صفحات الرأي

الاتحاد الأوروبي في وقت تـُمتحن “الاشتراكية – الديموقراطية”/ مارتن شولتز

 

 

معاداة المؤسسات الأوروبية تنفخ في الميول الشعبوية وتساهم في تقويض صدقية الاتحاد الأوروبي. وكثر من النواب الأوروبيين يلقون بلائمة مآل في بلادهم على بروكسيل، ولا يبحثون في اسباب تعثر الدولة – الأمة. وفي البرلمان الأوروبي ثلاث مجموعات: مَنْ يلتزم خطاباً اكاديمياً يدعو الى ترسيخ الاتحاد الأوروبي؛ ومَنْ خطابه سلبي وعنيف. وإلى المجموعتين هاتين، ثمة مجموعة رؤيتها السياسية الى الاتحاد الأوروبي، واقعية. ولكن ثمة هوة كبيرة بين ما يواجهه الناس يومياً وبين بعض العاملين في اجهزة بروكسيل المنقطعين عن احوال المواطنين. المشروع الأوروبي في خطر. فجيل (هلموت) كول – (فرانسوا) ميتران رأى ان قوة اوروبا تصب في مصلحة البلاد الأوروبية. ولكن لسان حال جيل أوربان (رئيس وزراء هنغاريا) هو «علينا الدفاع عن مصالح بلادنا في مواجهة اوروبا»، كما لو ان بروكسيل تشن هجمات علينا. وعلى مر السنوات، نقلت الدول – الأمم شطراً من صلاحياتها الى بروكسيل. ولكن الحكومات لم تفسر حقيقة ما جرى، وتزعم انها الفيصل في كل شيء. وحين العودة من بروكسيل، يتنصل السياسيون من قرارات شاركوا في اتخاذها كما لو أن قوة مجهولة أجبرتهم على هذه القرارات.

وهذا التنصل مميت. واليورو عملة مستقرة. ولكن ما يهددها هو التباين أو التفاوت الاقتصادي في منطقة اليورو. وعوض الكلام على سبل السعي الى إلغاء التفاوت والتباين، يدور الكلام على العودة عن اليورو وإلغائه. فالاتحاد المالي لا تقوم له قائمة من غير اتحاد سياسي، على قول هلموت كول. وتمس الحاجة الى تقويم مساؤئ مثل هذا الاتحاد السياسي وإيجابياته. فإما نعود الى العملة الوطنية، كما تدعو مارين لوبن (رئيسة «الجبهة الوطنية» اليميني المتطرف)، أو نسعى الى تشذيب شوائب الاتحاد المالي وسد الثغرات الناجمة عن غياب الاتحاد السياسي الذي يرسي اطاراً للاتحاد المالي. والعودة الى العملات الوطنية سيؤدي الى اضرار جانبية كبيرة.

وفي الإمكان معالجة مشكلات اليورو من طريق اتفاقات مبرمة، ولا حاجة الى تعديلات عليها. ولكن الحكومات تحول دون ذلك في البرلمان الأوروبي والمفوضية الأوروبية. فالاتحاد لا ناقة له ولا جمل اذا حجبت الحكومات عنه مصادر القوة. ويقال ان الاستياء كبير في شرق اوروبا من الاتحاد الأوروبي. ولكن لو لم تنضم بولندا ودول البلطيق اليه، لكان القلق عمّ القارة الأوروبية نتيجة السياسة الروسية. ونحن الألمان نفهم على وجه امثل من غيرنا مشكلات شرق اوروبا. فنحن خبرنا نظيرها في المقاطعات الجديدة. وليس في الإمكان نقل البنى الثقافية والاقتصادية والسياسة الغربية الى الشرق على ما هي عليه (من غير تعديل وتكييف). وليس رفض الدول هذه استقبال اللاجئين في محله، فهي صادقت على شرعة حقوق الإنسان الأساسية التي تعلي شأن كرامة الإنسان مهما كانت انتماءاته الدينية.

ويدعونا معارضون سياسيون في أنقرة الى عدم تجميد المفاوضات على عضوية بلادهم في الاتحاد، وعدم قطع الجسور معها. ومواصلة الحوار معها هي جل ما نملك لنساهم في تحسين الأمور هناك. وعلى رغم ان تركيا لم تعد ديموقراطية، المفاوضات على العضوية معها مسوغة. فالاتحاد يحتاج الى الشراكة معها، وهو خلف اثراً ايجابياً هناك. وتركيا دولة «أطلسية» على الحدود مع سورية والعراق وإيران. ونفوذ الاتحاد الأوروبي كيبر. ولا يساهم في تقويض دوره العمل مع لجان صغيرة أو مع رئيس المفوضية، بل يعززها. ونفوذ البرلمان الأوروبي تمليه بنى الاتفاقات الأوروبية. وتواجه الاشتراكية – الديموقراطية أخطاراً حيوية، في وقت عليها ان تجبه تحديات لم تعرف نظيرها من قبل. وصارت العدالة والديموقراطية موضع سؤال وطعن. وأركان الحركة الاشتراكية – الديموقراطية في خطر. فصاحب المقصف الصغير يسدد ضرائبه ولكن الشركة الأميركية في جواره لا تدفع شيئاً. لذا، الناس في موقع احتجاج، وتمس الحاجة الى تعديل العولمة وجعلها اكثر عدالة. ولا اعتقد بأن لمارين لوبن حظ في الفوز بالرئاسة الفرنسية، ولكن ليس في الأمكان استبعاد فوزها في وقت خالفت نتائج الانتخابات هذا العام التوقعات. ويجب الوقوف عند مخاوف الناس وتبديدها من طريق معالجتها وليس محاكاة شعارات الشعبويين.

* عن «سودوتشي تسايتونغ» الألمانية، 6/1/2017، إعداد منال نحاس

الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى