صفحات العالم

سوريا مطيّة روسيا لاستعادة الثنائية الدولية


ربى كبّارة

تستخدم روسيا الأزمة السورية لتأكيد عودتها قطباً عالمياً موازياً للولايات المتحدة والغرب، وليس فقط حفاظا على آخر موطئ قدم لها على البحر المتوسط، وهو الموقع الذي فقدته في نهاية الحرب الباردة مع الولايات المتحدة، وتتوقف استعادته على بقاء النظام الاسدي في خضم الصراع الدولي الدائر حاليا على سوريا.

وترى روسيا في حفاظها على حليفها بشار الاسد دليل قوة قبيل الانتخابات التي سيخوضها فلاديمير بوتين مطلع الشهر المقبل، وجدارا يحفظها من تداعيات وصول الاسلاميين الى الحكم خشية انعكاساته على القوقاز الذي يحتضن اغلبية مسلمة وهو غني بالنفط والغاز، كما على الجمهوريات المسلمة الدائرة في فلكها وكانت منضوية تحت لواء الاتحاد السوفياتي قبل انهياره.

فمنذ السبت الماضي صعّد الجيش النظامي وشبّيحته قصف المناطق التي يسيطر على اجزاء منها “الجيش السوري الحر”، سواء في حمص والمناطق التابعة لها أو ريف دمشق أو ادلب ومحيطها أو درعا وجوارها، وبلغ ذروة أعقبتها اقتحامات لبعض هذه المناطق امس الاربعاء. وفي ذلك دليل على أن الاسد رأى في تمسك موسكو بحق النقض وفي زيارة وزير خارجيتها سيرغي لافروف رخصة، لمحاولة بائسة وفاشلة بالتأكيد، لاستعادة سيطرته على المناطق التي خرج منها. وذلك تمهيدا للخوض من موقع القوة في حوار تعتزم موسكو تأمينه ويتوقف الوصول اليه على قدرة الاسد على الحسم العسكري ليجد طرفاً معارضاً يحاوره.

وبهدف استعادة موقع قطب دولي، في مواجهة أحادية الولايات المتحدة والغرب، لم تتورع موسكو عن السير عكس الزمن وفق مواقف لافروف خلال زيارته اول من امس دمشق، فيما ترتفع اعداد ضحايا الشعب السوري بشكل مجنون منذ استخدامها حق النقض في مجلس الامن الدولي لمنع إدانة النظام السوري.

ففي مقابل المبادرة العربية الثانية لحل الأزمة، ومحورها تخلّي الاسد عن صلاحياته للبدء بالحوار والتي أفشلت روسيا تأمين الدعم الدولي لها، ها هي موسكو تسعى إلى إحياء المبادرة العربية الاولى التي اعلنت في 2 تشرين الثاني الماضي ونصّت على وقف أعمال العنف من أية جهة كانت وعلى سحب النظام جيشه من الشوارع وفتح البلاد بحرية أمام الإعلام الاجنبي وإرسال بعثة مراقبين للتحقق من التطبيق.

كما تحاول موسكو استعادة مبادرة فاشلة قامت بها في حزيران الماضي لإجراء حوار على ارضها بين النظام والمعارضة بهدف قيام حكومة جديدة برئاسة معارض في ظل حكم الاسد. وهي المبادرة التي اصطدمت برفض اي فريق معارض الانخراط فيها رغم تشتت المعارضة واختلافات تجمعاتها.

وفي ضوء تلاشي الآمال بإمكان التوصّل الى حلّ تفاوضي مع النظام، بعد فشل التعريب والتدويل، لم يبق امام العالم سوى خطوات محددة لتأمين صمود الثوار ترتكز خصوصا على دعم “الجيش السوري الحر” وعلى توحّد المعارضة تمهيدا لاعتراف رسمي. اضافة الى مبادرة دولية جديدة تتخطى مجلس الامن عبر انشاء مجموعة اصدقاء الشعب السوري.

فتعزيز “الجيش السوري الحر” ، الذي أثبت قدرة على التصدّي رغم ضعف الإمكانات، يقلّل من احتمالات اندلاع حرب اهليّة، يسعى اليها النظام ، لما لها من تداعيات خطرة على دول الجوار، لأن دوره ينقل المعركة الى صراع بين جيشين. ويتطلّب ذلك تمويلا ومساعدات لوجستية واستخباراتية وتزويداً بالاسلحة والذخيرة لينجح في تحرير مناطق أساسية تستدعي حمايتها تدخلا خارجيا، مستبعدا حتى الان، عبر فرض حظر جوي مثلا لحماية المدنيين كما حدث مع البوسنة في أواخر التسعينات.

وقد اجبرت معاندة روسيا العرب والغرب على إعادة النظر في سبل حماية المدنيين. وهو ما تجلّى في طرد دول مجلس التعاون الخليجي سفراء دمشق واستدعاء سفرائها من العاصمة السورية قبل اجتماع وزراء خارجيتها السبت في الرياض حيث من المحتمل أن تصدر توصية باعتراف رسمي بالمعارضة تطرح الاحد على اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة. وسبق ذلك طرد تونس السفير السوري وتلاه قرار مجلس الشعب المصري تجميد علاقاته بالبرلمان السوري رداً على العنف المستخدم ضد المتظاهرين.

وقد تزامنت الخطوات العربية مع اقفال الولايات المتحدة سفارتها واستدعاء دول اوروبية منها بلجيكا وبريطانيا واسبانيا وفرنسا وايطاليا وهولندا سفراءها للتشاور، فيما يعكف الاتحاد الاوروبي على إعداد حزمة جديدة من العقوبات.

واكد رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان العمل على مبادرة جديدة مع الدول المعارضة لنظام دمشق بهدف دعم الشعب السوري. ويعني ذلك انشاء مجموعة اصدقاء سوريا، اسوة بتلك التي انشئت من اجل ليبيا قبل قرار التدخل العسكري، والتي سيكون لتركيا دور اساسي فيها، خصوصا وأنها الدولة التي أسهمت بشكل كبير في توفير ملاذ آمن للمنشقين العسكريين فضلا عن استضافتها اجتماعات “المجلس الوطني السوري”. كما ثمة فرصة للجوء الى الجمعية العمومية للامم المتحدة لإدانة الاسد بمبادرة دولية لا تملك روسيا فيها حق النقض.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى