صفحات الحوار

فيصل خرتش: وظيفة الروائي النبش في المجتمع الفاسد

 

 

 

عماد الدين موسى

فاز الروائيّ السوريّ فيصل خرتش، مؤخراً، بجائزة الطيّب صالح (المركز الأوّل) عن روايته “أهل الهوى”. هذا الفوز كان بمثابة حافز له للعودة إلى الكتابة من جديد، بعد قراره تركها، كما يقول في حوارنا معه. خرتش، المقيم في مدينة حلب، سبق أن فاز بجائزة نجيب محفوظ، عام 2015، عن روايته “تراب الغرباء”، وقبلها جائزة رياض الريس، عام 1990.

صدر له، حتى الآن، عددٌ من الأعمال الروائيّة، من أبرزها: “موجز تاريخ الباشا الصغير” (1990) والتي مُنعت من التداول في سورية، “تراب الغرباء” (1994)، “أوراق الليل والياسمين” (1994)، “خان الزيتون” (1995)، “مقهى المجانين” (1995)، “حمّام النسوان” (2000)، “مقهى القصر” (2004)، “شمس الأصيل” (2008)، و”دوّار الموت بين حلب والرقة” (2017)؛ إضافةً إلى عدد من المجموعات القصصيّة، منها: “الأخبار” (1986)، و”شجرة النساء” (2002). ولعلّ ما يميّز تجربته، هو التهكّم والسخريّة من معطيات الواقع المرير وما يعيشه المجتمع السوري من فسادٍ سياسي واجتماعي، حيثُ عُرِفَ بأنه “صاحب الروايات الممنوعة”.

هنا حوار معه:

*في روايتك تكتب، تنقد، تحلل، تشرح، إنما بتهكّمٍ، وكذلك بضربات مطرقة، تنقر فوق رؤوس الفساد السياسي والاجتماعي، ألهذا السبب ربحت جائزة الطيب صالح هذا العام، ومن قبل جائزة نجيب محفوظ، وقبلها جائزة أخبار الأدب، ورياض الريس.

أعتقد أنّ الرواية بها كلّ هذه الأمور مجتمعة، وهي التي أهلتني لأربح الجائزة هذا العام، ولا ننسى أنه تقدّمت لنيل الجائزة روايات من /28/ دولة عربية وعالمية، وعدد الروايات المتقدمة هو /294/ رواية، هذه هي وظيفة الروائي أن ينبش في المجتمع الفاسد، ويحلّل الظروف التي أنتجت هذا الفساد، ونظراً لأن طبيعتي تحب التهكم، فقد كنت أضحك وأنا أكتب، حتى حين أنهي الفقرة، فأنا أندهش منها، كيف كتبت هذا… فأضحك، وأسخر إلى اليوم التالي، وربما حين أعدت القراءة، ألا يستحق هذا الكم الهائل من الفساد الاجتماعي، والسياسي، بعضاً من هذا التهكم.

الكتابةُ عملي اليوميّ

*ولكنك كنت تكتب رواية نقدية ضدّ أن نعيش أو أن نفكر بدناءة ؟

أنا لا أفكر كيف أكتب، وإنما أمسك بالقلم، وهذا عملي اليومي، وأبدأ الكتابة، ولكن الجو المحيط بي، في تلك الأيام ، مملوء بالدناءة، إذ جاز لنا أن نسميها هكذا، أعايش المجتمع فأرى أنه كالبرميل قد امتلأ، يا رجل هناك أقوام، تستيقظ صباحاً، وتبدأ العمل، إلى ما بعد غروب الشمس، وهم لا يحصلون على ما يسدّ أفواههم، وهناك، شرذمة تستيقظ في فترة بعد الظهر، وبالهاتف، تربح الملايين، بصفقات مشبوهة، إنهم لا يعملون يتركون غيرهم يعمل، وتصبّ في حساباتهم المصرفية، مبالغ هائلة، وهم قد نشؤوا من لا شيء، بربك، ماذا تقول لمثل هؤلاء، إننا نكتب عنهم، ونسخر منهم، هم يقولون، هذا رزق ساقه الله إلينا، وأنا أقول إنهم يسرقون المال العام، يسرقون جماهير الفقراء.

*خسة، انحطاط، وضاعة، أفعال تخترق عالمك الروائي، لماذا الآخر عندك ذو طبيعة عدوانية ولا أقول مؤامراتية؟

ولكنها محبّبة… إنني أسخر، وأتهكم منهم، وهم أصدقائي، على الورق، أسألهم إذا شئت، إنهم لا يزعلون مني، فطالما الموضوع على الورق، فاكتب ما تشاء، إنهم حتى يحبّون أفعالهم، وأرجوا أن تلاحظ هذا الشيء، ليسوا هكذا، لكنهم جبلوا على ذلك، وهم يعتبرون أنفسهم منحطين، وضيعين، لأنهم ضمن تكوينهم الذاتي، ولدوا هكذا، أنا لا أعرف الكتابة عن الحبّ، هذه مهنة غيري، إنني أكتب عن هؤلاء الذين شوهوا المجتمع، وداسوا على أنبل مقدساته، إنهم لا يعتبرون أننا بشر، فقط كم تقدم له من الخدمات، وكم يربح منك، هذا هو عالمي الروائي الذي يقدم هؤلاء على صفيح ساخن.

*ألا ترى أن الروائي يقوم باختراق الأقنعة، مثل من يضع قناع النبالة في وجهه بينما يتصرف بخسّة؟

هذا حقيقي، إنّ من أولى مهام الروائي أن يخترق الأقنعة، أن ينفذ منها إلى تلك الوجوه التي غالباً ما تبقى مستترة، وتظهر على غير حقيقتها، فإن من مهام الروائي إماطة اللثام الذي تتسر به، من أجل فضها وكشف زيفها ودجلها.

المشهد السوري

*في ظل ما يجري في سورية، وحالة النزوح الجماعية، هل من الممكن أن يؤدي ذلك إلى تشكيل ثقافتين سوريتين، واحدة في الداخل، وواحدة في المهجر ؟

ولكن الذي في المهجر سوف ينظر إلى سورية، على أنها وطن مفقود وهو يشعر دائماً بالحنين إليها، لقد فقد وطناً جميلاً، وهو يشعر أنه لن يراه بعد الآن، وفي ساعات استراحاته يحسّ أن شيئاً ينسل منه تجاه الوطن، بينما الذي في الداخل فهو يرى، ويلاحظ، ويسمع، إنه في قلب العاصفة، فهو عندما يكتب، يتألم، وينفعل، ذاك يعتمد في مشاهداته على التلفاز، بينما هذا يرى ويعيش، ولكن كلا الثقافتين سوف تخدم وتصب في المشهد السوري.

الواقع السوري بحاجة إلى مئات الروايات

*كيف تنظر إلى واقع الرواية في سورية، في الوقت الراهن ؟ وهل استطاعت الروايات الصادرة حتى الآن، أن تلمّ بما يحدث على الأرض السورية ؟

هي كثيرة، وقد استطاعت أن تلمّ بما يحدث هنا، ولكن سورية بحاجة إلى أعمال أكثر كي تفي هذه الحرب الهمجية حقها، نحن يا سيدي في بلادنا، بحاجة إلى مئات الروايات كي تصور ما يجري، ففي كلّ شارع وكلّ بيت، وكلّ مدينة، تستطيع أن تكتب عشرات الروايات، هنا عائلة قصفت، وهناك أطفال قتلوا، وهنا امرأة لا أدري هل تسميها استشهدت أم قتلت، وهي تحمي صغارها، مع عملية استرجاع لهذه العائلة أو تلك، وهذا القصف، تكون الرواية قد اكتملت.

*تكتب المقال الأدبي في الصحافة العربية، هل لرغبة في تدوين ما تقرأه أم هي عملية متممة للكتابة الإبداعية ؟ وإلى أي مدى يستفيد المبدع من الكتابة الصحافية؟

إنني أكتب في الصحافة لأنني بحاجة إلى عمل منتج وأنني بحاجة إلى ما يسدّ الكفاف، لاحظ أنّه في مصر يضعون الكتاب في مؤسسات صحافية، مديراً، أما عندنا فلا أحد ينتبه إلينا، وأنا بطبعي أحبّ العمل الصحافي فغالباً ما أستفيد من هذا، بقراءتي على أهم الأعمال الإبداعية، وعلى آخرها، وبذلك أحقق الأمرين معاً، المتعة والفائدة.

*ألا ترى معي أنّ الكتابة للصحف تستنزف طاقات المبدع؟

هذا صحيح، ولكن ماذا أفعل إذا كان أمامك خمسة أطفال وأمّهم، هل تنتظر إحساناً من أهل الخير ؟ أم تكافح وتعمل، إنني أستيقظ في الساعة الخامسة، وأستمع إلى الأخبار، وفي الساعة السابعة أبدأ الكتابة حتى الساعة الثامنة والنصف، أضف إلى ذلك فترة ما بعد الظهر، فإذا لم يكن لدي عمل روائي، ماذا أفعل، إني أقرأ، وأكتب، وأعلق وأكتب الرواية والقصة القصيرة، إنني كلّ هذا.

واقع الجوائز العربيّة

*كيف تنظر إلى واقع الجوائز العربية، هل قدمت ما يجب أن تقدمه أم لا تزال تراوح مكانها؟

لقد سئلت هذا السؤال في السودان، فقلت: إنني كنت قد قررت ترك الكتابة ولكن هذه الجائزة، ستحفزني على الكتابة من جديد، انظر لقد قامت شركة الاتصالات في السودان وهي تسمى “زين” بعمل رائع، أن جعلت من الطيب صالح اسماً لا ينسى، ففي كل عام يجتمع السودانيون، والعرب، والعالم، على جائزة تمولها هذه الشركة، فلو كانت كلّ شركة اتصالات تفعل مثلها لامتلأ العالم بالكتاب الروائيين والقاصين والنقاد الذين يحصلون على مثل هذه الجوائز.

ضفة ثالثة

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى