صفحات الرأي

تويتر»… «الباروميتر/ محمد برهومة

 

 

لعل من ظواهر الإعلام العربي الفريدة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ميداناً للمنازلات السياسية وتصفية الحسابات مع الخصوم، الأمر الذي يجعل هذه الوسائل تدخل عهداً جديداً بصفتها مدخلاً أساسياً لجس نبض العلاقات بين الدول دفئاً وبرودة وتوتراً وعداء. وعلى الذين لا يزالون ينظرون إلى هذه الوسائل كأداة تفتقر إلى الصدقية والجدية والعمق، أن يراجعوا آراءهم هذه في ظل الحركة الموّارة التي تحفل بها على وجه الخصوص وسائل التواصل الاجتماعي من «تويتر» إلى «يوتيوب» إلى «فايسبوك» في منطقة الخليج العربي، أو في القضايا التي تتحدث عن دور دول الخليج حيال قضايا المنطقة المختلفة، وفي القلب منها مسألة ما يسمى «الإسلام السياسي».

يتسم الرأي والسجال السياسي اللذان تفيض بهما وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية في منطقة الخليج على وجه الخصوص بارتفاع سقف الصراحة والمباشرة والجرأة وتسمية الأشياء بلا تحفظات من دون التفات إلى كثير من الحواجز والموانع والاعتبارات التي تلتزمها الصحافة الورقية والإعلام المرئي. وإذا كانت وسائل التواصل الاجتماعي في المنطقة العربية تحفل بلا شك بالإشاعات والهذر والركاكة اللغوية والضحالة الفكرية والشتائم والطائفية والعنصرية والذكورية، فإن هذا كله (على أهميته المؤكدة التي تتطلب مقاربات جدية للحد من سلبياتها وتقليص أخطارها) لا يخفي الحاجة الماسّة لمتابعة تلك الوسائل ورصدها بدقة وصبر للتعرف إلى الشأن السياسي والاقتصادي والاجتماعي في دولنا ومجتمعاتنا، والحديث عن أنّ حسابات الساسة والقادة والمسؤولين وكبار المشتغلين بالشأن العام على «تويتر» و «فايسبوك» و «إنستغرام» هو من باب «الموضة» ومجاراة الجديد والشائع والحداثي فقط هو حديث لا يُعتدّ به لدى القارئ المهتمّ والإعلامي الجادّ والسياسيّ المتابع الذي يدرك فارق التوقيت المهم بين الخبر والحدث في الإعلام الإلكتروني والورقي، لمصلحة الأول في الغالب، فضلاً عن هامش الحرية وغياب الرقابة بما لا يقاس لمصلحة الأول أيضاً، ناهيك عن أن الكلام عن الصدقية والجدية يشمل الإعلام الورقي بالتأكيد، فكم من صحيفة ورقية بين ظهرانينا تفتقر إليهما، و «الصحافة الصفراء» تشترك في المضمون ذاته الذي يقال اليوم عن وسائل التواصل الاجتماعي التي تحفل بالإسفاف والاغتيال المعنوي للأشخاص وتغصّ بالسفاهة والإباحية والترويج للعنف والتخلف.

قبل ثلاث سنوات كان من الصعب على المراقب والإعلامي إدراك حقيقة ما يجري في سورية مثلاً من دون الرجوع إلى وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، واليوم تصعب أيضاً قراءة واستشراف حاضر العلاقات ومستقبلها بين دولة قطر وكل من السعودية والإمارات والبحرين بالاكتفاء بمطالعة الصحف الورقية أو الإعلام المرئي، فثمة مساحات واسعة وتفاصيل مهمة وقصص وصور وفيديوات تقبع هناك: في وسائل التواصل الاجتماعي التي تدار «المعركة الإعلامية» عبرها، وهي تكاد تكون المؤشر الأدق والأكثر حقيقة وكشفاً عن واقع الخلاف الخليجي – الخليجي ومآلاته. وقد كانت تلك الوسائل الأداة الأنجع والأصدق والأسرع في اختبار «اتفاق الرياض» الذي عقد منتصف نيسان (أبريل) الماضي في القاعدة الجوية في الرياض.

وكما في الإعلامين الورقي والمرئي، صارت وسائل التواصل الاجتماعي تحفل بأسماء ونجوم، لا حظَ كبيراً لها في الإعلامين المذكورين، لكنّ المتابع والراصد يعرف أنها «باروميتر» أساسيّ لجس نبض العلاقات بين دول الخليج، ومن دون متابعتها باستمرار – وعلى الأخص على «تويتر» الذي يحظى بشعبية أكبر في منطقة الخليج من «فايسبوك» – فسيفقد ذاك المتابع والراصد جزءاً مهماً من سرعة التقاط الرسائل ودقة التحليل والوقوف على تفاصيل المشهد وخباياه وزواياه المختلفة.

* كاتب أردني

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى