صفحات العالم

الاسد في متاهته/ ساطع نور الدين

 كأنه كان يعلن افتتاح معركة رئاسة الجمهورية، ويطلق حملته الانتخابية محددا خطوطها العامة وشروطها الالزامية التي لا تنطبق على اي مرشح آخر.. غير زعيمي تنظيمي دولة الاسلام في العراق والشام وجبهة النصرة ابو عمر البغدادي او ابو محمد الجولاني. بدا واثقا من ان الشعب السوري سيحسن الاختيار وسيجدد له التفويض حتى العام 2021.

ما زال الرئيس بشار الاسد على حاله. الحرب مجرد عارض امني مؤقت، حدث هامشي، لم يدخل اي تغيير جوهري على بنية الدولة وطبيعة الاجتماع السوري، ولا يستدعي على الاقل تعديلا في شكل المعركة الانتخابية، ولا في مواعيدها.. بل تتطلب فقط امتناع الخارج عن التدخل في مجرياتها، واحجامه عن الثرثرة حول ضرورة عدم ترشح الرئيس وافساح المجال لآخرين من اجل التنافس على المقعد الوثير.

ما زال الرئيس الاسد في متاهته، يخوض حروبا دونكيشوتية مستمرة منذ الثمانينات او حتى من الخمسينات، حسب تعبيره، مع اعداء وخصوم لم يعد لهم وجود، غادروا ميادين القتال قبل ان يولد، وتحول بعضهم الى شركاء او حتى حلفاء، يراقبون بحسرة ما يجري في سوريا اليوم ويتوقعون الاسوأ منها وعلى حدودها، ويستغربون على الارجح كيف ان حافظ الاسد لم يمت بعد.

تعريفه لسوريا ما زال ينتمي الى اواسط القرن الماضي. عروبتها اقوى واعرق من اي عروبة اخرى. وطنيتها اشد تماسكا من وطنية جميع بلدان المشرق والمغرب العربيين. علمانيتها وفصلها التام بين الدين والدولة لا شك فيه ولا رجوع عنه. اما ديموقراطيتها فحدث ولا حرج، والمقارنة هنا لا تجوز حسب رأيه الا مع دول الخليج العربية. مصر مثال فقط في عسكرتها الحالية، وفي اسدالها الستار اخيرا على تجربة انور السادات الذي كان اول من اكتشف الاسلام السياسي واستخدمه..

لوهلة بدا ان الاسد يتحدث عن بلد آخر غير سوريا التي تغرق في دماء ابنائها، لا سيما عندما شدد على ان جماعة الاخوان المسلمين في سوريا هي العدو الاقوى والابرز واوحى بان الصراع معها مستمر الى الابد..مع ان احد اهم اكتشافات الازمة السورية الراهنة هو ان الجماعة أوهن بكثير مما كان يعتقد، وقد اعترفت بنفسها في ختام اجتماعاتها الاخيرة في اسطنبول الاسبوع الماضي بالتحديد بفشل ادائها خلال الازمة واجرت لهذا الغرض سلسلة من التغييرات المعلنة في بينتها القيادية وفي ادارتها الخارجية والداخلية، التي تكاد تضيع امام زحف داعش والنصرة وغيرهما من الالوية الاسلامية المقاتلة.

 لكن ذروة السوريالية كانت في اعلان الاسد المدوي عن ان سوريا تساهم اليوم في قيام توازن دولي جديد، محوره روسيا التي يخرج منها اليوم مقاتلون اسلاميون اكثر بكثير مما يخرج من العراق في اتجاه جبهات القتال السورية، وهدفه عزل اميركا .. من دون ان يسجل للادارة الاميركية الحالية انها  كانت ولا تزال على تحفظها ازاء خيار تغيير النظام في سوريا، وتعريض امن اسرائيل والاردن وتركيا والعراق لبنان لمخاطر اضافية. انه محور المقاومة العالمي الذي لا تزال بيروت ترقص على انغامه وتنظم حفلات الزجل اليومية لاجله، برغم ان الاميركيين والاسرائيليين ربحوا الحرب، ولا يمكن ان تكون هناك مقاومة بمفعول رجعي، ومن دون حليف فلسطيني!

 الاسد في شرنقة لا تخنق، فقط لان معارضيه وخصومه هم مثله تماما، يقاتلونه بافكار وادوات الثمانينات او حتى الخمسينات، وقد أعيتهم الحيلة حتى لجأوا الى مستندات الهجرة الاولى ونصوص التكفير الاصلية.. ولن يكون باستطاعتهم ان يقدموا مرشحا او اكثر لخوض معركة انتخابات الرئاسة في صيف العام 2014 امام رئيس واثق من قدرته على اعادة سوريا الى الجاهلية.

 فوجىء الزميل غسان بن جدو ببعض ما قاله الاسد في المقابلة مع محطة “الميادين”، وذهل الجمهور بكل ما قصده، وبكل ما سمعه الجولاني والبغدادي تحديدا.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى