في سوريا، ثم راح تورطه يأخذ طريقه الى العلن فراحت شعارات الحزب بالدعوة الى حل سياسي للأزمة السورية تحل محلها طروحات ظلامية سوداء من قبيل “معركة حزب الله في سوريا هي مسألة حياة أو موت”. فالمقاومة التي طالما نادى بها حزب الله ضد اسرائيل بعد أن استدارت نحو الداخل اللبناني، خرجت هذه المرة نحو الشرق باتجاه الداخل السوري بعيداً جداً عن اسرائيل. لقد غرق حزب الله نهائياً في غياهب “القصير” و”حمص” و”حلب” ودرعا” وتراب سوريا المخضب بدماء وأشلاء السوريين ضحايا وشهداء النظام الفاشي الأسدي الذي لم يطلق طيلة 40 سنة طلقة واحدة باتجاه اسرائيل.

انه لنذير شؤم وخطأ قاتل يرتكبه حزب الله بإشعاله حرباً مذهبية في سوريا، فقد بدأت الأمور تخرج نهائياً من تحت السيطرة هناك. ان النظام الأسدي يترنح وينهار، فلا بد من دعمه بالمال والرجال والسلاح، ابتداء بروسيا، ومروراً بإيران والعراق وانتهاء بلبنان واليمن… والوقت داهم، فلا بد لحزب الله أن يحسم متاعب الساحة اللبنانية بسرعة لينصرف كلياً للقتال الضاري في سوريا. فقد أراح التمديد للبرلمان “الحزب”ترك اللبنانيين في بؤسهم وشقائهم ومصائبهم، فلدى اللبنانيين ملفات ثقيلة تراهم عاجزين عن حلها، فالجيش يفصل بين باب التبانة وجبل محسن في طرابلس، وحكومة الصناعة السورية مسؤولة وغير مسؤولة، والرئيس المكلف أسقط بيده فالأزمة أكبر من نواياه الطيبة، وموسم السياحة في الصيف الى افلاس وبوار وأزمة الكهرباء قد عادت أسوأ مما كانت عليه، والهم المعيشي قد نهش أرواح اللبنانيين وقضم مداخيلهم، والفضائح المالية والصفقات المخجلة أصبحت خبزهم اليومي، ورئيس البلاد تقترب ولايته من نهايتها في ظل برلمان مجدد له…

لقد ترك السيد نصرالله وراءه بلداً ممزقاً مأزوماً متخماً بالأزمات العصية على حافة الحرب الأهلية ليتفرغ الى مآثره الكبرى وجهاده المقدس ألا وهو محاولة سحق الثورة السورية إنقاذاً للنظام الأسدي الفاشي الحليف الاستراتيجي لنظام العمائم الايراني والتوأم للنظام العراقي المذهبي المتصدع… بينما تحرص اسرائيل على بقاء النظام الأسدي الضامن التاريخي لأمنها في الشمال.

هذا هو المشهد المأساوي الذي نحن حياله في الشرق الأوسط الذاهب بكل أزماته ومتاعبه وحمامات دماء شعوبه وأنظمته المهترئة الى جنيف-2 حيث تتكلم بعض الأوساط عن يالطا أخرى أو سايكس بيكو جديدة تفرضها عواصم القرار عنوة فوق رقاب الشعوب.

المستقبل

خلافات وتباينات في الطريق الى “جنيف ـ2

ماجد الشيخ

انعكست خلافات المعارضة السورية، وتعدد أجنحتها وتفاوت مواقفها من النظام ومن الأزمة بشكل عام، خلافات وتباينات في صفوف القوى الإقليمية والدولية الساعية نحو إيجاد حل سياسي للأزمة السورية، التي عمّرت حتى الآن أكثر من عامين وسط تزايد أعداد القتلى والجرحى والمشردين والنازحين هربا من دمار الحرائق. بينما يبلغ التنافس الإقليمي على النفوذ والهيمنة في صفوف قوى المعارضة، حدودا بات معها وجود أكثر من عقبة، تقف حائلا من دون حصول تقدم في اجتماعات المعارضة، من قبيل ما جري في عمان وذاك المؤتمر الذي انعقد في اسطنبول قبل أيام، وبحسب ما يقول ناشطون ومعارضون، فإن الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة السورية لم يتمكن بسبب الانقسامات، من التطرق إلى موضوع البحث الرئيسي، وهو اتخاذ قرار بشأن المشاركة في المؤتمر الدولي حول سوريا (جنيف2) المزمع عقده في حزيران (يونيو).

وبدلا من أن يعلن النظام السوري عن مشاركته في (جنيف2)، جاء الإعلان من موسكو التي أعلنت الجمعة (24/5) أن النظام السوري موافق “مبدئياً” على المشاركة في المؤتمر، في حين طالب متحدث باسم الائتلاف، بـ”بادرات حسن نية” قبل مطالبة المعارضة بقرار حول المشاركة، موضحاً أن من هذه البادرات “الانسحاب من بعض المدن” و”وقف استخدام صواريخ سكود” من جانب النظام. فيما أكد وزير الخارجية السوري وليد المعلم خلال زيارة إلى بغداد الأحد (26/5)، ان بلاده ستشارك “من حيث المبدأ” في مؤتمر (جنيف2) الذي رأى فيه فرصة مؤاتية للحل السياسي للازمة في سوريا.

من جانبه حض وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، الرئيس السوري بشار الأسد على حضور مؤتمر جنيف للسلام، وحذره من اعتبار “الانتصارات الاخيرة نهائية” في إشارة إلى ما يجري في القصير، ونبه الى ان عدم استغلال فرصة “جنيف2″ ستعني استمرار الحرب، ووقوع مجازر وحتى تقسيم سوريا. وقال إنه من دون مفاوضات جادة ستشهد سوريا اراقة دماء بشكل اسوأ، وسنرى انه اذا لم يعقد (مؤتمر) (جنيف2) فان كل ما سنشهده هو استمرار التقسيم المأسوي، وهو ما سيؤدي الى المزيد من اعمال العنف والدمار”.

وفي وقت لا تزال المواقف الروسية والغربية متباعدة، فقد ظهر التباين واضحاً بين موقفي الولايات المتحدة وروسيا في شأن المؤتمر العتيد. وبينما دعا وزير الخارجية الأميركي جون كيري، قبيل انعقاد اجتماع عمان لـ”مجموعة أصدقاء سوريا”، الرئيس السوري بشار الأسد إلى التزام السلام، مهاجماً إيران و”حزب الله”، هاجم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أثناء استقباله نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، المعارضة السورية التي “لم تُظهر حتى الآن التزاماً كافياً تجاه الجهود المبذولة لعقد مؤتمر للسلام مع حكومة الرئيس الأسد” لكنه تجاهل الإشارة إلى مجموعات المقاتلين من “حزب الله” و”الحرس الثوري” الذين يناصرون النظام.

في هذه الأجواء المتشائمة، خطت “ديبلوماسية التسليح” خطوة متقدمة، في أعقاب سماح الاتحاد الاوروبي لاعضاء فيه، بتوريد اسلحة دفاعية الى المعارضة السورية اعتباراً من اول آب (اغسطس) المقبل، واعلان البيت الابيض انه كان يعلم بزيارة السناتور جون ماكين للاراضي السورية تحت سيطرة المعارضة، بالتزامن مع اعلان روسيا انها ستسلم صواريخ “أس 300” إلى نظام الرئيس بشار الأسد، في ما بدا انه معركة “شد حبال” بين روسيا والغرب قبيل معرفة مصير مؤتمر “جنيف2” المتوقع بين 15 و16 حزيران (يونيو). في وقت شددت فرنسا وبريطانيا على ان ليس لديهما “الخطط الفورية” لتزويد المعارضة أسلحة دفاعية، فيما حمل الكرملين على الأوروبيين بقوة، معتبراً قرار رفع الحظر على تسليح المعارضة عائق امام “جنيف2″، مصراً على مواصلة تزويد دمشق بالصواريخ باعتبارها “عامل استقرار”.

وكان كيري قد لوح في وقت سابق، بورقة تسليح المعارضة، “إذا لم يلتزم الرئيس الأسد السلام”. وعن إمكان لجوء واشنطن إلى تسليح المعارضة لو فشل الخيار السلمي، قال كيري “أكد الرئيس باراك أوباما نيته دعم المعارضة، ولا تزال كل الخيارات المتعلقة بهذا الدعم ونوعيته مطروحاً على طاولة النقاش، وعلى الأسد أن يفهم جيداً ما الذي نقصده”.

إلا أن مصادر في عمان، ذكرت إن كيري أخبر المشاركين قبيل اجتماع عمان، وعلى العكس من مواقف سابقة، رغبة واشنطن “الإبقاء على الأسد أثناء المرحلة الانتقالية، على أن يكون رئيساً بلا صلاحيات، في وقت يجب أن يرحل تماماً عن السلطة، عقب المرحلة الانتقالية”. وأوضحت المصادر أن اجتماع عمان سعى إلى “التمهيد لاجتماعات “جنيف2″، على أن يتم اعتماد صيغة واضحة للمرحلة الانتقالية، والسقف الزمني، والبحث في مدى نجاحاتها”.

وبالتوازي مع التحضيرات الروسية – الأميركية التي ينشط المبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي لتنسيقها مع الحكومة السورية، والمعارضة، والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، والأمانة العامة للأمم المتحدة، تكثفت الضغوط المتبادلة من أقطاب المؤتمر العتيد، لإرساء التوازن الذي سينعكس على طاولة المفاوضات، فيما يحاول النظام والمعارضة فرض توازن آخر ميدانياً قبل انطلاق المؤتمر.

وفي كل الأحوال، لا يبدو أن انعقاد مؤتمر لمعالجة ما يمكن تسميته “المسألة السورية” في وضع أكثر تعقيدا على الصعيد الإقليمي والدولي، سيكون سهلا، وإن عقد؛ فإن موضوعاته لن يكون من السهل الوصول إلى توافقات واضحة في شأنها، ذلك إن صراعا كذلك الجاري في سوريا، يتداخل فيه المحلي والإقليمي والدولي، لن يكون بمستطاع قوى يزداد تورطها فيه يوما بعد يوم، أن تخلّص نفسها ومن يتحالف معها للخروج من أتونه الملتهب؛ لا سيما وأن “حربا ساخنة” عبر وكلاء محليين، باتت تجري في العمق، تجاوزت كل حرارة وسخونة “الحرب الباردة” المستمرة بصورة أو أخرى، بين المعسكرين إياهما؛ الشرقي بزعامة روسيا، والغربي بزعامة الولايات المتحدة مع اعتماد أكبر على “الحلفاء” و”الوكلاء”، في ظل تغيّر معطيات وظروف الصراع، وتعقد وتشابك المصالح الاستراتيجية في التقائها وتنافرها.

المستقبل

في الطريق إلى جنيف

  ممدوح طه

رغم أنه ليس من عادتي الاستشهاد بمقالاتي السابقة، إلا أنني رأيت من المفيد اليوم الاستشهاد بمقال سابق، للإشارة فقط إلى أن دعوتي للحل السياسي ورفضي للحل العسكري هو موقف قديم وثابت، وللإلحاح على ضرورة إزالة العوائق على الطريق إلى المؤتمر الدولي “جنيف 2″، باعتباره الطريق الوحيد لتحقيق الحل السياسي للأزمة السورية، إذ إن البديل الآخر أكثر خطرا وأشد رعبا على كل أطراف الأزمة ودول المنطقة.

تحت عنوان “في الأزمة السورية.. هل يصبح جنيف هو الحل؟” بتاريخ 21/9/2012، أكدت في مقالي بصحيفة “البيان” على نقطتين أساسيتين: الأولى، أنه لا حل عسكريا للأزمة داخليا ولا خارجيا، والسيناريو الليبي لا يمكن تكراره في سوريا. والثانية، أن “اتفاق جنيف” بين الدول الخمس الكبرى يبدو هو الحل السياسي الممكن بين جميع المبادرات المخلصة والقرارات المنحازة المطروحة”.

كان ذلك المقال أشبه برسالة إلى السفير العربي المخضرم الأخضر الإبراهيمي، في بداية تفويضه مبعوثا أمميا، لعلها تساهم في الإشارة إلى طريق الحل، فيما كان يطوف العواصم شرقا وغربا ويلتقي بالأطراف الدولية والإقليمية والسورية بحثا عن حل، بعدما أعلن المبعوث الأممي السابق كوفي عنان عن فشل مهمته، بسبب تصلب المواقف والانقسامات على جميع المستويات، والإصرار على استمرار الاقتتال!

وقلت في بدايته: “فيما لا تزال سوريا هي موضوع الحوار والسجال الرئيسي في كل المؤتمرات العربية والإقليمية والدولية، بل وفي كل اللقاءات الرئاسية والوزارية الثنائية، بحثا عن حل تتوافق عليه المصالح الدولية المتباينة، والمصالح الإقليمية المتقاطعة، والمصالح العربية المتشابكة، أظن أنه عندما يمكن للمصالح الخارجية الكبرى أن تتوافق، حينئذ فقط يمكن أن تتفق الأطراف الإقليمية والسورية.. وفي النهاية، هل تكون جنيف هي الحل؟”.

واليوم بات الحل السياسي بالمفاوضات بين النظام والمعارضة، هو الخيار الروسي الأميركي المشترك بعقد مؤتمر جنيف 2 للخروج من الأزمة المشتعلة، بعدما اتضح لجل الأطراف السورية والعربية والإقليمية والدولية، فشل الحل العسكري في تحقيق الانتصار الحاسم لأي من الإخوة المتقاتلين! وبات نداء السلام الأهلي لحقن الدماء السورية، هو الأعلى من أصوات الصواريخ والمدافع والتفجيرات الإرهابية.

ومن صرخات الأمهات والأطفال، ومعاناة اللجوء والنزوح اللاإنسانية، بعدما سقطت الرهانات الدموية والمناورات السياسية! وفي نهاية المطاف بات الطريق إلى “جنيف 2” هو المسار الوحيد الأكثر عقلانية وواقعية وإنسانية، فيما تبدو البدائل الأخرى بتعقيداتها وتداعياتها وآثارها الوطنية والإقليمية والدولية، أكثر خسارة وأعلى كلفة وأشد رعبا على كل المتورطين في الأزمة المشتعلة والدامية.

ربما اتفقت المبادرات وحذرت القرارات الدولية مما لا ينبغي الوقوع فيه من تفكيك وحدة سوريا، ومن محاذير التدخل العسكري الدولي، ومن خطر امتداد النزاع إلى دول الجوار متعددة الأعراق والطوائف والمذاهب، لكن المشكلة أنها لم تتفق على ما ينبغي التوصل إليه بوسائل سياسية، وبخطوات عملية وواقعية، وبعدالة وعقلانية.

وبينما رأى الغرب، أن إشعال القتال في سوريا بين الجماعات الدينية المقاتلة وجيش النظام العلماني، يحمي أمن إسرائيل بإضعاف سوريا، ويحمي أمن الغرب بسحب المتطرفين والإرهابيين إلى “الجهاد” في الشرق، فلقد اكتشفوا أن اشتداد الصراع ينذر بتداعيات خطيرة تهدد أمن إسرائيل وحلفاء أميركا، وأن استمرار الصراع المسلح يوفر بيئة حاضنة لنمو الإرهاب، بما يهدد أمن الغرب بعد عودة المقاتلين “الإسلاميين” الأوروبيين إلى دولهم، وهو الاحتمال الأسوأ..

وهذا ما دفعهم للمراجعة والتراجع بحثا عن حل سياسي، مع محاولة أن يحققوا بالسياسة ما فشلوا في تحقيقه بالحرب الأهلية، وبالغارات الإسرائيلية على العاصمة السورية، خصوصا مع تزايد خطر الضربة السورية المضادة بما يفتح الباب لإشعال حرب إقليمية وربما عالمية..!

من هنا تحقق في موسكو الاتفاق الروسي الأميركي على الإقرار بفشل الحل العسكري، وعلى ضرورة عقد المؤتمر الدولي للحل السياسي في سوريا بين النظام والمعارضة، على أساس اتفاق “جنيف 1” الذي يوفر حلا متكاملا، والأهم أن الدول الخمس الكبرى وقعت عليه.

وبينما حاولت أميركا المناورة من جديد لتحقيق مكاسب قبل المؤتمر، بالتلويح مجددا بالتدخل العسكري بحجة استعمال النظام السوري للسلاح الكيماوي، وعاد الغرب الأوروبي للإعلان عن تسليح المعارضة بحجة تقوية المعارضين المعتدلين على المتطرفين..

إلا أن تلك المزاعم والحجج قد تراجعت، أولاً مع إعلان تركيا القبض على 12 معارضا على صلة بجبهة النصرة، التي تقاتل نظام الأسد والمصنفة أميركيا وأمميا بالإرهاب، معهم مواد كيماوية يخططون لتنفيذ هجمات بها داخل الأراضي التركية..

وثانيا، مع الإعلان الأميركي على لسان وزير الدفاع، بعدم وجود دليل قاطع على أن النظام السوري استخدم السلاح الكيماوي.. في حين فوجئت إسرائيل وأميركا بالرد الروسي القوي، بالإعلان عن تزويد سوريا بصواريخ إس 300 للرد على أي هجمات إسرائيلية أو تدخلات عسكرية أميركية.

وبتوبيخ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لنتانياهو قائلا: “لا تريدون لسوريا أسلحة دفاعية؟.. حسنا، كفوا عن الغارات الهجومية”. وهكذا تتلاحق الأحداث والتطورات، لتعيد المسار إلى جنيف من جديد، كطريق وحيد ممكن للحل السياسي لا العسكري..

وبما يتيح خروج جميع الأطراف دون خسائر إضافية، خصوصاً مع تردد الرئيس الأميركي في تكرار المغامرة الفاشلة في العراق بناء على معلومات خاطئة، ومع ما ثار في أميركا من صخب بعد مقتل السفير الأمريكي في ليبيا بسلاح أميركي، على أيدي من تتهمهم أميركا بالإرهاب والارتباط بالقاعدة، وحرص الرئيس أوباما على الاستفادة من الدرس الليبي وعدم تلقي درس سوري مماثل!

ورغم ما يبدو من غيوم وعراقيل على طريق “جنيف”، مثل انقسامات الائتلاف المعارض، واشتداد الاقتتال في “القصير”، وزيادة الاصطفافات مع الجانبين طائفيا ومذهبيا،.

وتقدم جيش النظام على الأرض، ولأن لكل معركة نهاية بالتفاوض السياسي، تصمم روسيا والصين رغم المناورات الأميركية والأوروبية، على إطلاق العملية السياسية عبر التفاوض بين النظام السوري والمعارضة، تحت مظلة مؤتمر “جنيف 2” الذي يبدو “الفرصة الأخيرة” لحل هذه الأزمة المأساوية، بما يستجيب لتطلعات الشعب السوري في التغيير والوحدة والسلام.

لا أمل بحل في جنيف

ابراهيم الأمين

ها نحن نقترب من مرحلة جديدة في سوريا. المؤتمر المنوي عقده في جنيف لا يبدو أنه سيخرج بنتائج قابلة للترجمة. لكن وظيفته باتت محصورة في رسم الإطار العام. وهذا يعني أن كل الذين عملوا خلال عامين وأكثر على إسقاط النظام في سوريا سيقرّون مداورة بأن النظام عصيّ على السقوط، وأن الرئيس بشار الأسد باق في موقعه. وفي المقابل، سيعطي النظام إشارة عملانية على استعداده للتفاوض مع جهات ترتبط بشكل وثيق بالمجموعات المسلحة التي تخوض المعارك على الأرض.

عدم قدرة المؤتمر على إنتاج تسوية سريعة عائد الى أسباب كثيرة، أبرزها أن المعركة القائمة على الأرض تتجه صوب وقائع ميدانية مختلفة عما كان عليه الأمر يوم انطلق البحث في مؤتمر «جنيف 2». وليس خافياً على أحد من المعنيين أن الحكم في سوريا، بدعم واضح من حلفائه، بصدد شن المزيد من الهجمات الهادفة الى استعادة السيطرة على مناطق كبيرة في ريف دمشق وريف حلب، والسيطرة على محافظة حمص بصورة كاملة.

في المقابل، تواجه قوى المعارضة المسلحة أزمات متتالية، أبرزها عدم قدرة قيادتها السياسية على التوحد في إطار أو خلف موقف موحد. واشتداد المعركة بين القوى الخارجية الراعية لهذه المعارضات على من يتولى الإمرة. كذلك تواجه المجموعات المسلحة أزمة فقدان القدرة على خلق قيادة سيطرة منسقة بشكل فعال. ويشير معنيون ومتابعون للمعارك القائمة على أكثر من محور الى أن حجم البلبلة في صفوف المجموعات المسلحة يزداد يوماً بعد يوم، سواء على خطوط المواجهة المباشرة أو في المناطق الخلفية. بينما يرتفع منسوب التململ عند الأهالي في المناطق التي تخضع لسيطرة المسلحين، جراء أعمال النهب والسرقة والخوات من جهة، ومحاولة المجموعات التكفيرية فرض طقوسها الاجتماعية وعاداتها على السكان المحليين.

وسط هذه الأجواء، يحلو لكثيرين من أنصار المجموعات المسلحة، أو معارضي النظام، الحديث عن أن موازين القوى سببها الدعم الكبير الذي يحصل عليه النظام من حلفائه الخارجيين، مقابل امتناع أو استكانة داعمي المجموعات المسلحة عن تقديم ما تحتاج إليه لحسم المعركة.

الأمر الأكيد، أن المجموعات المسلحة ومن يعمل معها، بما في ذلك «كتبة جبهة النصرة»، يعيشون وهم قدرة الجيوش الغربية على الدخول في معركة فاصلة الآن، وأن الامر لا يحتاج إلا الى أمر عسكري أو إداري فقط. وهؤلاء لا يريدون الاقتناع بأن الغرب ومن معه من عرب يقومون بما يقدرون على القيام به لدعم المجموعات المسلحة. ولو أن كثيرين منهم يسعون بقوة إلى تدمير سوريا، ولا يهتمون لمن يسقط أو لما يدمر. وبعضهم يتمنى لو تستمر الحرب هناك سنوات طويلة وتنتقل الى دول أخرى، كالعراق ولبنان مثلاً.

منذ أكثر من سنة ونصف، بادر المسلحون وجماعات الضغط الداعمة لهم في المنطقة الى التواصل مع الأتراك وبعض الدول العربية ودول في أوروبا والولايات المتحدة لحثهم على التدخل مباشرة في الحرب الدائرة في سوريا، إن من خلال إرسال قوات عسكرية أو فرض حظر جوي، ومن ثم صار الضغط لإرسال خبراء وتدريب المسلحين، وتسهيل عبور المقاتلين من دول خارجية، وطلب أسلحة من أنواع مختلفة.

الذي حصل، أن تركيا فتحت الحدود على مصراعيها، ولم تسهّل دخول مقاتلين وأسلحة فقط، بل أقامت معسكرات تدريب داخل أراضيها ثم داخل الأراضي السورية لتدريب المسلحين. وترافق ذلك مع فتح الباب أمام عملية تسليح متنوعة، قائمة أساساً على ما يقدر المسلحون على استعماله. ثم تطور الأمر الى تزويد هذه المجموعات بكمية من المعلومات ذات الطابع الاستخباري، ووصل الأمر الى حدود إرسال داعمي المسلحين عناصر من استخباراتهم العسكرية الى داخل الأراضي السورية.

وفيما كانت دول الخليج العربي، السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة على وجه الخصوص، ترصد ملايين الدولارات لدعم هذه المجموعات، وذلك تحت ألف عنوان وعنوان، كان العمل الأمني ينشط بقوة مع الدعاية الإعلامية لتسهيل عملية انشقاق آلاف الضباط والعسكريين عن الجيش، وبعض الموظفين في الإدارة العامة للدولة السورية. وهو ما تعزز بتعاظم دور الملك الأردني وجماعاته الأمنية والعسكرية داخل الدولة، والدور الإضافي لفريق 14 آذار في لبنان.

وبرغم علم الكل بأن بيانات مجلس الأمن والعقوبات والحصار لا تفيد فعلياً في معركة كهذه، فإن الدبلوماسية العالمية لم تترك وسيلة إلا لجأت إليها لتحقيق هدفها. لكن الحقائق كانت تقول العكس. فلا النظام انهار، ولا الجيش تفكك، وظهر أن قسماً كبيراً من الشعب السوري لا يزال واقفاً الى جانب النظام، وأن آخرين يدعمون المعارضين صاروا يعادون خيار اللجوء الى السلاح، وهم يفضلون النظام على المجموعات التكفيرية التي تتوسع سيطرتها على العمل المسلح.

لكن، لا نعرف ما هي الصفة التي تنطبق على هؤلاء: هل هي الغباء، أو السذاجة، أو الغلو والحقد، أو العمالة، حتى وصل الأمر بهم الى تجاهل حقيقة أن جيوش الغرب لن تقدر على التدخل مباشرة إلا إذا كانت في صدد الدخول في مواجهة لن تقف عند حدود سوريا. وهو ما جعل عرب أميركا مستعدين لبيع فلسطين ألف مرة ومرة، مقابل ضمان قيام إسرائيل بالمهمة.

«جنيف – 2» مهمة ضرورية، ووقف حمام الدم مطلب حقيقي للشعب السوري، لكن، للأسف، لم يحن بعد أوان الحل!

الاخبار

مداواة جراح سوريا بالحوار

غاريث إيفانز

إن الاقتراح المقدم من الولايات المتحدة وروسيا لعقد مؤتمر دبلوماسي لإنهاء المذبحة في سوريا، يستحق ردة فعل أقل تشككاً من تلك التي تلقاها . فعلى الرغم من صعوبة حمل كل الأطراف ذات الصلة على الجلوس إلى طاولة المفاوضات في جنيف في أي وقت قريب، فضلاً عن ضمان نتائج حقيقية، فإن الدبلوماسية هي اللعبة الوحيدة المتبقية . وبقدر ما قد يتمنى المرء خلاف ذلك، فإن كل الخيارات الأخرى التي نوقشت حتى الآن كانت إما خاطئة من حيث المبدأ، وإمّا غير قابلة للتطبيق من الناحية العملية، أو من غير المرجح أن تكون فعّالة، بل وربما كانت لتؤدي إلى زيادة المعاناة وليس تخفيفها .

  بعد عامين من الحرب الأهلية، وفي غياب أي انتصار عسكري حاسم من أي من الجانبين، أصبح الموقف شديد البؤس . فوفقاً لتقديرات الأمم المتحدة الحالية، حصد الصراع أرواح أكثر من ثمانين ألف ضحية من أهل سوريا، هذا فضلاً عن احتياج نحو 6 .8 مليون إنسان  ثلث عدد سكان البلاد  إلى المساعدات الإنسانية العاجلة . وقد نزح 25 .4 مليون مواطن سوري داخلياً، وهناك أكثر من 5 .1 مليون آخرين فروا من البلاد، ليحتموا كلاجئين في لبنان، والأردن، وتركيا .

إن الضغوط التي تتحمّلها الدول المجاورة لسوريا هائلة، وسوف يمتد الصراع لا محالة إلى المنطقة ككل، وقد ارتكبت القوات الحكومية والقوات التابعة للمعارضة على حد سواء، جرائم فظيعة، ومن المتوقع أن نشهد المزيد من مثل هذه الجرائم مع تصاعد العنف بين المجموعات الطائفية الرئيسة .

  إن هذا الشلل الدولي المستمر يتعذر تبريره أو الدفاع عنه، فالتقاعس عن العمل من شأنه أن يشعل الحرائق في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، هذا فضلاً عن انتهاكه مبدأ المسؤولية عن الحماية الذي بات مقبولاً الآن في المجتمع الدولي، وهي المسؤولية التي لابد من تحملها من خلال عمل جماعي حاسم وجيد التوقيت، لحماية السكان المعرّضين لخطر الإبادة الجماعية، والتطهير العرقي، وغير ذلك من الجرائم الكبرى التي ترتكب ضد الإنسانية وجرائم الحرب .

  وقد تم استدعاء هذا المبدأ الذي أجمع عليه أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام ،2005 بنجاح في أماكن أخرى، بما في ذلك دعم التدخل الدبلوماسي في كينيا العام 2008 . واستندت إلى المبدأ نفسه أيضاً التدخلات العسكرية بتفويض من مجلس الأمن في ليبيا وساحل العاج في العام ،2011 ثم في مالي مؤخراً . ولكن كيف يمكن تطبيق هذا المبدأ على الفوضى التي تجتاح سوريا الآن؟

إن الحاجة الأكثر إلحاحاً الآن التي لا ينبغي أن يدور حولها خلاف يُذكَر، تتلخص في توفير المساعدات الإنسانية الهائلة . صحيح أن المشكلات المتعلقة بالتسليح كثيرة في مناطق الحرب، ولكن ليس في كل مكان . ورغم هذا فإن المانحين الدوليين يترددون كثيراً سواء في ما يتصل بتلبية الالتزامات القائمة أو بذل تعهدات جديدة، وكل المساعدات في العالم لن توقف القتل .

الآن، لم تعد أدوات الإجبار غير العسكرية قادرة على التأثير في الأرض بشكل ملموس، ولو أن تهديدات مجلس الأمن بالملاحقة القضائية لدى المحكمة الجنائية الدولية عن الجرائم الوحشية  بما في ذلك أي استخدام للأسلحة الكيميائية  لابد أن تظل مطروحة على الطاولة . ولكن ماذا عن الخيارات العسكرية التي لاتزال مفضلة بقوة بين العديد من صناع السياسات والخبراء؟ . . المشكلة هي أن كل حاوية في صندوق الأدوات هذا فارغة أيضاً .

إن التدخل العسكري المباشر لإسقاط النظام السوري لن يحظى أبداً بموافقة مجلس الأمن، وليس هناك من قد يتطوع له على أية حال بين القوى العسكرية القادرة، ولو أن هذا يرجع في أغلب الحالات إلى المخاطر السياسية والعسكرية المصاحبة لمثل هذا التدخل، وليس إلى تعذر تقديم المبرر القانوني للعمل خارج نطاق ميثاق الأمم المتحدة . وحتى التدخل الأقل تحزباً وتحيزاً الذي يتمثل في الاستعانة بقوات برية وجوية للفصل بين الأطراف المتحاربة قسراً، لن نجد له مؤيدين، ومن غير المحتمل أن توافق عليه الأمم المتحدة، والأمل هامشي في أن يجلب مثل هذا التدخل قدراً من الضرر أقل من المقصود تجنبه .

وهناك عدد كبير آخر من المتحمسين لتدخل عسكري أكثر تحديداً ودقة، ومُصمّم لإنشاء منطقة حظر طيران أو أكثر، وربما أيضاً توفير ملاذات آمنة وممرات إنسانية على الأرض . في الأيام الأولى من الأزمة، احتج البعض بأنه في ضوء القوة التي تتمتع بها دفاعات النظام الجوية وقواته البرية، فحتى هذه الأهداف المحدودة قد لا يتسنّى تحقيقها من دون الاضطرار إلى دخول حرب شاملة، وبالتالي فإن مثل هذا التدخل قد يؤدي إلى زيادة المعاناة الإنسانية .

ولكن مع التهاب الأوضاع في القسم الأعظم من البلاد الآن، تصبح هذه الحجة أقل إقناعاً . ولكن يظل من الثابت أن الدور العسكري لا يحظى بقبول واضح، ويرجع هذا جزئياً إلى حجم وصعوبة وخطورة الالتزام المطلوب، فضلاً عن التكاليف السياسية والقانونية المحتملة، نظراً لتدني احتمالات التأييد من قِبَل مجلس الأمن .

وتمارس المملكة المتحدة وفرنسا ضغوطاً شديدة لمصلحة التدخل العسكري غير المباشر: على اعتبار أن تزويد جانب المعارضين بالأسلحة يشكل في اعتبارهما خياراً منخفض التكاليف والمخاطر، وربما يكون ذا عائد مرتفع محتمل . والآن رفع الاتحاد الأوروبي حظره، ولكن الولايات المتحدة تتوخى الحذر، ولها كل العذر . ذلك أن نسبة مقلقة من القوات المعارضة من المتطرفين الإسلاميين، وليس هناك ما قد يضمن أن تظل الأسلحة بعيداً من أيديهم .

وعلى نطاق أوسع، فإن الزيادات الطارئة على الأسلحة التي يتم تسريبها إلى القوات المعارضة من قِبَل بعض الدول، كانت مرتبطة بزيادات هائلة في أعداد القتلى من المدنيين، ما يشير إلى أنها تكلف من الأرواح أكثر مما قد تنقذه، وفي غياب أيّ مكاسب استراتيجية ملموسة . فنظام الأسد، بدعم من مؤيديه في الخارج، يبدو من المرجح ألا يجد صعوبة في مضاهاة أي سلاح جديد في مواجهته .

وإذا كان الأساس المنطقي لتسليح المعارضة ليس كسب الحرب بل إضعاف مقاومة الحكومة للتفاوض، فبوسعنا أن نقول إن عناصر “الجمود الضار” بدأت تتضح بالفعل، حيث من المرجح ألا تفضي زيادة الأسلحة إلا إلى المزيد من الاقتتال والمزيد من الضحايا . والواقع أن الضغوط التي كانت الأكثر أهمية دائماً بالنسبة إلى نظام الأسد هي تلك التي يمكن تطبيقها من قِبَل روسيا .

والجديد والمشجع الآن بشأن أحداث الشهر الماضي هو أن روسيا وجدت أرضية مشتركة كافية مع الولايات المتحدة  في القلق المتبادل بين الدولتين بشأن صعود نفوذ الإسلام المتطرف في منطقة مقسمة ومتقلبة على نحو متزايد  لإبداء استعدادها لفرض بعض الضغوط على الأقل .

وسوف تكون التنازلات المؤلمة ضرورية من الجانبين إذا كان لمؤتمر جنيف أن يحظى بالفرصة حتى للانعقاد، فضلاً عن التوصل إلى اتفاق على وقف إطلاق النار والإدارة الانتقالية . ومن المشجع أن الولايات المتحدة، في أعقاب محادثات بين وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف، تبدو على استعداد لتقبل اضطلاع بعض كبار المسؤولين في نظام الأسد بدور في أي تسوية، وأن بعض الاقتراحات البناءة بدأت تخرج على لسان بعض الجهات المعارضة على الأقل .

إن الحلول الوسط قد تكون بغيضة في نظر المتزمتين، ولكنها كانت دوماً تشكل المادة التي يصنع منها السلام، ولم تكن الحلول الوسط قط أكثر أهمية مما هي عليه الآن في سوريا .

* رئيس الجامعة الوطنية الأسترالية، وكان وزيراً لخارجية أستراليا في الفترة من العام 1988 إلى العام ،1996 والمقال ينشر بترتيب مع “بروجيكت سنديكيت”

الخليج

حظوظ نجاح «جنيف – 2»

د. أحمد عبد الملك

على رغم اتفاق الولايات المتحدة وروسيا وبعض الدول الأوروبية على عقد مؤتمر خاص بالأزمة السورية في جنيف، إلا أن هنالك عقبات عديدة يتخوف المراقبون من تأثيراتها على نجاح المؤتمر. فتشكيل الوفود من أهم العقبات، وكذلك من هم ممثلو النظام السوري؟

وكان مؤتمر جنيف السابق في يونيو 2012، الذي ضم الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن إضافة إلى وزراء خارجية من الدول العربية وتركيا والاتحاد الأوروبي، قد أقر تشكيل «حكومة انتقالية» تتمتع بصلاحيات كاملة بالتوافق المتبادل. إلا أن هذا القرار لم يوضع موضع التنفيذ لضبابية الموقف حول مصير رئيس النظام بشار الأسد! حيث تؤيد فرنسا تحييد الأسد عن أي دور مستقبلي في سوريا. كما أن المعارضة السورية رفضت اللائحة الرسمية لوفد النظام السوري، لأنها تضم شخصيات تلطخت أيديها بدماء السوريين! كما أن المعارضة نفسها تعاني الانقسام ولم تتوصل إلى وضع قائمتها. واستغلت موسكو هذا الموقف لتعلن أن المعارضة السورية تشكل العقبة الرئيسية في المؤتمر. ومن العقبات إصرار موسكو على حضور إيران إلى المؤتمر في الوقت الذي تعارض فيه واشنطن وباريس هذا التوجه. وحسب موقع «إيلاف» فإن هنالك خططاً تحضّرها إيران و«حزب الله» للإمساك بزمام الأمور في سوريا في حال سقط نظام الأسد، وذلك عبر إرسال 250 ألف جندي للسيطرة على الوضع في سوريا! وهذا ينذر بـ«أقلمة» النزاع.

وكان الاتحاد الأوروبي قد وافق على تسوية تقضي برفع الحظر على الأسلحة إلى المعارضة السورية حتى تتضح الحلول السياسية الجديدة للأزمة، في الوقت الذي أعلن الأسد أن سوريا تلقت شحنة من الأسلحة يوم الخميس 30/5/2013، في إشارة إلى نظام روسي متقدم للدفاع الجوي، وأن بلاده ستتسلم قريباً بقية نظام «إس- 300». وقد نفت وسائل إعلام روسية تصريحات الأسد. في الوقت الذي اعتبرت فيه المعارضة السورية أن القرار الأوروبي جاء متأخراً وغير كافٍ. كما عبّرت موسكو عن امتعاضها الشديد لأن هذا القرار يلحق ضرراً مباشراً بالجهود الدبلوماسية! وفي ذات الوقت يمتعض الغربيون من استمرار تزويد روسيا النظام السوري بالأسلحة، وخصوصاً الصواريخ. وكانت روسيا قد أعلنت أنها لن تلغي خططاً لتزويد سوريا بنظام للدفاع الجوي، على رغم معارضة الغرب. واتهم نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي ربابكوف الاتحاد الأوروبي بـ«سكب الزيت على النار»، بعد قراره عدم تجديد الحظر المفروض على شحن الأسلحة إلى سوريا. وأشار إلى أن هذا النظام الصاروخي سيردع التدخل الخارجي في سوريا. وأنه سيكون عامل استقرار، ولمنع «المتهورين» من استكشاف سيناريوهات يمكن أن تعطي لهذا الصراع طابعاً دولياً بمشاركة قوات خارجية! ولم تخف إسرائيل حذرها من الصفقة الروسية، وألمح مسؤولون إسرائيليون إلى غارات جوية جديدة يمكن أن تشنها إسرائيل لإعاقة هذا النظام.

وكانت المتحدثة الرسمية باسم الحكومة البريطانية «روزماري ديفيز» قد أعلنت في حديث مطول مع جريدة «الراية» القطرية الأسبوع الماضي بمقر السفارة البريطانية بالدوحة، أن بريطانيا تسعى إلى حل سياسي في سوريا، ولكن تبقى كل الخيارات مطروحة بما فيها الحل العسكري وتسليح المعارضة في حال فشل مؤتمر «جنيف-2». وأشارت إلى عدم وجود ضمانات لنجاح هذا المؤتمر للتوصل إلى تسوية نهائية للأزمة في سوريا. كما اتهمت روسيا والصين بعرقلة جهود الدول الغربية والعربية لحل الوضع في سوريا، مؤكدة أن «روسيا تفضّل حماية النظام على الشعب السوري، ونعتقد أن الموقف الروسي هو السبب الرئيسي لفشل الجهود الدبلوماسية للمبعوثين الأمميين». وعن مشاركة الأسد في «جنيف-2» قالت المسؤولة البريطانية: «من الصعب أن نتخيل أن الأطراف ستوافق على مشاركة بشار الأسد في أي إدارة مستقبلية في سوريا».

وهذا التناقض بين الرؤية الأميركية والأوروبية وبين الرؤية الروسية والصينية والإيرانية يجعل «جنيف-2» على صفيح ساخن لا يعلم مدى حرارته وتأثيره على مستقبل الأحداث في المنطقة. كما أن عدم تحديد موعد واضح لعقد المؤتمر يُضيف إلى العقبات المذكورة، ويزيد من تعقيد الأزمة وبالتالي هدر المزيد من الأرواح والمزيد من المُهجّرين ومن الدمار الذي سيلحق بالبنى التحتية في سوريا، وبالتالي يمكن أن يساهم في «ترحيل» الحل السلمي إلى ما بعد انتهاء ولاية الأسد عام 2014. وقد أعلن وزير الخارجية السوري وليد المعلم الخميس الماضي أن الأسد سيظل في السلطة حتى 2014، وأنه سيترشح للانتخابات الرئاسية التي ستجرى في العام نفسه. وهذا الإعلان خيّب آمال المتأملين في وضع نهاية للمأساة السورية عام 2014.

وقد أعلنت واشنطن يوم 29/5/2013 أن جميع الخيارات متاحة في سوريا، بما فيها فرض حظر طيران، وربما يكون هذا الحظر رادعاً للقوات الجوية السورية من الإغارة على الآمنين وتدمير بيوتهم فوق رؤوسهم، أو تطويق المعارضة في كافة أنحاء سوريا، ولكن لا نستبعد استخدام روسيا والصين حق النقض «الفيتو» ضد القرار. وكان مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة قد أدان النظام السوري لسماحه بدخول مقاتلين أجانب من شأنهم زعزعة استقرار المنطقة أكثر، في إشارة إلى مسلحي «حزب الله» المساندين للنظام السوري. كما أدان المجلس -يوم الأربعاء الماضي- النظام السوري لقتله المدنيين في بلدة القصير.

ومن الآن وحتى عقد «جنيف- 2» سيسقط عشرات الآلاف من الضحايا السوريين، وستسيل دماءٌ كثيرة، وتتنامى ضغائن وأحقاد بين السوريين أنفسهم وبينهم وبين أشقائهم العرب! وسيفقد العرب مليارات الدولارات، وسيتباكون -فيما بعد- على حاكم لم يسمع النصيحة -كما فعل الذين قبله- وظل يعاند ويتضخم حتى يُقتل شرّ قتلة! ثم لمن يلجأ ذوو الضحايا؟ ومن سيعوضهم عمن فقدوه، عن تهمة ليس لها ذكر في القانون الجنائي وهي المطالبة بالحرية والكرامة!

صباح جنيف بارد ومُنعش، وصباح دمشق حار وكئيب، فهل يحدث توافق؟!

الاتحاد

جنيف – 2” يستعيد بيان جنيف المنسي

محمود الريماوي

الأخبار والتقارير عن مؤتمر جنيف “السوري” تطغى على كل أخبار وتقارير إقليمية ودولية . ما يحدث في سوريا يرتدي بالفعل أبعاداً إقليمية ودولية . المؤتمر العتيد من المزمع عقده في المدينة السويسرية أواسط يونيو/ حزيران الجاري من دون أن يكون ذلك مؤكداً بصفة نهائية . الأطراف المدعوة إلى الاجتماع تضم روسيا والصين إلى أمريكا وتركيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والجامعة العربية . روسيا تدعو إلى انضمام إيران إلى الاجتماع، من دون أن تلقى الدعوة قبولاً حتى تاريخه . في واقع الأمر أن الدول المدعوة هي المسماة مجموعة العمل من أجل سوريا التي اجتمعت قبل نحو عام في جنيف وخرجت بوثيقة أو بيان جنيف ولم تكن إيران بين هذه الدول . أما الطرفان المضافان إلى هذا المؤتمر فهما الحكومة والمعارضة السورية .

المؤتمر إذا قيض له الانعقاد خلال الشهر الجاري، فإن الآمال بنجاحه ضعيفة . يعود ذلك إلى تباعد مواقف الفرقاء، وغياب إرادة دولية أو توافق دولي لوضع حل سياسي . والأسوأ من ذلك هو غياب أي توجه يقضي بوقف الصراع المسلح، وحتى بوقف إطلاق النار . ومن الملاحظ أن وتيرة العنف اشتدت منذ اتفق وزيرا خارجية روسيا وأمريكا على عقد المؤتمر، وبذلك فإن النتيجة الأولى الملموسة لهذا المؤتمر وقبل أن يعقد هي رفع العنف إلى مستوى أكثر ضراوة .

بينما دعت وثيقة جنيف الصادرة في الثلاثين من يونيو/حزيران 2012 إلى وقف دائم للعنف المسلح، فإن هذه الدعوة لم تتم مواكبتها والسهر على ضرورة تنفيذها خلال الأشهر المنصرمة . ولم يتم توجيه ضغوط على الأطراف للتقيد بهذه الدعوة . يتكرر الأمر الآن وقبل ما يُفترض بأسبوعين على التئام مؤتمر “جنيف 2”، إذ يجري النظر إلى الصراع في سوريا وعلى سوريا، على أنه مجرد صراع قوى، وصراع سياسي مفتوح لا غير، مع إغفال ما تتعرض له سوريا من تدمير مطّرد وما يتعرض له السوريون من استنزاف مستدام . وقف إطلاق النار لا يتقدم في الأولويات الفعلية والمعلنة للأطراف الرئيسة، ويكاد لا يأتي أحد على ذكره، لهذا فإن المؤتمر لا يثير كبير اهتمام، فثمة نقاشات علنية متطايرة وشبه يومية بين الأفرقاء الإقليميين والدوليين، ولن يضيف وضع طاولة تضم المتناقشين الكثير إلى المشهد، باستثناء زيادة وتيرة الجدل والتصريحات .

أما الدخول في تفاصيل عملية الانتقال ومراحلها، و”العملية السياسية بقيادة سورية”، فقد يستغرق التداول فيها أسابيع لا أياماً، هذا علاوة على احتمال حدوث انسحابات .

يدرك المرء أن عقد مؤتمر كهذا يعكس حصيلة التوافق الدولي، وأنه لا بديل سياسياً عنه . ومن المهم الدفع نحو إنجاحه ولو بعض نجاح، حتى لا يسوء الوضع أكثر داخل سوريا وفي الإقليم . وإن جمع الحكومة السورية والمعارضة على طاولة واحدة، والانتقال إلى تنظيم أول حوار مباشر بينهما سيمثل بحد ذاته اختراقاً، كما تحدث الجمعة وزير خارجية العراق الذي ستحضر بلاده المؤتمر . لكن جدية هذه الارتسامات سوف تظل منوطة بإرادة اللاعبين الكبار: روسيا وأمريكا أولاً، ثم الصين والاتحاد الأوروبي ثانياً، وهم من يمثلون جميعاً نادي الكبار (مجلس الأمن)، فإلى غياب التوافق الدولي فإن ما أثخن الجرح السوري، هو غياب إرادة الحوار بين الفريقين الداخليين . وحتى كتابة هذه الأسطر فإن الائتلاف المعارض لم يكن قد أقر بعد مبدأ مشاركته، وإن كانت هذه المشاركة مرجّحة . ومع غياب إرادة الحوار التي اتسم بها هذا الصراع منذ بدايته في مارس/آذار 2011 ، فإن البديل الوحيد هو ممارسة ضغوط خارجية على المتنازعين لدفعهم أولاً إلى التواصل المباشر، ثم رسم أفق واضح للحوار، وهو ما تضمنته وثيقة جنيف، لكن ترتيب الأولويات وتحديد الجدول الزمني سيظل مدار جدل كبير .

الأنظار تتطلع الآن إلى الاجتماعات التمهيدية التي تعقد يوم الخامس من يونيو/حزيران وستحدد في الأغلب مصير المؤتمر . اقتصار هذه الاجتماعات على أمريكا وروسيا والأمم المتحدة يضفي طابعاً عملياً عليها . المساومات الخفية على أمور تتعدى الأزمة السورية ومنها نشر الصواريخ والدروع الصاروخية في أوروبا، وعدم التدخل في شؤون روسيا الداخلية، والحؤول دون نشوب حرب جديدة في الشرق الأوسط، هو ما سيحدد مصير هذه الاجتماعات . وسوف تتوافق بقية الأطراف على ما يتوافق عليه الكبيران، حتى لو احتفظت كل دولة من الدول التي ستشارك في المؤتمر بآرائها الخاصة . تصريحات الوزير الأمريكي جون كيري عن أهمية دور روسيا، وتأكيده مشاركة الائتلاف المعارض (رغم تصريحات معاكسة تصدر عن الائتلاف)، تشي بأن واشنطن عازمة بصورة ما على إنجاح المؤتمر بعد انسداد آفاق أية حلول أخرى . فيما تتفادى موسكو الحديث عن مضمون أي حل سياسي، وتكتفي بالتركيز على مبدأ الحل السياسي .

في هذه الأثناء، في هذه الأيام من بداية يونيو/حزيران تشتد محنة السوريين في الداخل والخارج . انتهاء محنتهم مرهون بإرادة دولية . الوقت لا يضغط على الآخرين إلا من زاوية معنوية، من زاوية صورة الأهلية السياسية لقادة كبار في إدارة الصراعات الإقليمية وإحلال التوافق عليها . المصالح الأمريكية والروسية لم تمس نتيجة الأزمة، ولا تأثرت الدولة الصهيونية، فلماذا الاستغراب؟

الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى